08-مارس-2020

من أعمال الحلاج

ولد في قرية سَلَمة، بالقرب من يافا عام 1938، وكان يهوى زيارة البيارات مع جده، وحين بلغ عشر سنوات عام 1948 هاجر قسرًا مع عائلته إلى مصر. هناك تعلم وتربى وشعر بانتماء لمصر معتبرًا إياها بلده الأم بسبب علاقة نشأت بينه وبين نهر النيل، حيث كان يلعب بالطين ويخرج من الطين منحوتات صغيرة ويعتبر ذلك كأول تكوين فني للحلاج.

بقي في مصر حتى عام 1970، أي ما يقارب 22 سنة، وهي فترة شبابه حيث درس النحت في جامعة القاهرة في كلية الفنون، وتنقل في مصر ذهاب إلى الأقصر حيث احتك بالحضارة الفرعونية. وبعدها قرّر العيش بين الشام وبيروت حتى وفاته في عام 2002 أثناء محاولته إنقاذ لوحاته من الحريق.

تخلى الحلاج عن النحت باعتباره وسيلة ثقيلة لإنسان مُهّجر لا يملك بيتًا

تخلى الحلاج عن النحت باعتباره وسيلة ثقيلة لإنسان مُهّجر لا يملك بيتًا، واختار أن يمتهن فن الحفر والطباعة اليدوية على الخشب، حيث كان يحضر لوحات خشب ويقوم بحفر رسمته المرتقبة بيده بتفاصيل دقيقة ومحددة جدًا ثم يقوم بتحبير اللوحة ويكبس اللوحة بالمكبس، ثم يصدر من كل لوحة مثلًا عددًا من النسخ أو الكبسات المطبوعة على الورق المرقمة الممهورة باسمه.

اقرأ/ي أيضًا: معرض "رحلة انتماء 2".. أعمال فنية تحاور مفهوم الهوية

كان لمعركة الكرامة عام 1968 أثر كبير في توجه الحلاج الفني، وقام بافتتاح أستديو في الشام لعرض أعماله الفنية في عام 1974، وحضر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات افتتاح معرضه في دمشق، ما يدل على عمق العلاقة بين الحلاج وفنه والقضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية "فتح" آنذاك.

رمزية الفن في الشتات

السيدة فادية عنتر، مديرة مؤسسة رمزي وسائدة دلول للفنون في بيروت، قالت لموقع "ألترا صوت": "الفن الفلسطيني يقسم إلى قسمين: فن الشتات وفن الداخل". وأضافت "هؤلاء الفنانون كانوا يعتبرون أن الفن وسيلة للمقاومة ولإبقاء قضيتهم على قيد الحياة ووسيلة من وسائل الترويج لانتفاضتهم وقضيتهم. وكانت موضوعات الفنانين الفلسطينين تحكي قصتهم إن كان برسم بساتين الليمون والزيتون على اعتبار أنها كلمة مضادة في وجه الوافدين اليهود الذين تم إقناعهم بأنهم جاؤوا إلى أرض بلا شعب".

تذكر عنتر أن كل الفن الفلسطيني متحدر من فن الأيقونات المسيحية، وردًا على مقولة أرض بلا شعب، صارت مواضيع الفنانين بساتين الليمون والزيتون والبيارات والتلال وكل ما هو نتاج الطبيعة، لأن الزراعة دليل على وجود الحضارة واستقرار الإنسان، فالمزارع لا يبارح أرضه بل يسكن فيها وإليها وينتظر المواسم تلو المواسم، ولذلك لا يمكن للمزارع الترحال بل دائم الوجود في أرضه، فالثبات يعني الحضارة وتكييف كل الطبيعة لخدمة سكان الأرض في القرى والأرياف والمدن.

وترى أن الفن الفلسطيني في الخارج، أي في الشتات، كان يتميز بالغياب التام للرجل لأن من خرجوا كانوا في غالبيتهم من النساء والأطفال فيما بقي الرجال للحرب والمقاومة. اتسم الفن في الشتات أيضًا بالحرمان من البيت والوطن والهوية والتفكك والانكسار، وحين نشأت حركة الكفاح المسلح تغيرت هذه الصورية نحو العنفوان فأصبح الرجل يحمل البارودة والمرأة والطفل إلى جانبه، وظهرت رسومات تعبر عن المقاومة والقوة، وصار التعبير عن القضية الفلسطينية يتخذ منحى أكثر رمزية.

أسلوب الحلاج الخاص والمميز

تصف فادية عنتر في حديثها أن مصطفى الحلاج يشبه طائرًا يغرد خارج السرب فهو الوحيد الذي لم يتمسك بالنمطية الصورية التي تعتمد على الرموز. وتشير إلى أنه تخلى عن الرموز وذهب لطرح قصته الشخصية الحميمية ومن خلالها قصة بلده.

فاديا عنتر: "لا يزال أمامنا الكثير من الجهد من أجل التعريف بفن الحلاج عالميًا كونه اخترع منحى فنيًا جديدًا"

وبذلك، بحسب تفسيرها، اتخذ أسلوبًا خاصًا به عبر العودة إلى التاريخ والأصول الأساسية في الحضارة الفرعونية وبلاد ما بين النهرين والأشورية والكنعانية والسومرية. وكلها شكلت منبعًا لفنه حيث تعمق في عوالمها، فكان فنه تعبيرًا عن حقيقة داخلية مستنبطة من التاريخ. تشبَه فنه كأنه "نوع من السريالية وأهميته لأنه أسس لمدرسة فنية مبتكرة خاصة به يمكن تسميتها الواقعية الداخلية".

قيمة فن الحلاج

مصطفى الحلاج فنان لا يزال على نطاق فني ضيق لم يأخذ حقه ويجب أن يعطى فنه الاهتمام اللازم. تقول فاديا عنتر "لا يزال أمامنا الكثير من الجهد من أجل التعريف بفن الحلاج عالميًا كونه اخترع منحى فنيًا جديدًا وهذا ما يميزه، ولذلك نبذل الجهود كمؤسسة لنشر فن الحلاج محليًا وعالميًا، كون فنه يحمل أسلوبًا خاصًا وهو خليط من السريالية والواقعية والرمزية وأفكاره وأعماله المجنونة الجميلة، حيث أصبح للإنسان رأس حيوان والشجرة لها ثدي امرأة والمرأة لديها عشرون ثديًا معطاء".

اقرأ/ي أيضًا: 5 من روّاد التشكيل في مصر

كثيرًا ما استلهم الفنانون من التراث، لكن ما يميز الحلاج أنه أدخل قضيته إلى التراث، فصار الشهيد يُحمل على أكتاف الفراعنة، لذا فإن قيمة الحلاج أنه دخل من التاريخ الماضي للتعبير عن التاريخ الحالي، حسب تعبيرها. وأما أترابه الفلسطينيين فيهتمون بأعماله من أجل الحفاظ على تراثه، وتملك الفنانة سامية الحلبي في أمريكا أكبر مجموعة من أعماله، وكتبت عنه الكثير من الأطروحات إلى درجة يمكن رؤية فن مصطفى الحلاج من خلال عيون سامية الحلبي.

تشير عنتر إلى أنه "لا تلقى أعمال الحلاج صدى عالميًا، إلا أنها منتشرة في العالم العربي"، وقد تم عرض أعمال الحلاج الفنية في متحف هيوستن في أمريكا ضمن معرض للفن الفلسطيني وقد تم عرض لوحة طويلة تبلغ أكثر من 148 متر مصنوعة من 222 ورقة وعنوانها "صورة شخصية: أنا والشيطان"، وهي من أكبر الأعمال المحفورة والمطبوعة في العالم.

تراجيديا موت الحلاج

كان ينقل لوحاته من بيروت إلى الشام عام 1982 وتعرض الباص للقصف فاحترق 2500 عمل من أعماله، وحينها شعر أن الطيران الإسرائيلي دخل في دهاليز رأسه وفي كل فتحات جسده، وقد اخترع الحلاج في رسوماته فتحات جديدة في جسده الإنساني ليعبر عن حجم ما فعل به العدوان الإسرائيلي.

ثم احترق متحفه في الشام عام 2002 جراء شحنة كهربائية مما دفعه إلى محاولة إخراج أعماله الفنية، وبقي بعض الأعمال في داخل المتحف لكنه أصر على الدخول لإخراجها بالرغم من تحذيره من عدم الدخول، فانهار المبنى عليه وتوفي عن عمر 64 عامًا ودُفن في مخيم اليرموك في سوريا.

دفع الحلاج حياته ثمنًا لإنقاذ فنه، ورهن حياته لقضية شعبه ووطنه، وجاءت رسوماته تعبيرًا عن الظلم جراء التهجير والاحتلال وعدم الاستقرار وغياب الوطن والغربة ووجع الذاكرة والذكريات وكل الذي عانى منه طوال مسيرة حياته، ففدى نفسه كرمى للفن فمات حرقًا وعاشت لوحاته.

إعادة احياء فن الحلاج

تأخذ مؤسسة دلول على عاتقها هذه المهمة في إعادة إحياء ونشر فن اللوحات عبر خطوات عدة، وكما تشير مديرة المؤسسة فادية عنتر فذلك يتم عبر "دراسات مستفيضة عنه، ولا زلنا حتى الآن فقط في مرحلة الدراسات. وتجميع كل ما يمكن أن يكون كتب عنه أو ما كتبه هو من مقالات أو نصوص تاريخية أو نصوص حول الفن".

وتضيف أنه في "خطوة لاحقة سنقوم بالاتصال بأفراد من عائلته من أجل توفير معلومات إضافية عن حياته الشخصية والفنية كون أسرته تتوفر لديها معلومات بطبيعة الحال عن الفنان وأعماله".

ما يميز مصطفى الحلاج أنه أدخل قضيته إلى التراث، فصار الشهيد يُحمل على أكتاف الفراعنة

ومن الجهود المبذولة أيضًا تجميع الوثائق والكتابة عنه ووضع السيرة الذاتية. وتذكر عنتر أن هناك طالبة أميركية اسمها أليساندرا آيمن تحضر لرسالة دكتوراه عن مصطفى الحلاج في جامعة تكساس، وقد زارت بيروت ومكثت ثلاثة أشهر، وبحثت حول حياة الحلاج وفنه، وقد تم التعاون فيما بين مؤسسة دلول والطالبة حيث عملت لمدة شهرين.

اقرأ/ي أيضًا: "أكوان" معرض بسّام كيرلس.. الحرب ذاكرة المباني

كما يمكن لاحقًا ترجمة الأطروحة إلى العربية ونشرها وجعلها بمتناول القارئ العربي. تفيد عنتر: "نهدف إلى تفعيل التشبيك بين المتاحف الفنية ويمكننا في هذا المجال تأمين الإعارة لأعمال الحلاج التي بحوزتنا لعرضها في متاحف عالمية وبذلك تظهر أعماله، خاصة أن لدينا أعمالًا تكفي لمعرض كامل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

معرض صدّام الجميلي عن اسمه: أنا الدكتاتور في أسوأ أوقاته

رحيل أمين الباشا.. الفنان الذي صاغ بيروته