19-أغسطس-2019

رفضت حكومة جبل طارق احتجاز الناقلة الإيرانية (Getty)

رفضت حكومة جبل طارق طلب المذكرة القضائية الصادرة عن واشنطن لاحتجاز ناقلة النفط الإيرانية جريس1، وذلك بعد قرابة ستة أسابيع على احتجازها بناءً على طلب بريطانيا لانتهاكها قانون العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام السوري منذ عام 2011، في الوقت الذي تسعى واشنطن لإنشاء تحالف عسكري في مياه الخليج لحماية ناقلات النفط التي تعبر مضيق هرمز، إلا أن كافة المعطيات تشير لعدم رغبة الدول الغربية المشاركة في التحالف على اعتبار أنه انحياز لواشنطن ضد طهران في الأزمة التي يشهدها الشرق الأوسط منذ نيسان/أبريل الماضي ما أثر سلبًا على حركة الملاحة البحرية في المنطقة.

تواجه واشنطن معارضة غربية لتشكيل تحالف عسكري في منطقة الخليج، إذ لم يوافق على المشاركة في التحالف حتى الآن سوى بريطانيا وإسرائيل، بسبب الموقف الأوروبي من الاتفاق النووي

واشنطن تطالب جبل طارق بتجديد احتجاز جريس1

أصدرت واشنطن مذكرة قضائية دعت بموجبها لاحتجاز ناقلة جريس1 الإيرانية، ومصادرتها لاتهامها بالتخطيط "لدخول النظام المالي الأميركي بطريقة غير قانونية، لدعم شحنات غير شرعية من إيران إلى سوريا"، وأشارت المذكرة الصادرة عن وزارة العدل الأمريكية إلى أن الناقلة بالإضافة لحمولتها النفطية و995 ألف دولار تخضع للمصادرة بسبب انتهاكها "قانون الطوارئ الاقتصادية الدولي، والاحتيال المصرفي، وتبييض الأموال، ووضعية المصادرة بموجب الإرهاب".

اقرأ/ي أيضًا: لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا!

وجاء قرار الوزارة الأمريكية بعد يوم واحد على إصدار حكومة جبل طارق أمرًا يسمح للناقلة الإيرانية المحتجزة لديها منذ قرابة ستة أسابيع بالإبحار شريطة عدم إفراغ حمولتها النفطية المقدرة بـ2.1 مليون برميل نفطي في موانئ النظام السوري بسبب العقوبات الغربية المفروضة على دمشق، لكن رئيس حكومة جبل طارق فابيان بيكاردو لفت في تصريحه حول الناقلة جريس1 إلى طلب وزارة العدل الأمريكية بدء إجراء قانوني جديد لاحتجاز الناقلة، مشيرًا إلى أن سلطات بلاده ستتخذ "قرارًا موضوعيًا بشأن هذا الطلب".

ورفضت حكومة جبل طارق اليوم الأحد تنفيذ المذكرة القضائية التي دعت واشنطن بموجبها لاحتجاز الناقلة الإيرانية، وقالت في بيان صادر عنها إن نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على طهران "أضيق نطاقًا" من ذلك الذي تفرضه واشنطن، وجاء بيان حكومة جبل طارق بالتزامن مع تغريدة للسفير الإيراني في بريطانيا حميد بعيدي نجاد توقع خلالها مغادرة الناقلة ليلة اليوم الأحد، فيما أكدت البحرية الإيرانية استعدادها مرافقة الناقلة في حال طلبت منها السلطات العليا ذلك.

لندن وطهران تتبادلان احتجاز الناقلات  

وتبادلت لندن وطهران احتجاز ناقلات النفط بعد احتجاز حكومة جبل طارق في الرابع من الشهر الماضي الناقلة جريس1 بناء على مذكرة بريطانية بسبب انتهاك طهران للعقوبات الأوروبية المفروضة على النظام السوري، ردت عليها طهران باحتجاز الناقلة ستينا إمبيرو التي كانت متجهة نحو ميناء سعودي قبل أن تغير وجهتها عقب عبورها مضيق هرمز.

وشهدت منطقة الخليج التي يعبر منها ثلث النفط العالمي يوميًا، توترًا خلال الأشهر الماضية بعد انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على طهران، وفرضها عقوبات إضافية استهدفت من خلالها الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، والحرس الثوري الإيراني، ومسؤولين إيرانيين ضمنهم وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، بالإضافة لتعزيز تواجدها العسكري في الشرق الأوسط في محاولة لإرغام طهران على الذهاب للحوار بهدف تحسين شروط الاتفاق النووي الإيراني.

وأطاح الرئيس  الأمريكي دونالد ترامب بالاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه باراك أوباما والدول الغربية مع طهران بعد قراره الأحادي بالانسحاب من الاتفاق ما أثار موجًة من الاستياء بين الدول الغربية الحليفة لواشنطن، وساهم بتأجيج التوتر في منطقة الخليج بعد تعرض ناقلات النفط التي كانت تعبر المنطقة لهجمات اتهمت طهران بالوقوف خلفها، وهو ما نفته طهران لأكثر من مرة على لسان مسؤوليها.

وتراجع ترامب في وقت سابق عن تنفيذ ضربة انتقامية ضد مواقع عسكرية إيرانية على خلفية إسقاط طهران لطائرة مسيرة أمريكية قالت إنها اخترقت أجواءها الجوية، وترفض طهران الجلوس على طاولة المفاوضات إلى جانب واشنطن ما لم تقم بإلغاء أو تعليق العقوبات المفروضة عليها، فقد أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني في أكثر من مناسبة أن بلاده لن تجلس على طاولة المفاوضات إذا لم ترفع واشنطن العقوبات، وتنهي الضغوط الاقتصادية المفروضة على طهران.

واشنطن فشلت في تشكيل تحالف عسكري في الخليج

دعت واشنطن الشهر الفائت لتشكيل تحالف عسكري يضمن حرية الملاحة في مياه الخليج مع طهران، فقد كشف رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد أن بلاده ترغب بتشكيل التحالف لحماية المياه قبالة إيران واليمن، مشيرًا إلى أن واشنطن ستقدم سفنًا قيادية للتحالف، وستقود جهوده للمراقبة والاستطلاع.

 لكن الخطة التي قدمتها واشنطن تصطدم بمعارضة غربية حيثُ تجد صعوبة بإقناع حلفائها للاشتراك بالتحالف المرغوب بإنشائه في منطقة الخليج، وترفض الدول الغربية أن تكون جزءًا من الحملة التي تقودها واشنطن ضد إيران منذ مطلع العام الجاري، ويسود اعتقاد بين الدول الغربية أن الخطة التي قدمتها واشنطن ستوئر سلبًا على تخفيف التوترات لأن طهران ستراها معادية لها.

وشهد الشهر الفائت تطورًا مهمًا على صعيد العلاقات الإماراتية – الإيرانية المتوترة منذ أكثر من خمسة أعوام، بعدما قام وفد أمني إماراتي بإجراء زيارة لطهران لبحث توسيع العلاقات الدبلوماسية وتعزيز أمن الحدود بين الطرفين، وتؤيد دولة الإمارات على ما يبدو أية مبادرة تجنبها شبح المواجهة مع إيران، في الوقت الذي تبدي المنامة والرياض رغبتهما للمشاركة في أي تحالف عسكري تقوده واشنطن في مياه الخليج الإقليمية، ووفقًا لمراقبين فإن المنامة والرياض هما الدولتان الخليجيتان الوحيدتان اللتان أعربتا عن تأييدهما للمشاركة في التحالف الذي ترمي واشنطن لتشكيله.

وكانت المنامة قد استضافت في وقت سابق اجتماعًا لقادة عسكريين من دول عدة دعت إليه بريطانيا ضم ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية أخرى، جرت خلاله مناقشة الرد على التهديدات الإيرانية للملاحة البحرية في منطقة الخليج ومضيق هرمز، واعتبر مراقبون أن دعوة واشنطن لدول أخرى المشاركة بالتحالف ناجم عن يقين عدم امتلاك حلفائها الخليجيين القدرات العسكرية المطلوبة للمشاركة بمفردهم في التحالف.

وأعلنت إسرائيل على لسان وزير خارجيتها يسرائيل كاتس مشاركتها في المباحثات الدولية لتشكيل التحالف المزمع إنشاؤه، لكن طهران ترفض إنشاء أي تحالف عسكري في المنطقة، واعتبر روحاني أن مشاركة تل أبيب في التحالف هو أمر "عبثي وفارغ"، مشددًا على أن الأمن والاستقرار في المنطقة لا يحتاج لقوات أجنبية، في الوقت الذي يمكن توفير الأمن من خلال الوحدة والانسجام والحوار بين دول المنطقة.

طهران تفرض هيمنتها على مضيق هرمز  

تشير معظم المعطيات منذ اندلاع الأزمة الإيرانية – الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بعد انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي إلى أن الإدارة الأمريكية لا ترغب بالذهاب لمواجهة عسكرية مباشرة مع طهران، وهو ما أكده تراجع ترامب عن توجيه ضربة عسكرية لطهران ردًا على إسقاط طائرة التجسس الأمريكية جلوبال هاوك التي تقدر كلفتها بأكثر من 130 مليون دولار، وسمح لطهران بفرض هيمنتها على مضيق هرمز.

وترى تقارير عبرية أن امتناع الإدارة الأمريكية عن الذهاب لمواجهة عسكرية مباشرة مع طهران ناجم عن عدة اعتبارات يأتي في مقدمتها التغيير الذي طرأ على السياسة الإماراتية في المنطقة من خلال إعلانها بدء الاستعداد للانسحاب من اليمن، وهو ما يدل على نشوب خلاف مع حليفها الإستراتيجي في المنطقة في إشارة للرياض، فضلًا عن الزيارة التي أجراها الوفد الأمني الإماراتي إلى طهران مؤخرًا، الأمر الذي دفع واشنطن لاعتبار أبوظبي شريكًا غير فعّال في حال قررت مهاجمة طهران، وظهور انطباعات بين حلفاء واشنطن ترتبط بتفضيل ترامب المفاوضات عوضًا عن الحرب في المنطقة.

وكشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نقلًا عن مسؤولين إماراتيين أن أبوظبي التي أيدت انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني لم تكن ترغب أن يؤدي ذلك إلى المواجهة التي تشهدها منطقة الخليج مؤخرًا، مشيرًة لوجود تساؤلات حول إمكانية اعتماد واشنطن على أبوظبي في حال نشوب حرب مع طهران في المنطقة، إذ يرى مراقبون أن إمكانية اعتماد واشنطن على دعم إماراتي في حال أدت التوترات إلى نشوب حرب مع طهران أصبح موضع شك.

وتواجه واشنطن معارضة غربية لتشكيل تحالف عسكري في منطقة الخليج، إذ لم يوافق على المشاركة في التحالف حتى الآن سوى بريطانيا وإسرائيل، إلا أن مشاركة إسرائيل في التحالف ستؤدي لزيادة الوضع المتوتر أساسًا في الخليج من دون تواجدها سوءًا، ما يشير لاحتمالية وقوع مواجهة مباشرة بين الطرفين، إذ ترى الدول الغربية أن مشاركتها في مثل هذا التحالف سيؤدي حتمًا لتأزيم الوضع في المنطقة، والدخول في مواجهة عسكرية لا يرغبون بها.

كما أن طهران بعثت خلال الفترة مجموعة من الرسائل للدول الغربية والإقليمية تشير بطريقة غير مباشرة إلى أنها تسيطر بقوة أكبر من السابق على طريق الملاحة البحرية في مضيق هرمز، وأنه لا يمكن تجنب عبور ناقلات النفط دون الاتفاق معها، فقد كشفت مؤخرًا عن منظومة فلق للدفاع الصاروخي القادرة على كشف صواريخ كروز والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، كما أنها تتحضر للكشف عن منظومة الدفاع الجوي باور 373 في اليوم الوطني للصناعة الدفاعية خلال الشهر الجاري، والتي تقول إنه أكثر تقدمًا من منظومة الدفاع الجوي الروسية إس 300 .

ومن جانب آخر أظهرت طهران أنها قادرة على احتجاز ناقلات النفط العابرة ضمن مضيق هرمز رغم حمايتها من قبل قوات البحربة البريطانية، فقد سمح لها موقعها المطل على سواحل الخليج التمتع بميزة اختيار المكان والهدف عبر قواعدها العديدة في الساحل والجزر في الخليج ومضيق هرمز، وهو ما تدركه الدول الغربية جيدًا، بالأخص بعدما قررت طهران نشر مجموعة من الفيديوهات أظهرت خلالها كيفية احتجاز الحرس الثوري الإيراني للناقلة البريطانية عبر عملية إنزال جوي في المياه الإقليمية.

اقرأ/ي أيضًا: إرث أمريكا "البيضاء".. ترامب المخلص لرسالة البلطجة الإمبريالية 

وإلى جانب ذلك تعتبر عدم رغبة ترامب الصارخة بالدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع طهران عاملًا أساسيًا فيما من الممكن أن تؤول إليه التطورات في المنطقة، فقد أشارت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية أصبح لديها اعتقاد راسخ أنها لم تعد بحاجة لمنطقة الخليج العربي نتيجة اعتماد واشنطن على مصادر مستقلة للطاقة، إضافة لرغبة ترامب بمغادرة الشرق الأوسط، وعدم حاجة واشنطن أساسًا لنفط دول الخليج لذا ترى أن منطقة الخليج لم تعد مشكلتها.

كانت وكالة رويترز قد كشفت عن محاولة وسطاء غربيين إقناع طهران وواشنطن بالتعاون بينهما لتعزيز الأمن في أفغانستان عبر نقلهم لمراسلات سرية بين الطرفين

وكانت وكالة رويترز قد كشفت عن محاولة وسطاء غربيين إقناع طهران وواشنطن بالتعاون بينهما لتعزيز الأمن في أفغانستان عبر نقلهم لمراسلات سرية بين الطرفين، وعلى الرغم من رفض الطرفين تأكيد المراسلات بينهما، فإن الوكالة نقلت استعداد طهران لإجراء المحادثات مقابل تعليق العقوبات الأمريكية التي تستهدف صادراتها النفطية، واعتراف واشنطن بالمصالح المشتركة للبلدين في أفغانستان، ويرجح مراقبون أن إجراء مثل هذه المحادثات من الممكن أن يخفف من حدة التوتر في منطقة الخليج.