29-أبريل-2023
Getty

مخاطر تحول الصراع في السودان إلى صراع إقليمي عالية (Getty)

يثير القتال الدائر في السودان مخاوف جيرانه، وتتعد أسباب تلك المخاوف بين الخشية من عمليات النزوح الكبير، إلى انتقال الصراع عبر الحدود، وليس انتهاءً بخطوط أنابيب البترول ومياه نهر النيل.

ويشترك السودان بحدود مع 7 دول هي: مصر في الشمال، وليبيا في الشمال الغربي، وجنوب السودان جنوبًا، وجمهورية أفريقيا الوسطى في الجنوب الغربي، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، وإريتريا شرقًا، وتشاد غربًا.

انعكاسات القتال الكبيرة في السودان، تنعكس على دول الجوار في ملفات هامة واستراتيجية

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأسبوع  الماضي، من أن الآمال في التوصل إلى حل سريع في السودان تتضاءل مع فشل كل اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما ينذر بـ"حريق كارثي" يمكن أن "يبتلع المنطقة" بأسرها.

وتشير الصحفية ميريام برجر في مقال لصحيفة "الواشنطن بوست"، إلى أن مخاطر تحول الصراع في السودان إلى صراع إقليمي عالية. وذلك بالنظر إلى الأهمية الجيوستراتيجية للسودان، فالبلد الغني بالمعادن يقع عند تقاطع المحيط الهندي مع القرن والساحل الأفريقي والعالم العربي، ويمر نهر النيل وخطوط أنابيب النفط عبره، ويربط مصيره بجيرانه.

https://t.me/ultrasudan

مصر علاقة متشابكة وأمن

تتشابك العلاقة بين البلدين، من خلال التاريخ والثقافة والسياسة. وتعتبر الجالية السودانية في مصر أكبر جالية، إذ يقدر عددها بنحو 5 ملايين مواطن سوداني. وهناك اتفاقية لحرية الحركة بين البلدين، والتي تسمح للمواطنين من الجانبين بالتنقل بينهما في الاتجاهين للإقامة والعمل. 

ومنذ الثورة الشعبية والاطاحة بنظام عمر البشير عام 2019. ومن ثم سيطرة العسكر على مقاليد السلطة، بعد الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) ضد الحكومة المدنية عام 2021، لم يشهد السودان استقرارًا. وهنا يبرز موقف القاهرة الداعم لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، فوجود نظام ضعيف في الخرطوم أو ظهور نظام سياسي بديل معادٍ للقاهرة قد تكون له تداعيات خطيرة . لذا تشعر القاهرة بالقلق من تداعيات عدم الاستقرار في السودان. ولهذا عدة أسباب، من بينها ملف أزمة سد النهضة، حيث يعتقد أن تفجر الصراع سيربك الموقف السوداني ويضعف تحفظاته المشتركة مع مصر بخصوص الملء الرابع للسد، المنتظر أن يبدأ صيف هذا العام. لذا فإن مسألة إرساء قواعد السلام والاستقرار في السودان تعتبر قضية أمن قومي بالنسبة لمصر، بحسب الواشنطن بوست.

Getty

الجارة الجنوبية

يصدر جنوب السودان، الذي انفصل عن السودان في عام 2011 بعد حرب أهلية استمرت عقودًا، إنتاجه النفطي البالغ 170 ألف برميل يوميًا من خلال خط أنابيب يمر عبر جارته الشمالية. ويقول محللون إن أيًا من الطرفين في الصراع السوداني ليس لديه مصلحة في تعطيل تلك التدفقات، لكن حكومة جنوب السودان قالت هذا الأسبوع إن القتال أعاق بالفعل الروابط اللوجستية والنقل بين حقول النفط في جنوب السودان وبورتسودان.

ويبرز في الصراع  الحالي موضوع اللاجئين، إذ يعيش حوالي 800 ألف لاجئ من جنوب سودان في السودان، جراء الحرب الأهلية التي ضربت أحد أفقر الدول في العالم. ومع اندلاع المعارك، عادت أعداد كبيرة من هؤلاء اللاجئين إلى جنوب السودان بالإضافة لأعداد من السودانيين الهاربين من تدهور الأوضاع الأمنية، مما وضع حكومة جنوب السودان تحت ضغط توفير المساعدات الإنسانية. 

ووفقًا لممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنوب السودان ماري هيلين فيرني فإن البلد غير مجهز من أجل استقبال العائدين واللاجئين من السودان، حيث يعيش 75% من سكان جنوب السودان على المساعدات الإنسانية. وتضيف الواشنطن بوست، أن الصراع في السودان يهدد بإعادة إشعال المنافسة في الجنوب نظرًا للموارد الشحيحة في الدولة الفقيرة والتي تعاني من تناحر الزعماء والانقسامات العرقية. ويعتمد شمال جنوب السودان اقتصاديًا على السودان، وقد تسبب القتال في تعطيل إمدادات المواد الغذائية والسلع الأساسية.

Getty

التشاد وتمدد فاغنر

استقبلت الجارة الغربية، حوالي 400 ألف نازح سوداني في الحروب السابقة التي شهدها السودان، حيث تم استقبالهم من خلال مخيمات حدودية. ومنذ بداية القتال الحالي، وصل إلى تشاد حوالي 20 ألف نازح، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 100 ألف. مع خشية الحكومة التشادية من امتداد الأزمة عبر الحدود، حيث سبق ونفذت ميليشيات الجنجويد (الدعم السريع لاحقًا) عدة هجمات عبر الحدود السودانية- التشادية، وذلك خلال القمع في إقليم دارفور.

كما تخشى تشاد من الوقوع في حروب إقليمية وحروب بالوكالة، وبحسب وثائق البنتاغون السرية التي سربت مؤخرًا، توضح بالتفصيل الجهود التي تبذلها مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية -التي تربطها علاقات قوية مع الدعم السريع- لتجنيد المتمردين التشاديين، وتدريبهم في جمهورية أفريقيا الوسطى في مخطط للإطاحة بالنظام في تشاد، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في الساحل الأفريقي.

حلفاء الدعم السريع في ليبيا

تحدثت مصادر إعلامية أمريكية أن الميليشيات التي يقودها اللواء المتقاعد في ليبيا خليفة حفتر  أرسلت إمدادات عسكرية لقوات الدعم السريع. وهو ما يزيد من خطورة تصاعد القتال وتوسعه الإقليمي.

بالمقابل تتحدث مصادر أخرى، أن الحرب التي شهدتها ليبيا، انخرط فيها الدعم السريع إلى جانب خليفة حفتر الذي يسيطر على الشرق الليبي.  

وقد عاد العديد من المرتزقة والمقاتلين السودانيين إلى السودان، مما ساهم في رفع التوتر في منطقة دارفور غرب السودان، حيث اندلع القتال مرةً أخرى، واستمر القتال بعد اتفاق السلام مع بعض الجماعات المتمردة في عام 2020.

كما تعتبر السودان نقطة انطلاق وطريق عبور للذين يسعون للجوء في أوروبا، ويهاجرون عبر ليبيا، حيث استغل تجار البشر الصراع والاضطرابات السياسية في المنطقة لتسهيل عملهم.

Getty

أفريقيا الوسطى.. وخطر انتقال الصراع

تعاني جمهورية أفريقيا الوسطى، الواقعة في جنوب غرب السودان، من حرب أهلية وعنف طائفي منذ سنوات، بالإضافة لسوء الإدارة. وتدير المجموعات المسلحة، ومرتزقة "فاغنر" البلاد عبر السيطرة على مناجم التعدين وتجارة الألماس. في المقابل يفتقر نصف السكان البلاد إلى ما يكفي من الغذاء وقلة قليلة منهم يحصلون على المياه النظيفة، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. ويخشى من انتقال الصراع إليها في ظل سيطرة أهم حلفاء الدعم السريع على مقدرات البلاد.

إثيوبيا: من صراع الحدود إلى سد النهضة

تشترك إثيوبيا والسودان في نزاع حدودي، تندلع على إثره مناوشات بشكل دوري على طول الأجزاء المتنازع عليها. ويقول محللون إن الصراع في السودان قد يساعد إثيوبيا للضغط من أجل تحقيق مطالبها في هذا الصراع الحدودي. 

كما تبرز قضية سد النهضة، إذ تراقب إثيوبيا التطورات في السودان في ضوء التوترات المتعلقة في الملء الرابع للسد، ويقول السودان إن السد قد يمثل تهديدًا لسدود النيل ومواطنيها.

وعندما اندلعت الحرب في إقليم تيغراي بإثيوبيا عام 2020، دفعت بأكثر من 50 ألف لاجئ إثيوبي إلى مناطق فقيرة في شرق السودان، وانتهت باتفاق سلام هش أواخر العام الماضي، يهدد بالانفجار مرة أخرى.

التقديرات تشير إلى مخاطر من تحول الصراع في السودان إلى صراع إقليمي 

إريتريا: زعزعة الاستقرار الهش

قد تؤدي التغييرات في ميزان القوى في السودان إلى زعزعة التحالفات الهشة في إريتريا المجاورة. واستضاف السودان آلاف اللاجئين من طالبي اللجوء الإريتريين، حيث تعتبر السودان الملجأ الأساسي للفارين من التجنيد الإجباري. كما فر الآلاف منهم من مخيمات اللجوء شمال إثيوبيا إلى السودان بعد تصاعد الحرب في تيغراي، مما سيزيد من محنة اللاجئين.