26-يونيو-2020

انشقاقات في هيئة تحرير الشام (فيسبوك)

بعد شهور من التصعيد والتحريض والتجييش المُتبادل بين الطرفين، فتحت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا) مساء الثلاثاء 23 حزيران/ يونيو الجاري، نيرانها على التنظيمات الجهادية المتشدّدة التي انضوت في 12 من الشهر الجاري ضمن غرفة عمليات واحدة جاءت تحت مسمّى " فاثبتوا"، وحلّت محلّ غرفة "وحرّض المؤمنين" التي جمعت فصائل أنصار الدين، وأنصار الإسلام، وحرّاس الدين، وذلك في إشارة من قيادات هذه الفصائل إلى توسّعها، وتنامي قوّتها، وقدرتها على استقطاب الجهاديين في المنطقة.

بعد شهور من التصعيد والتحريض والتجييش المُتبادل بين الطرفين، فتحت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، نيرانها على التنظيمات الجهادية المتشدّدة

الأمر الذي استدعى العمل على تطويرها وتجديدها، لا سيما بعد خروج "أنصار التوحيد" (جند الأقصى سابقًا) منها مُقابل التقارب الذي حصل بين قياداتها وشخصيات جهادية انشقّت عن "هيئة تحرير الشام"، ودخلت في التشكيل الجديد، أي "تنسيقية الجهاد" بقيادة أبو العبد أشدّاء، و"لواء المقاتلين الأنصار" بقيادة أبو مالك التلّي.

اقرأ/ي أيضًا: مقاتلو تنظيم الدولة وعائلاتهم في سوريا.. تهديد وورقة ضغط

دخول هذين القيادين ضمن التشكيل الجديد، خصوصًا أبو مالك التلّي الذي سبق وأن أعلن استقالته من الهيئة قبل أن يعود عنها مقابل امتيازات مالية وإدارية حصل عليها بعد لقائه بأبو محمد الجولاني؛ يُوحي بأنّ غرفة "فاثبتوا" كيان يُراد له أن يكون جامعًا لكلّ التنظيمات والشخصيات الجهادية المنشقّة عن الهيئة، والرافضة لسياساتها التي تميل إلى التخلّي الكامل عن الأيديولوجيا السلفية الجهادية كخطوة من شأنها إثبات اعتدالها، الأمر الذي يعني في أفضل الأحوال فقدانها لشرعيتها بين الجهاديين الذين سيجدون في الغرفة الجديدة بديلًا عن الهيئة، الأمر الذي سيؤدّي إلى موجة انشقاقات جديدة تشقّ صفّها وتضعف قدراتها.

رأى الجولاني في تشكيل غرفة "فاثبتوا" تهديدًا لجماعته، ومُحاولة لزعزعة استقرارها، فردّ باعتقال كلّ من القيادي في "جبهة أنصار الدين" المنضوية في الغرفة سراج الدين مختاروف المعروف بـ أبو صلاح الأوزبكيّ، والقيادي السابق في الهيئة، أمير اللجنة العسكرية في الغرفة، أبو مالك التلّي، لتُسارع "أنصار الدين" إلى إصدار بيان بخصوص اعتقال الأوزبكي طلبت فيه "الاستجابة العاجلة لعقد لجنة شرعية مشتركة تنظر في دعواهم، وتقضي على جذور الفتنة المترتبة على الاحتكام للقوة والبطش بالمخالفين، لنجنب أنفسنا وإخواننا وأهلنا في المحرر تبعات البغي والعدوان ومعصية الله والرسول".

في المقابل، أصدرت غرفة "فاثبتوا" بيانًا ينطلق بلسان جميع فصائلها، طالبت فيه بالإفراج الفوريّ عن القياديين المعتقلين في سجون الهيئة، أي التلّي والأوزبكي، والتوافق "على قضاء مستقل، يفصل في ما يُثار من دعاوى مزعومة، بعيدًا عن التسييس وتصفية الحسابات وإلّا فليتحمّل من اعتدى وبغى نتائج الأمور في الدنيا والآخرة"، وذكرت الغرفة في بيانها هذا أنّها فوجئت منذ تشكيلها باستفزازات متكرّرة من قبل "تحرير الشام"، مؤكّدةً أنّ الغرض من تشكيلها هو "حشد الأمّة وكسر مؤامرات المحتلّين الهادفة إلى وأد الجهاد الشامي"، مشيرة إلى أنّها حريصة على توجيه "البندقية إلى الأعداء وتجنّب صراع المشاريع".

في ضوء هذه البيانات، أصدرت "لجنة المتابعة المركزية" في "هيئة تحرير الشام" بيانًا فسّرت فيه سبب اعتقال التلّي الذي سعى، بحسب البيان، إلى "إضعاف الصف وتمزيق الممزق" وهو ما لا تقبله الهيئة التي ترى في الانشقاقات "فتح باب شر وتوهين"، مؤكّدةً أنّه "منذ فترة طويلة يسعى للخروج من الجماعة لتشكيل فصيل خاص وقد ناقشناه واستوعبناه إلى الدرجة التي نستطيع، لأنّنا لا نريد له سلوك سبيل الفرقة، واستطعنا أن نبقيه بيننا مدّة ليست بالقصيرة، حتّى قرّر الخروج، فأرسلنا له محذّرين".

وكانت "تحرير الشام" قد أصدرت تعميمًا تسعى من خلاله إلى منع أعضاء الهيئة من جندٍ وقادة "مفارقة الجماعة قبل مراجعة لجنة المتابعة والإشراف العليا"، وفي حال حدوث المفارقة "يحظر على الأخ التارك تشكيل أي تجمّع أو فصيل مهما كانت الأسباب".

على الطرف الآخر، مقابل حرب البيانات هذه، كانت الاشتباكات قد بلغت ذروتها بين "تحرير الشام" من جهة وفصائل غرفة "فاثبتوا" من جهةٍ أخرى داخل مدينة إدلب وعلى أطرافها الغربية، بالإضافة إلى قرية عرب سعيد التي تحصّن فيها فصيل "حرّاس الدين" وفرضت عليها الهيئة حصارًا خانقًا، في الوقت الذي هاجمت فيه مجموعة تابعة للحرّاس حاجزًا أمنيًا للهيئة في قرية اليعقوبية شمال جسر الشغور، وأحكمت سيطرتها عليه، لترّد الهيئة بقصفه بالسلاح الثقيل وإرسال التعزيزات إلى المنطقة.

كثّف التحالف الدوليّ غاراته على حرّاس الدين منذ بدء الاشتباكات بين الفصيل المحسوب على القاعدة وهيئة تحرير الشام

بموازاة ذلك، كثّف التحالف الدوليّ غاراته على حرّاس الدين منذ بدء الاشتباكات بين الفصيل المحسوب على القاعدة وهيئة تحرير الشام، إذ نعى الحرّاس بشكلٍ رسمي قائده العسكريّ أبو القسّام الأردنيّ، وأعلن أنّ غارة جديدة للتحالف استهدفت مسؤول الآليات في الفصيل أبو عدنان الحمصيّ، مما يعزّز من فرضية وجود قنوات دولية تمرّر الهيئة عبرها المعلومات عن معارضيها المطلوبين في بقية التنظيمات والفصائل.