11-أبريل-2017

خلال مراسم جنازة ضحايا تفجير الكنيستين (Getty)

إن تحدثنا عن واقعة تفجير الكنيستين في طنطا والإسكندرية، سيكون الكلام مكررًا وتقريريًا عن أعداد القتلى والمصابين وتفاصيل الحادث وشهادات الشهود والمسؤولين عن الحادث، أو سيكون حديثًا عاطفيًا يمس المشاعر عن مدى جرم وبشاعة المنظر، وعن الحكايا المؤثرة التي يرويها المعاصرون للتفجير، وهو أمر مهم لا شك في ذلك. وأعتقد أن غالبية القراء يعلمون بهذه التفاصيل، لذا لا داعي لذكرها من جديد، ولنذهب إلى ما بعد الواقعة وتوابعها والقرارات المترتبة عليها، والتعامل مع الأزمات المستقبلية المماثلة، والمرجو والمأمول مقارنة بالواقع وما يأتي به.

كيف يتعامل النظام مع الأزمات الأمنية؟

خرج الرئيس السيسي بعد الحادث ليعلن عن تشكيل "مجلس أعلى لمكافحة التطرف والإرهاب"، وكذلك الدفع بعناصر من وحدات التأمين الخاصة بالقوات المسلحة لمساعدة الشرطة في تأمين المنشآت الحيوية، وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وأعلن وزير الداخلية عن إقالة مدير أمن الغربية. 

ماذا فعل نظام السيسي خلال هذه السنين التي استمد شرعيته فيها من مواجهته للإرهابيين؟

حالة من الاستنفار الأمني التابعة لأي كارثة وتقصير واختراق أمني تبدأ بالغليان والفوران، لتنتهي إلى لا شي حتى أقرب كارثة تالية، وعزل مجموعة من القيادات ككبشِ فداء لامتصاص غضب الشارع بدلًا من أن يطال الغضب أصحاب الكراسي والمراتب الأعلى.

اقرأ/ي أيضًا: تفجير كنيسة الإسكندرية: من يتحمل حقًا فاتورة الدم؟

المحزن في الأمر –ويجب الإشارة إلى هذه النقطة بالتحديد في كل فعل إرهابي يحدث داخل البلاد- أن النظام الحالي استمد شرعيته من افتعاله مواجهة الإرهاب، وطالب السيسي الشعب من قبل بالنزول إلى الميادين لتأييد الجيش وتفويضه لمواجهة الإرهاب "المحتمل"، الأمر الذي نتج عنه مجازر وجرائم لا يمكن إغفالها وكلها باسم مواجهة الإرهاب. فهل تم مواجة الإرهاب حقًا وهل كان موجودًا أصلًا عند ادّعاء مواجهته. ومنذ ذلك الحين هل تصاعد الإرهاب أم تراجع وطُوّق وسُيطر عليه؟ وإن كان قد تزايد، فماذا فعل نظام السيسي خلال هذه السنين التي استمد شرعيته فيها من مواجهته للإرهابيين؟ حتى الأمن الذي قايض عليه المصريون ليتحملوا ضيق العيش والأوضاع المزرية لم ينجح في تحقيقه، وإن كان العقد شريعة المتعاقدين، وكان العقد بين الشعب والنظام أن الأمن مقابل الشرعية، فإن ضاع الأمن فمن أين يستمد النظام شرعيته؟

الخوف كل الخوف أن يُستغل هذا الحادث كذريعة للتجاوزات الأمنية المتوقع حدوثها، أو حملات الاعتقال العشوائية المرافقة لكل أزمة، أو حتى إلصاق التهم بأشخاص لا توجد دلائل على إدانتهم غير أن الأمن يريد إخماد نار الرأي العام باقتصاصه من المجرمين، حتى وإن جرت الأمور بشكل غير قانوني، كتصفية عدد من المشتبه بهم لنكتشف براءتهم بعد ذلك- ولنا في واقعة قتل جوليو ريجيني خير مثال- أو كان المتهمون مختفين قسريًا من قبل، فالأولوية لتشتيت ورق القضايا بأي شكل. وهذا الأمر قبل أن يسلب الضحايا حقهم في القصاص ويسلب حق آخرين في البراءة، فهو أيضًا يسلب حق رجال الأمن ذاتهم الذين راحوا ضحايا التفجيرات.

قانون الطوارئ: "الحسنة تخص والسيئة تعم"

يبدو أن هذا هو المبدأ الذي يتعامل به النظام مع الأزمات، فمع كل مشكلة نرى القرارات التالية كعقاب جماعي للشعب وليس للمسؤولين عن الحادث أو المقصرين في أعمالهم، وهذا العقاب يأتي بأمرين أساسيين: الأول مرتبط بسياسة المنع، والثاني مرتبط بسياسة التكدير. وقد بدأ الأمر بالفعل بمصادرة جريدة "البوابة" المعروفة بتأييدها للنظام، وبعدها مصادرة جريدة "الأهرام" بوق النظام الأول، في إشارة واضحة وصريحة بعدم السماح بأي تجاوز ولو لفظي وأي صوت معارض، فها هم الموالون فما بالك بالمعارضين إن تجرأوا؟ 

هل يأتي قانون الطوارئ بنتيجة فعلية تجعلنا نغفر له مرارته؟ أم أنه سيكون مثل تفويض القضاء على الإرهاب؟

للسلطة العسكرية تاريخ طويل مع إجراءات المنع، ولا أعني بذلك المنع الصحفي أو مصادرة الكتب والصحف والآراء، وإنما المنع بشكل أوسع. فالنظام العسكري لا يجيد معالجة الأمور وإنما يعرف جيدًا أن يمنع وأن يغلق الأبواب وأن يوصد الطرق، كأن يمنع المعارضين له من السفر كنوع من العقاب، أو يمنع العساكر في وحداتهم من حقهم في الإجازة كنوع من التأديب، أو يمنع التغطية الإعلامية عمّا يدور في سيناء، أو يمنع مناقشة ميزانية الجيش في مجلس النواب، أو يحظر النشر في قضايا بعينها. فالمنع كسياسة ليس أمرًا غريبًا على النظام العسكري.

اقرأ/ي أيضًا: معضلة أن تكون مسيحيًا في مصر

الأمر الآخر مرتبط بالتكدير، والتكدير هو لفظ يُستخدم كثيرًا داخل الوحدات العسكرية كإشارة للعقاب والجزاء والتأديب، وقد يكون فرديًا، وفي أحيان كثيرة تكديرًا جماعيًا من باب أن الحسنة تخص والسيئة تعم. وهذا الأمر أيضًا يطبق بشكل أوسع، فنرى صدى الحادث يأتي بإعلان حالة الطوارئ، وإحقاقًا للحق فلا عيب في قانون الطوارئ في الحالات الحرجة، وإنما كل العيب فيما سيترتب عليه إعلان هذه الحالة في وطن مليء بالتجاوزات الأمنية والدستورية في الوضع الطبيعي، فكيف يصبح الأمر بعد قانون الطوارئ؟ 

كأن الأمر يأتي كعقاب من النظام للشعب لأنهم سمحوا بوقوع التفجيرات متجاهلين مسؤوليتهم الأولى عن الأمر، وإشارة خضراء لرجال الأمن لفعل ما يحلو لهم بلا حسيب ولا رقيب. والسؤال الحقيقي الذي يجب أن نسأله: هل سيأتي قانون الطوارئ بنتيجة فعلية تجعلنا نغفر له مرارته؟ أم أنه سيكون مثل تفويض القضاء على الإرهاب؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

"سفاح الكنائس" سمير جعجع يدين تفجيرات مصر.. دموع مجرم الحرب في إعلام السيسي

ما الذي يعنيه إعلان حالة الطوارئ "الآن" في مصر؟