13-ديسمبر-2020

تحذيرات من مجاعة تهدد حياة الملايين في اليمن (رويترز)

ارتفعت وتيرة الأعمال القتالية في اليمن بصورةٍ غير مسبوقة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث صعّدت أطراف الصراع المحلية والإقليمية من هجماتها على جبهاتٍ مختلفة شملت ست محافظات يمنية، جاءت في مقدمتها محافظة صعدة الحدودية مع المملكة العربية السعودية، وصاحبة النصيب الأكبر من المعارك المحتدمة بين جماعة الحوثي وقوات حكومة هادي اليمينة.

حذرت الأمم المتحدة أكثر من مرة من الأرقام المقلقة حول مستوى انعدام الغذاء في البلاد التي تشهد حربًا طاحنة منذ نحو ست سنوات

وفي الوقت الذي يشهد فيه الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية مواجهاتٍ عنيفة، جعلت من المنطقة الجبهة الأكثر اشتعالًا في خريطة الحرب اليمنية اليوم؛ تدور معارك أخرى مشابهة على جبهات مأرب والجوف وتعز وصولًا إلى إب والضالع، في الوقت الذي واصلت فيه قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية تنفيذ غاراتها على الجبهات السابقة، ولكن بشكلٍ متفاوت، فعلى العكس من الجبهات الحدودية التي تشهد أكثر من عشر غاراتٍ يوميًا، انحسر عدد الغارات في الجبهات الأخرى، لا سيما في جبهات مدينة مأرب التي تراجع فيها المعدل اليومي للضربات الجوية إلى غارتين، بعد أن كان يتجاوز الـ 15 غارة يوميًا.

اقرأ/ي أيضًا: التدمير السعودي-الإماراتي لليمن.. تحالف مع الإرهاب بدعاية الحرب ضده

وبحسب المعطيات الميدانية والسياسية، فإن السبب خلف التصعيد العسكري الأخير هو رغبة الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية بترتيب أوضاعها العسكرية من جهة، وإحداث تغييرات جديدة في خريطة النفوذ والسيطرة من جهةٍ أخرى، بهدف تحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب على الأرض وتثبيتها قبل دخول الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، مكتبه في البيت الأبيض خلال كانون الثاني/يناير المقبل، خصوصًا وأن المملكة العربية السعودية تنظر بعين الريبة والحذر إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، وتحاول قدر الإمكان استباق أي تغيير يطرأ على سياساتها في المنطقة، لا سيما تجاه إيران ومشروعها النووي.

وبموازاة الجهود العسكرية الرامية إلى إبعاد مقاتلي جماعة الحوثي عن الحدود الجنوبية للملكة، ووقف تقدمها في جبهات محافظة مأرب؛ تبذل السعودية جهدًا حقيقيًا هذه المرة لإنهاء الخلافات المستعصية القائمة بين الحكومة المدعومة من طرفها، والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه حليفتها الإمارات، في الوقت الذي تشهد فيه جبهات أبين ومدينة تعز مواجهاتٍ عسكرية دموية بين الطرفين، بلغت ذروتها قبل نحو أسبوع من الآن في جبهات الشيخ سالم والطرية بمحيط مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين.

التوترات العسكرية على الأرض بين معسكر السلطة الشرعية ومنافسيها، المجلس الانتقالي الجنوبي تحديدًا، تقابلها توتراتٍ أخرى مسرحها العاصمة السعودية التي تشهد منذ أيام مشاوراتٍ مكثفة لاستكمال الترتيبات المتعلقة بتنفيذ "اتفاق الرياض" الذي توصلت له الأطراف المتصارعة في تشرين الثاني/نوفمبر العام الفائت، إذ تحاول المملكة تطبيق بنوده وتفعيل مخرجاته، بعد أكثر من عامٍ على توقيعه، من خلال الضغط على كلا الطرفين لتنفيذ الإجراءات الأمنية والعسكرية المنصوص عليها، والبدء بتشكيل حكومة مناصفة يتقاسمها الانتقالي والسلطة الشرعية.

يختلف الطرفان على الأولويات في عملية تنفيذ مخرجات الاتفاق، إذ يصر المجلس الانتقالي الجنوبي على تحسين وضعه السياسي، وضمان مشاركته في الحكومة، شرط الحصول على حقائب سيادية، قبل الذهاب باتجاه تطبيق الإجراءات العسكرية التي قد تنعكس سلبًا على موقعه في المشهد، بينما يبدي الرئيس عبد ربه منصور هادي، على الطرف المقابل، رفضًا قاطعًا لمسألة حصول المجلس الانتقالي على حصته داخل الحكومة المرتقبة ما لم يسو وضعه العسكري أولًا، عبر دمج قواته ضمن قوات الحكومة الشرعية.

وتحاول المملكة العربية السعودية عبر هذه الجهود توحيد المكونات اليمنية الموالية لها، والتحالف الذي تقوده، تحت راية واحدة، بهدف تحسين ظروفها السياسية وموقعها التفاوضي استباقًا لأي حلول سياسية قد تطرحها الإدارة الأمريكية الجديدة، وتحسبًا لأي تحولاتٍ في موقفها وسياساتها تجاه المنطقة، بالإضافة إلى طي صفحة الخلافات، أو تأجيلها على الأقل، بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي بهدف التفرغ لإدارة أمور الجبهات، ووقف تقدم مقاتلي جماعة الحوثي نحو المناطق الحيوية في مدينة مأرب النفطية، والعمل على تأمين مناطقها الحدودية في اليمن، عبر إبعاد مقاتلي الجماعة عن المناطق المتاخمة لحدودها، بحيث لا تتغير خرائط النفوذ والسيطرة.

وعلى الطرف المقابل، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة دعمها للميليشيات الخارجة عن إطار السلطة ومؤسستها العسكرية، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يعرف بـ "الأحزمة" الأمنية والنُخب الشبوانية والحضرموتية، الأمر الذي يعكر صفو العلاقات بينها وبين السعودية، فالأخيرة تدعم حكومة هادي في مواجهة المجلس الانتقالي وداعميه، كما أنها لا تؤيد خطط إقامة دولة جنوبية، كما هو الحال بالنسبة للإمارات التي تدفع بميليشياتها نحو هذه الخطوة بهدف السيطرة على جنوب اليمن، ووضع يدها على موانئه ومرافقه الحيوية، بالإضافة إلى فرض سيطرتها الكاملة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية.

ويبدو أن المملكة العربية السعودية انتبهت متأخرًا إلى نشاطات الإمارات التي تتعارض مع مصالحها، فسارعت إلى إعادة تنظيم انتشار قواتها في المناطق التي تحاول أبوظبي الانفراد بها، خاصةً جزيرة سقطرى التي تشهد سباقًا محمومًا بين الطرفين للسيطرة عليها، حيث عززت الإمارات خلال هذا العام من تواجدها العسكري في مختلف مرافق الجزيرة، بينما اكتفت السعودية بتحويل مطارها ومينائها إلى قواعد عسكرية لقواتها، محاولةً الحفاظ على موضع قدمٍ لها في ظل التوغل الإماراتي.

وكانت الإمارات قد منعت مسؤولين يمنيين معارضين لأجندتها من العودة إلى سقطرى، كما منعت في الوقت نفسه العمال من أبناء المحافظات اليمنية الشمالية من دخولها دون الحصول على إقامات عمل، إذ اعتُبروا وافدين من دولةٍ أخرى، الأمر الذي اعتبره اليمنيون محاولة إماراتية لتغيير الخريطة الديمغرافية للجزيرة، بحيث تلغي ارتباطها باليمن بعد أن أصبحت خارج سلطة الحكومة الشرعية، وتجعل منها مستعمرة إماراتية يسيّر أمورها وكلاؤها في المجلس الانتقالي الجنوبي، الأمر الذي يعتبر نسفًا لمقومات اتفاق الرياض ومخرجاته التي تنص على إلغاء الإدارة الذاتية التي أعلنها الانتقالي في المحافظات الجنوبية، دون أي التزامٍ بهذه المخرجات من طرفه، لا سيما بعد الإجراءات الإدارية والأمنية الأخيرة التي تضمنت منع أبناء المحافظات الشمالية من دخول الجزيرة، بالإضافة إلى منع الصيادين من أبناء محافظة حضرموت من الاصطياد في مياهها.

لا تكرس الإجراءات الأخيرة الإدارة الذاتية في الجزيرة وبقية المحافظات الجنوبية فقط، وإنما تؤكد على انفصالها عن الأراضي اليمنية، وخروجها أيضًا عن سيطرة حكومة هادي، مما يجعل من تطبيق السعودية للاتفاق عصيًا في ظل الإجراءات الأخيرة المدعومة إماراتيًا، خصوصًا في ظل تمسك الرئيس عبد ربه منصور هادي بانسحاب ميليشيات الانتقالي من العاصمة المؤقتة عدن، ودمجها في المؤسسة العسكرية الرسمية، كشرطٍ للموافقة على مشاركته في الحكومة التي تسعى السعودية إلى الإعلان عن تشكيلها خلال الأيام القادمة.

تكشف التطورات السابقة طبيعة ما يُقبل عليه الشعب اليمني خلال العام القادم، ففي حال فشلت الجهود السعودية في إنهاء حالة الصدام بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، سيشهد اليمن خلال العام المقبل ارتفاعًا في نسبة المواجهات العسكرية بين الطرفين، يرافقها ارتفاع في وتيرة المنافسة بين الرياض وأبوظبي على السلطة والنفوذ في المحافظات الجنوبية لليمن، إذ إن فشل المملكة بإقناع وإجبار الانتقالي على الالتزام بمخرجات الاتفاق الذي وقِّع على أراضيها وبرعايتها، يعني فشلها في إقناع حليفتها الإمارات به، فالأخيرة صاحبة اليد العليا في المجلس، والمتحكمة بجميع قراراته، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على أداء قوات التحالف والمكونات اليمنية المنضوية ضمن معسكر الحكومة في جبهات القتال ضد جماعة الحوثي، على أن تظل احتمالية حدوث ما سبق ذكره مرتبطة بموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من القضية اليمنية.

على الطرف المقابل، توالت التحذيرات الأممية خلال الأشهر الثلاثة الماضية من تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن بشكلٍ غير مسبوق، وسط استمرار الأطراف المتنازعة في عرقلة تقديم المساعدات الإنسانية، وخفض المانحين لتمويل برامج الأمم المتحدة في اليمن، مما تسبب بإغلاق وتقليص 13 برنامجًا غذائيًا من أصل 38، وخفض الحصص الغذائية لأكثر من 8 ملايين شخص إلى النصف شمال اليمن، بالإضافة إلى إيقاف الخدمات الصحية في أكثر من 300 مرفق، وتعليقها مرافق أخرى، الأمر الذي يضع ملايين اليمنيين على شفا مجاعة قد تكون الأسوأ منذ عقود من جهة، وفي مواجهة أزمة صحية تغذي انتشار الأوبئة، الكوليرا وانفلونزا الخنازير وحمى الضنك وكوفيد – 19 وغيرها، من جهةٍ أخرى.

وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي، تسبب نقص التمويل بارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى 2,4 مليون طفل، بنسبة زيادة قدرت بنحو 20% في عدد الأطفال دون سن الخامسة، كما أن ما يقارب نصف عدد الأطفال ضمن هذه الفئة العمرية في البلاد سجلت أعلى مستويات سوء التغذية بين الأطفال حول العالم، مما يعني أن استمرار الحال على ما هو عليه، سيعرّض نسبة كبيرة من أطفال اليمن إلى الموت جوعًا.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت أكثر من مرة من الأرقام المقلقة حول مستوى انعدام الغذاء في البلاد التي تشهد حربًا طاحنة منذ نحو ست سنوات، في الوقت الذي أشار فيه بيان صادر عن برنامج الأغذية العالمي إلى أن عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية في انعدام الأمن الغذائي، سيرتفع من 3,6 مليون شخص، ليصل إلى 5 ملايين في النصف الأول من عام 2021، أما بالنسبة لعدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الكارثي، فمن المتوقع أن يتضاعف من 16,500، إلى 47 ألف شخص خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني/ يناير 2021 وحتى حزيران/ يونيو من العام نفسه.

تسبب نقص التمويل بارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى 2,4 مليون طفل، بنسبة زيادة قدرت بنحو 20% في عدد الأطفال دون سن الخامسة

أما بالنسبة إلى عدد الأشخاص غير الآمنين غذائيًا، فقد وصل إلى نحو 20,1 مليون شخص بدون المساعدات الغذائية، ونحو 15,9 مليون مع المساعدات الغذائية غير المستقرة بسبب نقص التمويل مقارنة بأعوام 2018-2019، حيث قدّرت الأمم المتحدة عدد المتأثرين بتقليص المساعدات الغذائية بملايين الأشخاص، الأمر الذي يزيد من احتمالات انزلاق اليمن في العام المقبل نحو المجاعة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بشهادات ضباطها.. تنظيم القاعدة ضمن مرتزقة الإمارات في اليمن