28-سبتمبر-2018

يتحالف الاتحاد الأوروبي مع الاستبداد المصري لقمع اللاجئين (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد اختار مصر، لتحمل عنه عبء "التخلص من اللاجئين" الذين بدأوا في التدفق إلى حدوده، خاصة منذ تفجر الأحداث في سوريا، وتطورها السيء في العراق وليبيا واليمن.

توافق زعماء الاتحاد الأوروبي الـ28، على إطلاق محادثات رسمية مع مصر حول "كيف يمكن للقاهرة المساعدة في الحد من الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط ​​مقابل منافع اقتصادية"

ومنذ عدة أيام، توافق زعماء الاتحاد الأوروبي الـ28، على إطلاق محادثات رسمية مع مصر حول "كيف يمكن للقاهرة المساعدة في الحد من الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط ​​مقابل منافع اقتصادية"، حسب ما أوردت صحيفة فاينانشال تايمز، حيث تأمل الحكومات الأوروبية أن يتبع مصر في هذه "الصفقة"، مزيد من الدول في شمال إفريقيا. وفي متابعة للحدث التقى رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في الجمعية العامة العامة للأمم المتحدة، في لقاء وُصف بغير الرسمي، صرح فيه توسك في بيان صحفي: "بالتعاون مع المستشار (النمساوي) كورتز، بدأنا حوارًا مع الرئيس المصري والآن يمكننا القول إن هناك دعمًا من المجلس الأوروبي لهذه الحوارات وما شابهها".

وفي اللقاء الذي عقد في الثالث والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر، أي قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتفق الرئيسان على دفع التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى الأمام، وأعلنوا أن القمة مع جامعة الدول العربية ينبغي أن تعقد في شباط/فبراير 2019 في القاهرة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد إرهاب داعش.. أقباط "العريش" يتركون مدينتهم

وقد أثار هذا الاتفاق المبدئي تساؤلات حول معنى أن يختار الاتحاد الأوروبي مصر تحديدًا كشريك وحليف لحل أزمة اللاجئين في أوروبا، رغم سجلها الطويل في انتهاكات حقوق الإنسان، وبشكل خاص كبلد سيء السمعة في التعامل مع اللاجئين، الذين حاولوا الهجرة إلى البلاد.

الاتحاد الأوروبي: مصر ستسقبل اللاجئين بدلًا منا

إن المتابعة السريعة لاجتماع الأحد الماضي بين السيسي وتوسك وسيباستيان كورتز، تسلط الضوء على تصميم الاتحاد الأوروبي على تقليص عدد الوافدين من منطقة البحر الأبيض المتوسط، ​​على الرغم من الانخفاض الحاد في أرقام اللاجئين أصلًا، كما تظهر الأرقام والإحصاءات منذ العام 2015، لكنها أيضًا تكشف عن نوع جديد من التحالفات التي يقوم بها الأوروبيون لمعالجة مسألة اللاجئين.

وقال المستشار النمساوي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي: "إن "الشركاء الأقوياء والفعالين" مثل مصر يمكن أن يساعدوا في وقف الهجرة وإنقاذ حياة أولئك الذين جعلوا من البحر المتوسط معبرًا خطيرًا"، وأضاف أنه تمت إدانة "هذه الأفكار قبل ثلاث سنوات ووُصفت على أنها متطرفة ويمينية، أما الآن  فإن المزيد والمزيد من الناس يدعمونها". ومن الجدير بالذكر أن سباستيان كورز هو رئيس الحزب اليميني المتطرف في النمسا وهو الحزب الذي وصفته صحيفة دير شبيغل الألمانية بأنه "حزب احتجاجي يبحث عن موضوع احتجاج"، وكان موضوع الهجرة مما استغله حزب كورتز كمحور لبرنامجه، ويبدو أن أجندته وافقت هوى زعماء الاتحاد الأوروبي في إسناد هذه المهمة إلى القاهرة مقابل منح واستثمارات، يحتاجها نظام عبد الفتاح السيسي بشدة هذه الأيام لضمان استقرار أوضاعه.

في هذا السياق، قال أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي عن الصفقة، إن "هذا هو أول بلد في شمال إفريقيا يرغب في التحدث إلينا بشأن مكافحة الهجرة غير القانونية. هذا شيء جديد ومربح محتمل". وأضاف أن الخيارات دارت حول استمرار حملة القاهرة الحالية لاكتشاف ما إذا كانت مستعدة لاستقبال أعداد صغيرة من المهاجرين الذين تم إنقاذهم في البحر المتوسط.

أما ما أسمته "فاينانشال تايمز" بالحوافز المادية التي ستتلقاها مصر على خلفية هذا التعاون، فقد تشمل "الدعم المالي والشراكات الاقتصادية والاستثمار من قبل الشركات الأوروبية"، فيما يقول دبلوماسيون أوروبيون "إنهم لا يتطلعون إلى تكرار صفقة مباشرة من أجل المال مقابل المهاجرين مثل اتفاق الاتحاد لعام 2016 مع تركيا"، على الرغم من أنه لا اختلاف جوهري بين الصفقتين.

في معنى اختيار مصر لاستقبال اللاجئين

إن اختيار مصر تحديدًا لهذه المهمة، أي استقبال وإنقاذ اللاجئين في البحر المتوسط، أمر مثير للجدل والاستغراب، وهو ما يفسر ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست عن استياء كثير من منظمات العمل المدني الأوروبية من طريقة إدارة الاتحاد الأوروبي لهذا الملف، فمصر لها تاريخ طويل في انتهاكات حقوق الإنسان فضلًا عن الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون على أراضيها. آخرها ما ذكرته المفوضية المصرية للحقوق والحريات عما قامت به السلطات المصرية من احتجاز "عشرات من ملتمسي اللجوء ومهاجرين غير نظاميين أثناء محاولتهم الهجرة من مصر بشكل غير رسمي إلى ليبيا، عن طريق الحدود المصرية الليبية". كما أكد بعضهم تعرضه للتعذيب أثناء القبض عليه. وبينت المفوضية أن هؤلاء يعيشون ظروف احتجاز غير آدمية، "حيث إن جميع المحتجزين ينامون على الأرض مباشرة داخل زنازين ضيقة، ممنوعين من التواصل مع العالم الخارجي. الطعام المقدم لهم هو ثلاثة أرغفة وقطعتين جبنة كل يوم للفرد الواحد ويتم ملء زجاجات مياه للشرب من الحمام. لا يوجد أي أدوات نظافة شخصية مما  تسبب في انتشار الحشرات داخل الزنازين وإصابة العديد من المحتجزين بأمراض جلدية خطيرة. أما عن الوضع الصحي فلم يتم توقيع الكشف الطبي عليهم منذ إلقاء القبض عليهم وحتى الآن ولا يسمح بدخول أي نوع من الأدوية لهم".

إن اختيار مصر تحديدًا لاستقبال وإنقاذ اللاجئين في البحر المتوسط، أمر مثير للجدل والاستغراب، مع سجلها سيء في حقوق الإنسان

اقرأ/ي أيضًا: تحالف أوروبا مع السودان ضد الهجرة.. رفع العقوبات مقابل رفع الحرج

وليست هذه الحادثة الأولى من نوعها، لأن ملابساتها المذكورة أعلاه تكشف أنها باتت منهجًا متبعًا في التعامل مع اللاجئين وحتى مع من يقيمون في مصر منهم. وأوردت منظمة العفو الدولية عن أوضاع المهاجرين إلى مصر في أحد تقاريرها، انتهاكات كثيرة تعرض لها المهاجرون من جنسيات مختلفة، من إفريقيا وسوريا، ويشير التقرير إلى "أن اللاجئين الذين هربوا من بلادهم نتيجة لأوضاع تهدد حياتهم لا يجدون الأمان والكرامة الإنسانية التي أملوا بها في القاهرة. وفشلت الحكومة المصرية في تقديم أدنى الخدمات الأساسية اللازمة لحماية السلامة الجسدية وتأمين الممتلكات الخاصة وحل النزاعات، إن تم حلها، بطريقة عادلة بين أعضاء المجتمع المحلي أنفسهم وبين السكان المحليين واللاجئين. ويعتبر اللاجئون في القاهرة على درجة كبيرة من التهميش والضعف، حيث أن النظام القانوني القائم وسياسات الحكومة المصرية وممارستها غير المؤاتية تفشل في حمايتهم ومنحهم إمكانية الوصول إلى العدالة المناسبة والفعالة".

ولعل سعي القاهرة الحثيث إلى قبول هذه الصفقة ليس فقط لما سيترتب عليها من مال واستثمارات، بل أيضًا لأنها ستضيف مزيدًا من الشرعية على النظام السياسي في مصر، وستعمل على تثبيت أركانه في مقابل ما يقدمه من خدمات خاصة في ملف الهجرة الذي يؤرق أوروبا، من خلال إسناد الأعمال القذرة لآخرين، أو كما نقلت واشنطون بوست عن سباتيان كورز، قوله "علينا أن نضمن أن أقل عدد ممكن من الناس يغادرون بلدان شمال أفريقيا إلى أوروبا. إذا كان الأمر كذلك، ينبغي التعامل مع الوضع على مقربة من الساحل الأفريقي قدر الإمكان".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"لاجئ".. لماذا يخافون التسمية؟

من لاجئي سوريا إلى بدون الكويت.. كيف حصلوا على الجنسية السودانية؟