13-ديسمبر-2023
السجون الإسرائيلية والأسرى الفلسطينيون

مؤسسات الأسرى تصف المرحلة الحالية من السجون باعتبارها من "أسوأ الفترات" منذ بداية التجربة الاعتقالية (الترا صوت)

"السجن ساحة حرب"، بهذه الكلمات لخص الطفل المحرر من السجون الإسرائيلية محمد نزال، الحالة في السجون، وحملة القمع والانتقام الإسرائيلية ضد الأسرى، الذي تظهر في صورتها الأوضح، خلال الاعتقالات التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

ولا ينفصل ما يحصل في السجون عما يحصل في قطاع غزة وعموم فلسطين، من محاولة الجيش الإسرائيلي ومؤسسات دولة الاحتلال، الانتقام من الشعب الفلسطيني في أعقاب 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وبينما يتكثف الانتقام في حملة قصف "وحشية" تصنف من "الأعنف في التاريخ" على قطاع غزة، فإن السجون ليست بعيدةً عن رغبة الانتقام الإسرائيلية المحمومة.

واحدة من معالم الانتقام الإسرائيلي، هي استخدام مصلحة السجون الإسرائيلية، مجموعة من السجناء الجنائيين الإسرائيليين، في تنفيذ "عملية اقتحام كبرى لقسم الأطفال الفلسطينيين الأسرى في سجن مجدو".

تحولت السجون إلى واحدة من مواقع الانتقام الإسرائيلي، في حملة ممنهجة ورسمية 

ووفق ما ورد في هيئة البث الإسرائيلية: "ساعد السجناء اليهود الحراس في مداهمة ضخمة لزنازين الاسرى الأمنيين. وذلك بعد أن حاول عدد من القاصرين من سكان القدس إنزال العلم الإسرائيلي عن أحد أجنحة السجن. وتمت معاقبة الأسرى وفرض عقوبات غير مسبوقة عليهم"، وفق ما ورد. واستمر المصدر الإسرائيلي في استعراض "نجاح" الاقتحام، بالقول: "تم تنفيذ مداهمة واسعة النطاق لزنازين الأسرى، وتم الاستيلاء على فرش ومعجون الأسنان والسجائر والأجهزة الكهربائية، ولم يتبق لكل أسير سوى ملابسه الخاصة وزوج واحد فقط من الأحذية، وانتظرت الشاحنات خارج أسوار السجن وتم تحميل أغراض الأسرى وأخذها"، وبحسب ما يصل من الشهادات، فإن مصير الأغراض الشخصية هو الحرق والإتلاف.

وتفاخر مسؤول إسرائيلي من سجن مجدو، بالمداهمة، قائلًا: "لقد تُركوا بقطعة ملابس واحدة على أجسادهم وأربعة جدران وفراش"، ولاحقًا تم رفع العلم الإسرائيلي داخل القسم، مع تكريم السجناء الذين شاركوا في الاقتحام.

وتصف مؤسسات حقوقية فلسطينية معنية في شؤون الأسرى، الفترة الحالية في السجون باعتبارها "من أسوأ" الفترات منذ بداية التجربة الاعتقالية الفلسطينية، وقال وزير هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس لـ"الترا صوت": ما يحصل في السجون "جريمة كبرى، وعملية انتقام ممنهجة من الأسرى في السجون". واحدة من معالم هذه السياسة، هي ارتقاء 6 أسرى في ظرف شهر تقريبًا، وهو أمر لم تشهده السجون الإسرائيلية.

أسرى غزة.. صورة فشل إسرائيلية

يسعى الإعلام والجيش الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، إلى ترويج صور الأسرى الذين يعتقلهم من قطاع غزة، باعتبارها صورة تعبر عن "نجاحه العسكري" في القطاع المحاصر، رغم أن الشهادات المحلية والمؤسسات الحقوقية، تؤكد على أن الاعتقالات تسهدف المدنيين، ومن بينهم أساتذة وعمال وصحفيين، مثلما حصل مع مراسل صحيفة "العربي الجديد" ضياء الكحلوت.

وحاول جيش الاحتلال، إخراج مشهدية للاعتقالات، باعتبارها لحظة لاستسلام عناصر المقاومة الفلسطينية، وهو ما كشف زيفه لاحقًا. وبينما استعرضت وسائل الإعلام الإسرائيلية أجساد الأسرى الفلسطينيين على مدار أيام، مع الحديث عن استسلام جماعي لعناصر المقاومة الفلسطينية، ومع الحديث عن "تعرية" الأسرى، فقد قدرت مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن 10-15% من المعتقلين في غزة، ينتمون للمقاومة الفلسطينية، وليس بالضرورة للأجنحة العسكرية.

والمشاهد التي ينشرها الجيش الإسرائيلي، ويصورها جنوده في غزة، لا تنفصل عن تلك التي تحصل في الضفة، إذ انتشرت عشرات المقاطع المصورة التي تظهر قيام جنود جيش الاحتلال بتعرية المعتقلين وضربهم بطريقة مهينة، وإجبارهم على رفع العلم الإسرائيلي أو غناء النشيد الإسرائيلي، بالإضافة إلى الكشف عن محاولة اعتداء جنسية على أحد المعتقلين. وهي ممارسة تصل إلى المتطرف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، الذي ينشر صور من تعتقلهم الشرطة الإسرائيلية، بشكلٍ منتظم على منصة "إكس"، ومع وضع العلم الإسرائيلي خلفهم.

وبينما خرجت مشاهد اعتقال الأسرى من قطاع غزة إلى العالم، "برر" مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي مارك ريغيف، عملية الاعتقال التي تشمل تعرية الأسرى من لحظة الاعتقال وخلال نقلهم إلى مواقع الاحتجاز، بالقول: إنه "الشرق الأوسط والجو أكثر دفئًا هنا، خاصة خلال النهار عندما يكون الجو مشمسًا. قد لا يكون الأمر ممتعًا، أن يُطلب منك خلع قميصك، لكنه ليس نهاية العالم".

وترفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تقديم أي معلومات عن الأسرى في قطاع غزة للمؤسسات الحقوقية، لكن هيئة البثّ الإسرائيلية، تتحدث عن اعتقال نحو 1900 فلسطيني من قطاع غزة، منهم نحو 1200 من جباليا لوحدها، مع تأكيد اعتقال 500 على الأقل. ويتم احتجازهم بناءً على قانون "مقاتل غير شرعي". فيما تتحدث المؤسسات المعنية بالأسرى، عن احتجاز 142 أسيرة من النساء والفتيات من غزة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهن طفلات رضيعات، ونساء مسنّات، جرى اعتقالهنّ خلال الاجتياح البري لغزة، في سجني الدامون وهشارون. بالإضافة 250 أسيرًا من يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.

ما هو قانون "المقاتل غير الشرعي"؟ هو قانون شرعه الكنيست الإسرائيلي عام 2002، للسماح بالاحتجاز المطول دون توجيه اتهامات لمواطنين لبنانيين بعد أن رأت المحكمة العليا في عام 2000 أن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه احتجاز المعتقلين اللبنانيين فقط باعتبارهم "أوراق مساومة لإعادة المفقودين الإسرائيليين". لكنّ إسرائيل استخدمت القانون منذ ذلك الحين لاحتجاز الفلسطينيين من غزة لفترات قابلة للتجديد.

ووفق المنظمات الحقوقية، يسمح القانون، المعدل في 30 تموز/يوليو 2008، لرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، باعتقال شخص بناء على أنه "مقاتل غير شرعي، وأن إطلاق سراحه سيضر بالأمن القومي". 

ويُعرّف القانون "المقاتل غير الشرعي" بأنه الشخص "الذي شارك بشكل مباشر أو غير مباشر في أعمال عدائية ضد إسرائيل، أو هو عضو في منظمة ترتكب أعمال عدائية ضد إسرائيل". وينص القانون على أنه يجب على محكمة مدنية إسرائيلية مراجعة أمر الاعتقال خلال 14 يومًا، وبعد ذلك كل ستة أشهر، ويمنح المحتجز الحق في استئناف قرار المحكمة المركزية أمام المحكمة العليا، لكن دون وجود سقف لفترة الاعتقال، والنقطة الأهم فيه أنه لا حاجة إلى تقديم أي أدلة تجاه الأسير نفسه، ويكفي تصنيفه بالانتماء إلى أي حركة سياسية فلسطينية في غزة، أو لبنان سابقًا.

والقانون أقرب للاعتقال الإداري المطبق في الضفة الغربية، لكنّه أكثر تشديدًا منه، إذ أنه "لا يترك أي أساس تقريًبا للقضاة لإبطال قرارات المخابرات" الإسرائيلية.

ووفق المنظمات الحقوقية، فإن ملف أسرى غزة هو من الملفات "المؤلمة"، التي لا تتوفر عنها الكثير من المعلومات. وقالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحة لـ"الترا صوت": "حتى اللحظة لم نتمكن من معرفة أي معطى أو تفصيل عن معتقلين عن غزة، ومن بداية العدوان حاولنا الضغط من خلال الصليب الأحمر، لأخذ رد حول مصيرهم وأماكن احتجازهم ووضعهم الصحي، ولكن لم يتوفر أي معطى لنا حتى الآن". مضيفةً: "حاولت مؤسسات حقوقية من الداخل الحصول على معطيات عن معتقلي غزة، وكان رد الاحتلال بأن المعلومات الخاصة بأسرى غزة مرتبطة بمعرفة المعلومات عن أسرى الاحتلال في غزة"، فيما تتوفر معلومات بشكلٍ محدود تحصل عليها المؤسسات الإسرائيلية.

وتشير سراحنة، إلى أن شح المعلومات يصل، إلى عدم معرفة هوية أحد الشهداء الأسرى من قطاع غزة، رغم مرور أكثر من شهر على استشهاده. وقالت، إن قضية "أسرى غزة، جزء من المآسي التي تواجه المؤسسات المعنية بالأسرى، ومن أكثر القضايا المؤرقة لهم".

ووفق ما يظهر، فإن الاعتقالات تحدث من داخل المدارس، التي أصبحت تعرف كمراكز للجوء، وبحسب شهادة وصلت لـ"الترا صوت"، فإن بعض الاعتقالات حصلت من المنازل في غزة، وتم نقل كل الذكور فوق 14 عامًا من المنزل، عبر دبابة إسرائيلية إلى موقع مجهول، قبل الإفراج عن الأشخاص فوق 50 عامًا والإبقاء على كل من هو أقل من ذلك.

وتتحدث الشهادات عن ظروف اعتقالية صعبة، تشمل الإهانة والضرب والتجويع والتجريد من الملابس، في ظل الطقس الشتوي وهطول الأمطار.

كما تظهر آثار المرابط على أيدي المعتقلين، بالإضافة إلى ترقيمهم بوسم الأرقام على أجسادهم، أو قيام جنود الاحتلال بإلصاق بطاقات الهوية على أيديهم بعد تعريتهم.

ووفق بيان لهيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير ومؤسسة الضمير، التي أكدت على وجود جزء من أسرى غزة، في سجن عوفر، من إفادة الأسرى المفرج عنهم، فإن مصلحة السجون تطالب الأسرى بـ"النباح قبل إعطائهم وجبات الطعام، كما ويطلبون منهم ترديد أغانٍ إسرائيلية وبصوت عال، ويسمع الأسرى بوضوح صراخهم على مدار الساعة إثر التعذيب والتنكيل الذي يتعرّضون له".

وفي إطار هجمة الاحتلال على أسرى قطاع غزة، قرر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الطلب مصلحة السّجون الإسرائيلية، نقل المعتقلين من غزة، إلى قسم الزنازين (ركفيت) المقام تحت سجن (نيتسان الرملة)، الذي يعتبر من أسوأ السّجون وأقدمها. وكتب بن غفير، اليميني المتطرف، على حسابه في منصة إكس: "بعد سنوات لم يُستخدم فيه، أوعزت إلى مفوضة السجون بفتح القسم تحت الأرضي من أجل معتقلي (قوات) النخبة".

وظهرت معالم التحريض على أسرى غزة، في دعوة نائب رئيس بلدية الاحتلال بالقدس أرييه كينغ، ومرشح حزب إيتمار بن غفير لرئاسة البلدية، إلى دفن الأسرى أحياء بعد اعتقالهم، بالقول: "الآن يجب تغطيتهم (أي دفنهم أحياء) حتى لا يواجههم أي إنسان إلى الأبد"، وأضاف في تغريدة أخرى: "لو أتيح لي أن أتخذ القرار، لكنت جلبت 4 جرافات ضخمة (D9)، وأمرت بتغطية كل هذه المئات من النمل، وهم لا يزالون على قيد الحياة، إنهم ليسوا بشرًا وليسوا حيوانات بشرية، إنهم دون البشر، وهذه هي الطريقة التي يجب معاملتهم بها"، وفق تعبيراته.

حملة غير مسبوقة

اعتقالات غزة، هي صورة عن حملة اعتقالات ممنهجة، إذ وصل عدد الأسرى في الضفة الغربية إلى أكثر من 3800، في رقم يتغير يوميًا بمعدل 30-100 اعتقال، فخلال اقتحام طويل لمدينة مخيم جنين يوم 12 كانون الأول/ديسمبر اعتقل الاحتلال أكثر من 100 فلسطيني في يوم واحد. ووتيرة الاعتقالات هي الأعلى منذ سنوات، نصفهم تقريبًا تم تحويله للاعتقال الإداري. والمختلف الآن هو سلوك جيش الاحتلال، العدواني بشكلٍ كبير في هذه الاعتقالات، وظروف السجون الصعبة.

ففي حالة الاعتقالات الأخيرة، أعدم الاحتلال الشهيد ساري يوسف عمرو من بلدة دورا جنوبي الضفة الغربية واعتقل شقيقه، بالإضافة إلى الشهيد محمد مناصرة، الذي اعتقل الاحتلال شقيقه.

كما برزت ظاهرة الرهائن بشكلٍ كبير في الضفة الغربية، إذ تعتقل سلطات الاحتلال أفراد من عائلات المطلوب للاعتقال، حتى تسليم نفسه، وهي ظاهرة لم تكن شائعة بشكلٍ كبير، وشملت الأطفال. بالإضافة إلى تحطيم محتويات المنازل وسرقة الأموال منها.

يضاف إلى ذلك، حملات الاعتقال التي تتحول إلى اشتباكات مسلحة، وحالات إعدام ميداني، مثلما حصل في مخيم جنين عدة مرات، ونابلس، وفي مخيم الفارعة قبل أيام. 

معسكرات اعتقال

كان وزير الأمن القومي بن غفير، مشغولًا طوال الأشهر الماضية، في تشديد ظروف السجن والاعتقال للأسرى الفلسطينيين، وحاول اتخاذ عدة خطوات، فشلت نتيجة تهديدات المقاومة الفلسطينية، فيما حصل على فرصة في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويشير وزير هيئة شؤون الأسرى إلى أن الهجمة الإسرائيلية على السجون "لم تتوقف ولم تنخفض وتيرتها بشكلٍ ممنهج"، موضحًا: "يوميًا هناك اعتداءات جسدية، وهناك تجويع ووجبات الطعام المقدمة لا تكفي، جميع الأسرى فقدوا من أوزانهم، وهناك معاناة من الاكتظاظ بشكلٍ كبير، والنوم يحصل على الأرض، وتم سحب الأغطية والملابس، ولكل أسير غيار وبطانية واحدة، وقسم كبير منهم بدون مخدة".

وأضاف فارس: "هناك ظواهر مسلحة داخل السجون، وحراس السجون يتجولون بسلاح أوتوماتيكي".

وعن أوضاع السجون، قالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير: "أوضاع السجون كارثية، وتحديدًا على صعيد الجوع، بالإضافة إلى عمليات تعذيب ممنهجة، وانتهاكات مرعبة على الجسد، وتحديدًا الضرب المبرح، والتجاهل الطبي"، موضحًا أن أكثر صورة تعبر عن واقع الاعتقال هو تصفية 6 معتقلين وقتلهم، و"هذا كشف واضح لكل الإجراءات، والشهادات التي حصلنا عليها مروعة، وبحسب من عايشوا فترات سابقة في الأسرى وبناءً على المتابعة، اعتبرت هذه الفترة من أكثر المراحلة قتامة في جرائم التعذيب بالسجون، وتقارن بسنوات بداية التجربة الاعتقالية".

وأوضحت: "ما يحصل امتداد لكل السياسات الموجودة، والفارق الوحيد هو كثافة، هي ليست زمنًا آخرًا بل هي امتداد للسياسات الإسرائيلية".

وأشارت إلى أن "سجن النقب، يتواجد فيه حوالي 3000 أسير، وفيه إصابات بالمئات من بينها كسور، نتيجة عمليات الضرب، بدون الحصول على أي علاج"، موضحةً أن أسوأ السجون حاليًا، وفق شهادات الأسرى، هي عوفر ومجدو وجلبوع والنقب.

وفي شهادة للأسيرة المحررة حنان البرغوثي لـ"الترا صوت"، والتي عايشت الفترة ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وما بعدها، قالت: "انقلبت كل الأمور، السجن سيء من البداية، ولكن ازداد سوءًا، كمية الأكل قليلة، الكنتينة [المقصف، وهي أموال يضعها الأسرى لشراء الحاجيات] أغلقت، وسحب كل ما في غرف السجن، حتى الملح والسكر. وبدأت حالة تجويع، كمية الأكل قليلة جدًا، عندما وصلنا إلى 80 أسيرة، كان ما يصل من طعام ما يكفي لـ35 أسيرةً فقط". الأمر يضاف إليه "نوعية الطعام السيئة"، الذي تجبر عليه "الأسيرات للبقاء على قيد الحياة". والأسير المحررة البرغوثي، هي أم لأربعة أسرى في سجون الاحتلال، وشقيقها الأسير نائل البرغوثي، الذي أمضى 44 عامًا في الاعتقال.

والأمر لم يتوقف عند كمية ونوعية الطعام، بل شمل مياه الشرب، التي قطعت حتى تلك التي يدفع ثمنها الأسرى، وتم إجبار الأسيرات على الشرب من حنفية الحمام، التي تصل إليها مياه بكميات أملاح وكلور مرتفعة، وتسببت في أمراض معوية لهن.

يضاف إلى ما سبق، الضرب والمعاملة السيئة ومصادرة الملابس والمقتنيات والاكتظاظ الكبير في الغرف، ومنع الدخان، وعزل بعض الأسيرات، بالإضافة إلى الضرب المبرح ورش الغاز، ومصادرة الملابس والأحذية، وحرق المقتنيات، وتقول البرغوثي: "صادروا كل المقتنيات منا، يعني أنا 80 يومًا مش هالمقتنيات عندي، دفتري ومصحفي وأوراقي كلها راحت، لكنّ هناك أسيرات لهن 8 أعوام لديهن مذكرات وخطط لمّا بعد السجن وصور، كلها أحرقت". مضيفةً: "مكتبة القسم مثلًا، كلها تمت مصادرتها، كان عنا مكتبة مرتبة، كلها راحت".

تتوقف البرغوثي، قائلةً: "شو ما احكي لا يمكن وصف الألم، كان تهديدهم الدائم لنا أنتن مقطوعات العالم ولا أحد يعرف ما يحصل في السجن". وتستكمل سرد ظروف الاعتقال، بالقول: "في أي لحظة كان هناك تفتيش، يعني ممكن يصير الساعة 12 في الليل في ظل المطر، رغم عدم وجود شيء في الغرفة، كلها مصادرة".

كما انتهت الفورة [فسحة الخروج من الغرف إلى الساحة]، إذ قالت البرغوثي التي كانت معتقلة في سجن الدامون: "أسبوعين لم نخرج من الغرف بتاتًا، ولاحقًا سمح لنا بالخروج 10-15 دقيقة للاستحمام، كان في غرفتي 11 أسيرة، وهناك 4 أماكن للاستحمام، واذا تأخرنا نحرم من الخروج في اليوم التالي، وعلى هذا الأساس كنا نقسم نفسنا، ما بين الخروج للاستحمام والبقاء في محيط ساحة القسم، لأنه كنا نمنع من المشي فيها". بالإضافة إلى قطع الكهرباء عن السجن، باستثناء الضوء، ومصادرة كافة الأجهزة الكهربائية.

وفي شهادة لطفل أسير، وصلت لـ"الترا صوت"، واعتقل لمدة 14 يومًا، قال "كنت في غرفة تستوعب 6 أسرى، وكنا فيها 9 كلنا أطفال، على الأرض كنا ننام، وفي حرام واحد خفيف، والأكل كان محدود وسيء، الرز ني وصحن لكل الغرفة والدجاج غير ناضج، وكنا نستحم بدون صابون ونعود لارتداء نفس الملابس، خلال العدد كانت مصلحة السجون تدخل الكلاب إلى غرفة الأسرى".

وبحسب شهادة لأسير أفرج عن من السجون الإسرائيلي بعد اعتقال لعدة أيام، ووصلت لـ"الترا صوت"، تحدث فيها عن بداية اعتقاله، وقال: إن "الوضع في السجون مأساوي، شو ما احكي بضل جزء من الصورة، بس مثلًا أنا قعدت يومين اطلب مي للشرب وكان يردوا عليه بأنه ممنوع، والضرب للأسرى كان في مناطق قاتلة وحساسة".

كما تشير البرغوثي، إلى التفتيش العاري للأسيرات الجدد اللواتي وصلن إلى السجن في أعقاب 7 تشرين الأول/أكتوبر، مضيفةً: كان هناك "تهديدات بالاغتصاب، مثلما حصل مع الأسيرة لمى خاطر، بالإضافة إلى تحرش لفظي واضح ومستمر طوال الوقت، بالإضافة إلى الضرب من قبل السجانين، على أماكن حساسة من الجسد".

وبعد تحرره من الاعتقال، تحدث رمزي العباسي، عن "وجبات" ضرب يومية، ووصف سجن النقب بـ"مقبرة الأحياء"، مشيرًا إلى حالات تحرش جنسي "ترقى إلى حد الاغتصاب".

وقالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أماني سراحنة، "شهادة العباسي مهمة، وهناك شهادات أخرى، وتاريخيًا الاحتلال مارس تهديدات جنسية وهذا ليس بالجديد، ولكن هذا الموضوع لم يكن ظاهرًا على السطح، إلّا عن طريق سياسة التفتيش العاري، والأمر هذا جزء من سلوكيات الاحتلال".

وتضيف سراحنة: "السياسات في السجون اليوم هي للضغط على الجسد، هدفهم الجسد، إمّا بالقتل أو التجويع أو التعرية، الجسد محور عمليات التعذيب والتنكيل، بعدما شهدنا في مرحلة السابقة طغيانًا للأساليب النفسية".

إعدام للأسرى

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ارتقى 6 شهداء داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو رقم غير مسبوق، في فترة قصيرة، كما تشير التقديرات. لكنه يكشف عن ظروف السجون وطريقة الاعتقال، خاصةً أن 5 شهداء، ارتقوا خلال فترة قصيرة من اعتقالهم، وهم عمر دراغمة، وعرفات حمدان، وعبد الرحمن مرعي (اعتقل في شباط/ فبراير)، وماجد زقول وهو من عمال غزة، بالإضافة إلى شهيد مجهول الهوية حتى الآن من عمال غزة، وثائر أبو عصب المعتقل منذ عام 2005.

وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قد كشفت عن استشهاد عاملين من قطاع غزة أثناء احتجازهما في قواعد عسكرية بالضفة الغربية، كان يعتقل فيها الآلاف من عمال غزة الذين ألغيت تصاريح عملهم عندما بدأ العدوان في غزة الشهر الماضي. 

وأضافت الصحيفة: "في حين أنه يتم الإبلاغ عادة عن وفاة السجناء والمعتقلين، فإن الجيش لم يصدر إشعارًا بالوفيات خلال الأسابيع الثلاثة التي انقضت منذ وفاة أحدهم في قاعدة عناتوت" بالقرب من القدس المحتلة.

وبحسب مصدر "هآرتس"، فإنه قبل وقت قصير من استشهاد العامل المعتقل في "عناتوت"، حذر من أنه بحاجة إلى علاج طبي. أما العامل الآخر الذي توفي فقد كان محتجزًا في عوفر. ولم تفتح الشرطة العسكرية تحقيقًا، لكن الجيش الإسرائيلي قال إنه يجري فحصًا لملابسات ما حصل.

واحتُجز المعتقلون في ظروف قاسية، ووفقًا للروايات التي حصلت عليها "هآرتس"، كان العمال المحتجزين في عناتوت ينامون على حصائر موضوعة على الأرض في مرافق تشبه الأقفاص. وعند وصولهم، كان عليهم الوقوف في الشمس لساعات، مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين قبل نقلهم إلى الشاباك للاستجواب. كما تم تقديم وجبات طعام دون المستوى المطلوب، والذي كان يتكون بشكل أساسي في الأيام الأولى من سمك التونة.

وتعليقًا على ذلك، قال وزير هيئة شؤون الأسرى: "ارتقاء 6 شهداء في ظرف شهر، هذا معناه إنه أمر ممنهج، وهناك تعليمات للضباط والشرطة، بأن الاعتداء على الأسرى مسموح، حتى لو أدى ذلك إلى الوفاة، ودمهم مستباح".

وفي وقت سابق، نشرت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني، شهادةً من قبل أسير أفرج عنه سجن النقب، تكشف عن تفاصيل استشهاد ثائر أبو عصب.

وجاء في الشهادة: "الساعة 7:20 مساء يوم السبت الموافق 18/11/2023، قامت قوة من وحدات القمع المسماة (كيتر)، باقتحام غرفة (6) في قسم (24) في سجن (النقب)، حيث تقوم وحدات القمع مؤخرًا، باختيار غرفة في القسم أثناء العدد، للتنكيل بالأسرى المحتجزين فيها".

وأضافت الشهادة: "خلال عملية الاعتداء على الأسرى داخل (الزنزانة- الغرفة)، غرفة رقم (6) وعدد الأسرى فيها 10، نفّذت وحدات القمع اعتداءات بالضّرب المبرّح على الأسرى، وتحديدًا على الأسير ثائر أبو عصب، وبعد انتهاء العدد، وعملية القمع، تدهورت حالته الصحيّة، وتم طلب الممرض، إلا أنّ إدارة السّجن رفضت الاستجابة للأسرى، وبعد ساعة ونصف حضر ممرض، وبالفحص الأولي، تبين أن هناك مشكلة في النبض، وجرى نقله، خارج الغرفة، دون معرفة مصيره". وفي شهادة أخرى لأسير محرر، قال، إن الشهيد أبو عصب "سأل السجّان سؤالًا من كلمتين ’في هدنة؟’".

ووفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وبناءً على تقارير الوفاة والشهادات التي وصلت إليها، فإن جثتين لأسرى على الأقل كانتا مصابتين بكدمات. وفي بعض الحالات توجد أدلة على العنف، أو الإهمال الطبي. وتضيف الصحيفة الإسرائيلية: "في إحدى الحالات، تشير شهادة أحد السجناء المفرج عنهم وملخص تشريح الجثة إلى أن العنف ربما كان السبب في وفاة المعتقل الإداري. ولكن لم يتم تحديد سبب الوفاة".

ويتعرض التقرير، إلى استشهاد الشاب عبد الرحمن مرعي، الذي تم تشريح جثمانه بعد عشرة أيام من استشهاده، بالقول: "بحسب النتائج التي أرسلت إلى هآرتس، فقد أصيب مرعي بكدمات في صدره وكسور في ضلوعه وعظم صدره. كما كانت هناك علامات على وجود كدمات خارجية في رأسه ورقبته وظهره وأردافه وذراعه اليسرى وفخذه. وبحسب التقرير، كان يتمتع بصحة جيدة ولم تكن لديه أي أمراض سابقة قبل سجنه". وطبقًا لتقرير شرطة الاحتلال، فإن مرعي كان تحت "تقييد شديد" قبل ستة أيام من إعلان استشهاده.

سياسة رسمية والكل يعلم

وفي استعراض لشهادات أسرى في الاعتقال الإداري، تحدثوا لهآرتس، أو تمت متابعة جلسات المحاكمة الخاصة بهم، في محكمة عوفر العسكرية. فقد قال أحد الأسرى، في جلسة محاكمته، إن أنفه قد كسر، وطلب من القاضي عدم إنهاء الجلسة حتى يتم التأكد من أنه لن يتعرض للضرب مرة أخرى. وتضيف الصحيفة الإسرائيلية: "نظرًا للشكاوى المتعلقة بالعنف، أمر القاضي بإرسال نسخة من محضر الجلسة إلى سلطات السجون والمدعي العام العسكري في الضفة الغربية".

قال معتقل إداري آخر إنه يتعرض للضرب باستمرار وطلب فرصة لإظهار الكدمات على وجهه للقاضي. وأضاف أنه تعرض للضرب في سجني رامون وعوفر، وأيضًا من قبل وحدة نحشون المسؤولة عن نقل الأسرى إلى السجون والمحاكم. مشيرًا إلى أن الحراس ضربوا أيضًا السجناء المسنين والأحداث دون سبب واضح.

ووفقًا لمحامي يمثل المعتقلين في عوفر تحدث لـ"هآرتس"، فإنه على الرغم من أن الشكاوى المتعلقة بالعنف يتم الاستماع إليها من قبل القضاة عند تمديد الاعتقالات، وحتى يتم تضمينها في المحاضر، إلا أن المحاكم العسكرية لا تتابع الأمر.

وتقول الصحيفة الإسرائيلية: "إن تدهور أوضاع السجناء يشكل سياسة رسمية، على الأقل جزئيًا. ففي 18 تشرين الأول/أكتوبر، صادق الكنيست على تعديل لقانون السجون يسمح بالاعتقال في ظروف مكتظة، حيث ينام بعض الأسرى على الأرض".

بالإضافة إلى ذلك، خلال الحرب، تعمل السجون الإسرائيلية وفق نظام الطوارئ المعروف باسم "الإغلاق" حيث تم خلاله تعليق الزيارات العائلية، وإغلاق الهواتف العامة وقطع الأجهزة الكهربائية.

وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر، تقدمت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، وهموكيد، وعدالة، وأطباء من أجل حقوق الإنسان، واللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، بالتماس ضد السياسة الجديدة. ورد وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير ومصلحة السجون، بأن الاكتظاظ حدث بالفعل، وانقطعت الكهرباء عن الأسرى، كما تم منعهم من الوصول إلى المقصف، في حين تم تقييد الإضاءة خلال النهار وأوقات الاستحمام. ونفت مصلحة السجون انقطاع المياه عن المغاسل أو المراحيض، وتم رفض الالتماس.

من جانبها، تقول عنات ليتفين، رئيسة قسم السجناء والمحتجزين في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان: "سياسة مصلحة السجون وإدارة السجون تجاه السجناء الفلسطينيين في الشهرين الماضيين تثير مخاوف جدية من أن المصلحة، أصبحت منظمة تعمل بدافع الانتقام وخارج القانون والأخلاق تمامًا. هناك شك جدي في أن أربعة أشخاص [عمال غزة استشهدوا في منشأة تابعة للجيش] قد دفعوا حياتهم ثمنًا لذلك، وأن الكثيرين غيرهم معرضون للخطر. والمشكلة ليست فقط في عدم وجود نظام للرقابة، ولكن الوزير المسؤول عن مصلحة السجون يشجع مثل هذه الأمور، في سلوك عنيف وانتقامي"، وفق ما ورد في "هآرتس".

الأسرى المرضى.. لا جديد في الاستهداف

في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر، أقدمت إدارة سجون الاحتلال على نقل الأسير وليد دقة، الذي يعاني من إصابته بنوع نادر من أمراض السرطان وهو التليف النقوي ويصيب النخاع العظمي، من عيادة سجن الرملة إلى سجن جلبوع. قبل أن تعاود نقله إلى المركز الطبي- هعيمك في العفولة نتيجة حالته الصحية الصعبة، في 2 كانون الأول/ديسمبر.

وفي تعليقه على حالة الأسرى المرضى ونقل الأسير دقة، قال قدورة فارس لـ"الترا صوت": "لا يوجد فرق كبير بين عيادة سجن الرملة وباقي السجون. ولكن هذا استخفاف، الأسرى المرضى لم يتم استثنائهم من الإجراءات الانتقامية، وإسرائيل تحولت إلى دولة عمياء لا تميز بين طفل وامرأة وكبير بالسن ومريض".

وفي حديثنا مع المحررة البرغوثي، التي تعاني من أمراض السكري والضغط، قالت: "مشان ناخذ رعاية طبية نحتاح إلى طلب 3-4 ساعات، وهذا ما حصل معي، كان ياخذونا على العيادة، والطبيبة تقول أنتو كذابين، ليش ما بتوكلي؟ مع أنه ما في عنا طعام"، وتضيف: "في مرة الممرض من العيادة نزل ضرب الأسيرات مع السجانين".

وأفادت هيئة شؤون الأسرى في تصريح لها، أنه في حال طلب أحد الأسرى طبيبًا يكون الرد من الجنود: "من يطلب الخروج من القسم للعلاج سوف يتعرض للضرب وسيموت".

قالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أماني سراحنة لـ"الترا صوت": "هذه ليست مرحلة جديدة، رغم الشهادات المروعة والتحول الذي يحصل، لكن هذه سياسات وسلوك الاحتلال، ولم تبدأ الآن ونحن لا نتعرف على الاحتلال من جديد، هذه سياساته ولكن نراها بالجملة في هذه الأيام"

"السجون تحولت إلى مقابر"

في نهاية الشهر الماضي، وجهت الحركة الأسيرة الفلسطينية رسالة مفتوحة، قالت فيها إن الاحتلال "يخضعهم لظروف اعتقالية خطرة ويحول السجون إلى مقابر حديدية قاتلة، وشن عمليات اغتيال وإعدام ممنهج بحق الأسرى أدت إلى استشهاد عدد منهم".

وأضافت أن السجانين الإسرائيليين يواصلون التهديد يوميًا بتنفيذ مزيد من الإعدامات، ويصرحون بأن لديهم تعليمات بقتلهم إذا قاموا بأي احتجاج على الإجراءات العقابية بحقهم.

ورغم ظروف السجن الصعبة، ختمت حنان البرغوثي حديثها لنا، بالقول: "تحررنا بعزة وكرامة، حرية ثمنها غالي، وشكرنا للمقاومة ولأصغر طفل في غزة ونساء وشيوخ غزة، كنا لمّا نسمع صفارات الإنذار نتيجة قصف المقاومة، ننسى العطش والجوع. أحنا شعب بدنا كرامة وعطشانين حرية، ونطالب بحريتنا لآخر يوم بعمرنا -أنا تركت خلفي أولادي الأربعة وأخوي نائل وتركت أولاد أخوي عمر- لندفع الثمن للكرامة والحرية".

وقالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أماني سراحنة، في نهاية حديثها عن ظروف السجون الإسرائيلية والاعتقال: "هذه ليست مرحلة جديدة، رغم الشهادات المروعة والتحول الذي يحصل، لكن هذه سياسات وسلوك الاحتلال، ولم تبدأ الآن ونحن لا نتعرف على الاحتلال من جديد، هذه سياساته ولكن نراها بالجملة في هذه الأيام".