10-أبريل-2017

سعدالدين العثماني في إحدى الحملات الانتخابية قبل سنوات (عبدالحق سينا/ أ.ف.ب)

يُعد حزب العدالة والتنمية المغربي ذو المرجعية الإسلامية، الوحيد المعترف به من طرف الدولة المغربية في صف الإسلاميين. ويُقدم الحزب نفسه على أنه حزب سياسي ديمقراطي بمرجعية إسلامية، فبعد هبوب رياح الربيع العربي التي أطاحت بعدد من الأنظمة العربية، برزت حركة 20 فبراير المغربية، لتطالب بإسقاط الحكومة التي كانت تحت قيادة حزب الاستقلال، فضلًا عن إصلاحات فعّالة في السياسية المغربية. 

يُعد حزب العدالة والتنمية المغربي ذو المرجعية الإسلامية، الوحيد المعترف به من طرف الدولة المغربية في صف الإسلاميين

وبالفعل روجع الدستور المغربي، وأُجريت انتخابات تشريعية مبكرة، أدت إلى فوز حزب العدالة والتنمية عام 2011، والذي كان  بمثابة معارض شرس لما يُعرف بأحزاب المخزن، ويبدو أنّه لم يكن يتخيّل أن يفوز بولاية ثانية في الانتخابات التشريعية لعام 2016.

إلا أن تشكيل الحكومة هذه المرة لم يكن بتلك السهولة التي تخيلها الإسلاميون المغاربة، فقد عانى عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، من احتباس حكومي دام أزيد من أربعة اشهر، بسبب رفضه الشروط التي فرضها الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار عزير أخنوش، المقرب من القصر، وثاني أغنى رجل في المغرب بحسب "فوربس".

اقرأ/ي أيضًا: تشكيل الحكومة المغربية.. ماراثون بنكيران

وعند إعفاء بنكيران من طرف العاهل المغربي، عُيّن سعد الدين العثماني، الشخصية الثانية في حزب العدالة والتنمية. ويبدو أنه قبل بشروط عزيز أخنوش، وأبرزها دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة، الذي ظل يرفضه بنكيران بشدة، وقبوله بوزارات في قطاعات غير ذات أهمية، بخاصة وأن عزيز أخنوش ظهر وكأنه منتصر على حزب العدالة والتنمية، بعد توليه وزارة الفلاحة والصيد البحري، وهي الوزارة الأهم في حكومة سعد الدين العثماني بعد وزارة الداخلية والعدل، لاسيّما مع الميزانة الهامة التي رُصدت لها.

يدفع هذا إلى طرح أسئلة عديدة، أهمها: هل خسر حزب العدالة والتنمية شعبيته والصورة التي ظل يروجها للمغاربة، على أنه جاء لتخليق المشهد السياسي في المغرب؟ أم أن الحزب لم يستطع مواجهة منافسيه من أحزاب سياسية تلقيدية؟

وفي هذا الصدد يقول أحمد بوز، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حديثه لـ"ألتر صوت"، إن التنازلات التي قدمها حزب العدالة والتنمية بهدف تشكيل الحكومة، من الممكن مستقبلًا أن تخدش صورته التي نجح في ترويجها أمام المغاربة في المراحل السابقة.

وكان حزب العدالة والتنمية يُروج لنفسه على أنه جاء لتشكيل الحياة الحزبية في المغرب، والدفاع عن استقلالية القرار الحزبي، لكن "بعد إعفاء بنكيران وقدوم سعد الدين العثماني كرئيس حكومة، خُلقت تساؤلات عديدة لدى الرأي العام. أهمها: إلى أي درجة تعكس نوعية الخطاب الذي كان يسوقه الحزب في المراحل السابقة؛ مضمون الحزب و قناعاته؟ أم أن الهاجس الوحيد لدى الحزب هو الحفاظ على المناصب السياسية أو الحكومية؟".

"لا نستطيع الحديث عن الفائز في هذه المعركة"، يقول أحمد بوز، مُستدركًا: "لكن بالتأكيد الخاسر الوحيد هو الحقل الحزبي والسياسة المغربية بصفة عامة"، وإن لم تكن متقدمة تمامًا كما يقول أحمد بوز، إلا أن "بصيص الأمل الذي تجلى في عام 2011 أعطى دينامية، أو مثل عودة الروح للعمل الحزبي، لكن يبدو أن هذا الأمل قد تلاشى".

أصوات غاضبة داخل العدالة والتنمية

لم يسبق أن برزت تيارات أو اقطاب واضحة داخل حزب الإسلاميين المغاربة، لكن بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة عن أصوات استنكرت ما حدث لحزبها، خصوصًا بعد تنازلات سعد الدين العثماني الأخيرة. ويبدو أن كل ما حدث لحزب العدالة والتنمية سيكون له تأثيرات مستقبلية، فهذه الأحداث بمثابة قطرة ماء بدأت تتسرب داخل الحزب.

ويمكن رؤية ما اعتبرت تنازلات من قبل سعد الدين العثماني، أنها "لن تمر بسلام"، إذ لا تتمتع هذه الخطوة برضى كل أطياف مناضلين حزبه.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة المغرب الجديدة.. سهام الانتقادات متواصلة

وصحيح أن بنكيران ذهب وفي حلقه غصة، ويتضح ذلك من خلال ردود أفعال المقربين منه، لكن هل سيكرس حزب العدالة والتنمية للقاعدة العامة في الحياة السياسية المغربية "مات القائد عاش القائد"؟ وهل ظهور أصوات داخل الحزب، بدأت تعلو، ممن لم يحظوا بمناصب حكومية، وأنه سيكون لها تأثير داخل الحزب؟ هذه مجموعة من التساؤلات تشكل اختبارًا حزبيًا لا يُمكن الإجابة عنه إلا مُستقبلًا.

هناك انطباعات عند المغاربة، بخاصة في مواقع التواصل، يسيطر عليها اليأس والإحباط ، مباشرة بعد الإعلان عن تشكيل حكومة العثماني

ويرى رشيد زرق الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الدستوري، خلال حديث لـ"الترا صوت" أن العدالة والتنمية رغم حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، إلا أن أمور الحكومة لا تبقى محصورة في النتائج الانتخابية، مُوضحًا: "ينبغي أن تعمل للحصول على شرعية الإنجاز". 

أما السبب في كون أغلب القطاعات ذات الأهمية الكبرى عادت إلى أحزاب غير العدالة والتنمية، فربما يرجع إلى شأن الإرادة الملكية التي رسمت ملامح هذه الحكومة والتوزير فيها.

كما أن فريق حزب العدالة والتنمية وحلفاءه، طوال المرحلة السابقة، أكدوا على إمساكهم بالسلطة التنفيذية، رغم أنهم كانوا من يصرون على أنهم يملكون الحل المناسب والناجع لمشاكل الوطن، وما على المواطنين سوى الانتظار لرؤية الوقائع والتغيرات، فكانت النتيجة هي تصريحات رئيس الحكومة الصريحة التي يؤكد فيها أنه فقط مساعد للملك لا يملك شأن تحريك الواقع من تلقاء نفسه أو حكومته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا بعد إعفاء الملك لبنكيران من رئاسة الحكومة؟

أزمة السكن في المغرب.. البحث عن "قبر الحياة"