29-يوليو-2017

السيسي وسط قيادات من الجيش (الأناضول)

عباس كامل يتحدث للسيسي في مكالمة هاتفية سربت ضمن مقاطع كثيرة، ويقول عباس عن أحمد قذاف الدم "حسب معرفتي هو بيتعامل مع "العامة"، و"العامة" إحنا إيدينا والأرض من العامة في كل حاجة، إيدنا والأرض في كل حاجة".

خلال جولاته تلتقط للسيسي وحراسته صورٌ يخشى فيها الحرس من الجميع بما فيهم قادة عسكريين في رتب كبيرة

اعتقدت في وقت بث التسريب القنوات الليبية أن كلمة "العامة" المقصود بها "عموم الناس" ولكن الحقيقة أن لفظ العامة بين رجال الجيش يقصد بها "المخابرات العامة".

تعبيرات عباس كامل وعدم تعليق السيسي الذي لا يسمع ولكن يفهم من رد مدير مكتبه، تعطي انطباع أن تلك الجملة لم تكن عابرة في وقتها، والسيسي فضلًا عن عدم ثقته في قدرات المخابرات العامة هو أيضًا لا يجدها مجدية لتطلعاته وطموحه السياسي داخليًا وخارجيًا، وتلامس ما يقال عن صراع مستمر بين المخابرات الحربية والعامة والتشكيك المتبادل بين الجهازين.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي.. خُطب الدكتاتور المأزومة

التسريب الذي لم تعلن أي جهة صحته والذي بث في شباط/ فبراير 2015، يعطي الانطباع الأقرب للتصديق عن التسريبات التي حصلت عليها صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر مصرية مطلعة، كشفت عن نية "عبد الفتاح السيسي، ودائرة من أقرب مساعديه يعكفون حاليًا على وضع الصيغة النهائية لاستحداث جهاز معلوماتي جديد يتبع مكتب الرئيس مباشرة تحت اسم "هيئة الدفاع الوطني"، ويضم في تشكيله، عناصر من جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، وأخرى من الاستخبارات العامة، والاستخبارات الحربية".

ووفقا لـ"العربي الجديد" فإن الجهاز الجديد ستكون له صلاحيات واسعة ويضم في فروعه مجموعة من الخبراء والباحثين في عدد من الفروع السياسية والاجتماعية، وكل ذلك وفقًا للمصادر يأتي بسبب عدم ثقة الرئيس المصري في أداء بعض الأجهزة الحالية وسعيه لوجود جهاز هدفه مراقبة أداء باقي الأجهزة السيادية والمعلوماتية وكذلك التحكم في الأداء الإعلامي ورفع تقارير بشأن أدائها للرئيس، ووفقًا للمصادر فإن الأمر ليس مجرد تفكير ولكنه أصبح في حكم المقرر خاصة مع تأسيس مقرات للجهاز الجديد.

 مائدة الاتحادية

الخوف الذي يسيطر على السيسي متوقع، فالرجل كان مقربًا من محمد مرسي ولم يدخر جهدًا في الإطاحة به في يومين، كما لم يكن لديه أي أزمة في أن يعزل مرسي المشير طنطاوي ويصعد لمنصب وزير الدفاع، السيسي بطبيعته العسكرية وكرئيس سابق لجهاز المخابرات الحربية شخص شكاك، وقد يخشى ثورة أو انقلابًا من قوى مدنية أو عسكرية، في أي وقت.

ما يؤكد لك الخوف الشديد في تعاملات السيسي وعدم نزوله في أي مكان جماهيري مفتوح حتى في فترة الدعاية الانتخابية له، وخلال جولاته تلتقط للسيسي وحراسته صورٌ يخشى فيها الحرس من الجميع بما فيهم قادة عسكريين في رتب كبيرة كما حدث في تموز/يوليو 2015، خلال زيارة السيسي لسيناء وهو يرتدي الزي العسكري.

ولذلك لا يعطي السيسي الأمان للجميع، ولعل أكثر الشخصيات المرتبطة به عباس كامل مدير مكتبه والفريق محمود حجازي رئيس الأركان ونجلاه محمود ومصطفى، وعباس كامل جنرال في الجيش المصري وعمل مديرًا لمكتب السيسي منذ أن كان مدير المخابرات الحربية، وانتقل معه لوزارة الدفاع ثم رئاسة الجمهورية، ويوكل له السيسي مهام كثيرة وعلى رأسها التقارير الأمنية، أما محمود حجازي فكان توليه رئاسة أركان  بعد استقالة السيسي أمرًا مفاجئًا في ظل وجود من هم أقدم منه في المجلس العسكري، ولكن السيسي أصر علي تولي حجازي رئاسة الأركان لطبيعة العلاقة الأسرية بينهم (محمود حجازي والد زوجة حسن نجل عبد الفتاح السيسي الأصغر).

محمود السيسي، نجل الرئيس المصري، يعمل ضابطًا في المخابرات العامة وله دور كبير في تشكيل البرلمان الجديد

أما محمود السيسي وهو نجل الرئيس المصري ويعمل ضابطًا في المخابرات العامة وله دور كبير في تشكيل البرلمان الجديد، ويقول البعض أنه عين والده في المخابرات العامة، ويعمل مصطفى السيسي النجل الثاني للرئيس في جهاز الرقابة الإدارية -جهاز لديه سلطة لمراقبة جميع العاملين في الدولة- وخلال الأشهر الماضية تصاعدت بشكل كبير في الإعلام المصري تداول الاخبار حول دور الرقابة وفي بعض المرات عن قضايا تولاها مصطفى من بينها قضية القبض علي وزير الزراعة الأسبق المتهم بالفساد، من ميدان التحرير، ولكل من محمود ومصطفي دور كبير في قرارات والدهما كما تشير المصادر، وكانت بعض الشبهات تدور حول دور لمحمود في عملية مقتل الباحث الإيطالي ريجيني ولكن لم يتم تأكيد الأمر أو نفيه، ويقال إن لدى السيسي شخصيات أخرى مقربة من بينهم اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية الأسبق، مستشار السيسي للشؤون الأمنية، وصدقي صبحي وزير الدفاع، ومحمد عرفان جمال الدين رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وكذلك محمد فرج شحات مدير المخابرات العسكرية.

اقرأ/ي أيضًا: دعابات السيسي المحرجة.. "أهلًا" بالتفاهة

المخابرات المقصودة

ولعل أقرب وصف لذلك الجهاز الجديد الذي ينوي السيسي إنشاءه، أنه بديل لجهاز المخابرات العامة المصرية، "اللي أيديهم والأرض منها" -حسب قول عباس- وفقًا للقانون 100 للمخابرات العامة المصرية فإن الجهاز يعد هيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية.

في مادتها الثالثة تشير إلى دورها " تختص المخابرات العامة بالمحافظة على سلامة وأمن الدولة وحفظ كيان نظامها السياسي وذلك بوضع السياسة العامة للأمن وجمع الأخبار وفحصها وتوزيع المعلومات المتعلقة بسلامة الدولة، ومد رئيس الجمهورية ومجلس الدفاع الوطني وهيئة المخابرات بجميع احتياجاتها وتقديم المشورة والتوصيات اللازمة لها، وتختص كذلك بأي عمل إضافي يعهد به إليها رئيس الجمهورية أو مجلس الدفاع الوطني ويكون متعلقا بسلامة البلاد".

من المتعارف عليه أن المخابرات العامة تضم عسكريين وتستعين بالمدنيين، وتابعة بشكل مباشر لرئاسة الجمهورية، ويمكن أن يمارس رئيس الجمهورية سلطاته الكاملة علي رئيس الجهاز، وفقًا للمادة السابعة من قانون المخابرات "دون التقيد بالسن المقررة للتقاعد يكون تعيين وإعفاء رئيس المخابرات العامة من منصبه بقرار من رئيس الجمهورية".

ويمكن للجهاز ممارسة أي اعمال أمنية داخل مصر وخارجها ولا يمكن لأحد ان يخفي أي معلومة علي رئيس الجهاز أو من لديه إذن مكتوب بذلك، فما الأهمية في إنشاء جهاز جديد لديه نفس الصلاحيات؟

الحقيقة أنه على ما يبدو أن السيسي يشعر بالقلق الذي يتحول للخوف من الجهاز أو أي مؤسسة أو مجموعة لا تخضع له بشكل كامل 100 في المئة، والهاجس أن البعض في الجهاز ما زال غير مأمون الجانب وله ولاء لآخرين من بينهم مراد موافي تلميذ عمر سليمان.

ليست المخابرات وحدها التي حاولت أن تنال رضا الرئيس، ولكن كذلك باقي الأجهزة وزارة الداخلية

منذ عزل محمد مرسي، أحيل ونقل عدد كبير من ضباط وموظفي جهاز المخابرات العامة للتقاعد، وكانت تنشر القرارات الجمهورية في بعض المرات بعبارة "التقاعد بناء على طلبهم".

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. هل سيتخلص الجنرال من وزير داخليته؟

"ألترا صوت" أحصى عدد الضباط المحالين للتقاعد منذ عهد عدلي منصور -كان يصدر القرارات شكليًا- إلى كانون الثاني/يناير الفائت، ووصل لنحو 117 عضوًا عبر 11 قرارًا، وذلك غير الأعضاء الذي لا يعطي القانون ضرورة لإصدار قرار رسمي ينشر في الجريدة الرسمية في حال إحالتهم للتقاعد أو نقلهم للعمل في مكان آخر.

مع كل موجة من تصاعد الانتقادات ضد السيسي سواء في الإعلام أو الشارع، أو مع انتشار تقارير صحفية حول صراعات الأجهزة داخل النظام الحالي، كان يصدر قرار بالإحالة للتقاعد، وفي أعقاب القرار بنحو الشهر كانت تظهر بعض التسريبات التي يعتقد أن لبعض الرجال المخابرات دور فيها، حتى أن السيسي أصدر قرارًا بعزل اللواء محمد فريد التهامي، رئيس المخابرات العامة السابق، عقب أول موجة من التسريبات التي خرجت من داخل مكتب السيسي نفسه.

محاولات المخابرات

وحاولت المخابرات أو على الأقل المسؤولون الحاليون نيل ثقة الرئيس، فكانت تحركها على المستوى الخارجي بالتعاقد مع شركتين أمريكيتين تعملان في مجال العلاقات العامة وبحسب المعلن فإن التعاقد بقيمة 108 مليون دولار سنويًا لتحسين صورة النظام الحالي في الولايات المتحدة.

كانت تلك هي المرة الأولى التي يعلن فيها جهاز مصري متخصص في الاستخبارات التعاقد مع شركات أجنبية، للقيام بأنشطة تتعلق بتحسين الصورة والعلاقات العامة، وكذلك الترويج للشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ولدور مصر في إدارة المخاطر الإقليمية وتسليط الضوء على التطورات الاقتصادية في البلاد وعرض جهودها فيما يخص المجتمع المدني".

وصل عدد الضباط المتقاعدين في مصر منذ عهد عدلي منصور إلى نحو 117 عضوًا عبر 11 قرارًا

وعلى المستوي الداخلية قامت المخابرات -أو أعضاء فيها- بترتيب وتنسيق القائمة الانتخابية التي نالت الأغلبية في البرلمان الحالي "دعم مصر"، وفق تأكيد من حازم عبد العظيم عضو حملة السيسي المركزية السابق والذي أكد أنه حضر اجتماع تحضيري للترتيبات القائمة في مقر المخابرات العامة، قبل أن ينسحب ويعلن رفضه لسياسات عبد الفتاح السيسي.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي كمسجّل خطر

ليست المخابرات وحدها التي حاولت أن تنال رضا الرئيس، ولكن كذلك باقي الأجهزة وزارة الداخلية، على سبيل المثال تقوم بدور كبير ومتزايد في تصفية أي معارض بدلًا من القبض عليه، وكذلك يقوم القضاء بإصدار أحكام تتجاوز المنطق، وبالرغم من كل ذلك ما زال السيسي متشكك من الأجهزة ولا يثق فيها.

كما أن هناك صراعًا تاريخيًا يتعامل به بعض ضباط الجيش في المخابرات الحربية بالمنافسة الدائمة مع الأجهزة الأخرى أمن الدولة والمخابرات العامة، وعلى ما يبدو أن ذلك الصراع ما زال في عقل السيسي لم ينته.

مصر ملف أمني

يعتبر السيسي أن الدولة المصرية ملف أمني كبير مقسم علي المقربين منه، ويمكن تمييز طريقة وخطاب والكلمات المستخدمة من جانب السيسي فيما يخص الملفات المختلفة، فطبيعة الرجل كعسكري محافظ، دفعته يوما لأن يقول "أنا ممكن بـ"كتيبتين" أدخل على النت وأعملها دايرة مقفولة"، في إشارة للسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يستخدم في التعامل معها كتائب، وخلال الأيام الماضية حجبت السلطات المصرية العشرات من المواقع الإلكترونية دون سبب أو إعلان، بما فيها مواقع لصحف رسمية ومواقع حاصلة على موافقات أمنية مثل المصريون ومصر العربية .

وتعدى الدور الأمني للجيش والداخلية أيضًا دور الوزارات، الإعلام أصبح ملفًا أمنيًا وسيطر عليه في الوقت الحالي شركات إما يديرها ضباط جيش أو تابعون للجهات الأمنية، ومنع أي صوت معارض أو غير مؤيد بكل ما أوتي من قوة، وكذلك الحال فيما يخص التسويق للنظام بدلًا من أن تقوم الخارجية بدورها تعاقدت المخابرات العامة مع شركتين أمريكيتين تعملان في مجال العلاقات العامة بهدف تحسين صورة مصر في الولايات المتحدة، بعقد قيمته نحو 1.8 مليون دولار سنويًّا، ضياع الدور الطبيعي للخارجية كان أيضًا مع عقد رئيس الأركان المصري اجتماعات مع الفرقاء في ليبيا.

في مصر، الإعلام أصبح ملفًا أمنيًا تديره شركات يشرف عليها ضباط جيش أو تابعون للجهات الأمنية

اقرأ/ي أيضًا: الداخلية المصرية.. قلعة القتلة والفاسدين الموصدة

سواء صدقت المصادر بقرب إعلان الجهاز الجديد او استمر الأمر كما هو "تدار مصر من مائدة في قصر الاتحادية"، فإن الأمر خطير والأزمات الاقتصادية والسياسية تتلاحق على مصر ولا يمكن أن يستمر السيسي في التعامل مع الدولة علي أنها ملف أمني يأمر فيُسمع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدم خيار الداخلية المصرية

جيش السيسي الإلكتروني.. تسريبات وفضائح فيسبوكية