24-أكتوبر-2019

زار مسؤولون إماراتيون إيران (تويتر)

تشهد منطقة الخليج مؤخرًا حراكًا دبلوماسيًا لإنهاء التوتر المتصاعد منذ أكثر من أربعة أعوام بين طهران من طرف، والإمارات والسعودية مدعومتين من الولايات المتحدة من طرف آخر، حيث إن هذا التوتر بدأ فيما يبدو يتجه للتخفيف وصولًا لإنهائه، بعد التصريحات السعودية الأخيرة وما رافقها من تقارير عن طلبها لبعض الدول التوسط لإنهاء الخلاف، أو الزيارات التي أجراها مسؤولون إماراتيون لطهران بهدف إيجاد حل لإنهاء الخلاف بينهما.

يرافق الانفتاح الذي تبديه الرياض وأبوظبي لإعادة العلاقات مع طهران، توجه الرئيس الروسي الذي يحاول أن يعوض الغياب الأمريكي في الشرق الأوسط في زيارة إلى الدولتين الخليجيتين

طهران.. العلاقات مع أبو ظبي تتحسن

كشف البرلماني الإيراني علي أكبر توركي في تصريح لوكالة مهر نيوز الإيرانية المحلية أن الإمارات أفرجت عن 700 مليون دولار من أموال إيران المجمدة لديها، مشيرًا إلى تحسن العلاقات بين طهران وأبوظبي فيما يخص العملة، بعد استئناف عمل "بعض" مكاتب الصرافة الإيرانية التي كانت مغلقة سابقًا، نظرًا لتوتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 2015.

اقرأ/ي أيضًا: التحالف الهش.. الرياض تقف وحيدًة في مواجهة طهران

وجاءت تصريحات النائب الإيراني بعد أيام قليلة من إعلان رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية محمود واعظي تقدم الإمارات بطلب لتسوية القضايا السياسية مع طهران وفقًا لوكالات أنباء إيرانية، مشيرًا إلى أن "كافة الدول حتى تلك الموافقة مع السياسات الأمريكية في المنطقة، تتطلع إلى حل القضايا السياسية العالقة وإقامة علاقات مبنية على الصداقة" مع بلاده، في إشارة لطلب الرياض من بعض الدول الوساطة مع طهران، أو الزيارات التي قام بها مؤخرًا مسؤولون إماراتيون إلى طهران.

وبعد أسبوع من الزيارة التي أجراها رئيس الحكومة الباكستاني عمران خان إلى طهران، قال إن سببها طرحه "مبادرة شخصية" لحل الخلاف بين طهران والرياض، أعلن وزير الخارجة الإيرانية محمد جواد ظريف استعداده إجراء زيارة للرياض لحل الخلافات معها، فيما كشف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي عن وجود تحركات وصفها بـ"الإيجابية" في العلاقات مع الإمارات.

الإمارات والسعودية تعيدان ترتيب أولوياتهما

التصريحات الأخيرة المبتادلة إن كان بين طهران وأبوظبي من طرف، أو طهران والرياض من طرف آخر، تكشف عن رغبة الأطراف بالتوجه إلى حل الخلافات فيما بينهم، بعدما أعاد الطرفان الخليجيان ترتيب أولوياتهما في السياسة الخارجية لهما، بالأخص أن التحالف الإماراتي – السعودي الذي أنشئ مع الولايات المتحدة لإضعاف النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط عام 2017 أصبح هشًا أكثر من أي وقت مضى.

فقد بدأ هذا التحالف بالتفكك نسبيًا بحسب عديد التقارير التي أشارت لعدم ثقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقدرة حلفائه الخليجيين بالدخول في مواجهة عسكرية مع طهران، الأمر الذي أدى لتوجه الطرفين لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع طهران، بالإضافة لحملة الضغوط التي تواجه إدارة ترامب في المرحلة الراهنة، إن كان بسبب المكالمة الهاتفية مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التي دفعت بالكونغرس الأمريكي لإقرار مساءلته تمهيدًا لعزله، أو إعلان انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا ما عرضه لانتقادات حادة من أركان إدارته أنفسهم.

وكان أكبر توركي واضحًا في تصريحه للوكالة الإيرانية حين تحدث بأن الرياض أو أبوظبي "لا يمكنهم توفير الأمن لبلدهم في ظل الظروف الحالية"، وهو ما كان أكده محلل شؤون الشرق الأوسط في معهد ستراتفور ريان بول حين تحدث لوكالة بلومبرغ في شأن توجه الإمارات لإعادة العلاقات مع طهران قبل أقل من شهرين، فقد قال في هذا الشأن: "أثار قلق الإمارات أن أي اشتباك قد يؤدي إلى نزاع شامل".

وأضاف موضحًا: "لو أطلقت إيران عددًا قليلًا من الصواريخ على الإمارات فستؤدي إلى خروج كبير للعمالة الأجنبية" مشيرًا إلى أن العاملين الأمريكيين والأوربيين في الإمارات سيكونون "أول من يهرب مما سيشل القطاع المالي والعقاري"، بالأخص أن النموذج الاقتصادي الإماراتي قائم على العمالة الأجنبية التي تمثل نسبة 80 بالمائة من عدد السكان.

أما بالنسبة للرياض فإن الهجوم الذي استهدف منشأتي شركة أرامكو النفطية أرخى بتأثيرات سلبية عليها، نظرًا لأنه جاء في وقت كانت تنتظر فيه موافقة الحكومة السعودية لطرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي بنسبة 5 بالمائة في عملية كان يتوقع أن تكون أكبر طرح للأسهم في أسواق البورصة العالمية، ما اعتبر ضربًة لقطاعي الطاقة والاقتصاد السعوديين، ودفع الرياض لإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة بعدما أثبتت طهران أنها قادرة على إضعاف الاقتصاد السعودي.

الرياض وأبو ظبي يتجهان لاحتواء الأزمة مع طهران

اتجهت التوقعات في الـ11 من الشهر الجاري لتوتر الأجواء في منطقة الخليج بعد تعرض ناقلة النفط الإيرانية سابيتي لهجوم في البحر الأحمر قبالة السواحل الإيرانية، وهذه الحادثة الأولى من نوعها التي تتعرض فيها ناقلة نفط إيرانية لهجوم منذ تصاعد التوتر في المنطقة في أيار/مايو الماضي، إلا أن التلفزيون الرسمي الإيراني ذكر أن الهجوم لم يكن مصدره السعودية.

فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن الهجوم وقع على بعد 65 ميلاً جنوب غرب ميناء مدينة جدة السعودية في منطقة تقع بين السودان والسعودية، مضيفًة أن ما حصل قد لا يكون إلا امتدادًا للتوترات الخليجية التي سادت هذا الصيف إلى البحر الأحمر، وفي كل الأحوال فإن ذلك سيساهم فيما يبدو لتوجه الأطراف الثلاثة للحوار، تمهيدًا لإعادة العلاقات بينهم لتهدئة الأجواء في منطقة الخليج، بعدما أبدت الرياض وأبوظبي تبدلًا في موقفهما من الصراع الدائر في اليمن.

ويرى رئيس مؤسسة كارنيغي ويليام بيرنز، وخبير العلاقات الخارجية جيك سوليفان، في مقال مشترك لهما نشر في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن حملة الضغط القصوى التي نقدتها إدارة ترامب على طهران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني العام الماضي، معتقدًة أنها ستجلعها تتراجع للقبول بشروط واشنطن، "فشلت" رغم الحصار الاقتصادي، إذ على عكس ذلك نفذت طهران عددًا من الهجمات في منطقة الخليج، ومضت في تنفيذ برنامجها النووي، وفيما كانت تنتظر واشنطن أن ينضم إليها الحلفاء الأوروبيون، قاموا بدلًا من ذلك بلعب دور الوسيط بين الطرفين.

ويضيف الكاتبان أنه بالنسبة لشركاء واشنطن الخليجيين فقد "أصبحوا ممزقين"، فهم يعيشون حالة قلق من وقوع صدام عسكري في المنطقة، ما جعلهم يبطئون الذهاب إلى هذا الصراع، ويستشهد الكاتبان في تقريرهما بالهجوم الذي استهدف منشأتي النفط التابعتين لشركة أرامكو الشهر الماضي، حيث يقولان في هذا الشأن، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أصبح "فجأة يؤمن بقيمة تحقيقات الأمم المتحدة الشاملة"، بعد طلبه بإرسال لجنة أممية للتحقيق بالهجوم.

موسكو تصدر نفسها كبديل عن واشنطن في المنطقة

يرافق الانفتاح الذي تبديه الرياض وأبوظبي اتجاه إعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران، توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحاول أن يعوض الغياب الأمريكي في الشرق الأوسط في زيارة إلى الدولتين الخليجيتين منتصف الشهر الجاري، ومن المعروف أن موسكو تشكل تحالفًا مع طهران في سوريا، ولدى الطرفين (موسكو وطهران) مصالح مشتركة مع تركيا التي لديها خلافات دبلوماسية مع واشنطن بشأن سوريا، وهو ما انعكس مؤخرًا بالزيارة التي أجراها بوتين إلى الرياض وأبوظبي منتصف الشهر الجاري، وما كشفه الرئيس الشيشاني رمضان قديروف من أن اللقاءات التي أجريت خلال الزيارة كانت بدون كاميرات.

وتأتي زيارة بوتين إلى الدولتين الخليجيتين في الوقت الذي يشعران فيه بالإحباط من سياسة واشنطن في الشرق الأوسط وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية، التي تضيف بأن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت على استعداد لمنح روسيا "تفويضًا جديدًا وواضحًا في منطقة الخليج"، مذكرًة بتصريح ترامب الذي وصف سياسية إدارته في المنطقة بأنه ليس "لديها استراتيجية ثابتة أو متماسكة لاحتواء تصاعد نفوذ إيران في المنطقة، وليس لديها رغبة في حماية حلفائها"، رغم العقود التي وقعها مع الإمارات والسعودية خلال زيارته التي أجراها للمنطقة قبل أكثر من عامين.

اقرأ/ي أيضًا: تداعيات الهجوم على منشآت أرامكو.. هل انتصرت إيران على العقوبات الأمريكية؟

وكانت روسيا قد دعت سابقًا لإنشاء "تحالف أمني جماعي" يهدف لتخفيف التوتر المتصاعد في منطقة الخليج، إذ قدمت ورقة مكتوبة عبر مندوبها في مجلس الأمن للدول الأعضاء، شددت في مضمونها على "الحاجة إلى إطلاق جهود جماعية للتوصل إلى حلول وسط، مجمع عليها، بهدف خفض التوتر وحل جميع الأزمات، من خلال الوسائل الدبلوماسية والسياسية المستندة على القانون الدولي".

على الرغم من التعامل الحذر الذي تبديه موسكو في الأزمة التي تشهدها منطقة الخليج، فإنها تنظر إلى النهج الإماراتي في التعامل الدبلوماسي مع إيران بنظرة "تفاؤل"

وعلى الرغم من التعامل الحذر الذي تبديه موسكو في الأزمة التي تشهدها منطقة الخليج، فإنها تنظر إلى النهج الإماراتي في التعامل الدبلوماسي مع إيران بنظرة "تفاؤل" وفقًا لما أشارت له تقارير صحفية، والتي أفضت لإجراء تبادل لدبلوماسيين من البلدين الزيارات، في 26 حزيران/يونيو، والأول من أيلول/سبتمبر الماضيين، ناقشوا خلالها تخفيف التوتر المتصاعد في منطقة الخليج، حيثُ تحاول موسكو إقناع أبوظبي بختطتها الأمنية، وتراهن في هذا الشأن على نقاط الضعف الاقتصادية للإمارات في حال نشب صراع عسكري مع طهران.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 حرب الناقلات.. هل فرضت طهران هيمنتها على مضيق هرمز؟