05-يوليو-2017

سياسة التدخل السافر التي جاء بها ابن سلمان، تنذر بهلاك السعودية (فايز نورالدين/ أ.ف.ب)

يحمل الصعود السريع لمحمد بن سلمان آل سعود لسدة الحكم في واحدة من أغنى دول المنطقة، الكثير من الدلالات، التي تتضح طبيعتها أكثر فأكثر بتحركات السعودية منذ بدء تولي ابن سلمان بعض المسؤوليات. باباك محمد زاده، وهو باحث في السياسة والعلاقات الدولية، يتحدث في مقال له على موقع ذا كونفرزيشن، عن بعض تلك الدلالات، بخاصة تلك التي تُشير إلى "عنجيهة السعودية" بقيادة ابن سلمان، الأمير الطائش كما تفضل أن تصفه عدد من الصحف الأجنبية. وتتمثل هذه العنجهية في التدخل السافر في سياسات الدول في المنطقة، في محاولة لإرساء قواعد لعبة جديدة من السيطرة والاستبداد في العالم العربي، بعد جولة غير رابحة لثورات الربيع العربي.


خلف أبواب القصر الملكي المغلقة في الرياض، هناك همس صامت عن المؤامرات والخطط والفضائح. عُرف عن أعضاء بيت آل سعود، أنهم يصنعون ويعيدون صياغة قواعد ولاية العهد لتناسب مصالحهم المتغيرة على الدوام، وهو الأمر الذي تشير إليه وكالات الاستخبارات ووسائل الإعلام باعتباره "لعبة العروش" الخاصة بآل سعود، حيث عالم سياسي يماثل دسائس البلاط الخيالية، أكثر مما يشبه حكومة منظمة.

يعيد آل سعود صياغة قواعد ولاية العهد لتناسب مصالحهم المتغيرة دائمًا، لكن نادرًا ما يؤدي الأمر لانقلاب ناعم كما حدث مع ابن نايف

لكن نادرًا ما تقود دسائس البلاط إلى "انقلاب ناعم"، فليس ثمّة مصطلح آخر يُوضح بنفس الدقة ما حدث لمحمد بن نايف، الذي كان الأول في صف خلافة الملك العجوز سلمان، على كرسي حكم المملكة العربية السعودية.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي تكشفه لغة الجسد في مبايعة ابن نايف لابن سلمان؟

وصنع ابن نايف اسمه باعتباره قائد جهود مكافحة الإرهاب في البلاد، "أمير الظلام" الذي بنى لنفسه منظومة يُشاد بها عالميًا لقمع الإسلاميين الراديكاليين السعوديين. لكن حتى علاقاته مع أجهزة الأمن على مستوى العالم، لم تمنع تلقيه طعنة في الظهر؛ ليتضح أنه لا يستطيع مجاراة ابن الملك المفضل، محمد بن سلمان. وبعد عزله، وُضع بطريقة غير معلنة تحت الإقامة الجبرية، بينما بدأ بديله في صنع مجده الخاص.

في أعقاب الحرب المدمرة على اليمن، أدهش الصعود الصاروخي لابن سلمان الجميع على مستوى العالم، ففي مدة عامين قضاها وزيرًا للدفاع، قدّم الأمير الصغير نفسه باعتباره شعلة من النشاط والكاريزما، في الوقت الذي يقود فيه نسخة سلطوية وشعبوية من السياسة، تتغلغل الآن في كل مؤسسة دينية وتجارية. حتى سلاسل مطاعم الوجبات السريعة في الرياض، ملزمة بتقديم فروض الولاء للأمير الجديد.

بلد لم يتحول بعد

يمثل محمد بن سلمان جيلًا جديدًا من الأمراء السعوديين الذين يتوهجون حماسة من أجل التحديث المنشود. وقد أثار ولي العهد اهتمامًا عالميًا برؤيته للسعودية في 2030، وهي خطة جريئة وغير واقعية على الأرجح، لدفع الاقتصاد غير النفطي للمملكة قدمًا، أعدته له شركة ماكينزي الاستشارية.

وتهدف الخطة إلى توليد عائدات تقدر بـ100 مليار دولار بحلول 2020، وخلق ست ملايين وظيفة في القطاعات غير البترولية بحلول 2030. ويمثل هذا إعادة هيكلة كاملة للاقتصاد، مصحوبة بعمليات خصخصة هائلة، وإعادة هيكلة لدولة الرفاه السعودية، والأهم هو بيع 5% من شركة البترول المملوكة للدولة "أرامكو"، للمساهمين الدوليين، للمساعدة على تمويل آلة الحرب السعودية باهظة الثمن.

هنا يتساءل النقاد عمّا إذا كانت هذه الخطة معقولة في بلد لم تستطع حتى قطع المزايا باهظة التكلفة لخدماتها المدنية التي تنفق عليها بسخاء، أم لا.

مع ابن سلمان ولّت أيام القرارات الحذرة ودخلت السعودية منعطف التهور (جوناثان إنرست بول/ Getty)
مع ابن سلمان ولّت أيام القرارات الحذرة ودخلت السعودية منعطف التهور (جوناثان إنرست بول/ Getty)

الأسوأ أن هذه السياسات الاقتصادية غريبة الأطوار، مصحوبة بعسكرة أكثر خطورة، فبعد فزعهم من التقارب الأمريكي الإيراني المتزايد الذي بدأ في عهد أوباما وانتهى بتوقيع الاتفاق النووي، بدأ ابن سلمان وأبوه في إعادة رسم دوائر السياسة الخارجية السعودية، وهما المهندسان الرئيسيان لموقف السعودية المتشدد ضد حكومة روحاني في إيران، واللذان تعهدا مؤخرًا بجلب حرب الوكالة الممتدة بين البلدين إلى الداخل الإيراني.

وفي الوقت الذي أعيدت فيه صياغة السياسة الخارجية لتناسب اللهجة المتشددة، شهدت الإدارة الملكية تركيزًا للسلطة في بيت عائلة سلمان، متجاهلة آليات التوافق والتداول التي ميّزت عملية صناعة القرار في البلاد لعقود، فقد ولّت أيام القرارات الحذرة والمتأنية التي ميزت رجال الدولة كبار السن، والتي كانت علامة مميزة للسياسة السعودية التي كانت تخطو خطوة خطوة لعقود.

زيادة المخاطر

تمثل حرب محمد بن سلمان على اليمن التي انطلقت مباشرة بعد توليه منصب ولي ولي العهد ووزارة الدفاع، والآن حربه الثانية منزوعة السلاح على قطر، رهانه لإظهار قوته إقليميًا والتفوق على منافسيه في الداخل.

وفي الوقت الذي استعملت فيه الأسلحة القاتلة والغارات الجوية في حرب اليمن، فإن قطر تم استهدافها بهجمات إعلامية شرسة، وكتيبة من شركات العلاقات العامة التي استأجرتها السعودية لتدمير صورة ومصداقية قطر في العالم العربي، ووصمها باعتبارها تابعة لإيران وراعية الإرهاب. والتهمة الأخيرة مفاجئة، نظرًا لسمعة المملكة المعروفة في هذا الإطار.

قضية قطع العلاقات مع قطر، سلطت الضوء على التباين المزعج بين قُصر النظر السعودي وتفكير قطر المنظم طويل المدى

وتُعد محاولة إخضاع قطر هي الاختبار الجاد الأول لسياسة الرياض في تدخلاتها السافرة. وتكمن الخطورة في ألّا تحظى هذه الخطوة بتأييد أبعد من تأييد بعض الدول الضعيفة التي تعتمد على النفط السعودي. ولم تُبدِ قطر حتى الآن علامة على رغبتها في التخلي عن سيادتها، أو إسناد سياساتها الخارجية لأطراف أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: هل نشهد الآن حربًا خليجية ثالثة منزوعة السلاح؟

سلطت القضية الضوء على التباين المزعج بين قصر النظر السعودي، وتفكير قطر المنظم طويل المدى، ففي حين يبدو السعوديون مدفوعين بالمكاسب الآنية لتدمير استقلال قطر، حتى لو دمر هذا سمعتهم الدولية على المدى البعيد، فإن شراكة قطر الاستراتيجية بعيدة المدى مع طهران وأنقرة والعواصم الأوروبية، بدأت تؤتي ثمارها عندما باتت في حاجة إليها.

ومع وجود ابن سلمان الآن في السلطة، لا تبشر هذه الأمور إلا بالسوء بالنسبة لمستقبل السعودية، فالسياسات التدخلية الجديدة التي يتبعها الأمير الشاب، لا تتناسب مع قدرات السعودية كقوة في المنطقة، ونبرة الرياض المستأسدة ليست مستساغة حتى بالنسبة لبعض أقرب حلفائها الخليجيين، والأكثر خطورة أن التقييدات المعتادة لم تعد تجدي؛ فمع وجود واشنطن المتذبذبة والمرتبكة غير الراغبة أو غير القادرة على السيطرة على حليفها المتهور، فهنالك اضطرابات أكبر بدأت تلوح في الأفق.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهورة".. الحكاية من أولها

ما تبقى من أوراق الضغط السعودي والإماراتي على قطر.. فشلٌ من وراء فشل