07-سبتمبر-2023
gettyimages

قلق واسع في ليبيا من التوترات على حدودها الجنوبية مع تشاد (Getty)

تشهد الحدود الليبية التشادية، تفجرًا للصراع المسلح بين الجيش التشادي، وقوات المعارضة التشادية المسلحة التي تتخذ من الأراضي الليبية قاعدة خلفية لها، في حين لا يغيب الدور الفرنسي الروسي عن الصراع في المنطقة.

وكانت وسائل إعلام ليبية، قد ذكرت أن الجيش التشادي هاجم "جبهة الوفاق والتناوب" التشادية المعارضة في الأراضي الليبية، بدعم من القوات الجوية الفرنسية.

وقالت الجبهة في بيان لها، إن "قرابة 200 شاحنة بيك آب تابعة للقوات المسلحة التشادية، تحت غطاء القوات الجوية الفرنسية، دخلت الأراضي الليبية لمهاجمة مقاتلي الجبهة".

نفت باريس الاتهامات التي طالتها بالوقوف وراء الغارات الجوية التي استهدفت قواعد المعارضة التشادية بالقرب من المثلث الحدودي الليبي التشادي النيجيري

نفي فرنسي

في حين، نفت باريس الاتهامات التي طالتها بالوقوف وراء الغارات الجوية التي استهدفت قواعد المعارضة التشادية بالقرب من المثلث الحدودي الليبي التشادي النيجيري.

وذلك من خلال بيان، نشر عبر حساب السفارة الفرنسية في ليبيا، على منصة إكس (تويتر سابقًا)، جاء فيه: "تنفي السفارة الفرنسية في ليبيا، المعلومات الزائفة التي تداولتها بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بشأن تورط فرنسا في عمليات عسكرية في ليبيا".

واعترفت قوات حفتر التي تسيطر على إقليم فزان المحاذي للحدود مع النيجر وتشاد، بقصف طيران الجيش التشادي لآليات قوات المعارضة داخل الأراضي الليبية. لكنها نفت توغل القوات التشادية داخل ليبيا، فالمعارك تدور بالقرب من منطقة وادي الطلح شمالي تشاد، التي تبعد 60 كلم عن الحدود الليبية.

عملية عسكرية لقوات حفتر

وبسبب تدهور الوضع الأمني قرب الحدود الليبية التشادية، أطلقت القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، قبل أسبوعين، عملية "عسكرية وأمنية" واسعة النطاق في جنوب البلاد، لطرد ما وصفتها بـ"المجموعات المسلحة الأجنبية".

وأظهرت مقاطع مصورة، نشرتها حسابات ليبية على مواقع التواصل الاجتماعي، إنزالًا جويًا لقوات حفتر في منطقة جبال كلنجا على الحدود التشادية، وعمليات قصف جوي نفذتها طائرات حفتر على مواقع قالت إنها للمعارضة المسلحة التشادية.

وقال الناطق باسم قوات حفتر، اللواء أحمد المسماري، إن "الطائرات وجهت ضربات لمجموعات مسلحة تتخذ من ليبيا منطلقًا لتنفيذ هجمات على دول الجوار".

getty

وبرر المسماري، العملية العسكرية التي شنتها قوات حفتر، بأنها جاءت بسبب "التوتر السياسي والأمني الذي تمر به دول جوار ليبيا، والذي أسهم في ضعف قدرة تلك الدول في التحكم والسيطرة على حدودها، مما ساعد في تحرك خلايا من الجماعات الإرهابية والإجرامية بشكل واضح"، وفق تعبيره.

وأكد السماري، أن الأوضاع الأمنية على طول الشريط الحدودي بين ليبيا، ودولتي تشاد والنيجر، أصبحت مستقرة، مشيرًا إلى أن "القوات المسلحة تقوم بعمليات مداهمة لمواقع الجماعات الإجرامية التي تعمل في تهريـب السلاح والمخدرات والوقود في جنوب البلاد"، على حدّ قوله.

دور روسي عبر "فاغنر"

في خضم ذلك، أرسلت روسيا نائب وزير دفاعها يونس بك يفكوروف، إلى مدينة  بنغازي للقاء الرجل الذي يسيطر على شرق ليبيا خليفة حفتر، بعد أيام قليلة من اندلاع المعارك بين القوات التشادية وقوات المعارضة في الشريط الحدودي مع ليبيا، وجاءت الزيارة قبل يوم  واحد من مقتل صاحب الشركة الروسية الخاصة "فاغنر" يفغيني بريغوجين، بعد  سقوط طائرته الخاصة بالقرب من موسكو، بعد رحلة قادته إلى أفريقيا.

وذهب متابعون للقول، إن "فاغنر" التي تتواجد في الأراضي الليبية لحماية المواقع الحساسة والاستراتيجية التي يسيطر عليها حفتر، وتدعم قوات المعارضة التشادية لزعزعة النفوذ الفرنسي في إنجامينا. وجاء ذلك في خلفية اتهام واشنطن العلني لها بالوقوف وراء هجوم المتمردين التشاديين في عام 2021، وزحفهم نحو إنجامينا، بعد أن استولوا على عدة مدن وبلدات تشادية، هى من كانت وراء تشجيع قوات حفتر، للقيام بالعملية العسكرية قرب الحدود الليبية التشادية.

وتحدثت مصادر ليبية، عن تعرض مسلحين تشادين ينتمون للمعارضة لهجوم من قبل وحدات من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مما أدى إلى إجبارهم على مغادرة  الأراضي الليبية إلى الأراضي التشادية، اعتراضهم من قبل الجيش التشادي. ويظهر تقاطع المصالح، من خلال دعم باريس وموسكو لعملية عسكرية جنوب ليبيا، عبر حفتر.

قلق ليبي

تأتي العملية العسكرية، التي انطلقت في 25 آب/ أغسطس الماضي، في وقت أعلنت حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، موافقتها عليها، لكن نشطاء ليبيون، أعربوا عن قلقهم من انفجار الوضع الأمني على الحدود مع تشاد، الذي يترافق مع تهديدات دولية وإقليمية بالتدخل العسكري في النيجر، من قبل فرنسا والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس"، لإعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم للحكم، بعد عزله من خلال انقلاب عسكري قاده ضباط في الجيش النيجيري، بالإضافة لتوسع القتال في السودان إلى إقليم دارفور الذي يشترك في حدود مع ليبيا وتشاد.

واعتبروا ما يجري على طول الساحل الأفريقي، انعكاسًا لصراع النفوذ بين باريس وموسكو، من شأنه إشعال حروب في المنطقة تمتد شمالًا وجنوبًا، ولن تكون ليبيا بمعزل عنها.

getty

شرارة الأحداث الأخيرة

في 20 آب/ أغسطس، زار الحاكم العسكري المؤقت في تشاد، محمد إدريس ديبي، قواته في منطقة "كوري بوغودي" بولاية تيبستي التشادية، وأعلن تحديه لقوات المعارضة، وتوعدهم بالمطاردة، رغم أن والده الرئيس السابق إدريس ديبي قتل على جبهات القتال في 20 نيسان/أبريل 2021 خلال قيادته لقواته للتصدي للهجوم العسكري الكبير لقوات المعارضة المسلحة بقيادة جبهة "الوفاق والتناوب"، التي توغلت جنوبًا حتى لم يعد يفصلها عن العاصمة إنجامينا سوى 200 كلم. لكنه نفى في نفس الوقت، أن تكون قواته قد توغلت داخل الأراضي الليبية، مؤكدًا أنهم لم يتخذوا مثل هذا القرار.

وكانت شرارة الأحداث الأخيرة قد اندلعت، في 10 آب/ أغسطس الماضي، حين تعرضت قوات تشادية لهجوم مسلح في ولاية تيبستي ذات الطبيعة الجبلية والصحراوية والغنية بالذهب، غير بعيد عن الحدود الليبية ، على يد مقاتلين من فصيل يدعى "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية".

كما أعلن الفصيل المتمرد هجومه على قوات تشادية في منطقتي "وور" و"كوري" بولاية تيبستي، حيث قتل عدد من الجنود، وأسر مجموعة أخرى، بالإضافة  لتدمير عدد من المدرعات، والاستيلاء على أسلحة ومركبات.

اعترفت قوات حفتر التي تسيطر على إقليم فزان المحاذي للحدود مع النيجر وتشاد، بقصف طيران الجيش التشادي لآليات قوات المعارضة داخل الأراضي الليبية

وردت القوات التشادية بشن غارة جوية بطائرات مُسيّرة على مواقع لمتمردي جبهة "الوفاق والتناوب" جنوب ليبيا.

صراع النفوذ

ولم يتوقف الجيش التشادي، الحليف الرئيسي لفرنسا بمنطقة الساحل، عند الغارة الجوية، بل أرسل مئات العربات المسلحة إلى شمالي البلاد، لمطاردة عناصر المعارضة المتمردة، التي اتهمها بالتوغل إلى شمال تشاد، انطلاقًا من قواعدها الخلفية في جنوب ليبيا.

أما روسيا، فلم تكشف عن دورها في الأحداث الأخيرة على الحدود الليبية التشادية، لكن وجود "فاغنر" في جنوب ليبيا، أي شمال تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى جنوبها، والسودان شرقها، يضع إنجامينا حليفة باريس تحت حصار خانق، خاصةً مع المحاولات الروسية لوضع موطئ قدم في النيجر غربًا، فهذا يعني تطويق نظام محمد ديبي من الجهات الأربعة.