15-أغسطس-2017

يسعى السيسي لتعديل الدستور رغم انتهاكاته المستمرة له دون رادع (أحمد هنداوي/ الأناضول)

في كانون الأول /يناير 2014 كانت لاتزال أفكار عبد الفتاح السيسي يحيطها الكثير من الغموض، فهو لا يزال وزيرًا للدفاع برتبة فريق أوّل، منحه إياها الرئيس الذي عزله محمد مرسي. ظهوره دائمًا بالزي العسكري بحكم منصبه، وإعلامه يُصوّره بطلًا شعبيًا. بعد تلك الفترة بدأت التسريبات تظهر للعلن، تسجيلات مُسربة للسيسي تُذاع ما بين الحين والآخر، لتكشف بعضًا مما يملأ عقل الرجل من أفكار وطموحات.

أصبح مُشيرًا، فقد أعطى لنفسه اللقب بممر "الحرب على الإرهاب"! ثم وصل كرسي الرئاسة الذي كان يُسيطر عليه بحكم الأمر الواقع منذ الإطاحة بمرسي، ليُكشف المزيد عمّا يُفكّر فيه، وكان من بين ذلك موقفه من الدستور الذي لم يكن قد استُفتى عليه بعد، لكنه حين كان وزيرًا للدفاع، اعتبر أنّ عمل اللجنة "تطفيف في الميزان"!.

تدرّج السيسي في امتعاضه من الدستور، مرة لتحصينه حين كان وزيرًا للدفاع، ومرة لضمان سلطته أمام البرلمان، وأخيرًا لتمديد رئاسته

دستور 2014، ودستور لجنة الخمسين، أو دستور 30 يونيو، جميعها أسماء ترتبط بآخر نسخة من الدستور المصري، والمعمول بها حاليًا، وهو الدستور الذي أصبح مثار جدل ومحاولات تعديل وتغيير فيه طوال الوقت، حتى أن السيسي قال مرّة، إنّ "الدستور كتب بنوايا حسنة". وأخيرًا ثمة المحاولة الجارية لتعديل الدستور لترفيع صلاحيات رئيس الجمهورية.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي.. خطب الدكتاتور المأزومة

والمتابع لمراحل امتعاض السيسي من الدستور، يجد فيها التدرج الذي يضمن للرجل كل شيء، ففي البداية كان يخشى من تمرير الدستور دون تحصين لموقعه كوزيرٍ للدفاع، ثم ظهر تخوفه من تشكيل برلمان يملك صلاحيات أعلى منه، وأخيرًا ها هي محاولة تمديد فترات الرئاسة لأكثر من فترتين، عبر أنصار الرجل في البرلمان، فبعضهم يريدها سبع سنوات، تحصينًا له من أي محاولة إسقاط قد تحدث في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها العام القادم، خاصةً وأن شعبية السيسي في الأوساط التي كان يعتمد عليها، تشهد تدهورًا حادًا.

محاولات مستميتة

لم تكن تلك المرة الأولى، لكنها الأكثر أهمية وثقلًا، وقد بدأت مع رئيس البرلمان علي عبدالعال، الذي أعلن عن عدم رضاه عن الدستور على هامش مناقشته رسالة دكتوراه في القانون، إذ قال إنّ "أي دستور يصدر والدولة غير مستقرة يحتاج لإعادة نظر"، في إشارة واضحة للدستور الحالي وظروف كتابته. 

وانتقد عبدالعال المادة التي تنص على عدم قدرة الرئيس إعفاء أي وزير من منصبه إلا بعد موافقة البرلمان، واعتبر ذلك "أمرًا خارجًا عن المنطق، فلو رفض مجلس النواب إعفاء الوزير، كيف سيتعامل الرئيس بعد ذلك مع ذلك الوزير؟". يُعبّر علي عبدالعال عن منطق السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية. وبهذه التصريحات، يُعيد علي عبدالعال الجدل مرة أُخرى حول الدستور المصري وتعديله.

بعد تصريحات علي عبدالعال بساعات، أُخرى للنائب إسماعيل نصرالدين، الذي أعلن عزمه إعادة تقديم طلب لتعديل بعض مواد الدستور، مع انطلاق الفصل التشريعي الذي يفترض أن يبدأ في تشرين الأول/أكتوبر القادم، على أن تشمل تلك التعديلات التي سيطرحها، ست مواد على الأقل في الدستور، وذلك بعد سحب التعديلات التي كان قد اقترحها في شباط/فبراير الماضي.

في نفس اليوم أيضًا خرج أحمد حلمي رئيس اللجنة التشريعية في البرلمان، ليصرّح بأنّ "الدستور ليس قرآنًا، وبه مواد كثيرة تتطلب التعديل"، رغم أنه نفسه كان قد قال في تشرين الثاني/ ديسمبر العام الماضي، إن "البرلمان لا يملك رفاهية تعديل الدستور".

"تطفيف الميزان".. ما يضمره السيسي للدستور

"تطفيف في الميزان؟! إنت بتطفف ليه في الكيل بتاعك؟ إنت كان منتهى أملك إنك تعمل تعديلات دستورية، ليه لما إديتك إيدي روحت واخد التانية؟!"، هكذا أعاد السيسي استخدام مصطلح "تطفيف الميزان" في إحدى التسريبات له مُتحدثًا عن لجنة الخمسين التي وضعت الدستور الحالي برئاسة عمرو موسى. كان ذلك خلال حوار له مع الصحفي المصري ياسر رزق، رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم آنذاك، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأخبار القومية. ولم ترد تلك الجملة ضمن الحوار المنشور، لكنها سربت وغيرها من أحاديث السيسي الخاصة مع رزق.

ويكشف ذلك التسريب رؤية السيسي وقتها لطبيعة عمل لجنة الخمسين لصياغة الدستور، إذ أعرب عن تخوفه من تغيير كامل الدستور السابق، طامحًا في تعديل طفيف لا يُؤثر على تحصين منصبه كوزير للدفاع، والدليل على ذلك ما قاله في نفس الحوار لياسر رزق: "إنت المفروض تقود حملة مع المثقفين لوضع فقرة في الدستور تحصن الفريق السيسي كوزير للدفاع، وتسمح له باستئناف دوره حتى لو مدخلش الرئاسة".

وعلى كل ظلت نوايا السيسي بشأن الدستور غير معلنة بشكل رسمي، حتى أيلول/سبتمبر 2015، وقبل انتخابات البرلمان الحالي، إذ خرج بجملته الشهيرة التي حذفت من خطابه في إعادته، والتي قال فيها، إن "الدستور المصري كتب بنوايا حسنة، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط"، قالها السيسي خلال فعاليات أسبوع شباب الجامعات المقام في جامعة قناة السويس.

لكن هذه الجملة التي بدت وكأنها عفوية، تعبر عما يضمره السيسي حقًا؛ كانت بداية حملة إعلامية وأُخرى مضادة، عبّرت عن توجهات الأجهزة السيادية داخل الدولة، ما دفع السيسي للتصريح الشهر التالي خلال كلمته في الذكرى الـ42 لحرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر، قائلًا: "أرجو أخذ الكلام في إطاره، وأرجو عدم إخراج التصريح عن معناه الحقيقي، ونخوّف نفسنا والناس، وأنا واحد منكم".

مواد تقلق السيسي

رغم أنّ السيسي ونظامه يعملان بشكل ممنهج ومستمر على انتهاك الدستور، إلا أنه يخشى كما يتضح، من بعض المواد التي قد تستخدم ضده لأي سبب وفي أي وقت، والتي بطبيعة الحال لا تعطيه السلطات المطلقة التي يأمل إليها. ومن أبرز تلك المواد التي تمنع السيسي عن التألّه، المادة 140 التي تحدد مدة ولاية الرئيس باربع سنوات، وتتيح له الترشح لفترتين فقط، أي بمجموع 8 سنوات في الحكم. ويذكرنا التاريخ بأمر مشابه خلال عهد الرئيس السادات، الذي عدّل المادة 76 من دستور عام 1971، فغيّر "مدة واحدة" المتاحة لحكم الرئيس، إلى "مدد"، بموجبها استمر الرئيس المخلوع حسني مبارك في الحكم لأكثر من 30 عامًا.

نص آخر في الدستور يقف عائقًا أمام السيسي، وهي المادة 226، التي توضح طريقة تعديل الدستور، والناصّة على أنّه "في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو مبادئ الحرية والمساواة"، لكن مع ذلك انتهت هذه المادة بجملة مفصلية، ألا وهي: "ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات"، ويقع تفسيرها في إطار النسبية، وعليها ربما يلعب مؤيدو تمديد فترة الرئاسة.

لكن في كل الأحوال، تحتاج عملية تعديل الدستور وخاصة تمديد فترة الرئاسة، إلى حملة كبيرة لتسويقها، وهو ما يُرجح أن يقوم به البرلمان المصري الشهير ببرلمان "نعم، موافقة"، الذي لم يجد إشكالًا في التنازل عن أرض مصرية خلال جلسة مدتها نصف ساعة فقط.

وإلى جانب مادة مدة الرئيس، ثمة مواد أخرى تشرك البرلمان في إدارة عملية الحكم، وهو ما لا يرضاه الجنرال الحاكم مع برلمان موالٍ له، فكيف كان الوضع لو أنّه برلمان معارض؟! وفي هذا الصدد يُذكر توبيخ السيسي للبرلمان على اقتراح رفع الحد الأدنى للأجور. وبخه السيسي توبيخًا رآه البعض مهينًا.

رغم أن البرلمان الحالي مواليًا بشكل شبه كامل للسيسي، إلا أنه لا يزال متخوفًا من بعض مواد الدستور التي تعطي صلاحيات للبرلمان

ومن أبرز المواد التي تشير مخاوف السيسي، المادة 131 المتعلقة بحق البرلمان في سحب الثقة من رئيس الحكومة أو أي من وزرائها، وكذا المادة 137 المتعلقة بتحصين البرلمان من الحل بأمر الرئيس، وأيضًا المادة 146 التي تنص على ضرورة موافقة البرلمان على الحكومة، وكذلك المادة 147 التي تقيد سلطة الرئيس في إعفاء الحكومة أو أي من وزرائها دون موافقة البرلمان.

اقرأ/ي أيضًا: "مشهلاتي" الحكومة.. برلمان مصر يستهزئ بالدستور

هنالك أيضًا المادة 155 التي تفرض على الرئيس أخذ موافقة الحكومة على أي عفو رئاسي عن محكومٍ عليهم، وأيضًا المادة 159 التي تعطي البرلمان الحق في توجيه تهمة الخيانة العظمى للرئيس، ومخالفة أحكام الدستور، وتقديمه للحاكمة أمام محكمة خاصة، وأخيرًا المادة 161 التي تعطي للبرلمان الحق في اقتراح سحب الثقة من الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة، والمادتان الأخيرتان ربما تكونان أكثر ما يُقلق السيسي في حالة واحدة، إذا تصادف وجاءه برلمان معارض، وهو ما لا يُتوقع قريبًا.

انتهاكات السيسي للدستور

وهناك عدد من المواد الدستورية التي قام السيسي بانتهاكات خلال فترة رئاسته، علي رأسها المواد المتعلقة بالحقوق والحريات، كالمادة 54 التي تحمي الحريات الشخصية، والتي ينتهكها السيسي بشكل شبه يومي. وهناك أيضًا المواد 55 و56 و57 التي تجرم التعذيب، وتحدد طبيعة أماكن الاعتقال والاحتجاز على غير ما هي عليه الآن قطعًا، وتحمي وسائل الاتصال، وجميعها مواد مُنتهكة باستمرار من قبل نظام السيسي الذي عرفت مصر خلال فترة حكمه قمعًا غير مسبوق في تاريخها الحديث.

هنالك أيضًا المادة 62 التي تنص على أنّ "حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون"، ويُمكن رؤية انتهاك المادة في قرارات المنع من السفر العشوائية لعشرات، وربما مئات المواطنين.

ينتهك السيسي الدستور بشكل شبه يومي بالممارسات القمعية غير المسبوقة في تاريخ مصر الحديث

وإلى جانب ذلك هناك المواد 64 و65 67 و70 و71 و73، المتعلقة بحرية الفكر والرأي والتعبير والنقد وحرية الصحافة والطباعة والنشر والحق في التظاهر، وجميعها مواد تعرف انتهاكات جسيمة، وقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير مُؤخرًا، جملة من الانتهاكات في هذا الصدد خلال الربع الثاني من العام الجاري، فضلًا عما تعرفه مصر منذ نحو شهرين من حجب لأكثر من 100 موقع إلكتروني، ومئات المعتقلين بتهمة التظاهر، انطلاقًا من قانون التظاهر المعيب لمخالفته نص الدستور.

اقرأ/ي أيضًا: نهاية قصة تيران وصنافير.. برلمان السيسي يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق

ومنذ وصوله للحكم، افتتح السيسي رئاسته بانتهاك للدستور متمثلًا في المادة 145، التي تلزم الرئيس تقديم إقرار الذمة المالية. وأخيرًا هناك المادة 151 التي تُلزم دعوة الناخبين للاستفتاء على "معاهدات الصلح والتحالف وما يتحلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة"، وقد خالف السيسي بمعية برلمانه هذه المادة مخالفة صريحة، تبعها بمخالفة لأحكام القضاء، حين تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرية التعبير في مصر.. خطوات نحو تشريع الانتهاكات وتقنين القمع!

هل يُمكن للمصرين استرداد جزيرتي تيران وصنافير؟