03-أغسطس-2018

كل الحلول البديلة لباب المندب ستكلف السعودية خسائر جديدة (Getty)

منذ بداية الحرب السعودية على اليمن تحت عنوان تحالف دعم الشرعية، في 25 آذار/مارس 2015، والخسائر تلاحق المملكة العربية السعودية واحدة تلو الأخرى، على المستوى العسكري والاقتصادي والسياسي، وخلال السنوات الماضية عجز الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع وولي العهد عن إنجاز وعده بإنهاء الحرب خلال شهور قليلة، وإعادة الرئيس عبد ربه هادي لليمن، وانتقل الأمر في النهاية، إلى تهديد العمود الرئيسي للاقتصاد السعودي "النفط"، الذي أصبح في مرمى الخطر، ولم يعد للأمير ولا مستشاريه القدرة على تأمين سفنه أو مخازنه داخل وخارج المملكة.

استطاع الحوثي وأنصاره تهديد العاصمة وقصر الحكم واستهداف سفن ومخازن للنفط داخل الأراضي السعودية وكذلك في البحر

وبالرغم من أن الجيش السعودي يعد ثالث الجيوش إنفاقًا من الناحية العسكرية على مستوى العالم في 2017، بنحو 69.4 مليار دولار، فيما قارب الإنفاق الدفاعي للمملكة في 2014 حاجز 81 مليار دولار أي نحو 10% من إجمالي الناتج المحلي الـسعودي، إلا أنه لم يتمكن خلال السنوات الثلاث السابقة من حسم حرب، أمام مجموعة تعد أقرب للميليشيات العسكرية، منها للجيش النظامي، ما أظهر حتى فشل التطلعات العسكرية للرياض.

واستطاع الحوثي وأنصاره تهديد العاصمة وقصر الحكم واستهداف سفن ومخازن للنفط داخل الأراضي السعودية وكذلك في البحر، عبر الصواريخ تارة وبالطائرات المسيرة تارةً أخرى، حتى أعلنت المملكة في تموز/يوليو الماضي، تعليق مرور شاحنات الخام السعودي عبر مضيق باب المندب، جراء تعرض ناقلتين تابعتين للمملكة لهجوم من قبل مجموعات الحوثي اليمنية المدعومة من إيران.

تضخيم مفتعل أم وضع محرج؟

ترجح بعض التوقعات تضخيمًا سعوديًا مفتعلًا لأزمة مضيق باب المندب، في محاولة لاستقطاب دعم دولي لقتال الحوثيين، في الوقت الذي يرى فيه البعض الآخر أن الدعم الدولي لن يغير المعادلة العسكرية في اليمن، حيث إن التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات يمتلك نوعًا من الأسلحة والمعدات العسكرية يعتبره خبراء شديد التطور مقارنة بمجموعات الحوثي، مع ذلك لم يحسم التحالف الحرب لنحو ثلاث سنوات، أنفقت خلالها المملكة الأموال وقامت بآلاف الطلعات الجوية، وأهملت عشرات التقارير الحقوقية التي تُحملها وحلفاءها اتهامات تقترب من جرائم الحرب.

على الجانب الآخر يعتبر البعض أزمة باب المندب تعبيرًا حقيقيًا عن حالة الوهن والضعف، التي تشهدها المملكة في ظل وجود محمد بن سلمان على رأس الدولة. إذ خسرت المملكة منذ صعوده على جميع المستويات اقتصاديًا وسياسيًا، حتى أن حلفاءها في تناقص مستمر.

وفي كلتا الحالتين، سواء عكست هذه التطورات فشل الإدارة السعودية أو تضخيمها المفتعل لما جرى، فإن النفط السعودي أصبح في مرمى الخطر، مع تزايد العمليات الحوثية ضد المصالح النفطية، التي تتوازى مع التهديدات الإيرانية بوقف التصدير عبر مضيق هرمز لو نفذت الولايات المتحدة تهديدها ومنعت طهران من تصدير نفطها. وهي التهديدات التي صدرت من المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه، والرئيس حسن روحاني بالإضافة إلى قيادات في الحرس الثوري.

يعتبر مضيق باب المندب الطريق الأقصر لتصدير النفط من منطقة الخليج إلى أوروبا والولايات المتحدة

 ويعد مضيق هرمز الأكثر أهمية في قطاع نقل البترول، ووفقًا للإحصائيات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة، فإنه مر من المضيق يوميًا نحو 18 مليون برميل عام 2016.

وعلى المستوى السياسي، من المتوقع أن تشهد المملكة أزمة جديدة، فالأمر لا يتوقف عند حد الخسائر الاقتصادية التي من المعتاد أن يدفع الشعب السعودي ثمنها، ولكن هناك أيضًا خسارة سياسية في حال لو رضخت السلطات السعودية وأعلنت تغيير مسار ناقلات النفط للالتفاف حول أفريقيا، أو نقل البترول عبر أنابيب من المنطقة الشرقية الغنية بالبترول إلى البحر الأحمر، أو في حال ما اتخذت قرارًا برفع أعلام دول أخرى لتجنب هجمات الحوثي. وهي الحلول التي لو طبق أي منها، سيعتبر خسارة للنفوذ والسلطة والهيبة، التي كانت تتمتع بها السعودية في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن

الهجمات المتكررة

في كانون الثاني/يناير 2016، نشر استوديو إيراني للأفلام الكارتونية، فيلمًا لهجوم يقوم به الحوثيون على المملكة. كان الفيلم يركز بشكل رئيسي على شركة أرامكو والمطارات، وهو ما تكرر في أكثر من خطاب وموضع، ما يعني أن الاستهداف الحوثي المتصاعد ضد المصالح النفطية السعودية، ليس من قبيل المصادفة، ولكنه هدف رئيسي واضح لضرب وتهديد الاقتصاد السعودي، سواء من إيران أو حلفائها. وقد بدأت التهديدات الحوثية بالفعل في 15 أيلول/سبتمبر 2017، وأعلن عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة، في تصريحات متلفزة عن جاهزية قواته لاستهداف الناقلات النفطية السعودية التي تمر في البحر الأحمر، في حالة ما هاجم التحالف ميناء الحديدة في اليمن.

 يعتبر البعض أزمة باب المندب تعبيرًا حقيقيًا عن حالة الوهن والضعف، التي تشهدها المملكة في ظل وجود محمد بن سلمان

ويأتي الهجوم الحوثي على سفينة النفط في 25 تموز/يوليو الماضي، ضمن سلسلة من الهجمات الحوثية التي تستهدف أضعاف قدرة المملكة على نقل نفطها وتخزينه في المياه الدولية أو داخل الأراضي السعودية. وبدأت تلك الهجمات للمرة الأولى في 22 آذار/مارس الماضي، باستهداف شركة أرامكو النفطية، في محافظة النجران بالقرب من الحدود السعودية اليمنية، ووفقًا لمزاعم حوثية، فإن الهجوم تم بصاروخ باليستي بدر1، محلي الصنع، وقالت الجماعة إن "الصاروخ أصاب الهدف بدقة"، ولكن الشركة النفطية الأكبر في العالم أرامكو، نفت أن تكون قد تعرضت لهجمات صاروخية وادعت أنها تعمل بشكل طبيعي.

وفي نيسان/إبريل الماضي، قامت قوات الحوثي بعمليتين، زعمت الجماعة في العملية الأولى استهداف خزانات لأرامكو في منطقة جازان، بصاروخ باليستي، غير أن المملكة نفت أن يكون هناك أي أضرار لحقت بالشركة والخزانات، وادعت السعودية أن الدفاعات الجوية دمرت صاروخًا في سماء جازان. أما العملية الثانية، فقد استهدفت ناقلة نفط سعودية في المياه الدولية غرب ميناء الحديدة اليمني، وأعلن تركي المالكي المتحدث باسم التحالف، استهداف مجموعات الحوثي لناقلة نفط سعودية، وأوضح المتحدث أن القوات البحرية للتحالف تدخلت لإنقاذ السفينة، فيما علق وقتها وزير الطاقة السعودي خالد الفالح على الهجوم قائلا:" الهجوم لن يكون له أثر على إمدادات الخام (...) الاعتداء ما هو إلا محاولة يائسة للتأثير على أمن الملاحة الدولية، وباءت بالفشل". فيما أكدت القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي الهجوم على الناقلة وحددها البيان بالاسم (الناقلة أبقيق)، وفي نهاية أيار/مايو الماضي أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أن الحوثيين حصلوا على الصاروخ الذي أطلق على الناقلة من إيران.

ومع تصاعد العمليات العسكرية التي يشنها التحالف، منذ 13 حزيران/ يونيو 2018، بقيادة الإمارات على ساحل البحر الأحمر نحو مدينة الحديدة لمحاولة السيطرة على مينائها الاستراتيجي، تصاعدت من جديد الهجمات ضد المصالح النفطية السعودية، وفي 18 تموز/يوليو الماضي كان التحول الأكبر في استهداف شركة النفط أرامكو باستخدام طائرة مسيرة عن بعد، من طراز "الصماد2"، للمرة الأولى بهدف استهداف مصفاة للشركة، كانت بالقرب من الرياض.

وكانت الشركة قد نشرت في نفس الوقت على تويتر أخبارًا حول حريق محدود، في المصفاة، وعقب الهجوم سخر  القيادي الحوثي محمد علي الحوثي، رئيس اللجنة الثورية العليا، عبر حسابه الشخصي على تويتر أيضًا من المملكة، ونشر استفتاء لجمهوره، حول الخيارات المتاحة أمامها.

وكانت آخر الهجمات في تموز/يوليو الماضي وأعلن التحالف إصابة ناقلة نفط، فيما قالت جماعة الحوثيين أن الاستهداف كان لسفينه عسكرية، وأعلنت المملكة تعليق شحنات النفط عبر مضيق باب المندب بعد الهجوم إلى أن يصبح المجرى المائي آمنًا.

اقرأ/ي أيضًا: بعد هزائم ابن سلمان المتكررة.. "أمير الأنيميشن" ينتصر في فيلم كرتوني

أهمية النفط

يعني وقف تصدير النفط أو استهداف مخازن أرامكو على نطاق واسع ومستمر، أزمة اقتصادية للمملكة المحملة بمصروفات الحرب والتسليح. فيما سيعني وقف أو تعطيل التصدير لفترات طويلة غياب العمود الرئيسي في الميزانية السعودية، ووفقًا للتوقعات المعتمدة في الميزانية السعودية للعام الجاري 2018، فإن تقديرات الإيرادات النفطية تصل لنحو 131.2 مليار دولار، من أصل توقعات للإنفاق تصل لنحو 260.8 مليار دولار، ما يعني تجاوز عائدات النفط المتوقعة نحو 50% من قيمة الإنفاق داخل المملكة، في مقابل توقعات تصل فيها الإيرادات غير النفطية لنحو 77.6 مليار دولار فقط.

يعني وقف تصدير النفط أو استهداف مخازن أرامكو على نطاق واسع ومستمر، أزمة اقتصادية للمملكة المحملة بمصروفات الحرب والتسليح

إن عائدات النفط هي المحرك الرئيسي لطموح محمد بن سلمان وتقليصها معناه وقف المشروعات الاقتصادية ضمن رؤية 2030. وإن لم يتهور ويطرح نسبة كبيرة من أسهم أرامكو العام القادم، فلا سبيل للأمير الصاعد إلى أن يظهر كـ"اقتصادي بارع"، بعد أن فشل في الظهور كوزير دفاع ناجح، وسياسي صاحب خبرة، وسيكون أمام الحكومة السعودية اتخاذ ثلاثة مسارات أخرى لتصدير البترول بنسبته الحالية عبر باب المندب، إما من خلال الالتفاف حول أفريقيا، أو نقل النفط من المنطقة الشرقية إلي البحر الأحمر مباشرة عبر خط أنابيب بترولاين، وفي كلا الأمرين فإن هناك تكاليف أكبر.

 ورغم أن المستوردين هم من يتحملون هذه التكاليف، إذ سيرتفع سعر البترول، لكن ذلك كله سيكون بلا عائد على المملكة، في الوقت الذي ستستفيد فيه من زيادة الأسعار دول أخرى، لا تشكل تهديدًا للحوثي، وليست بحاجة لتغيير مسارها أو دفع تكاليف أكبر.

ويعتبر مضيق باب المندب الطريق الأقصر لتصدير النفط من منطقة الخليج إلى أوروبا والولايات المتحدة، ويصل عدد البراميل المارة من خلاله نحو 4.8 مليون برميل في اليوم، وتمثل كمية النفط هذه 8% من إمدادات النفط العالمية، ولا تهتم كثيرًا الدول المشاركة في التحالف مثل الكويت بمضيق باب المندب، ووفقًا لوكالة الأنباء الكويتية فإن 10% فقط من صادرات النفط الكويتية تعبر المضيق، وقال الشيخ طلال الخالد الصباح الرئيس التنفيذي لشركة ناقلات النفط الكويتية، إن نحو 90% من الصادرات تتجه إلى دول جنوب شرق آسيا، ولا تعبر باب المندب.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن

مخلفات الحرب.. آلاف المعاقين في جنوب اليمن