06-مارس-2019

هناك انقسام عربي بشأن التطبيع مع نظام الأسد (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

أثارت صحيفة القدس العربي قبل أيام قليلة موجة من التساؤلات مجددًا حول محاولة بعض الأنظمة العربية التطبيع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي يواجه عزلة عربية منذ عام 2011، بعد نشرها تسريبات أشارت لوصول القنصل السعودي مع موظفيّن إلى دمشق، ما أعاد للأذهان موجة التطبيع العربية التي شهدها النظام السوري نهاية العام المنصرم.

تظهر إعادة التطبيع مع نظام الأسد انقسامًا عربيًا، كما توضح تباينات كانت قائمة طويلًا بين من يرفض الأسد لجرائمه، وبين من كان يقاطعه في العلن فقط!

القنصل السعودي في دمشق.. ما الهدف؟

تحدثت التسريبات التي نشرتها صحيفة القدس العربي يوم الأحد الفائت عن إرسال السعودية قنصلًا وموظفين اثنين إلى سوريا دون أن تقوم بافتتاح أبواب سفارتها في دمشق، بهدف منح السوريين الراغبين أداء مناسك الحج لهذا العام تأشيرات دخول إلى أراضيها، مشيرة إلى أن النظام السوري أرسل خطابًا في وقت سابق لسلطات الحج السعودية لتحديد موعد بغرض بحث مسألة قدرة السوريين المقيمين داخل سوريا أداء مناسك الحج لهذا العام دون أن يتلقى ردًا حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: تطبيع نظام الأسد.. التقاء "عربي" إسرائيلي

الحديث الأخير حول تواجد القنصل السعودي في دمشق، جاء في إطار حراك دبلوماسي عربي قادته أبوظبي منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، عندما أجرى الرئيس السوداني عمر البشير زيارة سرية إلى دمشق، كانت الأولى من نوعها لرئيس عربي بعد العزلة المفروضة على الأسد عربيًا ودوليًا، لخصها حينها وزير الدولة بالخارجية السودانية أسامة فيصل بأنها جاءت كـ"مقاربة جديدة للوضع العربي".

وفي الإشارة لمحاولة التطبيع مع النظام السوري، كانت لبنان أولى الدول العربية التي سعت جاهدة لإعادة الشرعية العربية للنظام السوري، بناءً على معطيات سابقة تفرض التطبيع مع النظام السوري مقابل موافقة حزب الله اللبناني ممثلًا بقوى 8 آذار على تشكيل الحكومة اللبنانية.

في مقابل ذلك، فإن المستثمرين اللبنانيين بدأوا اعتبارًا من الربع الأول من العام 2018 بالاستثمار داخل سوريا، إذ بلغت نسبة المستثمرين اللبنانيين في سوريا 13 من أصل 23 مستثمرًا عربيًا وأجنبيًا أسسوا شركات داخل البلاد، فضلًا عن موافقة هيئة الاستثمار السورية قبل أيام على تأسيس مستثمرين لبنانيين مشروعًا لتصنيع الخرسانة الجاهزة وبلاط الأرصفة والأعمدة والأبنية الجاهزة.

مراحل التطبيع عربيًا مع النظام السوري

كان واضحًا منذ الزيارة التي قام بها البشير إلى دمشق، أن النظام السوري مقبل خلال العام الجديد على بوادر كسر للعزلة، بعدما ألحقت نهاية العام المنصرم بإعلان الإمارات إعادة افتتاح سفارتها في دمشق، والتي عبر عنها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور القرقاش، بالقول إن افتتاح سفارة أبوظبي في دمشق "أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي".

وبعد إعلان أبوظبي افتتاح سفارتها في دمشق بساعات، نشرت وزارة الخارجية البحرينية بيانًا رسميًا، أعلنت بموجبه عن استمرار عمل سفارتها في دمشق، إلا أن الموقف البحريني لم يكن غريبًا، بعد مقطع الفيديو الذي أظهر عناقًا بين وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم مع وزير الخارجية البحريني خالد آل خليفة على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي جرى تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ولم تقتصر بوادر التطبيع عربيًا خلال الفترة الماضية على بعض دول الخليج المناهضة لثورات الربيع العربي، بل امتدت لتونس التي أعربت عن "سرورها" في حال تم رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، والذي اعتبره مراقبون خطوة غير صريحة لإعادة التطبيع مع النظام السوري، لكن مرًة ثانية فقد استبق التصريحات التونسية نهاية العام المنصرم تسجيل وصول أول طائرة لشركة "أجنحة الشام" السورية تقل سياحًا سوريين إلى تونس.

ما مصير التطبيع عربيًا مع النظام السوري؟

حركة التطبيع التي لم تقتصر على الدول المذكورة سابقًا مع النظام السوري، بل امتدت لتشمل الأردن ومصر والعراق لكن بدرجة أقل تفاوتًا، تظهر التقارير الصحفية أنها لا تزال تواجه معارضة من المجتمع الدولي، رغم الحراك الدولي الذي تقوده موسكو لإعادة الشرعية للنظام السوري، بعد أن تمكن من استعادة السيطرة على أكثر من 80 بالمئئة من المناطق الخارجة عن سيطرته حتى نهاية عام 2015.

لكن الموقف العربي من التطبيع مع النظام السوري لمواجهة التمدد الإيراني في سوريا، كما اعتبره المفوض في لجنة العدالة والمساءلة الدولية نواف عبيد، يبدو "ضعيفًا"، مضيفًا أنه "يجسد العجز والإفلاس الأخلاقي" للحكام الحاليين في منطقة الشرق الأوسط، مستشهدًا بالنموذج اللبناني، حيثُ إنه على الرغم من الأموال الخليجية التي تم منحها للبنان لمواجهة النفوذ الإيراني فيها، فإن الأخيرة لا يزال نفوذها حاضرًا بقوة في لبنان.

 كما أن إعادة النظام السوري للجامعة العربية لا يزال يصطدم بالموقف القطري الرافض لأي بوادر تطبيع طالما أن أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة، وهو ما شدد عليه وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بقوله إنه "لا يوجد أي جديد لتغيير هذا القرار ويجب أن يوجد حل سياسي أولًا"، وأن التوصل لحل سياسي في سوريا هو الخيار الوحيد، وهو ما يتوافق مع رؤية المجتمع الدولي للأزمة السورية.

وبحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مارست ضغوطًا على الدول العربية المتحالفة معها للامتناع عن التطبيع مع النظام السوري، ويعكس تقرير الصحيفة الأمريكية التصريحات الأخيرة للأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الذي أكد على عدم وجود "توافق" عربي حول عودة النظام السوري للجامعة العربية.

اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة لـ"غزل" أبوظبي وبشار الأسد

كذلك، فقد اعتبر مراقبون أن الزيارة التي قام بها الأسد الأسبوع الماضي إلى طهران ستمنع الدول العربية التي تسعى للتطبيع مع النظام السوري من المضي في هذا المسار، كونها تشير إلى مدى التقارب بين دمشق وإيران، وأن الأخيرة لا تزال تمارس سطوتها على النظام السوري الذي من الواضح أنه يرفض التخلي عن أحد أبرز حلفائه الداعمين، ووفق الصحيفة الأمريكية فإن واشنطن تربط انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، بالإضافة للعملية السياسية، بملفي إعادة الإعمار والتطبيع العربي مع النظام السوري.

قد تمنع الزيارة التي قام بها الأسد إلى طهران، الدول العربية التي تسعى للتطبيع مع النظام السوري من المضي في هذا المسار، كونها تشير إلى مدى التقارب بين دمشق وإيران

ومن هنا فإن إعادة التطبيع مع النظام السوري تظهر انقسامًا عربيًا، كما توضح تباينات كانت قائمة طويلًا بين من يرفض الأسد لجرائمه، وبين من كان يقاطعه في العلن فقط. إضافة لكل الجدل حول إعادة إنتاج الأسد وتطبيعه فإن ما دعا دول الجامعة العربية لتعليق عضوية النظام السوري من مسببات، ما زال قائمًا بحكم الأمر الواقع.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف فشلت "السياسة الواقعية" الأمريكية في سوريا؟

الإمارات.. عداء متصاعد للربيع العربي