28-فبراير-2017

لاجئ أم مهاجر؟ (سبنسر بلات/Getty)

لا شك أن ظاهرة اللجوء ليست بأمرٍ طارئ على أحوال البشر، هي التي اقترنت بالحروب والكوارث التي أصابتهم وافتعلوها على مدار قرون. إلاّ أنه وفي كل مرة تنشأ فيها حرب هنا أو هناك تعود إلى الواجهة ذات القضية. وعليه تترتب مشاكل كبيرة اجتماعية وفردية لللاجئ وللبلد المضيف، غالبًا ما ترتبط بتفاصيل صغيرة تبدأ من التكيف ولا تنتهي عند العمل ومشاكل اللغة ومعوقات أخرى.

علق بعض اللاجئين السوريين ضمن دوامة أسئلة غير منتهية حول التسمية والهوية والاندماج، بينما تناسى آخرون الأمر وتركوه دون تخطيط

قد يبدو كل هذا طبيعيًا، بحكم التغيير الذي يصيب الأشخاص والمكان الجديد وضرورة التماهي معه، بعضهم يتقبلون الأمر بصعوبة والبعض الآخر يتماشى معه، أو كما يسمونها "يندمج" التعبير الذي يترك مئات إشارات استفهام، بحسب الخلفية الفكرية والذهنية التي تعمل على تحليله وتفكيكه.

اقرأ/ي أيضًا: اللجوء السوري في الإعلام الغربي.. تباين وتخوف

ولكن في خطط الاندماج هذا قد يُنسى الغرض منه، وهو بالنسبة للأغلبية، العيش بأمان، فالسعي الحثيث قبل الوصول إلى الملجئ، كان يتمحور حول طلب الأمن والطمأنينة. وقد تتغير الأمور بشكل مفاجئ، ليصبح الأمر عند البعض مرتبطًا بالتسمية، فيواجهك سؤال من أحدهم، "هل يمكنني البقاء دون تقديم لجوء، أو ما إمكانية العودة؟" وغيرها من الأسئلة التي تبدو نتيجة إحباط الشخص، ربما لارتفاع سقف الآمال قبل الوصول، وحدوث ما يسمونه الصدمة الثقافية المرتبطة بالمختلف والغريب.

قد يبدو حال البعض من اللاجئين السوريين مشابهًا لذلك، بعضهم علق ضمن دوامة أسئلة غير منتهية حول التسمية والهوية والاندماج، وأخرين مشوا عليها دون خطط وتدابير، ولم يُعرضوا أنفسهم لهموم وقلق الإجابة عليها، معتبرين أنها مجرد تسمية تُمحى بالتقادم. وكُثر لم يضعوا أنفسهم في هذا التصنيف أصلًا، متنازلين لأنهم استطاعوا النجاة دونه.

يدافع البعض عن كلمة لاجئ والبعض يحاول إخفاءها، "لا أريد أن أعيش كلاجئ، أو أن أكون لاجئًا" وعبارات أخرى تتناقلها وتستمع إليها منذ سنوات مع بدء موجة الهجرة/اللجوء إلى أوروبا خاصة. وقد قابلتها موجة أخرى من الأفكار المسبقة أو الكليشيهات حول اللاجئين، لا يعملون، عالة على المجتمع، متشددين، هم أسباب لأزمة اقتصادية.

"أنا لست لاجئًا أنا مهاجر"، يقولها كثيرون ممن لا يحبون الدخول في مغمغة المعنى واللقب، رغم أن الكلمة أي "لاجئ" ليست لقبًا ولا أمرًا يبحث بشأنه، إنما هي اصطلاح قانوني/حقوقي قد يكون بصيغة مؤقتة أو دائمة يختص بمن عبروا الحدود الدولية لبلدانهم الأصلية، سواء كان هذا العبور قسريًا أم اختياريًا، نتيجة أعمال حربية أو كوارث طبيعية أو خلافهما من ظروف تدفع الإنسان للخروج من بلده بحثًا عن الأمان أو تلبية لاحتياجات أساسية أخرى. وأكثر من يتصدى لجملة المقارنة هذه، أصحاب الكفاءات من مثقفين وفنانين، يرون فيها انتقاصًا، أو تبريرًا وهروبًا للرمادية أغلب الوقت.

الأمر الذي فجر هذا الموضوع وأثار هذه الأسئلة، تعليق لموسيقي سوري في الأوركسترا السورية التي تشكلت مؤخرًا في برلين، يطلب من أحد مواقع الفيديو، الذي كان قد بث ملخصًا عن حفلاتهم أن يصحح التعريف، من أوركسترا مؤلفة من اللاجئين إلى أوركسترا المهاجرين، علمًا أن ما ينطبق على الحالة السورية بعد 2011 هو اللجوء بكامل عناصره لما فيه من سمة قسرية.

يرفض العديد من المثقفين السوريين صفة لاجئ ويرون فيها انتقاصًا وهروبًا للرمادية، غاضين الطرف عن حقيقية الاصطلاح

معللًا ذلك بأن الأوركسترا ليست مؤلفة من اللاجئين بل من المهاجرين، وهو ما دفع الصفحة لتعديل المنشور بعبارة أشبه بالتهكم على هذا الطلب. وكتبوا: "هذه الأوركسترا مؤلفة من المهاجرين وهؤلاء ليسوا لاجئين". ما دفع بالموسيقي ذاته للتعليق، أن "الأوركسترا تتألف من 35% من المهاجرين و65% من اللاجئين" وهي نسبة تعتبر من وجهة نظره تستحق الذكر والتسمية، من أجل الموضوعية على حدّ قوله.

اقرأ/ي أيضًا: الطلاق السوري في بلاد اللجوء.. حوادث أم ظاهرة؟

كل هذا أثار جملة تعليقات وردود مستغربة من الإصرار على تصحيح التسمية، تضمنت أسئلة عديدة من ضمنها، الفرق بين المهاجر واللاجئ، إذا كانوا من بلدٍ واحد، في ظرف تاريخي إشكالي كهذا، وربما قد تعرضوا لنفس الظروف في البلد المضيف. وأية امتيازات وحقوق تُميز بين الأمرين، أم أن مفردة لاجئ فيها انتقاص من قدر الشخص نفسه وقيمة العمل مع العلم أن جميع المؤسسات في الدول المضيفة تتعامل مع كل القادمين من سوريا على أنهم هاربون من الحرب، أم أن الامتياز بمن سيعود إلى بلده ومن لا يستطيع العودة؟.

يخوض موضوع الهجرة والاندماج غمار النقاش في الشارع بوطأة شديدة بعضها بتعنت ودفاع وبعضها برفض الوجود أصلًا وهذا ما تقوم عليه غالبًا في بعض الدول معايير انتخابية وأخرى تفاضلية. ولكن ما لا يأخذه البعض بعين الاعتبار أن مسألة كالهجرة واللجوء كانت واحد من المعايير المنظمة لمسألة تطور وتحريك عجلة الاقتصاد.

أم أن خوف التسمية هذا مرتبط بأصابع الاتهام التي تتوجه للاجئين بعد كل عمل هجومي يروح ضحيته مواطنين، كل هذه الأفكار المسبقة الشائعة التي تطارد الموضوع عينه، قبالة موجات أوروبية من التنديد والقبول على اختلافها وتغير وتيرتها، تبقى مؤثرًا فعالًا على جوٍ مشحون لم يأخذ شكله الجيد ولا يزال الوقت مبكرًا لانتظار نتائجه المرجوة. ولكنه يعيد مسألة رفض وقبول التسمية إلى واجهة التعليقات.

اقرأ/ي أيضًا:

حي العرب البرليني... وجهة الباحثين عن سوريا

الأمني/الإنساني.. جدلية اللجوء السوري في مصر