13-فبراير-2024
العدوان على غزة كشف عن تناقضات في مواقف الطبقة السياسية الليبيرالية الغربية (الأناضول)

كشف العدوان على غزة تناقضات الليبرالية الغربية (الأناضول)

سلّطت الصحفية السودانية المقيمة في لندن، نسرين مالك، الضوء على التناقضات في تصريحات السياسيين الغربيين المحسوبين على التيار الليبيرالي بخصوص الحرب على غزة، ورفضهم الدعوى لوقف إطلاق النار، حيث اعتبرت أن تصريحاتهم غير منطقية، وأن شيئًا غريبًا يحدث، وهو دليل على مرورهم بأزمة.

 وأشارت مالك في مقال رأي بصحيفة "الغارديان" البريطانية، إلى اللغة المشوهة والتصريحات المتناقضة التي أصبحت شائعة بين الشخصيات الرسمية الغربية. وضربت من تصريحات زعيم "حزب العمال" البريطاني كير ستارمر مثالًا، إذ قال حين سُئل في لقاء إذاعي عن موقفه من قطع "إسرائيل" المياه والإمدادات عن قطاع غزة، وما إذا كانت هذه الإجراءات تندرج ضمن القانون الدولي: "إسرائيل لديها هذا الحق في ذلك". وهو ما دفع حزبه للادعاء بأنه لم يقل ذلك مطلقًا.

وفي موقفٍ أخر، قال زعيم "حزب العمال" إن حزبه لن يعترف بدولة فلسطينية من جانب واحد، في حين تحدث وزير خارجية حكومة الظل التابعة للحزب، ديفيد لامي، لصحيفة "فايننشال تايمز"، عن أن الحزب سوف يدرس الأمر.

وبحسب كاتبة المقال، فإن هذه التناقضات تتجلى بشكل صارخ عندما يعبّر السياسيون عن دعمهم المطلق لأفعال "إسرائيل"، بينما يعبّرون أيضًا عن قلقهم بشأن المدنيين في غزة. ففي منشور على منصة "إكس"، أعربت وزيرة التنمية الدولية في حكومة. الظل ليزا ناندي، عن دعمها تعليق دفع الأموال لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، لأن: "هذه الادعاءات الخطيرة تتطلب استجابة جدية".

تتجلّى تناقضات السياسيين الغربيين عندما يعبّرون عن دعمهم المطلق لأفعال "إسرائيل"، ثم يدّعون القلق على المدنيين في غزة

لكنها سعت، في الوقت نفسه، إلى الحصول على تطمينات من رئيس الوزراء بأنه لا يزال من الممكن تقديم المساعدات. وقد قالت مالك إنها اضطرت لقراءة بيان ناندي عدة مرات لمحاولة فهم ما كانت تقصده.

 أما وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، فقد عبر عن "قلقه" من أن "إسرائيل" ربما تكون قد انتهكت القانون الدولي، لكن هذا لم يغير موقف الحكومة بشأن تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل".

ووفق كاتبة المقال، يُطلق على هذه المواقف المتناقضة "سياسة شرودنغر". وأشارت، في هذا الإطار، إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن حين قال إن: "يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر لا يمكن اعتباره بمثابة ترخيصًا لتجريد الآخرين من إنسانيتهم"، لكن حكومته اختارت مرتين تفعيل الحق في تجاوز الكونغرس وتوفير المزيد من الأسلحة لإسرائيل.

واعتبرت مالك هذا أن هذا التنافر هو نتاج محاولة التوفيق بين مواقف غير قابلة للتوفيق. فالحقائق ببساطة صارخة للغاية بحيث لا يستطيع أي شخص أن يواجهها بينما يستمر في دعم الممارسات الإسرائيلية في غزة.

لذلك يلجأ الساسة، بحسبها، إلى تقديم تفسيرات متناقضة، وفي بعض الأحيان غريبة، لتجنب التنديد بهذه الممارسات أو المطالبة باتخاذ أي إجراء ضدها. ومن الأمثلة على هذا الارتباك قول رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، لشبكة "سي أن أن"، إنّ: "بعض المتظاهرين عفويين وعضويين وصادقين، لكن الدعوة إلى وقف إطلاق النار تعني إعطاء صوت لرسالة بوتين". وفي العام الماضي، طلبت بيلوسي من المتظاهرين المؤيدين لفلسطين العودة إلى الصين، حيث "يقع مقرهم الرئيسي" بحسب تعبيرها.

وعلى هذا الطريق يسير المتحدثون الرسميون. فحين سُئل المتحدث باسم البيت الأبيض عن الرسالة التي يحملها جو بايدن للأمريكيين العرب الذين يشعرون بالقلق بشأن غزة، رد بأن الرئيس "مفطور القلب"، لكنه يعتقد أيضًا أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها".

واعتبرت مالك أنّ هذه المواقف هي" ملخص صادق "على الأقل، فالموقف الذي أبداه حلفاء "إسرائيل" تجاه غزة، هو أنّ الهجوم لن ينجح، لكنه سوف يستمر. وهكذا هو الحال.

ولأن الحرب لن تنجح بأي اختبارات، فهي لا تتوافق مع المبادئ الليبرالية، وليست حتى منطقية من الناحية الأمنية، وبسببها أصبح الشرق الأوسط المنطقة الأكثر توترًا منذ عقود. وهذا الصراع جعل الحياة السياسية متقلبة بشكل متزايد في الداخل، وخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. فقد وضع حزبان من "الكبار" الوسطيين نفسيهما كبديلين للمنافسين اليمينيين الفوضويين والفاسدين في عام انتخابي حاسم. وهما الآن يشعرون بالقلق بشأن فقدان الدعم، ويتعين عليهما بانتظام صد مضايقات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، بحسب مالك.

 وتساءلت كاتبة المقال: إذا كانت الليبرالية غير قادرة على تقديم شكل أخلاقي ومستقر للحكم، فما الهدف إذن؟ وأضافت أنه في خضم هذا الصراع الدموي والمدمر تاريخيًا، وإذا لم تظهر الليبرالية أي قدرة أو رغبة في حماية الحياة المدنية والأمن الإقليمي وآفاقها الانتخابية، فإن ادعاءاتها المتعلقة بالمبدأ والكفاءة التي تحدد مهمتها ستنهار. 

ووفق مالك، عندما يصبح العالم الأقل أمانًا ثمنًا مقبولًا مقابل الولاء للحلفاء، تبدو مطالبة الغرب بالسلطة، باعتباره المسؤول السياسي والعسكري على القانون والنظام، هشة على نحو متزايد.

وبمجرد اختفاء هذه السلطة، يهتز النظام من الداخل. ولطالما رأى الإجماع السياسي السائد بخصوص "إسرائيل" وفلسطين، أنه يجب دعم تصرفات "إسرائيل" بشدة، وأن محنة الفلسطينيين إما "معقدة إلى حد الشلل أو في أسوأ الأحوال هي خطأ إرهابيهم".

لكن اليوم يتم تحدي هذا الإجماع، ليس فقط من قبل المتظاهرين "مجهولي الهوية"، ولكن من داخل معاقل وسائل الإعلام الليبرالية. ففي الأسابيع الأخيرة، نشب خلاف داخلي في كل من شبكة "سي إن إن" وصحيفة "نيويورك تايمز"، بعد أن اعتبر بعض الموظفين أن تغطيتهم "ساذجة للغاية" ومنحازة للممارسات الإسرائيلية.

ونوهت مالك إلى أن "غزة أصبحت تعبيرًا عن أزمة الشرعية" بالنسبة للطبقة السياسية الأنجلوأمريكية التي ترأس أنظمة هشة بالفعل تقدم أقل وأقل لسكانها، والتي يتلخص جوابها الرئيسي في أن البديل أسوأ. قد يبدو أن الأمور مستقرة، ولكن خلف ذلك تكمن مشاعر السخط المكبوتة بشأن تكاليف المعيشة، وتقلص الحراك الاجتماعي والخراب الذي أحدثته الحكومات اليمينية التي لا يقدم الوسطيون حلًا حقيقيا لها.

واختتمت مقالها بالقول: "قد يبدو الرد السياسي على الحرب على غزة عنيدًا ومتجبرًا، ولكن ما يكمن خلفه ليس القوة، بل الضعف".