19-مايو-2017

العاهلان المغربي والأردني خلال افتتاح متحف محمد السادس للفن المعاصر (فاضل سينا/ أ.ف.ب)

كيف يستأثر الحكم الملكي بالديمقراطية، ويجعل من القوى المدنية مجرد كواكب تدور في فلكه الكبير؟ وكيف استطاعت هذه الممالك المحافظة على عروشها في ظل التوترات الكبيرة في دول الربيع العربي حولها؟ وكيف عملت على استيعاب أي محاولة حراك تغييري في نطاقها؟ يُجيب على هذه الأسئلة تحليل نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، نعرض لكم بالترجمة أبرز ما جاء فيه.


من بين الملكيات الثمانية الحاكمة في الشرق الأوسط، يبدو كل من المغرب والأردن متمايزين، ففي ظل افتقارهما للثروات التي تمتلكها السعودية والممالك الخليجية، تقدم كلتا المملكتين نفسيهما على أنهما تمثلان الممالك المعتدلة، المسترشدة بالديمقراطية من قبل ملوك التوجه الإصلاحي الغربي.

وعلى مدى عقود، مُنحت البرلمانات المنتخبة والمعارضة القانونية والمجتمعات المدنية النابضة بالحياة، مساحة للتعبير الحر، وبخاصة خلال فترات الربيع العربي، وكانت استجابات كل من المغرب والأردن للاحتجاجات الشعبية من خلال الإصلاحات لا القمع المُفرط، ليعتبر بعض المراقبين أن هذه هي واحة التنوير والاستقرار التي تعكس المسار السياسي التاريخي الذي انتهجته أوروبا نحو الملكية الدستورية.

يُقدم كلًا من المغرب والأردن نفسيهما كممثلان للممالك المعتدلة المسترشدة بديمقراطية ملوك التوجه الإصلاحي الغربي

وفي الحقيقة فإن المغرب والأردن يبدوان جيدين فقط لأن بقية الشرط الأوسط أكثر تعاسة، فلا يحتاج الأمر كثيرًا من الجهد لتبدو جيدًا وسط الملكيات الإقليمية الأخرى في المملكة العربية السعودية والبحرين على سبيل المثال، واللتان تبدوان من حيث حسابات الحرية المدنية والسياسية، في منافسة مع كوريا الشمالية و تركمانستان!

اقرأ/ي أيضًا: الدول العربية بعد 68 سنة من ميثاق حقوق الإنسان

إن المغرب والأردن مستقلان بالفعل، ولكن ليس كأكثر من أي دولة أخرى ليست في حالة حرب مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، تلك الدول التي مزقتها الحروب، لذاعندما تنتطلق المقارنات في هذا الاقليم بمعاييره المتدنية، فإن الأردن والمغرب يبدوان شيئًا مختلفًا، بتمثيلهما أنظمة استبدادية ذكية، يعرفان كيف يتعاملان مع المخاوف الغربية فيما يخص حقوق الإنسان، مع ابتكار طرق جديدة طوال الوقت للاحتفاظ بالسلطة.

حد أدنى جديد: الملكيات وُجدت لتبقى!

ومع ما سبق ذكره والإشارة إليه، إلا أن الملكية المغربية والأردنية اعتمدتا مُؤخرًا إستراتيجية جديدة ملحوظة، فلم يعد يخفي أي منهما استبدادها على أحد! وعلى مدار عقود تباهت هاتان الملكيتان بالإصلاحات السياسية الباهتة، التي تواري خلف خطاب ديمقراطي، واقعًا استبداديًا حقيقيًا للملكية، فالواقع أن الملوك يمارسون سلطات تنفيذية واسعة، ويتحكمون في قوات عسكرية وصلاحيات أمنية كبيرة، ويمكنهم عرقلة المعارضة من خلال الوسائل القانونية والمالية.

وقد تخفف الأردن والمغرب من الخطاب الإصلاحي، مقدمان خطابًا واحدًا للعالم ولمجتمعاتهما، وهو أن حكم الملكية وُجد ليبقى ويستمر، و قد يبدو الأمر مفارقة إلا أنه يقدم أفضل الرهانات على استقرار الحكومات "العاملة" أو الفاعلة.

هذه الاستراتيجية تظهر بشكل جليّ في السياسة الانتخابية، فمنذ عام 2011 أجرى كل من المغرب والأردن انتخابات برلمانية، وكانت جميعها معتمدة من قبل المراقبين الدوليين، الذين رأوا أنها نظيفة وتنافسية، لأنها كانت كذلك في الغالب. وخلافًا لمعظم الأنظمة الاستبدادية الأخرى في العالم، فإن هذه الأنظمة تحتاج إلى انتخاباتها للوفاء بالمعايير الغربية للإنصاف. 

العاهل الأردني في ضيافة ملك المغرب (فاضل سينا/ أ.ف.ب)
العاهل الأردني في ضيافة ملك المغرب (فاضل سينا/ أ.ف.ب)

لكن لماذا؟ إنهم يريدون أن يُظهروا أن الديمقراطية عندما توضع موضع التنفيذ فإنها لا تعمل كما ينبغي، وذلك ببساطة لأن البرلمانات والأحزاب التي تم انتخابها بإرادة الشعب، غير قادرة وغير كفؤة على تحمل مسؤولية السلطة، وأن هذه المجتمعات غير مستعدة للديمقراطية، لذا من الأفضل أن يدير الملوك المشهد، أو هكذا يُخيّل إليهم.

المغرب.. تكتيكات لمواجهة الإسلاميين

في المغرب، أدت هذه الاستراتيجية الجديدة إلى تحييد الحزب الإسلامي الرائد، حزب العدالة والتنمية، الذي فاز بشكل مفاجئ بانتخابات عام 2011. وعادة ما يخفف النظام الملكي المغربي المعارضة من خلال الحرب القانونية، أو عند طريق استيعابه للمعارضة في شبكة علاقاته الموالية للملك المسماة في العربية المغربية بـ"المخزن". وبفضل حزب العدالة والتنمية، فإن القصر قد سمح للإسلاميين ورئيس الوزراء عبدالإله بنكيران بتشكيل حكومة، ولكن مع توجيهات لتنفيذ التقشف المالي وغيرها من التدابير غير الشعبية التي أثارت رد فعل عنيف ضد حكومة بنكيران.

كما أبقت الحكومة التي تديرها الملكية على القضايا الأساسية للأمن الداخلي والعلاقات الخارجية في الظلام، ما اضطر بنكيران إلى القبول بشروط السلطة عند إشراك الجمهور. ومن الواضح أنه عندما انفجرت احتجاجات شعبية في الخريف بعد أن تسبب إهمال الشرطة في وفاة بائع السمك المطحون، استهدف العديد منهم حزب العدالة والتنمية.

اقرأ/ي أيضًا: قضية محسن فكري.. احتجاجات شعبية و"قلق" حكومي

وبعد فوز حزب العدالة والتنمية مرة أخرى، في انتخابات 2016، تضمنت المناورات الملكية عدم تشكيل حكومة ائتلافية ناجحة، كما ساهم تعنت حزب الأصالة والمعاصرة في جعل مصير العدالة والتنمية أسوأ، وحزب الأصالة والمعاصرة هو حزب من صنع القصر الرئاسي، وأتى في المرتبة الثانية بعد العدالة والتنمية، أما الأحزاب الصغيرة فقد ابتلعها ما يُسمى "المخزن".

تضمنت المناورات الملكية المغربية مع حزب العدالة والتنمية، عرقلة تشكيل حكومة ائتلافية ناجحة

خمسة أشهر كانت كافية لتجعل العدالة والتنمية في مهب الريح، فلا هو قادر على الحكم ولا هو راغب في الاستقالة، وفي ظل مشهد أصاب الجمهور بالملل من الحديث الفارغ عن الديمقراطية، الأمر الذي أدى في آذار/مارس إلى رفض النظام الملكي لبنكيران، ما أدى بسرعة إلى حكومة جديدة كشفت عن معارضة مهينة. وعلى الرغم من فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وتعيين رئيس الوزراء، إلا أنه يتمتع بعدد أقل من المناصب الوزارية مقارنة بشركائه في التحالف!

الأردن.. تشجيع عدم الثقة في المسؤولين المنتخبين

أما في الأردن فتتضمن الاستراتيجية الحاكمة هناك الإبقاء على النظام البرلماني بأكمله على قيد الحياة. والبرلمانات التي أجريت في انتخابات عامي 2013 و2016 هي نتاج هندسة ملكية تهدف إلى جعل الجمهور الأردني يفقد الثقة في المسؤولين المنتخبين.

ورغم التغييرات، فلا يزال النظام الانتخابي في الأردن يتميز بهياكل انتخابية وهيئات تسمح للمستقلين المحافظين والنخب التي ترعى المحسوبية؛ بالسيطرة على السلطة التشريعية.

اقرأ/ي أيضًا: خطاب العرش في الأردن.. الكرة عند الحكومة

ونتيجة لذلك، يصنع البرلمان هناك عناوين الصحف بسبب شجاراته العقيمة والعنيفة وما يتداول فيه من شتائم، أكثر من اهتمامه بالمناقشات الهامة حول القضایا الاجتماعیة والاقتصادیة التي تخص الناخبین، مثل أزمة البطالة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الأردنيين لا يملكون إلا القليل من الإيمان بالبرلمان، ولن ينضموا على الأغلب إلى الأحزاب السياسية، ويحملون ثقة أعلى بكثير في المؤسسات التي ترادف السلطة الملكية، كالقوات العسكرية وقوات الأمن.

تكشف استطلاعات الرأي عن اقتناع معظم الأردنيين بالبرلمان وأحزابه، في مقابل ثقة أكبر في السلطة الملكية

كما عارض عدد قليل التعديلات الدستورية التي أُقرّت في عام 2016، والتي عززت هيمنة الملك علنًا بإضفاء الطابع الرسمي على قدرته على تعيين كبار القضاة والقيادة العسكرية وقادة الأمن. وكان ذلك تحولًا جذريًا عن الاصلاحات السياسية التي اقتُرحت إبان الربيع العربي، التي وعدت بتقليص السلطة الملكية والدخول في الديمقراطية البرلمانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل سلطان ملك المغرب فوق كل السلطات؟

ماذا يحدث في الأردن هذه الأيام؟