10-أبريل-2017

من مشاهد تفجير كنيسة الإسكندرية في أحد الشعانين (فريد قطب/ الأناضول)

فُجع العالم أمس الأحد بانفجارين مدويين استهدفا كنيستين بمدينتي طنطا والإسكندرية، خلال احتفال المسيحيين بأحد الشعانين. ووفقًا لما أعلنته وزارة الصحة والسكان المصرية حتى مساء أمس، فإن 46 شخصًا قتلوا، وأصيب 118 آخرون في الانفجارين؛ بواقع 27 قتيلًا و78 مصابًا في انفجار طنطا، فيما أوقع انفجار الإسكندرية 11 قتيلًا و40 مصابًا.

وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًّا بـ"داعش"، والذي ينشط معه مسلحون موالون له في محافظة شمال سيناء تحت اسم "ولاية سيناء"مسؤوليته عن الهجومين.

قتل 46 شخصًا وأصيب 118 آخرين في تفجيرات مصر، بواقع 27 قتيلًا و78 مصابًا في انفجار طنطا، و11 قتيلًا و40 مصابًا في الإسكندرية

انفجار طنطا وقع داخل كنيسة مارِجرجس صباح الأحد، عبر عبوة وُضعت داخل الكنيسة، بينما وقع انفجار الإسكندرية بكنيسة مارِمرقس ظهرًا في وقت كان فيه البابا تواضروس، بابا الإسكندرية، قد غادر الكنيسة قبل لحظات قليلة. وقالت الجهات الأمنية في مصر، ونقلتها عنها جميع وسائل الإعلام، إن انفجار الإسكندرية وقع عبر تفجير انتحاري.

كما تداولت وسائل الإعلام مقطع فيديو قالت الجهات الأمنية المصرية إنه يُظهر الانتحاري الذي نفّذ العملية، ويُظهر الفيديو شخصًا حاول دخول الكنيسة من مدخل آخر غير المدخل الأمني والباب الإلكتروني، لكنه أُرجِعَ للباب الإلكتروني؛ وعند مروره بالباب أصدر الجهاز صفيرًا، فعاد الرجل للوراء ثم فجر نفسه خارج الكنيسة.

وحول هذه الرواية وهذا الفيديو لنا وقفتان:

الأولى: عند مشاهدة الفيديو بتركيز تكتشف أن الزاوية التي حدث فيها الانفجار لا تتفق مع كون هذا الشخص هو الانتحاري منفذ العملية؛ إذ لو كان هو منفذ الانفجار لكان من المنطقي أن تكون بداية الانفجار من عنده وفق المكان الذي كان يقف فيه أي وسط الصورة، لكن ما حدث هو أن بدايات الانفجار جاءت من أسفل الصورة (المحاط بالدائرة الحمراء)، والنار أتت من أسفل الصورة على يسار المشاهد، ثم وصل الأمر للوسط حيث يقف الرجل، وهو ما قد يُشكك في كونه الفاعل.

اللحظة الأولى لوقوع انفجار كنيسة الإسكندرية

الثانية: من المنطقي أن هذا الشخص لو كان هو الانتحاري وفجر نفسه فإنه أول من يتحول إلى أشلاء؛ بينما الواقع أن الانفجار قد وقع وهو ما زال يقف مكانه أمام البوابة، والصورتان المرفقتان تثبتان ذلك؛ فالصورة الأولى يظهر فيها قبيل الانفجار بلحظات والرجل يقف سليمًا بوضوح أمام البوابة، والصورة الثانية تُظهر "ضباب" اللحظة الأولى للانفجار والهالة التي أحدثها تغطيان الشاشة ولا يزال الرجل يقف مكانه سليمًا.

الانتشار الأول لضباب بدايات الانفجار

لسنا هنا لإنكار أن الحادث ربما يكون قد حدث بالفعل عبر انتحاريٍّ فجر نفسه في الكنيسة، لكن ما نتحدث عنه هو أن من قيل إنه الفاعل يبدو أنّه ليس هو الفاعل حقًا. 

وهنا يبرز سؤالان: لماذا نُسب التفجير لهذا الشخص؟ ولماذا أُعلن عنه بهذه السرعة؟

لا أملك بالقطع الإجابة عن السؤالين؛ بيد أنني أملك تحليل الأمر بالإشارة إلى عدة أمور قد تكون هي أسباب ذلك:

أول هذه الأسباب هو إثبات الجهات الأمنية أن الأمور تحت السيطرة، وأنّه لا شيء قد خرج من أيديها؛ فما إن حدث الأمر حتى تم تحديد الجاني، وبالتالي تكون الخطوة التالية معرفة هويته، ثم إلقاء القبض على جميع من عاونه.

العقلية الأمنية المصرية متخففة من دورها في مكافحة الجريمة قبل وقوعها

ثاني الأسباب مرتبط بعقلية الأمن المصري المتخففة من دورها في مكافحة الجريمة قبل وقوعها، وكأن الإعلان عن الفاعل بهذه السرعة حتى لو لم يكن هو الفاعل يجعلها غير مسؤولة عن وقوعه، وأنها لم تقصر في عملها، بدليل قدرتها على تحديد الفاعل بهذه السرعة الخارقة، وكل ذلك ليغض الناس الطرف عن التساؤل: أين أنتم؟ وأين كنتم؟ لقد أعلن "داعش" منذ أكثر من شهر عن نيته استهداف المسيحيين في أعيادهم؛ فكيف مرّ هذا الإعلان دون تأمين الكنائس؟

اقرأ/ي أيضًا: بعد إرهاب داعش.. أقباط "العريش" يتركون مدينتهم

ثالث الأسباب ربما يكون في ضعف مستوى جهاز الأمن، وعدم أهلية قياداته؛ ويؤيد هذا عزل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمدير أمن الغربية وإعلانه عن قيام الجيش بمشاركة الشرطة في تأمين الكنائس، في إشارة واضحة منه على ضعف قدرات جهاز الأمن وعجزه عن القيام بدوره. وهذه المشاركة من الجيش لا تعني إهمال الشرطة فقط؛ إذ لو كان الإهمال هو السبب لكان تغيير الأفراد المهملين ووضع أفراد على قدر المسؤولية كفيلًا بحل المشكلة؛ لكن لاقتناعه بضعف قدرات الجهاز الإمني فإنه طالب الجيش بالتدخل.

أما من اتُّهم بأنه الانتحاري، فلا أحد يعلم يقينًا من كان؛ فربما مواطن مسيحيٌّ ذهب للكنيسة للاحتفال بأحد الشعانين، وساقته الأقدار ليظهر في هذا الفيديو بهذا الشكل ليقع عليه الاتهام، ولا أحد يعلم ما سيكون مصيره لو أنه ما زال حيًّا؟           

ولا ندري فربما تبرز الأيام القادمة أسبابًا أخرى لسرعة الإعلان عن الانتحاري مفجِّر كنيسة الإسكندرية، لكن ما غدا واضحًا بعض الشيء هو أن الفاعل المفترض لتفجير الكتدرائية المرقسية قد لا يكون هو الفاعل حقًا. ويبقى السؤال: من الفاعل إذن؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ما الذي يعنيه إعلان حالة الطوارئ "الآن" في مصر؟

مصر.. استهداف أكبر كنيسة مصرية بتفجير إرهابي