21-مارس-2020

مواجهة محتملة بين تركيا والتنظيمات الجهادية في إدلب (رويترز)

لأكثر من عامين، ظلّ ملف التنظيمات الجهادية المتشدّدة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، عاملًا مهمًّا في زعزعة العلاقات التركية الروسية، لا سيما وأنّ الملف وفّر لروسيا وميليشياتها ذريعةً برّرت عبرها حملاتها العسكرية على المنطقة، في الوقت الذي سعت فيه أنقرة وبجهدٍ دؤوبٍ إلى وقفها متعهّدةً عند كلّ اتّفاق جديد مع الروس، بإنهاء هذا الملف المؤجّل دائمًا.

لأكثر من عامين، ظلّ ملف التنظيمات الجهادية المتشدّدة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، عاملًا مهمًّا في زعزعة العلاقات التركية الروسية

في السادس من آذار/ مارس الجاري، توصّل الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، والتركيّ رجب طيب أردوغان، إلى اتّفاق جديد لوقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد، نصّت أبرز بنوده على تسيير دوريات تركية روسية مشتركة على الطريق الدولي حلب-اللاذقية المعروف اختصارًا بـ (M4)، والواقع في مناطق نفوذ الجماعات الجهادية والمُقاتلين الأجانب المنتشرين في القرى والبلدات المتاخمة للطريق.

اقرأ/ي أيضًا:  وقف إطلاق النار في إدلب.. تسوية أم فرصة لالتقاط الأنفاس؟

أعاد الاتّفاق التركيّ الروسيّ ملف الجهاديين والمقاتلين الأجانب إلى الواجهة مُجدّدًا، باعتبار أنّ أنقرة وبصفتها طرفًا أساسيًا في هذا الاتّفاق، تتعهّد ضمنيًا بمعالجة هذه الإشكالية الشائكة بالنسبة لها، دون أن يكون اللجوء إلى الخيار العسكري مستبعدًا، لا سيما وأنّ فشلها في معالجة هذا الملف، وتأمين طريق الـ (M4)، يعني بالضرورة إعطاء ذريعة جديدة لحملة روسية أخرى على المنطقة، تدفعُ بالجهاديين أنفسهم أكثر فأكثر، نحو حدودها.

منذ اللحظات الأولى للإعلان عنه، وصلت رسائل الاتّفاق الجديد واضحةً إلى التنظيمات والجماعات الجهادية، وعلى رأسها غرفة عمليات "وحرض المؤمنين" التي تضمّ جماعات "حرّاس الدين" و"أنصار التوحيد" و"أنصار الإسلام" و"جبهة أنصار الدين"، لتُسارع الغرفة وجماعاتها المحسوبة على القاعدة بالردّ عبر إصدار مرئيّ حمل عنوانًا شهيرًا في الأوساط الجهادية، وهو "هدم الأسوار"، أكّدت فيه رفضها للاتّفاق وعدم الالتزام ببنوده، مُخاطبةً الجماعات القريبة منها فكريًا بـ "لا تنادوا بالسلام، إنّما السلام كلام، إنّما السلام خداع، فاستفيقوا يا نيام".

التصعيد الذي بدأته التنظيمات الجهادية المتشدّدة عبر إصدارها المرئيّ الذي أشارت فيه إلى تركيا بالقول، إنّ "بعض الحكومات تتظاهر بأنّها صديقة ومساعدة لأهل سوريا، هي في الحقيقة لا تريد إلّا القضاء على الحركات الجهادية"؛ بلغ مرحلة أكثر جدّية بتسجيل أوّل حالة تمرّد جهادية ضدّ الوجود العسكريّ التركيّ في محافظة إدلب، حينما هاجمت مجموعة مجهولة رتلًا للقوّات التركية في بلدة محمبل على الطريق الدولي (M4) في الـ 19 من الشهر الجاري، موقعةً قتيلين في صفوف الجيش التركيّ، لتتوجّه أصابع الاتّهام سريعًا نحو تنظيم "حرّاس الدين" الفرع السوريّ لتنظيم القاعدة.

وإن بدا من غير الممكن التنبؤ بتبعات هذه الحادثة، إلّا أنّ ما هو مؤكّد أنّها ليست منفصلة عن تصعيد الجهاديين ضدّ الأتراك، وسلسلة المواقف الجهادية الرافضة للاتّفاق بين روسيا وتركيا، ومنها موقف أبو همّام الشامي، زعيم تنظيم "حرّاس الدين" الذي حذّر في كلمة مسجّلة عنونها بـ "يا أهل الشام الثبات الثبات" مما أسماه "هيمنة الداعمين على إرادة المجاهدين". والحال أنّه بنى مواقفه هذه مستندًا إلى مواقف القاعدة التي استبقت الاتّفاق التركيّ – الروسيّ بدعوة فرعها السوريّ والتنظيمات المتحالفة معه والقريبة منه، إلى رفض التفاهمات الدولية، ورصّ صفوفهم استعدادًا لشنّ حرب استنزاف طويلة الأمد ضدّ ميليشيات النظام وروسيا.

اقرأ/ي أيضًا: تركيا والاتحاد الأوروبي.. أزمة مستمرة

وفي ضوء هذا التصعيد، تذهب أغلبية التوقعات نحو اعتماد أنقرة على الفصائل المقرّبة منها للتعامل مع تهديدات الجماعات الجهادية، أو الاعتماد على "هيئة تحرير الشام" لضبط الجهاديين بالقتال أو التفاهمات، لا سيما وأنّ الهيئة كانت دائمًا طرفًا مستفيدًا من هذا الملف، بحكم علاقاتها الجيّدة بالجهاديين، لا سيما الأجانب منهم، أولئك الذين يعتبرونها طرفًا موثوقًا ومأمون الجانب في ظلّ العلاقات السيئة بينها وبين بقية الفصائل.

 ما كان قائمًا قبل الحملة العسكرية الروسية على المنطقة، تبدّل بعدها. فعلاقة الهيئة بالجهاديين ليست كما كانت عليه قبلً

ولكنّ ما كان قائمًا قبل الحملة العسكرية الروسية على المنطقة، تبدّل بعدها. فعلاقة الهيئة بالجهاديين ليست كما كانت عليه قبلًا، وذلك بفعل تحوّلاتها البراغماتية التي أفقدتها مصداقيتها في الأوساط الجهادية التي باتت تدرك أنّ "هيئة تحرير الشام" مستعدّة للتخلّي عن الحركات الجهادية مقابل رفع اسمها من لوائح الإرهاب العالمية، الأمر الذي يجعل من قدرتها على التحكّم بورقة الجهاديين والاستفادة منها، محدودة جدًا. بل إنّ الملف نفسه، بات يشكّل عبئًا على الهيئة التي تخشى احتمال تفكّكها في حال بدأت حملةً واسعةً ضدّ أصدقاء الأمس، لا سيما المقرّبين من القاعدة، كتنظيم "حرّاس الدين" الذي يهدّد شرعيتها عند المقاتلين الأجانب، ويقدّم نفسه كذلك بديلًا وحيدًا لها عند التيّار الجهادي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ملفات مشتركة ومصالح مختلفة.. هل تُنهي إدلب التعاون التركي – الروسي؟