21-سبتمبر-2019

أظهرت تداعيات هجوم أرامكو هشاشة تحالفات السعودية (رويترز)

بعد أيام على الهجوم الذي استهدف منشآت النفط في السعودية لا يبدو أن الإدارة الأمريكية حسمت قرارها للدفاع عن أبرز حلفائها في الشرق الأوسط، بينما تتجه الدول الغربية رغم إدانتها الهجمات للتهدئة، ومحاولة التوصل لحل سلمي ينزع فتيل التوتر في المنطقة. في الوقت الذي تسعى فيه الرياض أن يكون الرد على نطاق دولي، إلا أنه لا يظهر أن مجلس الأمن لديه القدرة للموافقة على قرار من هذا النوع قد يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة، ما يجعل السعودية تقف وحيدة في دوامة الفوضى التي تعيشها منطقة الخليج.

أظهرت الضربات الأخيرة التي استهدفت أرامكو أن جماعة الحوثي لديها قدرات عسكرية عالية الدقة مكنتها من تحقيق إصابة مباشرة على الأهداف التي أرادت ضربها

الرياض تفشل بحماية منشآتها النفطية

أظهرت الضربات الأخيرة أن جماعة الحوثي لديها قدرات عسكرية عالية الدقة مكنتها من تحقيق إصابة مباشرة على الأهداف التي أرادت ضربها، فقد خسرت السعودية من إنتاجها يوميًا 5.7 ملايين برميل من إجمالي إنتاجها اليومي البالغ 9.8 ملايين برميل، بنسبة تصل إلى 50 بالمئة من إنتاجها، وقرابة 6 بالمئة من إمدادات النفط الخام العالمية، كما أنها خسرت عمليًا إيرادات نفطية يومية تناهز 394 مليون دولار، و3 مليارات و940 مليون دولار عن كل 10 أيام.

اقرأ/ي أيضًا: تداعيات الهجوم على منشآت أرامكو.. هل انتصرت إيران على العقوبات الأمريكية؟

وحذر المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع بشن المزيد من الهجمات على المنشآت السعودية، واستهداف المنشآت الإماراتية ما لم توقف الدولتان الخليجيتان الحرب التي يخوضانها في اليمن منذ عام 2015، وتوّعد سريع الدولتين اللتين يشهد تحالفهما شرخًا بهجمات أخرى و"رد الصاع صاعين"، مهددًا بحرق المزيد من المنشآت والأهداف الحيوية إذا استمر ما وصفه بـ"العدوان"، مشيرًا إلى أن الجماعة تملك "بنكًا يتضمن عشرات الأهداف في العاصمة الإمارتية أبوظبي وإمارة دبي، سيتم استهدافها".

وبالنظر لنوع الهجوم الذي يعتبر الأول على هذا المستوى منذ بدأ الحوثيون استهداف الأراضي السعودية، فإنه أثبت هشاشة القدرات الدفاعية السعودية التي أنفقت عليها عشرات المليارات، إذ تشير التقارير إلى أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة عالميًا من حجم الإنفاق الدفاعي العسكري، وذكرت شبكة CNBC الأمريكية في هذا الشأن أن الرياض أنفقت العام الماضي على الأسلحة قرابة 67.6 مليار دولار، ما دفع بالسفير الأمريكي السابق في سلطنة عمان غاري غرابو خلال تعليقه على الهجوم للشبكة الأمريكية لمطالبة الرياض بـ"توضيح أمور كثيرة".

وتعتمد السعودية في منظومة دفاعها الجوي بشكل أساسي على نظام باتريوت الأمريكي، وهو نظام بعيد المدى تم نصبه للدفاع عن المدن والمنشآت الكبري، واعترض خلال الأعوام الماضية الصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون على ارتفاعات عالية على المدن السعودية، إلا أن إنفاقها العسكري ينصب في المقام الأول على الحرب التي تخوضها في اليمن منذ أربعة أعوام، وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى والجرحى، وساهمت بتردي الأوضاع الاقتصادية والصحية في البلاد ما أدى لتفشي وباء الكوليرا.

التحالف الهش.. الرياض لوحدها في مواجهة الحوثيين

شكّلت الرياض مع أبوظبي منذ عام 2015 تحالفًا عسكريًا وسياسيًا لإضعاف النفوذ الإيراني المتنامي في الشرق الأوسط، وحصل هذا التحالف على مباركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الزيارة التي أجراها إلى الرياض في أيار/مايو من عام 2017، وجرى الاتفاق فيها على إبرام صفقات مع الأخيرة تجاوزت 450 مليار دولار، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فإن الرياض تواصل دفع المال مقابل الحصول على ذخيرة، وصيانة للمعدات العسكرية، والتدريب العسكري بناء على صفقات سابقة أبرمت مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

لكن هذا التحالف بدأ بالتفكك نسبيًا منذ إلغاء ترامب الضربة العسكرية التي كان يزعم توجيهها لطهران ردًا على إسقاطها طائرة مسيّرة أمريكية في حزيران/يونيو الماضي، حيث تذّرع الرئيس الأمريكي بأن الحادثة لا تستوجب ردًا عسكريًا يستوجب سقوط ضحايا على الطرف الإيراني، بينما أشارت التقارير إلى أن ترامب ليس واثقًا من أن حلفاءه الخليجيين قادرين على الدخول في مثل هذه المواجهة العسكرية.

وقبل حادثة إسقاط المسيّرة الأمريكية بأسبوع كانت الإمارات قد أعلنت عزمها الانسحاب من اليمن، وبعدها أجرى وفد أمني إماراتي زيارة لطهران هي الأولى من نوعها منذ انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ما يدل على أن التحالف بين الدول الثلاث يشهد شرخًا واضحًا، ويرى الخبراء أن الخلاف بين الرياض وأبوظبي هو "خلاف حقيقي"، إذ تريد الرياض الذهاب في المواجهة مع طهران إلى ما بعد المواجهة الجيوسياسية، مقابل اتسام النهج الإماراتي بالتهدئة بسبب إدراكها لضعف عمقها الإستراتيجي أولًا، والخلاف الناشب بين إمارتي أبوظبي ودبي على السياسة الخارجية للبلاد.

كما أن الهجوم الذي استهدف منشأتي النفط في المنطقة الشرقية بالسعودية لا يكشف عن جدية الإدارة الأمريكية في حماية حلفائها في المنطقة، ويظهر بشكل واضح أن الأموال التي تغدق بها الدولتين الخليجيتين على واشنطن كانت مقابل شراء صمتها عن سياستهم المتهورة في الشرق الأوسط، وأفضت لتأجيج المزيد من الصراعات العسكرية فيها، وأظهرت أن السعودية تقف لوحدها في الحرب التي تخوضها ضد إيران، بالأخص أن ترامب جدد في أحد تعليقاته على الهجوم أن بلاده لم تقدم وعودًا للرياض بالحماية، مضيفًا أنه "يتعين على السعوديين تحمل المسؤولية الأكبر في ضمان أمنهم ويشمل ذلك دفع المال"، وكرر في الوقت عينه أن واشنطن لا تريد حربًا مع طهران.

واشنطن تتجنب الرد لوحدها على طهران

كان موقف الدول الأوروبية واضحًا منذ إعلان ترامب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني (5+1) من جانب أحادي العام الماضي، فقد نأت الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق بنفسها عن النهج المتشدد الذي اتخذه ترامب ضد طهران بناءً على زيارته التي أجراها للرياض عام 2017، وليس واضحًا أن الهجوم الأخير قد يؤثر على موقف الدول الأوروبية رغم إجماعها في بيانات منفصلة على إدانة الهجوم.

وتشير التصريحات الصادرة عن الرياض وواشنطن إلى أنهما لا يريدان الدخول في مواجهة عسكرية لوحدهما مع طهران، وإذا كانت الرياض دعت لتدخل دولي عاجل يوقف الهجمات التي تنفذها إيران ضد مصالحها في الشرق الأوسط، فإن واشنطن شددت في تصريح على لسان مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أنه يتوّجب على السعودية المبادرة بطلب التحرّك من مجلس الأمن الدولي بصفتها الجهة التي استُهدفت، دون أن يحدد طبيعة التحرك المطلوب من مجلس الأمن الذي تتمتع به الصين وروسيا أبرز حلفاء إيران الدوليين بحق النقض.

ويتضح أكثر عدم رغبة واشنطن بالذهاب لمواجهة عسكرية في الوقت الراهن على أقل تقدير من خلال تصريحات ترامب الذي أكد أن بلاده ستفرض حزمة عقوبات اقتصادية جديدة على طهران، وأشار في الوقت عينه إلى أنه من الممكن أن يكون هناك رد عسكري على طهران "غدًا أو بعد أسبوعين"، وترى صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أنه على الرغم من التصريحات المتوالية التي أشارت إلى تورط إيران بالوقوف وراء الهجوم فإن ترامب يتجنب الدخول في مواجهة عسكرية مع طهران.

وترجح الصحيفة الأمريكية هذا الخيار لسببين، الأول عدم رغبة واشنطن والرياض بالتصعيد لصراع أوسع قبل أسبوع من انعقاد الجلسة العمومية للأمم المتحدة بحضور زعماء العالم ما قد يسمح لهم بمناقشات التطورات الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط، وثانيًا أنه على الرغم من إظهار صور الأقمار الصناعية إمكانية تورط طهران بالهجوم الذي تنفي وقوفها وراءه، فإن هذه الصور لا تكفي لإثبات الاتجاه الذي جاء منه الهجوم، ونوعية الأسلحة المستخدمة، ومن الذي أطلقها.

وقالت تقارير أمريكية نقلًا عن مسؤول في الإدارة الأمريكية، أن الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامئني وافق على الهجوم على شرط أن يتم تنفيذه بشكل يبعد الشبهات في أي تورط إيراني، وأشار مسؤولون أمريكيون إلى أن الأدلة ضد إيران هي صور التقطت بقمر صناعي ولم يتم نشرها بعد، تظهر قوات الحرس الثوري الإيراني تقوم بترتيبات للهجوم في قاعدة الأهواز الجوية.

وفي مقابل ذلك تمكنت واشنطن من استثمار الهجوم لصالحها من خلال تصريحاتها المتناقضة بين دعمها أي رد عسكري محتمل أو حديث ترامب عن عدم رغبته بالدخول بصراع جديد، وجاء استثمار إدارة ترامب الهجوم لصالحها عبر إعلان أبوظبي والرياض رسميًا مشاركتهما في التحالف الذي ترغب بإنشائه لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية، بعد أن كانت الدولتان الخليجيتان قد امتنعتا عن الدخول به، وكان مقتصرًا على بريطانيا والبحرين بقيادة واشنطن.

وخلال زيارته لأبوظبي قادمًا من الرياض قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الهدف من تشكيل التحالف هو "تحقيق السلام والتوصل لحل سلمي"، إلا أن الدول الأوروبية رفضت المشاركة في التحالف المزمع إنشاؤه خشية أن يؤجج التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط، وردًا على تصريحات بومبيو كتب وزير الخارجة الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر متساءلًا: "تحالف من أجل السلام؟"، وأعاد التذكير بالمبادرات التي طرحتها طهران منذ عام 1985 لتحقيق السلام في المنطقة.

ويرى ترامب أن أي رد على الهجوم الذي حدث يوم السبت الماضي يجب أن يكون للرياض دور رائد فيه، بالأخص أن المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين يبدون تحفظًا حول احتمالات توجيه ضربة عسكرية أمريكية إلى إيران، بحسب ما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية. فقد أوضح السناتور الديمقراطي مارك وارنر أنه لا يمكن لإدارة ترامب تصعيد الأمر مع طهران لعدم وجود اتفاقية دفاع مشتركة مع الرياض، مشيرًا إلى أنه "لا يوجد أساس قانوني" لشن هجوم أمريكي على طهران.

طهران تفوقت بالقوة والإستراتيجية على واشنطن

وفي وقت سابق جدد ظريف نفيه ضلوع طهران في الهجمات التي شهدتها شركة أرامكو السعودية يوم السبت الماضي، وشدد في حديثه لشبكة CNN الأمريكية على أن أي تداعيات غارة عسكرية أمريكية أو سعودية على إيران ستقود إلى "حرب شاملة"، وجاءت تصريحات ظريف بعد ساعات من إعلان الرياض أن الطائرات المسيّرة وصواريخ الكروز انطلقت من الشمال بدعم إيران.

وكان التلفزيون الإيراني قد نقل على لسان الزعيم الإيراني الأعلى تأكيده رفض إجراء أي محادثات "مطلقًا" مع واشنطن، وشدد الزعيم الإيراني الذي لا يمكن تجاوز سلطته في طهران على أن "سياسة الضغوط القصوى التي يتبعونها (واشنطن) ستبوء بالفشل"، مضيفًا أنه إذا رضخت طهران لضغوط واشنطن بإجراء الحوار "فإن هذا سيظهر أن سياستهم القائمة على ممارسة الضغوط القصوى على إيران كُللت بالنجاح. عليهم أن يعلموا أن هذه السياسة لا قيمة لها بالنسبة لنا".

اقرأ/ي أيضًا: حرب الناقلات.. هل فرضت طهران هيمنتها على مضيق هرمز؟

واعتبر الكاتب المتخصص بالخليج العربي سايمون هندسون أن طهران أظهرت قوتها واستراتيجيتها في الهجوم الذي استهدف منشأتي النفط في السعودية، مشيرًا إلى أن وجهة نظر طهران في هذا الخصوص أن أمن الممر المائي واحتياطياته الحيوية من النفط والغاز يجب أن تكون مسألة تتعلق بدول الخليج وحدها، وأضاف أن هذا تعريف لا يتضمن دورًا لواشنطن أو أي قوة أجنبية أخرى، لذا فإن النتيجة الطبيعية هي أنه إذا لم تتمكن إيران من تصدير النفط، فلن تستطيع دول خليجية أخرى القيام بذلك أيضًا.

خسرت السعودية من إنتاجها يوميًا 5.7 ملايين برميل من إجمالي إنتاجها اليومي البالغ 9.8 ملايين برميل، بنسبة تصل إلى 50 بالمئة من إنتاجها، وقرابة 6 بالمئة من إمدادات النفط الخام العالمية

وقال ماكل نايتس في مقال نشر في معهد واشنطن إن الهجوم الذي حدث السبت الماضي يحمل "دلالات على البراعة في تصميم الهجوم بالأسلحة"، ويوضح أن هذا مصطلح تقني يعني اختيار الذخائر وتعديلها، لأن بعض "نقاط التسديد" في الهجوم ضُربت بحمولات متفجرة ضخمة تتسق مع الصواريخ الجوالة الإيرانية كصاروخ "يا علي" البالغ مداه 700 كم، ويضيف بأن خزانات فصل المازوت ضُربت بقوة حركية عالية السرعة ولكن بدون متفجرات، مما يشير إلى أن الهدف كان إلحاق الضرر بها من دون تدميرها نهائيًا.