04-نوفمبر-2016

العاهل المغربي محمد السادس (فاضل سنا/أ.ف.ب)

تابع الكثيرون الانتخابات البرلمانية الأخيرة في المغرب، وهي الانتخابات الثانية منذ إقرار التعديل الدستوري سنة 2011، بكثير من الإشادة والانبهار بالتجربة الديمقراطية بشكل بدا مبالغًا فيه وفق مراقبين، وذلك بالنظر لبقاء هيمنة المؤسسة الملكية على مختلف السلطات في البلاد بفضل الصلاحيات الدستورية الواسعة الممنوحة للملك، مقابل الصلاحيات المحدودة لبقية المؤسسات بما في ذلك الحكومة.

تعكس هيمنة المؤسسة الملكية أو المخزن على مختلف السلطات مدى انفراد الملك بالنهاية بعصب السلطة السياسية في المغرب

وتعكس هيمنة المؤسسة الملكية أو المخزن على مختلف السلطات مدى انفراد الملك بالنهاية بعصب السلطة السياسية في بلد ينص أن نظام حكمه هو "ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية". وقد نظم الدستور أحكام المؤسسة الملكية بشكل منفصل عن بقية السلطات الثلاث المتعارف عليها، فالمؤسسة الملكية لا ينسحب عليها مبدأ الفصل بين السلطات بقدر ما تتأتى هذه المؤسسة فوق جميع السلطات بالنهاية. وتبين الصلاحيات الواسعة الممنوحة للملك أنه يحكم ويسود في البلاد. ولعلّه لذلك اعترف رئيس الحكومة عبد الله بن كيران، في وقت سابق، حينما قال "الملك يحكم في المغرب وصلاحياتي محدودة".

اقرأ/ي أيضًا: المغرب..الغضب من "طحن" بائع السمك يتواصل

الملك يقود السلطة التنفيذية

إن كان الملك مُلزمًا بتعيين رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية، فإن سلطان التاج الملكي على السلطة التنفيذية يظلّ طاغيًا رغم الإصلاحات المُعلنة في دستور 2011، وذلك على حساب رئيس الحكومة، الذي يظهر "أكثر بقليل" من رتبة سكرتير للملك ولكنّه أقل من الصلاحيات المفترضة لرئيس حكومة في كل الحالات.

يفرق دستور البلاد بين المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك ويضم في عضويته كذلك رئيس الحكومة والوزراء، ومجلس الحكومة الذي يقتصر على الطاقم الحكومي فقط. ويمثّل المجلس الوزاري الهيكل الأعلى في تسيير السلطة التنفيذية، حيث يتولّى تحديد "التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة"، ومشاريع القوانين ومشاريع مراجعة الدستور والتوجهات العامة لقانون المالية وغير ذلك.

كما يتولى هذا المجلس التعيينات في الوظائف المدنية على غرار المحافظين والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي وإن كان رئيس الحكومة يقدم نظريًا مقترحاته غير أنها تستلزم الموافقة الملكية بما أنه يرأس الهيكل الذي يتولّى التعيين باسمه. وبالتالي لا يمكن أن تحصل التعيينات دون تزكية الملك. ويحتفظ الملك، من جانب آخر، بدور فاعل في السياسة الخارجية لانفراده بسلطة اعتماد سفراء بلاده في الدول الأجنبية.

في المقابل، يترأس رئيس الحكومة هيكلًا هو مجلس الحكومة الذي يتمتع بصلاحيات أقل أهمية من المجلس الوزاري، فبينما يعدّ مجلس الحكومة السياسة العامة للدولة فلا يتمّ إقرارها إلا في المجلس الوزاري في كل الحالات. وإضافة لذلك، يلزم الدستور رئيس الحكومة أن يطلع الملك على خلاصات مداولات مجلس الحكومة.

وللإشارة، وردت الأحكام المنظمة للمجلس الوزاري في الدستور في الباب المتعلّق بالملك، فيما تم تنظيم أحكام مجلس الحكومة ضمن السلطة التنفيذية، فيما بدا رغبة في تمييز شكلي بين الملك والسلطة التنفيذية، والحال أن الملك يقود هذه السلطة بالنهاية.

وبذلك يظلّ الملك هو القائد الفعلي للسلطة التنفيذية بوجود هيكلين موازيين، أولاً المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، الذي يمارس الصلاحيات الرئيسية للسلطة التنفيذية، وثانيًا مجلس الحكومة، الذي يقوده رئيس الحكومة الذي يقتصر على ممارسة بعض الصلاحيات التنفيذية الأقل أهمية.

الملك المغربي هو القائد الفعلي للسلطة التنفيذية بوجود المجلس الوزاري الذي يرأسه ويمارس من خلاله أهم الصلاحيات

اقرأ/ي أيضًا: بوعزيزي مغربي..تاجر سمك "يطحن" دفاعًا عن بضاعته

سلطان الملك على الحكومة

رغم أن رئيس الحكومة هو الذي يتولى تكوين الحكومة والدفاع عن سياساتها أمام البرلمان للحصول على الثقة، فإن الملك يظلّ فاعلًا بشأنها بشكل حاسم. ولا يتعلّق الأمر بمجرّد التسمية البروتوكولية لرئيسها وهو بديهي، بل يتعلّق بدور الملك فيما يتعلق بتكوينها وإعفاء أعضائها.

حيث يعيّن الملك حصرًا أعضاء الحكومة. وإن كان رئيسها هو الذي يقترح الوزراء، فإنه لا يمكنه عمليًا أن يقترح وزيرًا يعارض الملك تعيينه، وعليه فحصول أي وزير على تزكية مسبقة من المخزن هو ضروري وهو ما تؤكده الممارسة الواقعية، والتي تظهر بشكل أكثر تبيّنًا بخصوص الوزارات السيادية.

من جانب آخر، يتمتع الملك بصلاحية إعفاء الوزراء دون الرجوع للبرلمان، مع الاكتفاء باستشارة رئيس الحكومة في هذه الحالة، ولا تعني الاستشارة الحصول على الموافقة. وعلى خلاف ذلك، إن أراد رئيس الحكومة إعفاء أحد وزرائه، فلا يمكنه أن يصدر أمرًا بذلك ويقدّم مرشحه البديل للبرلمان ثم يتم تعيينه من الملك، بل يجب عليه أن يقدم طلبًا في البداية للملك الذي يمكنه رفض طلب الإعفاء.

الملك صاحب صلاحيات دينية وعسكرية وأمنية

الملك هو "أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين"، ويرأس بذلك المجلس العلمي الأعلى الذي يصدر الفتاوى. وينص الفصل 41 من الدستور على أن الملك يمارس "الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين والمخولة له حصريًا". ولم يحدد الدستور المقصود بالصلاحيات الدينية وهي عبارة ذات معنى واسع. حيث يجمع شخص الملك بين منصبين يختلفان في تأسيسهما، فهو من جهة أولى رئيس الدولة بشرعية سياسية موروثة وهو من جهة ثانية أمير المؤمنين بشرعية دينية ملازمة للأولى. لتظل الخشية من استغلال صفته الدينية بما هو أمير المؤمنين لتحقيق غايات سياسية كالتحشيد ضد حركات المعارضة وقمعها.

وبخصوص صلاحياته العسكرية، فالملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويتمتع بموجب ذلك بحق التعيين حصرًا في المناصب العسكرية، وذلك دون استشارة رئيس الحكومة أو رئيسي غرفتي البرلمان. وتضمن هذه الصلاحيات للملك أن تظلّ مؤسسة الجيش تحت سلطته المطلقة. وينفرد الملك في هذا السياق بحقّ إعلان حالة الاستثناء وهي حالة الطوارئ وذلك بمجرّد الاكتفاء باستشارة شكلية لرؤساء الحكومة وغرفتي البرلمان والمحكمة الدستورية.

ولا تنحصر صلاحيات الملك على المؤسسة العسكرية بل تشمل المؤسسة الأمنية وذلك من خلال ترؤسه للمجلس الأعلى للأمن وهو هيئة تشاورية بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد وتدبير حالات الأزمات. كما يتم تعيين المسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك وإن كان يتم اقتراحهم من رئيس الحكومة، غير أنه تُستلزم نظريًا موافقة الملك الذي يتولى أمر التعيين. وتكشف هذه الصلاحيات هيمنة الملك على الجهازين الرئيسين الحاملين للسلاح في البلاد وهما الجيش والأمن، عبر حقه المطلق في التعيينات في الجهاز الأول، ووجوب موافقته على التعيينات في الجهاز الثاني.

هيمنة الملك على السلطة التشريعية

يتمتع الملك بدور فاعل ومؤثر في السلطة التشريعية عبر صلاحيات موسعة ممنوحة له. إذ يفتتح الملك السنة البرلمانية بخطاب غير قابل للمناقشة، وهو خطاب عادة ما يمثل إطارًا توجيهيًا للسياسة التشريعية للبلاد. كما يمكن للملك أن يخاطب البرلمان خلال نشاطه دون أن يكون مضمون الخطاب محلّ نقاش داخله كذلك، وهو ما يكشف عن الغطاء القدسي الذي يحيط بهذا الخطاب غير القابل للتعقيب والمفاوضة بين ممثلي الشعب. كما يمكن للملك طلب تشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق دون إمكانية رفض طلبه.

تتبيّن هيمنة الملك في المغرب من خلال حقه في حل مجلسي البرلمان، حيث يتم الحل بمجرد استشارة رئيس المحكمة الدستورية الذي يعينه بنفسه

ونتبين هيمنة الملك وضوحًا من خلال حقه في حلّ مجلسي البرلمان أو أحدهما وذلك دون قيد أو شرط، حيث يتمّ الحلّ بمجرّد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، الذي كان قد عيّنه الملك بنفسه، وبعد الاكتفاء بمجرّد إخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، وذلك دون اشتراط موافقتهم أو حتى استشارتهم.

وحينما طُرحت مسألة حلّ البرلمان في نظام جمهوري على غرار النظام التونسي، تم إقرار هذا الحقّ لرئيس الدولة في حالات مخصوصة، مع إعطاء البرلمان كذلك حق عزل رئيس الدولة بشروط منها تحقّق الإخلال الجسيم بواجباته. وعلى خلاف ذلك في الدستور المغربي، فلو كان الملك غير راض عن برلمان ما سواء بخصوص تركيبته أو أدائه أو غير ذلك، فله حلّه مطلقًا، في المقابل لا يمكن للبرلمان بالتوازي إقالة الملك أو حتى توجيه سؤال شفاهي له.

من جانب آخر، يمكن للملك أن يطلب من مجلسي البرلمان أن يقرأ مرة ثانية كل مشروع أو مقترح قانون، وهو ما يبيّن حق الملك في إبلاغ رفضه وممارسة الضغط علنًا لمنع إصدار قانون، وذلك بغض النظر عن التأثير والضغط غير المعلن مسبقًا. وبما أن القوانين يجب أن تحظى بختم الملك قبل العمل بها، لم ينص الدستور على حالة عدم الختم وهو ما يعني نظريًا عدم العمل بالقانون في هذه الحالة، وذلك على خلاف ما جرى عليه تنصيص الدساتير من العمل بالقانون بعد مدّة معينة دون توقف على رفض رئيس الدولة ختمه.

كما جعل الدستور من حق الملك في التوقيع على المعاهدات والمصادقة عليها حقًا مبدئيًا يمارسه وحده، مع التنصيص على استثناءات تستوجب المصادقة عبر قانون. وتكشف كل هذه الصلاحيات عن تغوّل مؤسسة الملك في السلطة التشريعية ومزاحمته للبرلمان المنتخب في ممارسة هذه السلطة، لدرجة تصل لإمكانية حلّ البرلمان بمجرّد أمر. وتؤكد عمومًا هذه الهيمنة الملكية تجاوز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة حيث يحكم الملك ويسود دون إمكانية مراقبة أدائه أو تقييمه أو محاسبته.

الملك رئيس السلطة القضائية

يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كما يعيّن خمسة أعضاء أي أكثر من ربع أعضائه. وينص الدستور على وجوب موافقة الملك على تعيين القضاة من قبل هذا المجلس. وتتنافى هذه الأحكام استخلاصًا مع مبدأ الفصل بين السلط لما يمثله ذلك من تعارض لضمانات استقلالية السلطة القضائية، حيث يُطرح التساؤل حول التوجيه الذي يمكن أن يمارسه الملك خاصة في القضايا ذات البعد السياسي.

وقد عمل الدستور على التجاوز الظاهر لمبدأ الفصل بين السلط كما وردت الإشارة سابقًا، من خلال اعتبار الملك سلطة خاصّة تختلف عن السلطات الثلاث، ولعلّه لذلك اعتبر الفصل 107 أن الملك هو بالنهاية "ضامن استقلالية السلطة القضائية"، وهي سلطة تظلّ بالنهاية تحت سلطان الملك "الضامن"، دون إمكانية مراقبته أو تقييمه في أداء هذه المهمة.

ويحتكر الملك، من جانب آخر، تعيين نصف أعضاء المحكمة الدستورية البالغ عددهم 12 عضوًا، فيما يتقاسم مجلس النواب ومجلس المستشارين تسمية بقية الأعضاء. ويتميّز الملك كذلك بحقه في تعيين رئيس هذه المحكمة، التي تتولى النظر في مطابقة القوانين قبل المصادق عليها للدستور أو في دستوريتها لاحقًا عن طريق الدفع من الخصوم في المحاكم العادية.

تحصين دستوري للنظام الملكي

حصّن الدستور النظام الملكي بعدم إمكانية المسّ به. كما يمنع الدستور تكوين أحزاب يكون أحد أهدافها المساس بالنظام الملكي، وذلك على غرار تقييدات أخرى على غرار المساس بالدين الإسلامي والمبادئ الدستورية. وعليه تُمنع الأحزاب التي تطالب بإنشاء نظام جمهوري من النشاط.

وعلى خلاف ذلك، لا يمانع الدستور البريطاني غير المكتوب من إنشاء أحزاب تطالب بإسقاط الملكية وإنشاء نظام جمهوري على غرار الحزب الجمهوري، بل إن الحركة الجمهورية في بريطانيا تلقى نشاطًا ورواجًا دون أي تقييدات، وذلك على خلاف المغرب حيث يلقى الناشطون الجمهوريون تضييقات من السلطات قد تؤدي بهم للسجن بأحكام القانون الجزائي، إضافة لما نص عليه الدستور صراحة حول وجوب عدم انتهاك حرمة شخص الملك، ووجوب توقيره واحترامه.

اقرأ/ي أيضًا:

 اعتقال سعد لمجرد بتهمة الاغتصاب..الجدل متواصل

الدلالات السياسية لعودة المغرب للاتحاد الأفريقي