23-سبتمبر-2018

يتسبب التحالف السعودي الإماراتي بجر اليمن إلى الخراب (Getty)

تتكرر الخلاصات والاستنتاجات يومًا بعد آخر، أن الحرب على اليمن تعد المغامرة السعودية الأكثر فشلًا، والتي تسببت بواحدة من أكثر المجازر الدموية في القرن الحادي والعشرين، وبمجاعة تفوق كل المتوقع. على الجهة المقابلة، يستمر المال السعودي في جذب الدعم الأمريكي، وتستمر الصواريخ والقنابل المصنعة في الولايات المتحدة بقتل المدنيين والأطفال في صعدة وصنعاء ومدن يمنية أخرى، فيما تمنع التضييقات على الموانئ والحدود أية فرصة لوقف الفقر والجوع. وفي الوقت الذي تبنت فيه واشنطن والرياض وحلفاؤهما، مقولة الحرب على الإرهاب، لا يبدو أن شيئًا قد تغير، سوى أن هذه القوى نفسها قد تحالفت مع الإرهاب، وليست صفقة الإمارات مع القاعدة، التي كشفت عنها وكالة أسوشيتد برس الشهر الماضي، بعيدة عن هذا السياق. إنها ليست حربًا على الإرهاب إذًا، كما يوضح هذا التقرير المطول والمترجم عن صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، وإنما حرب لأجل الإرهاب، ومنه.


إنها حرب من الجحيم، تلك الحرب الوحشية التي تشنّها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب سبع دول أخرى من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في اليمن منذ آذار/مارس عام  2015، بدعم كامل من البنتاغون والأسلحة الأمريكية الوفيرة. وقد شهدت تلك الحرب الوحشية مختلف المآسي؛ من عشرات الأطفال القتلى، والحملات الجوية المتتابعة التي لا تكترث كثيرًا بالمدنيين، إلى المجاعة، وانتشار وباء الكوليرا. ولا عجب أنها تواجه انتقادات متزايدة في الكونغرس ومن جماعات حقوق الإنسان. لكن مع ذلك، منذ أن تبنى الرئيس دونالد ترامب (مثل سلفه باراك أوباما) الائتلاف الذي تقوده السعودية باعتباره فارس الولايات المتحدة الصالح الشارد في الشرق الأوسط، ازدادت ضراوة المعركة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، والذين بدورهم تورطّوا فيها باعتبارهم بيادق لإيران. وفي الوقت نفسه، واصلت القوات التابعة لتنظيم القاعدة هناك توسعها.

في الوقت الذي تبنت فيه واشنطن والرياض وحلفاؤهما، مقولة الحرب على الإرهاب، لا يبدو أن شيئًا تغير، سوى أن هذه القوى نفسها قد تحالفت مع الإرهاب

على مدار الأعوام الماضية، ضربت حملة جوية سعودية شعواء (يمولها الجيش الأمريكي بكل معنى الكلمة) أهدافًا مدنية لا حصر لها باستخدام القنابل والصواريخ الأمريكية الذكية، دون أي احتجاج أو تذمر من واشنطن. لم يُضطر البنتاغون إلى الإعراب عن استيائه سوى مؤخرًا، عقب إحدى المذابح المشينة التي تصدرت نشرات الأخبار، ودفعته للتحذير من مغبة هذه الأفعال. ففي السابع من شهر آب/أغسطس الماضي، أصابت غارة جوية حافلة مدرسية - بقنبلة موجهة بالليزر صنعتها شركة لوكهيد مارتن - في شمال اليمن، مما أسفر عن مقتل 51 شخصًا، 40 منهم من تلاميذ المدرسة. وأصيب تسعة وسبعون آخرون بجروح، من بينهم 56 طفلًا. وبعد ذلك بفترة وجيزة، أصدر فريق من الخبراء المعينين من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تقريرًا يسرد تفاصيل العديد من الهجمات الفظيعة الأخرى على المدنيين اليمنيين، بما في ذلك أشخاص كانوا يحضرون حفلات زفاف وجنازات، ولعل أسوأها مقتل 137 شخصًا وجرح 695 آخرين في جنازة بالعاصمة اليمنية صنعاء، في شهر نيسان/أبريل الماضي.

أدى الهجوم على هؤلاء التلاميذ بالإضافة إلى تقرير الأمم المتحدة إلى تفاقم موجة عالمية متنامية من الاحتجاجات ضد المذابح التي تحدث في اليمن. وردًا على ذلك، أشار وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في الـ 28 من شهر آب/أغسطس، إلى أن دعم إدارة ترامب لهذه الحملة العسكرية لا ينبغي اعتباره غير مشروط، وأن السعوديين وحلفاءهم يجب أن يقوموا بفعل "كل شيء ممكن إنسانيًا لتجنب أي خسائر في الأرواح البريئة". وبالنظر إلى أنهم لم يقتربوا من تحقيق مثل هذا المعيار  منذ بداية الحرب قبل نحو خمس سنوات، وإلى أن إدارة ترامب ليس لديها نية لتقليص دعمها للسعوديين أو دعم حربهم، فإن معيار ماتيس الجديد لا يبدو سوى مزحة قاسية - على حساب المدنيين اليمنيين.

اقرأ/ي أيضًا: آخر جرائم السعودية في اليمن.. تهجير قسري لأكثر من 121 ألف مدني من الحديدة

إحصاءات المعاناة

توثّق بعض الأرقام المرعبة ما عاناه اليمنيون. فقد قتلت الطائرات الحربية السعودية والإماراتية رسميًا -وهو ما يُعدّ أقل تقدير- 6475 مدنيًا وأصابت أكثر من 10 آلاف آخرين منذ 2015. شملت الأهداف التي تم ضربها مزارع ومنازل وأسواقًا ومستشفيات ومدارس ومساجد، بالإضافة إلى مواقع تاريخية قديمة في صنعاء. ولم تقع مثل تلك الحوادث لمرة واحدة، بل تكررت مرارًا.

وبحلول نيسان/أبريل 2018، كان التحالف الذي تقوده السعودية قد شنَّ 17243 غارة جوية في جميع أنحاء اليمن، وأصاب 386 مزرعة و212 مدرسة و183 سوقًا و44 مسجدًا. مثل هذه الإحصائيات تجعل المزاعم المتكررة للسعوديين وحلفائهم - بأن مثل هذه "الحوادث" ينبغي أن تُفسر على أنها أخطاء مفهومة، وأنهم يتخذون كل الاحتياطات الاحترازية المعقولة لحماية الأبرياء - أمرًا مضحكًا. وتشير الإحصاءات التي جمعها المشروع المستقل لحصر بيانات اليمن "Yemen Data Project" إلى أن ملوك السعودية والإمارات وحلفاءهما لا يبالون بمقتل المدنيين اليمنيين.

اتهمت المملكة العربية السعودية وشركاؤها، الحوثيين المتمردين الذين يخوضون ضدهم معركة مهلكة، بأنهم يهاجمون المدنيين اليمنيين أيضًا، وهو اتهامٌ صدّقت عليه هيومن رايتس ووتش. ومع ذلك، فإن مثل هذا النوع من الدفاع باستخدام الاتهامات المتبادلة بالكاد يبرر القصف المستمر بلا هوادة على المواقع غير العسكرية، من قبل تحالف يتمتع بتفوق ساحق في القوة العسكرية. وتتضاءل جرائم الحوثيين عند مقارنتها بجرائم التحالف.

وعندما يتعلق الأمر بإزهاق أرواح المدنيين وتدمير سبل عيشهم - فصدق أو لا تصدق - قد يكون هذا أقل ما يجري. خذ مثلًا الحصار البحري على سواحل اليمن الذي تفرضه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي قلّص عدد السفن التي ترسو في ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين من 129 خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى آب/أغسطس 2014، إلى 21 في نفس الأشهر من عام 2017. والنتيجة؛ دخول كميات أقل بكثير من الغذاء والدواء إلى البلاد، ما صنع كارثة لليمنيين.

لطالما اعتمدت تلك البلاد -وهي أفقر بلدان العالم العربي- على الواردات من أجل الحصول على نسبة مهولة من الغذاء والوقود والأدوية، بلغت 85%، لذلك أسفر ارتفاع الأسعار عن انتشار المجاعة، بينما قفزت نسب الجوع وسوء التغذية إلى عنان السماء. يعتمد الآن ما يقرب من 18 مليون يمني على المساعدات الغذائية الطارئة من أجل البقاء؛ وهي نسبة لا تصدق من مجموع عدد السكان، تصل إلى 80%. ووفقًا للبنك الدولي، فإن "8.4 مليونًا آخرين على حافة المجاعة". في كانون الأول/ديسمبر 2017 - عقب وابل من الدعاية السلبية - تم تخفيف الحصار السعودي الإماراتي بشكل طفيف، إلا أنه كان قد تسبب بالفعل في بدء دوامة من الموت.

ساهم الحصار أيضًا في انتشار وباء الكوليرا الذي تفاقم بسبب النقص في الأدوية. ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، بين نيسان/إبريل 2017 وتموز/يوليو 2018، كان هناك أكثر من 1.1 مليون حالة إصابة بالكوليرا في اليمن. ومات ما لا يقل عن 2310 شخصٍ جراء هذا المرض، معظمهم من الأطفال. فيما يُعتقد أنه أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ بدء جمع الإحصائيات الخاصة بهذا المرض عام 1949. وبعدد وصل إلى 800 ألف حالة بين عامي 2010  و2017، سجلت هايتي الرقم القياسي السابق، وهو رقم تجاوزه اليمنيون في غضون ستة أشهر من ظهور الحالات الأولى. وتُعدّ الأسباب الرئيسية التي تُسهم في انتشار هذا الوباء هي: مياه الشرب الملوثة بالقمامة المتعفنة (والتي لا يتم جمعها بسبب الحرب)، وأنظمة الصرف الصحي المدمرة، ومحطات تنقية المياه التي توقفت عن العمل بسبب نقص الوقود؛ كل ذلك نتيجةً لحملة القصف المروعة.

يجوّع الحصار الاقتصادي في أزمنة الحرب المدنيين والجنود على حد سواء، ويُمرضهم كذلك، ومن ثم يصل إلى حد اعتباره جريمة حرب. فيما يعدّ الزعم السعودي- الإماراتي بأن الهدف الوحيد من الحصار هو وقف تدفق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين محض هراء، ولا يمكن اعتباره عملًا مشروعًا للدفاع عن النفس، رغم أنه تم الشروع فيه بعد أن أطلق الحوثيون الصواريخ الباليستية على المطار في العاصمة السعودية ومقر إقامة الملك. (وهي الصواريخ التي تم اعتراضها بواسطة الدفاعات الجوية السعودية وكانت ردًا على الضربات الجوية للتحالف على الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون والتي أسفرت عن مقتل 136 مدنيًا). لكن وفقًا لمعايير القانون الدولي الإنساني أو حتى الحس السليم، لم يكن خنق واردات اليمن ردًّا متكافئًا، ولم يتطلب توقّع العواقب الكارثية اللاحقة استبصارًا أو ذكاءً خارقًا.

اقرأ/ي أيضًا: غراميات السعودية والقاعدة في اليمن.. حنين إلى مظلة بريجنسكي

رددت نيكي هالي، سفيرة الرئيس ترامب لدى الأمم المتحدة، التهم السعودية بأن صواريخ الحوثيين هي من نوع  قيام-1 (Qiam-1s) التي زوّدتها بها إيران، وأدانت تدخل ذلك البلد في اليمن. وبالنظر إلى حجم الدمار الذي قام به تحالف أجنبي باستخدام الأسلحة والمساعدة التقنية التي قدمتها الولايات المتحدة (وبريطانيا)، فإن تصريحاتها، في ظروف أقل قساوة، كانت ستكون مثيرة للضحك.

على مدار الأعوام الماضية، ضربت حملة جوية سعودية شعواء يمولها الجيش الأمريكي بكل معنى الكلمة، أهدافًا مدنية لا حصر لها باستخدام القنابل والصواريخ الأمريكية الذكية، دون أي احتجاج أو تذمر من واشنطن

وقد شملت تلك الأسلحة التي وفّرتها الولايات المتحدة الذخائر العنقودية، التي تشكل خطرًا على المدنيين، إذ أن إسقاطها من الجو غالبًا ما يسفر عن انتشار شظاياها على مساحات هائلة. (ومثل هذه القنابل محظورة بموجب معاهدة 2008 التي وقعتها 120 دولة لم تنضم إليها الرياض ولا واشنطن). وفي مايو/ أيار 2016، أكد البيت الأبيض في عهد أوباما أنه توقف عن إرسال مثل هذه الأسلحة إلى السعودية، والتي استمرت بعد ذلك في استخدام بدائلها برازيلية الصنع. ومع ذلك، استمرت الأسلحة الأمريكية الأخرى في التدفق إلى المملكة العربية السعودية، في حين تعتمد طائراتها الحربية على ناقلات سلاح الجو الأمريكي لإعادة التزود بالوقود في الجو (88 مليون رطل من الوقود حتى كانون الثاني/ يناير من هذا العام وفقًا للمتحدثة باسم القيادة المركزية)، كما تلقّى الجيش السعودي معلومات استخبارية منتظمة ونصائح متعلقة بالأهداف من البنتاغون منذ بدء الحرب. ومع ظهور دونالد ترامب، ازدادت هذه المشاركة العسكرية عمقًا، إذ تتواجد قوات العمليات الخاصة الأمريكية الآن على الحدود السعودية اليمنية، للمساعدة في العثور على معاقل الحوثيين ومهاجمتها.

في حزيران/ يونيو 2018، متجاهلًا معارضة الولايات المتحدة، زاد التحالف السعودي من حدة الخطر الذي يتعرض له المدنيون اليمنيون عبر إطلاقه هجوم "النصر الذهبي" للاستيلاء على ميناء الحديدة. (مما يشكك في الادعاء المعتاد للبنتاغون والذي يزعم من خلاله أن دعم الحرب يمنح الولايات المتحدة نفوذًا على كيفية شن التحالف الحرب، وبالتالي الحد من الإصابات بين المدنيين). دعمت القوات الجوية والبحرية السعودية والإماراتية القوات الإماراتية والسودانية على الأرض، والتي انضمت إليها الميليشيات اليمنية المتحالفة معها. بيد أن هذا التقدم قد توقف بسرعة في مواجهة مقاومة الحوثيين، وإن كان ذلك حدث فقط بعد أن فرّت 50 ألف عائلة على الأقل من الحديدة، وتعطلت الخدمات الأساسية لـ 350 ألف عائلة متبقية، مما خلق مخاوف من انتشار جديد للكوليرا.

جذور الحرب

بدأ انحدار اليمن نحو حالة الهلاك الحالية مع اجتياح عواصف الربيع العربي لمنطقة الشرق الأوسط في عام 2011، والتي تسببت في اقتلاع أو زعزعة الأنظمة من تونس إلى سوريا. تصاعدت مظاهرات الشوارع ضد علي عبد الله صالح، رجل اليمن القوي، ولم تزد زخمًا إلا عندما حاول قمعها. ردًا على ذلك، تحالف بقوة مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وهمَّش الحوثيين، الذين يقع معقلهم الرئيسي -محافظة صعدة- على الحدود السعودية. لعب الحوثيون، أتباع المذهب الزيدي الإسلامي دورًا محوريًا في خلق الحركة السياسية (أنصار الله) في عام 1992 للتأكيد على مصالح مجتمعهم ضد الأغلبية السنية في البلاد. وفي محاولة لتقويضها، قام السعوديون منذ فترة طويلة بالترويج لقادة دينيين سنيين راديكاليين في شمال اليمن، بينما كانوا يهاجمون المناطق الحوثية بشكل متقطع.

عندما بدأ التمرد الحوثي، حاول صالح أن يجعل نفسه حليفًا لا غنى عنه لواشنطن في حملات مكافحة الإرهاب ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول، ولا سيما ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو فرع محلي للقاعدة. إضافة إلى ذلك، انضم صالح إلى السعوديين في رسم صورة تظهر الحوثيين باعتبارهم أكثر من مجرد أدوات لإيران، التي كانت واشنطن والرياض تبغضانها. وعندما بدأت تلك القوى برؤية وجود المستبد اليمني كعائق سياسي، ساعدوا في الإطاحة به ونقل السلطة إلى نائبه، عبد ربه منصور هادي. فشلت مثل هذه التحركات في تهدئة الأوضاع، ومع بدء تفكك البلاد، أخفقت الجهود السعودية - الأمريكية في توطيد انتقال السلطة من صالح إلى هادي.

في هذه الأثناء، أغضبت هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية العديد من اليمنيين. ففي نظرهم، لم تنتهك الهجمات سيادة اليمن فحسب، بل تسببت في قتل المدنيين على فترات متقطعة. وزاد مدح هادي لحملة الطائرات بدون طيار من تدهور موقفه. استمرت قوة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في النمو، كما ارتفعت مشاعر الاستياء في جنوب اليمن، وبدأت العصابات وأباطرة الحرب في العمل دون عقاب في مدنها، مما سلط الضوء على عدم فعالية حكومة هادي. لم تؤد الإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية إلا إلى إثراء مجموعة من العائلات التي كانت تسيطر لفترة طويلة على الكثير من ثروة اليمن، في حين أن المحنة الاقتصادية لمعظم اليمنيين ساءت بشكل جذري. إذ بلغ معدل البطالة حوالي 14% في عام 2017 (وتجاوز 25% للشباب)، في حين ارتفع معدل الفقر بشكل حاد، وكذلك معدل التضخم.

لقد كان ذلك طريقًا لكارثة محققة، ومع اقتراح هادي خطة لإنشاء نظام فيدرالي لليمن، استشاط الحوثيون غضبًا. إذ كانت الحدود الجديدة، من بين أمور أخرى، ستفصل أرضهم عن  ساحل البحر الأحمر. لذا تخلوا عن حكومته، يائسين منها، واستعدوا للمعركة. وسرعان ما كانت قواتهم تتقدم نحو الجنوب. في أيلول/ سبتمبر 2014، استولوا على العاصمة صنعاء وأعلنوا حكومة وطنية جديدة. في آذار/ مارس التالي، احتلوا عدن في جنوب اليمن، وفر هادي، الذي كانت حكومته قد انتقلت إلى هناك، على الفور عبر الحدود إلى الرياض. تم إطلاق أول غارة جوية سعودية ضد صنعاء في آذار/ مارس  2015 وبدأ سقوط اليمن في الجحيم.

الدور الأمريكي

يدور النسق المعتاد للحرب في اليمن حول تحالف سعودي مدعوم من الولايات المتحدة ضد الحوثيين، الذين يمثلون عملاء إيران ويدلون كذلك على مدى تأثيرها المتزايد في الشرق الأوسط. لقد أصبحت محاربة الإرهاب ومواجهة إيران أساسًا لدعم واشنطن للحرب التي قادتها السعودية. وكما هو متوقع، فإنه ومع اكتساب هذه الصورة الكرتونية لحرب أهلية معقدة، شعبيةً في وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية وبين ساسة واشنطن (وكذلك، بالطبع، في البنتاغون والبيت الأبيض)، فقد نُحيت الحقائق غير المرغوب فيها جانبًا.

اقرأ/ي أيضًا: بشهادات ضباطها.. تنظيم القاعدة ضمن مرتزقة الإمارات في اليمن

بالرغم من ذلك، فإنه مع مرور كل تلك السنين وموت كل أولئك الأشخاص، فمن الواجب الالتفات إلى بعض هذه الحقائق. فهناك، على سبيل المثال اختلافات جمّة بين طائفة الشيعة الزيدية الذين ينتمي إليهم الحوثيون وطائفة الشيعة الاثنا عشرية المهيمنة في إيران، وكذلك بعض أوجه التشابه بين الزيدية والسنة، وهو ما  يجعل من المزاعم المنتشرة حول اتفاق ديني بين إيران والحوثيين، مجرد ادعاءات هشة. علاوة على ذلك، فإن إيران لم تتدخل في النزاع خلال الصدام العنيف في الفترة بين عامي 2004 و2010 بين صالح والحوثيين، ولم تشكل روابط طويلة المدى معهم. وأيضًا فإنه من غير المحتمل، وعلى عكس الرؤية السائدة في واشنطن، أن تكون إيران المصدر الرئيسي لسلاحهم وعتادهم. إذ إنّه بعد المسافة بالإضافة إلى الحصار البحري الذي فرضه التحالف السعودي جعلا من توفير إيران السلاح للحوثيين، بالحجم المزعوم، أقرب ما يكون للمستحيل. ثم إن نهب الحوثيين لعدة قواعد عسكرية خلال زحفهم على عدن، قد أغناهم بالسلاح. لا شك أن نفوذ إيران قد ازداد في اليمن منذ عام 2015، إلا أن اختزال تعقيدات الأزمة الداخلية للبلاد في التدخل الإيراني والتكتل الشيعي الذي تتزعمه طهران والممتد من سوريا إلى شبه الجزيرة العربية  يرقى في أحسن الأحوال إلى تبسيط مخل للأمور.

إن هوس ترامب ومستشاريه الرئيسيين بإيران (إذ إن عددًا كبيرًا منهم مصاب بالإيرانوفوبيا) بالإضافة إلى هوس ترامب بإشباع صانعي الأسلحة الأمريكيين وتسويق بضاعتهم يساعد على تفسير احتضانهم لآل سعود واستمرار دعمهم لهجومهم المستمر على اليمن. (ولا شك بأن علاقة جاريد كوشنر الوطيدة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كانت لها دورٌ أيضًا).  إلا أنه لا شيء من ذلك يفسر الدعم الأمريكي الكامل للتدخل الذي تقوده السعودية هناك إبان سنوات حكم أوباما. فحتى مع إدانة إدارته لمذبحة نظام بشار الأسد للمدنيين السوريين، بدا مسؤولوه غير متأثرين بالحرب التي كانت وبالًا على اليمنيين. في الواقع، عرضت إدارة أوباما أسلحة بقيمة 115 مليار دولار على الرياض، بما في ذلك صفقة بقيمة 1.15 مليار دولار عُقدت في آب/ أغسطس 2016، حين كانت الكارثة اليمنية قد بدت بوضوح للعيان.

في السنوات الأخيرة، كانت المعارضة للحرب تزداد في الكونغرس، حيث لعب السناتور بيرني ساندرز والنائب رو خانا أدوارًا بارزة في تحريكها. إلا أن تلك المعارضة البرلمانية لم يكن لها تأثير على سياسة أوباما تجاه الحرب، ومن غير المرجح كذلك أن تؤثر على ترامب. حيث أنها (أي المعارضة) تواجه معوقات هائلة. فلا زالت الرؤية الرائجة حول الحرب قوية ومنتشرة، في حين تستمر ممالك الخليج في شراء كميات هائلة من الأسلحة الأمريكية. ودعونا لا ننس اللوبي السعودي الإمارات غير محدود الإنفاق في واشنطن.

تدعم الولايات المتحدة، في اليمن، تدخلًا عسكريًا مروعًا، وهو تدخل من الصعب تبريره، إلا بمنطق شركة لتصنيع الأسلحة، عمليًا أو أخلاقيًا

هذا، إذًا هو السياق الذي قدم فيه البنتاغون تحذيره اللطيف حول حدود دعم الولايات المتحدة للقصف في اليمن، وهو كذلك السياق الذي قدم فيه، لاحقًا، وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، شهادته، التي طلبها الكونغرس، بأن السعوديين والإماراتيين يتخذون إجراءات نموذجية للحد من الخسائر المدنية، والتي ما كانت الولايات المتحدة لولاها لتستمر في دعمهم . (يُذكر أن جيمس ماتيس أيد بيان بومبيو ودعمه بالكامل). ومع اقتراب الذكرى الخامسة لهذه الحرب المروعة، تظل الأسلحة والمعونات اللوجستية الأمريكية ضرورية لاستمرارها. فلننظر إلى مبيعات السلاح الهائلة من ترامب إلى السعوديين، حتى لو لم تصل إلى 100 مليار دولار(كما يزعم ترامب)، ثم لنسأل أنفسنا:  لماذا سيَقلق ملوك السعودية والإمارات من قطع البيت الأبيض لهذه المبيعات المربحة أو إيقاف دعمه لحربهم في اليمن؟

يبقى شيء واحد واضح، ألا وهو أن سياسة الولايات المتحدة في اليمن لن تحقق أهدافها المعلنة، المتمثلة في القضاء على الإرهاب وتنحية إيران. ففي النهاية، بدأت أمريكا هجماتها بالطائرات بدون طيار هناك في عام 2002 في عهد جورج دبليو بوش. ثم  أصبحت الطائرات بدون طيار في عهد أوباما، كما هو الحال في باكستان وأفغانستان، سلاح واشنطن المفضل ضد الإرهاب. كان هناك 154 هجومًا بطائرات بدون طيار في اليمن خلال سنين أوباما، وذلك وفقًا لأكثر التقديرات موثوقيةً، وتراوحت خسائر المدنيين بين 83 و101 مدنيًا. وقد ارتفع هذا العدد سريعًا تحت حكم ترامب، من 21 عام 2016 إلى 131 عام 2017.

عزز الاعتماد على هجمات الطائرات بدون طيار من رواية القاعدة بأن الحرب الأمريكية على الإرهاب ترقى إلى حرب على المسلمين، الذين تعتبر أرواحهم غير مهمة. وبعد سنوات عديدة، في خضم الفوضى باليمن، لا نرى القاعدة تزداد إلا قوة ونفوذًا. وعلى الأرجح سيثبت التدخل الذي تقوده السعودية والمدعوم أمريكيًا، بأنه لا يحمل في طياته أسباب هزيمته فقط، بل أنه أيضًا يحقق بنفسه ما يتنبأ به. إذ يبدو أنه يعزز من التحالف بين إيران والحوثيين الذين، وإن كانوا قد طردوا من عدن، فإنهم لا زالوا يسيطرون على جزء ضخم من اليمن، وفي خطوة قد تجعل الحرب أشد فتكًا، فإنه يبدو أن الإماراتيين يتصرفون من تلقاء أنفسهم، داعمين الانفصال في جنوب اليمن.

وحتى على صعيد مكافكة الإرهاب، لا يحدث الكثير. في الواقع، قد تقود الغارات الجوية التي يقوم بها التحالف السعودي بالإضافة إلى الهجمات الأمريكية بطائرات بدون طيار، اليمنيين، الغاضبين من تهدم منازلهم وسبل معيشتهم وموت أحبائهم، نحو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. باختصار، وقد تحولت الحرب على الإرهاب إلى حرب للإرهاب ومن أجله.

تدعم الولايات المتحدة، في اليمن، تدخلًا عسكريًا مروعًا، وهو تدخل من الصعب تبريره، إلا بمنطق شركة لتصنيع الأسلحة، عمليًا أو أخلاقيًا. وللأسف، فالأصعب من ذلك هو أن يصل ترامب أو البنتاغون لهذه النتيجة ويغيروا تبعًا لذلك سياستهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرب الإمارات ضد الشرعية اليمنية

مؤامرة ابن زايد.. الإطاحة بالشرعية في اليمن ضمن مهمات التخريب