12-أكتوبر-2017

أعلن السيسي فرض حالة الطوارئ في البلاد من جديد (فايد الجزيري/ Getty)

لم تكد تهدأ فرحة المصريين واحتفالاتهم بتأهل منتخب بلادهم لكأس العالم 2018، حتى فاجأهم النظام المصري بقرار "قمعي" جديد صادر عن مجلس الوزراء، بإحالة عدد من القضايا والتهم لمحاكم أمن الدولة طوارئ.

في إطار  شرعنة القمع، أصدرت الحكومة المصرية قرارًا بإحالة قضايا التظاهر لمحاكم أمن الدولة ذات الأحكام النهائية غير القابلة للطعن

وصدر القرار في الجريدة الرسمية بتاريخ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أي قبل ثلاثة أيام من انتهاء المدة الثانية المسموحة لحالة الطوارئ في البلاد، طبقًا للدستور المصري ولقرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 2017، الخاص بإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر اعتبارًا من الساعة الواحدة من مساء يوم الإثنين الموافق العاشر من نيسان/أبريل 2017، ثم قرار رقم 289 لسنة 2017 بشأن مد حالة الطوارئ المعلنة لثلاثة شهور أخرى غير قابلة للتمديد طبقًا للدستور، لتنتهي بذلك حالة الطوارئ في البلاد في العاشر من تشرين الأول/ نيسان الجاري.

محاكم أمن الدولة تهدد عدالة المحاكمات

تعتبر محاكم أمن الدولة طوارئ، محاكم استثنائية مرتبطة في الأصل بحالة الطوارئ، وعليه فإن إصدار مثل هذا القرار في هذا التوقيت كان مؤشرًا واضحًا لنوايا النظام في التحايل على الدستور من أجل تمديد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. وحسب القرار الصادر، فإن محاكم أمن الدولة طوارئ ستنظر في القضايا المنصوص عليها بالقرار، والتي لم يتم إحالتها بعد إلى محاكم.

اقرأ/ي أيضًا: قانون الطوارئ وسياسة المنع والتكدير! 

ويسري ذلك القرار بأثر رجعي على تلك القضايا والتهم التي حدثت في الفترة من 10 نيسان/أبريل 2017 إلى 10 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وهي الفترة التي خضعت فيها البلاد لحالة الطوارئ. كما أنه يعطي الحق لرئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسي، في التصديق على الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة أو تخفيفها أو إلغائها، ما يضع سلطة تقرير مصير المتهمين في يد رئيس الجمهورية، ليتحكم بها حسب هواه الشخصي، إما بالعقاب أو العفو!

في حديث لـ"ألترا صوت" يُعلق المحامي الحقوقي أحمد عبدالنبي على القرار بقوله إن "التخوف الحقيقي من استغلال قوانين الطوارئ بشكل سيء في يد السلطة للتنكيل بالمعارضة، أو لإعادة فرض حالة الطوارئ دون أسباب تستدعي ذلك".

وأوضح عبدالنبي أن مشكلة محاكم أمن الدولة طوارئ أنها تحرم المتهمين من درجات التقاضي والطعن على الأحكام الصادرة، رغم أنّه "حق رئيسي للمتهم، لضمانة عدالة المحاكمات"، كما قال. 

وعليه فإنّ عرض القضايا على محاكم أمن الدولة، التي تكون أحكامها نهائية، "يُهدد سير العدالة، وينزع حقوق الدفاع عن المتهمين"، يقول عبدالنبي، مُضيفًا: "في ظل هذه المحاكم ليس للمتهم إلا التظلم على الحكم الصادر بحقه، وبما أن محاكم أمن الدولة لا تعتد بمبدأ عدم إضرار الطاعن بطعنه، فمن الممكن أن يصدر حكم أكثر قسوة على المتهم بعد أن يتقدم بتظلمه"!

وطبقًا للقرار الصادر فإن محاكم أمن الدولة تختص بالنظر في القضايا المتعلقة بتهم "تعطيل المواصلات والترويع والتخويف والبلطجة، وتخريب المنشآت، وحمل الأسلحة والذخيرة" إضافة إلى التهم المتعلقة بـ"جرائم التموين والتسعير الإجباري وتحديد الأرباح"، وأخيرًا "الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، والجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية"، وهنا تحديدًا مربط الفرس، ليتضح أن القرار وُضع خصيصًا لقضايا التظاهر، في سياق شرعنة مزيدٍ من القمع.

"قرار غير دستوري"

قوبل القرار برفض واستهجان في الأوساط الحقوقية، فأصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بيانًا قالت فيه إن القرار "التفافٌ على القانون، ويبرهن على استمرار معاداة السلطات الحالية للدستور والحريات"، مُعتبرة أن إصدار الحكومة للقرار "يؤكد عدم قدرة السلطة الحالية على إدارة شؤون البلاد بمعزل عن القوانين القمعية غير الدستورية". 

وصف محامٍ مصري قرار عرض بعض القضايا على محاكم أمن الدولة بـ"غير الدستوري"، وأنه يمثل "إطلاقًا ليد الدولة لتفعل ما تشاء"

وفي مداخلة هاتفية لبرنامج "بتوقيت مصر" على قناة العربي، صرح المحامي ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة، في مداخلة هاتفية لبرنامج "بتوقيت مصر" بأن "القرار بالغ الخطورة على الحقوق والحريات، ويمثل انتكاسة وعودة إلى الماضي لما تمثله محاكم أمن الدولة من خطورة على حقوق المتهمين وضمانات المحاكمة العادلة"، وذلك بسبب كون أحكام هذه المحاكم نهائية ولا يمكن الطعن عليها.

اقرأ/ي أيضًا: بعد مسلسل من الانتهاكات.. السيسي يسعى لتعديل دستور "النوايا الحسنة"

 

واعتبر أمين أن مثل هذا القرار بمثابة إطلاق ليد الدولة "لتفعل ما تشاء"، مستنكرًا مزاعم صدوره لمحاربة الإرهاب، بقوله إن "مزاعم محاربة الإرهاب يجب أن تُصان بحماية حقوق الإنسان وحقوق المواطنين"، واصفًا القرار بغير الدستوري ويمكن الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية.

تحايل على الدستور

تشهد سيناء حالة طوارئ مفروضة ومستمرة منذ ثلاث سنوات، يعتبر مفهومًا بدرجة ما لوجود تنظيمات إرهابية على أراضيها، مع استمرار استهداف تشكيلات الجيش والشرطة.

وفي كافة أنحاء البلاد، فُرضت حالة الطوارئ لمدة ثلاثة اشهر منذ العاشر من نيسان/ أبريل 2017 بعد حادث تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية، وتم تمديد حالة الطوارئ مرة أخرى طبقًا للدستور لتنتهي في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ووفقًا لنص الدستور في مادته رقم 154، فإنه لا يحق لرئيس الجمهورية تمديد حالة الطوارئ بأي حال من الأحوال، إلا لثلاثة أشهر أُخرى، بعد موافقة ثلثي مجلس الشعب. 

وفي ظل الأجواء الحالية لا يبدو أنه من الضروري أصلًا فرض حالة الطوارئ مرة اُخرى، إلا لو كان الغرض منها تكريس القمع والتضييق على المعارضة والحقوقيين، وهو ما يُرجح.

وتمثل التفافة النظام على الدستور وتحايله على نصوص، من ثغرة أن الدستور لم يمنع فرض حالة الطوارئ من جديد بعد انتهاء مدتيها الأولى والثانية، فإذا لم يكن في وسع النظام تمديد حالة الطوارئ لمدة ثالثة، فإنه بوسعه إعلانه من جديد، لكن بعد مرور البلاد بفترة من الأوضاع العادية، أي بدون حالة طوارئ، لكن لم تُحدد هذه الفترة، والتي قد تكون مجرد ساعات.

إعلان فرض حالة الطوارئ ابتداءً من الجمعة 13 تشرين الأول/أكتوبر 2017، يُعد التفافًا وتحايلًا صريحًا على الدستور

وهذا ما حدث بالفعل، ففي اليوم الذي انتهت فيه حالة الطوارئ في مصر، العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أعلن السيسي فرض حالة الطوارئ من جديد في جميع أنحاء البلاد اعتبارًا من الساعة الواحدة من صباح غدٍ الجمعة 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ونشر القرار بالجريدة الرسمية في عددها رقم 40 مكرر، الصادر يوم الثلاثاء الماضي، ليمهل البلاد أيامًا قليلة من الأوضاع العادية، في تحايل واضح على الدستور من هذه الثغرة التي من خلالها قد تعرف مصر طوارئ الـ30 عامًا كما كان الحال في عهد مبارك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحلة السيسي للبحث عن جهاز أمني من أبنائه

السيسي كمسجّل خطر