31-أغسطس-2019

يبقى مقاتلو داعش الأجانب ورقة ضغط في يد الميليشيات الكردية (Getty)

ما زالت قضية مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم المحتجزين في سوريا عالقة دون حل، وفي الوقت الذي تكرر فيه الإدارة الأمريكية دعوتها للدول الأوروبية باستعادة "مواطنيها الجهاديين" المحتجزين في مخيمات أكبرها الهول الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تحاول هذه الدول التهرب من مسؤوليتها، ما قد يجعل القضية ورقة ضغط بيد قسد التي لوحت بها عقب إعلان واشنطن سحب قواتها من سوريا واستمرار التهديد التركي.

في مواجهة المخاوف الأمنية والرأي العام الغربي الذي يعارض بحزم إعادة الجهاديين الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديدات محتملة، لم تسترجع إلا القليل من الحكومات مواطنيها من مخيمات الاحتجاز في سوريا

ففي شباط/فبراير الماضي حذر مسؤول كردي كبير من أن قسد قد لا تتمكن من الاستمرار في احتجاز مقاتلي التنظيم إذا خرج الموقف الأمني عن السيطرة، في إشارة إلى نية تركيا شن عمل عسكري شرق الفرت وهو ما عادت أنقرة لتعلن عنه مجددًا.

اقرأ/ي أيضًا: الدليل المختصر لفهم إستراتيجية داعش الإعلامية

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن نهاية 2018 سحب الجزء الأكبر من القوات الأمريكية المنتشرة في شمال شرق سوريا وعددها حوالى ألفي عسكري. لكنه عدل موقفه لاحقًا ووافق على إبطاء الانسحاب على أن يبقى نحو مئتي جندي  مطالبًا بدعم من قوات التحالف الدولي.

وقبل فترة، طالبت الولايات المتحدة الدول الأوروبية بإعادة "جهادييها" المعتقلين لدى قسد، وقال المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا جيمس جيفري في مؤتمر صحافي "إن قوات سوريا الديموقراطية تعتقل أكثر من عشرة آلاف جهادي، بينهم ثمانية آلاف من العراق وسوريا وألفان من أكثر من 50 دولة". وإلى هؤلاء الجهاديين يُضاف نحو 70 ألف طفل وامرأة من عائلات الجهاديين، حسب ما نقلت وكالة فرانس برس.

وأضاف منسّق جهود مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية ناثان سيلز أن هؤلاء المقاتلين لم يتخلوا عن أيديولوجيتهم، وتابع قائلًا: "علينا جميعا واجب منعهم من العودة لساحة المعركة، الطريقة الانجع لذلك هي أن يعيد البلد الأصلي مواطنيه وأن يحاكمهم على الجرائم التي اقترفوها".

من سياتل إلى الرقة

في مواجهة المخاوف الأمنية والرأي العام الغربي الذي يعارض بحزم إعادة الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديدات محتملة، لم تسترجع إلا القليل من الحكومات مواطنيها من مخيمات الاحتجاز في سوريا. ومعظم الذين أُعيدوا كانوا من الأطفال، وأحيانًا ترافقهم أمهاتهم.

صحيفة نيوريوك تايمز الأمريكية روت قصة إحدى المنتمين لتنظيم الدولة الإسلامية، وتشير الصحيفة إلى أن سيدتين أمريكيتين وستة أطفال ينتمون إلى التنظيم أعيدوا إلى الولايات المتحدة من سوريا بناءً على طلب السلطات الأمريكية.

كان الأمريكيون الثمانية جزءًا من عائلة أمريكية كمبودية من منطقة سياتل كانت قد سافرت إلى سوريا للانضمام إلى (داعش)، وفقًا لما ذكره أحد المسؤولين الأمريكيين، الذي لم يُصرح له بالتحدث علنًا عن القضية في تموز/يونيو الماضي.

تضم المجموعة أربع شقيقات تم نقلهم إلى سوريا من قبل والديهم، وفقاً لكيمبرلي بولمان، وهي امرأة أمريكية كندية تم احتجازها مع العائلة في سوريا. قالت إن والدي الشقيقتين قُتلا هناك.

الأمريكيون الأربعة الآخرون هم أطفال صغار ولدوا لأختين أكبر سنًّا، بحسب السيدة بولمان، التي سافرت أيضًا إلى سوريا للانضمام إلى (داعش)، في مقابلة أجرتها الصحيفة في شباط/فبراير.

الآن، وسط أسئلة عاجلة حول ما يجب أن يحدث لأتباع التنظيم الذين تقطعت بهم السبل في المخيمات المكتظة والسجون في سوريا والعراق، فإن السلطات التي تديرهم ستفرج عن بعضهم للعودة إلى ديارهم أو لمحاكمتهم في العراق - وهي عملية بطيئة تترك الآلاف ممن تقطعت بهم السبل في ظروف بائسة دون أي حل لمصيرهم.

وتلفت الصحيفة أن النرويج وافقت مؤخرًا على استعادة خمسة أيتام كان والداهم من أتباع (داعش). وقبلت كازاخستان قبل شهرين إعادة أعداد كبيرة من أعضاء التنظيم من سوريا، 469 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال.

محكمة "نورنبيرغ" لأعضاء التنظيم

في حزيران/يونيو الماضي قالت ميشيل باشليه مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إنّ 55 ألفًا من المقاتلين السابقين في تنظيم الدولة، وبينهم أجانب وأسرهم محتجزون في العراق وسوريا، ينبغي أن تتوفر لهم محاكمة عادلة أو يتم إطلاق سراحهم.

وأضافت باشليه في افتتاح جلسة لمجلس حقوق الإنسان، أنه يتعين على الدول "تحمل مسؤولية مواطنيها" وألا تجعل أطفال المقاتلين الذين عانوا الكثير بالفعل عديمي الجنسية.

وتهدد الظروف السيئة في مخيم الهول الخاضع لسيطرة قسد حياة الأطفال، إذ قال  خورشيد حسن الذي يعمل ميسرا لدى اليونيسف في المخيم: "كان عليّ خلال الأسابيع الماضية نقل الأخبار المحزنة حول وفاة ستة أطفال عانوا من حالات مختلفة وخضعوا للعلاج في مستشفى الحسكة. كانت هذه من اللحظات الأكثر إيلامًا التي مررت بها، وسترافقني الغصّة حزنًا على هؤلاء الأمهات".

لكن رئيس فريق تحقيقات الأمم المتحدة حول جرائم تنظيم الدولة كريم خان دعا  إلى تشكيل محكمة دولية لمحاسبة أعضاء التنظيم، وذلك على غرار محكمة "نورنبيرغ" التي حاكمت مجرمي الحرب النازيين في ألمانيا، بحسب وكالة فرانس برس.

وقال خان إن التنظيم "لم يكن عصابة أو جماعة متمردة متنقلة، بل كان جانبًا غير معتاد" بالنسبة إلى العدالة الدولية، إذ لم تكن لديه أي "محرّمات". وتابع: "مَن كان يعتقد أنه سيرى في القرن الـ 21، عملية صلب، إحراق رجال أحياء في أقفاص، واستعباد جنسي، وإلقاء رجال من الأسطح وقطع رؤوس؟"، وكل ذلك تحت أعين الكاميرات.

ماهو مصير عرائس "داعش"؟

يقول سكان محليون من مدينة الرقة التي كانت عاصمة التنظيم لـ"ألترا صوت" إنهم يخشون من عودة النساء اللواتي انضممن للتنظيم المتطرف إلى المدينة، التي ما زالت تشهد عمليات تقجير بين الآونة والأخرى، ما يفتح الباب أمام سؤال حول مصير قد يشبه ما آلت إليه حال عائلات التنظيم في العراق اللواتي رفضت مجتمعاتهم عودتهن.

وكانت لما فقيه نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش، قد شددت على أن "اقتراح الحكومة العراقية بحبس عائلات أعضاء داعش لا ينتهك القانون الدولي فحسب، بل يتعارض مع هدف الحكومة المُعلن المُتمثل في تحقيق المصالحة بين السكان ما بعد داعش". وأشارت فقيه إلى أن "احتجاز العائلات غير المتهمة بارتكاب أي جرائم هو شكل من أشكال العقاب الجماعي الذي يغذي النقمة ويعلّق حياة الآلاف من الناس إلى ما لا نهاية".

وفي سوريا نقلت وكالة رويترز قصة إحدى الفتيات التي انتمت للتنظيم وحاولت الفرار بعد مقتل زوجها الأول، الذي كان يسيء معاملتها. لكنها سُجنت وأجبرت على الزواج من مقاتل آخر وعندما توفي، تمكنت أخيرًا من الهرب.

وتشير تقارير صحفية إلى أن بعض النساء ما زلن يناصرن بتعصب فكر التنظيم ويُقمن في مخيمات فررن إليها في شرق سوريا تخضع لسيطرة قسد، وهن يهددن حياة النساء اللواتي يوصفن بالمرتدات.

محكمة دولية في سوريا

يرى مراقبون أن إقامة محكمة دولية لأعضاء التنظيم في سوريا كما اقترحت الأمم المتحدة في وقت سابق، لن يكون سهلًا لأنه يتطلب تجهيزات لوجستية من حيث اختيار مقار للمحكمة وتحديد آليات عملها، وأيضًا إنشاء مراكز احتجاز وآلية تطبيق الأحكام التي ستقررها المحكمة.

وقد يتطلب ذلك إشراك نظام الأسد، الذي تقاطعه معظم الدول المشاركة في التحالف الدولي، أما العائق الأكبر فهو الاضطرار للاعتراف سياسيًا بالإدارة الذاتية الكردية. وهو ما تدركه الإدارة الذاتية التي تعتبر قضية الأسرى الأجانب ورقة تفاوض لكسب اعتراف سياسي بها، بعد محاربتها تنظيم الدولة الإسلامية.

ويضيف مراقبون أنه إذا كان الحل باستلام الأوروبيين لمواطنيهم الجهاديين، أو بإنشاء محكمة دولية خاصة بهم، فكلاهما يقودان هذه الدول بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية للاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية، ولو بشكل غير رسمي. وسيخلق ذلك أزمات مع حليفة واشنطن في الناتو تركيا، التي تحاول طرد قوات سوريا الديمقراطية من مناطق سيطرتها وتصنفها على قائمة الإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا: المؤشر العربي: كيف ينظر العرب إلى داعش؟

وتزداد المخاوف من استمرار احتجاز هؤلاء المقاتلين دون محاكمات، مما قد يكون سببًا في عودة التنظيم للنشاط، انطلاقًا من مراكز الاحتجاز الحالية ذاتها، خاصة وأن التنظيم رغم انكساره العسكري في سوريا والعراق، إلا أنه ما زال نشطًا في الصحراء العراقية وفي أرياف دير الزور والرقة.

في حزيران/يونيو الماضي قالت ميشيل باشليه مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إنّ 55 ألفًا من المقاتلين السابقين في تنظيم الدولة، وبينهم أجانب وأسرهم محتجزون في العراق وسوريا

وبحسب التقارير والتحقيقات الإعلامية فإن مراكز الاحتجاز الحالية أيضًا تتحول يومًا بعد آخر لأكاديميات تغذي الفكر المتطرف بين المحتجزين، خاصة المراهقين، وهذا مؤشر خطر محدق، قد يعيدنا لنقطة البداية التي انطلق منها أساسًا تنظيم الدولة، فقادة الصف الأول للتنظيم حين تأسيسه كانوا ممن تخرجوا من مراكز اعتقال سابقة.

ستبقى قضية الأسرى الأجانب قائمة ومؤرقة للدول الأوروبية، ومثيرة للتوتر في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ظل تأكيد الرئيس الأمريكي ترامب على حلها، ستضطر هذه الدول راضية أم مكرهة، للبحث عن الحلول الممكنة، لضمان عدم توتر العلاقة مع واشنطن وضمان عدم عودة "داعش" للانتعاش من جديد.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ليس داعش وحده داعش

قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل