07-يناير-2016

حاكم دبي محمد بن راشد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع وزير الدفاع المصري وقتها عبد الفتاح السيسي مارس 2014 (Getty)

في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي احتفلت الإمارات للمرة الأولى في تاريخها بيوم الشهيد، تنفيذًا للقرار الذي أصدره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة في العشرين من آب/أغسطس بأن يكون يوم الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام يومًا للشهيد واعتبار هذه المناسبة الوطنية إجازة رسمية على مستوى الدولة. بالنظر إلى الأحداث التي سبقت وتزامنت مع تلك الخطوة، فقد جاءت متسقة مع سياقٍ أكبر وهو التحول الكبير الذي شهده الدور الإماراتي في المنطقة في الأعوام الأخيرة، فما هي أسباب ومظاهر ذلك التحول؟

"من سويسرا الخليج العربي إلى أسبرطة"، هكذا وصف أحد الدبلوماسيين الغربيين التحول الإماراتي ودورها في منطقة الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة

ظلت أبراج دبي وأبو ظبي اللامعة شاهدةً على النهج الذي اتبعته الإمارات في التنمية، والذي ركَّز على توفير بيئةٍ مناسبة للمستثمرين في منطقةٍ تعج بالاضطرابات والصراعات، مستفيدين من التسهيلات الحكومية والإعفاءات الضريبية التي توفرها الدولة الخليجية الصغيرة الغنية بالنفط، جنبًا إلى جنب مع استثمار عائدات النفط في التنمية وإنشاء بنية تحتية متطورة. ما بين عامي 1990 و2014، نجحت الإمارات في مضاعفة حجم اقتصادها من 50 مليار دولار عام 1990 إلى 400 مليون دولار عام 2014 ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة بعد الاقتصاد السعودي. ومع اتخاذ كبرى الشركات العالمية لمدنٍ إماراتية على رأسها دبي لتكون مقرًا لفروعها الإقليمية التي تخدم كامل منطقة الشرق الأوسط وافتتاح فروع لعددٍ من أفضل جامعات العالم مثل جامعة نيويورك وجامعة السوربون وعالم فيراري والعمل على إنشاء فرعٍ لمتحف اللوفر في أبو ظبي، مثلت الإمارات مركزًا إقليميًا حيويًا للاستثمارات وإدارة الأعمال بعيدًا عن تعقيدات الأوضاع في الشرق الأوسط، رغم القرب الجغرافي.

منذ اتحاد الإمارات السبع عام 1971 وحتى قبل سنواتٍ قليلةٍ مضت لم تشارك الإمارات سوى في حربٍ واحدة وهي حرب تحرير الكويت عام 1991 عندما شارك 4,300 جندي إماراتي في التحالف الدولي آنذاك. في المقابل، شنت المقاتلات الإماراتية في العامين الماضيين فقط ضرباتٍ جوية في ثلاث دول وهي سوريا وليبيا واليمن وأرسلت قواتٍ برية إلى إحداها (اليمن) حيث تجاوزت خسائرها في الحرب هناك سبعين قتيًلا بخلاف المعدات.

"من سويسرا الخليج العربي إلى أسبرطة"، هكذا وصف أحد الدبلوماسيين الغربيين التحول الإماراتي في تقريرٍ لموقع بلومبرج الإخباري حمل عنوان "قوة عسكرية تصعد في الشرق الأوسط، وراءها رجلٌ واحد"

محمد بن زايد آل نهيان

يتحكم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي والقائد الحقيقي للبلاد، في 6% من إنتاج النفط العالمي وثاني أكبر صندوق ثروة سيادي. يتمتع الأمير البالغ من العمر 54 عامًا بالثقة في واشنطن ويُحتفى به في موسكو، وقد قضى العقود الثلاثة الأخيرة في تدعيم جيش الدولة الخليجية الصغيرة، ما جعل منه أحد أفضل عملاء شركة لوكهيد مارتن الأمريكية للصناعات العسكرية.

ولد الشيخ محمد بن زايد عام 1961 في واحة العين بإمارة أبو ظبي، وتخرج في أكاديمية سانت هيرست العسكرية البريطانية. انضم بعد تخرجه إلى القوات الخاصة الإماراتية ثم عمِل كطيار مروحيات قبل أن يصبح قائد القوات الجوية ثم شغل بعد ذلك منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عام 2005.

يقول بروس رايدل المسؤول السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حسب تقرير بلومبرج، متحدثًا عن محمد بن زايد: "إنه يريد أن يكون لديه قوة عسكرية تستطيع على الأقل أن تصمد في مواجهة أي عدوان خارجي حتى تصل المساعدة من الولايات المتحدة. إن لديه معرفة واسعة للغاية بالمعدات العسكرية".

بالنسبة إلى الشيخ محمد بن زايد فإن الإمارات محاطة بالكثير من الأعداء. من إيران شرقًا، والتي تتهمها دول الخليج العربية بتقويض أمنها، إلى التنظيمات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي ترى الإمارات تحديدًا أنها تشكل تهديدًا على الاستقرار السياسي في الدول العربية، والجماعات الأكثر تطرفًا مثل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش).

يضاعف من حجم التهديد الشكوك التي تحيط بمدى التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج، خاصةً بعد الاتفاق النووي الإيراني والانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط الذي أصبحت الولايات المتحدة تنظر إليه على نحوٍ متزايد كعبءٍ على كاهلها.

تمتع الشيخ محمد بن زايد بعلاقةٍ قوية مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، حيث اعتادا تبادل الزيارات أثناء فترة ولاية الرئيس الأمريكي. دعا الرئيس الأمريكي ولي عهد أبو ظبي إلى كامب ديفيد عدة مرات، كما يذكر أحد مسؤولي إدارة بوش دعوة الأمير للرئيس الأمريكي إلى مخيم في الصحراء ومشاهدة عرضٍ لصقور الصيد في يناير 2008. لكن ذلك لم يستمر مع إدارة الرئيس أوباما. يذكر دينيس روس المستشار السابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما أن محمد بن زايد كان غاضبًا بشدة عندما تغاضت الولايات المتحدة عن الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، وأنه صرح بذلك بوضوحٍ شديد لكل المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم الرئيس. كذلك أثارت الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة للتواصل مع إيران والتي أسفرت عن الاتفاق النووي الإيراني استياء الأمير في ضوء خشية قادة الخليج العربي من استغلال إيران رفع العقوبات لتوسيع نفوذها.

البداية من مصر.. الوقوف مع مبارك

في مذكراته الصادرة عام 2014، يروي وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت جيتس أنه بعد اتصال الرئيس أوباما بالرئيس الأسبق مبارك في الأول من فبراير 2011 في المكالمة التي أخبره فيها بأن "التغيير والإصلاح يجب أن يبدآ الآن" وخروج المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس في اليوم التالي ليعلن أن "الآن بدأت بالأمس"؛ أنه تلقى اتصالًا من الشيخ محمد بن زايد كان محتدًا فيه بشدة، قائلًا إنه يحصل على رسائل متناقضة من الولايات المتحدة، أن ما يسمعه منه (روبرت جيتس) ومن نائب الرئيس (جو بايدن) ليس هو ما يسمعه من البيت الأبيض أو الإعلام. ينقل جيتس عن بن زايد قوله: "إذا سقط النظام، فهناك نتيجة واحدة فقط، وهي أن تتحول مصر إلى نسخة سنية من إيران". وأضاف أن موقف الولايات المتحدة ذكره بأيام جيمي كارتر خلال سقوط الشاهن وأن "رسالة أوباما يجب أن تكون ذات نغمة مختلفة". لم يعترض بن زايد على أن مبارك قد تحرك متأخرًا للغاية، لكن  رأى أنه "مازال يمكن تدارك الأمر".

اعتبرت الإمارات والسعودية صعود الإخوان المسلمين على وجه التحديد خطرًا عليهما، لذا فقد بذلا  جهودًا لضمان ألا تصبح مصر معقلًا للإخوان المسلمين

يمكن اعتبار تلك الواقعة بداية الإحساس بالخطر الذي سيطر على بن زايد وقاد إلى التحول الهائل في الدور الإماراتي في المنطقة، وأن تلك المخاوف هي التي قادت، الخطوات الإماراتية في الأعوام التالية.

اعتبرت العائلات الملكية في الإمارات والسعودية تحديدًا صعود تيار الإسلام السياسي والإخوان المسلمين على وجه التحديد خطرًا على بقائهما، لذا فقد بذلت السعودية والإمارات مجهوداتٍ كبيرة في العامين اللذين أعقبا سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك لضمان ألا تصبح مصر معقلًا للإخوان المسلمين، وصولًا للانقلاب المدعوم شعبيًا في الثالث من تموز/يوليو 2013.

في ذلك السياق كشفت وثيقة نشرها موقع ويكيليكس في حزيران/يونيو 2015 عبارة عن برقية صادرة من السفارة السعودية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي إلى وزارة الخارجية السعودية عن ضغوطٍ مارستها الإمارات على المجلس العسكري الذي تولى الحكم في مصر بعد سقوط الرئيس الأسبق مبارك كي لا تتم محاكمته، وعن ما تردد آنذاك عن تأجيل زيارة رئيس الوزراء المصري (بعد الثورة) عصام شرف لدولة الإمارات أكثر من مرة بسبب المحاكمة، وأيضًا بسبب اتهام عدد من المستثمرين الإماراتيين بأنهم شركاء مع رموز النظام السابق. كما أشارت البرقية إلى أن دولة الإمارات كانت تميل إلى المرشح أحمد شفيق في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المصرية 2012، كونه أحد رموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي لاقى حكمه تأييدًا كبيرًا من دولة الإمارات منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

بعد هزيمة المرشح الرئاسي أحمد شفيق آخر رؤساء وزراء مبارك في الجولة الثانية من الانتخابات في حزيران/يونيو 2012 اتجه إلى الإمارات ليقيم بمدينة دبي. ومن مقر إقامته في دبي ساعد أحمد شفيق في التنسيق مع القوى السياسية والأجهزة الأمنية لإسقاط حكومة الرئيس الأسبق محمد مرسي، كما صرح هو في وقتٍ لاحق. كما ساعدت الإمارات في تمويل حملة تمرد حسبما جاء في أحد التسريبات للواء عباس كامل مدير مكتب الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع في ذلك الوقت.

وعقب خروج مظاهراتٍ حاشدة ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي في الثلاثين من حزيران/يونيو 2013 وقيام الجيش بعزله واحتجازه دعمت الإمارات، بجانب السعودية، النظام الجديد في مصر بمليارات الدولارات من المنح والودائع والمنتجات النفطية، كما وفرت له دعمًا سياسيًا ضد الانتقادات التي وُجهت له.

ليبيا.. دعم حفتر

شاركت الإمارات في التدخل الدولي ضد نظام العقيد معمر القذافي والذي جاء تنفيذًا لقرار مجلس الأمن رقم 1973 القاضي بفرض عقوبات على نظام القذافي كان من أهمها فرض حظر جوي فوق ليبيا واستخدام كافة الوسائل الضرورية لحماية المدنيين. أرسلت الإمارات ست طائرات من طراز اف-16 فايتنج فالكون وست طائرات أخرى من طراز ميراج 2000 تم نشرها في القاعدة الجوية الإيطالية في جزيرة سردينيا.

بعد إسقاط نظام القذافي تصاعدت الخلافات تدريجيًا بين الإسلاميين ومعارضيهم، حتى انتهى الأمر إلى وجود حكومتين ليبيتين لكلٍ منهما مؤسساتها وبرلمانها وقواتها العسكرية إحداهما معترف بها دوليًا في طبرق شرق البلاد بينما تتخذ الأخرى من طرابلس مقرًا لها. انخرطت القوى الإقليمية في دعم أطراف الصراع الليبي حيث دعمت تركيا وقطر قوات فجر ليبيا التي تسيطر على طرابلس بينما دعمت مصر والإمارات حكومة طبرق والتي أصبحت قوات عملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر قواتها المسلحة.

في آب/أغسطس 2014 أوردت تقارير إعلامية نقلًا عن مسؤولين أمريكيين أن الإمارات ومصر قامتا مرتين بشن ضرباتٍ جوية على طرابلس ضد مقاتلين إسلاميين تابعين لقوات فجر ليبيا كانوا يحاولون السيطرة على مطار طرابلس، وأضافوا أن هجماتٍ مماثلة وقعت مرة واحدة على الأقل في وقتٍ سابق. كما قال المسؤولون إن هناك فرقًا من القوات الخاصة تعمل من مصر لكنها تتشكل من إماراتيين على نحوٍ رئيسي دمرت معسكرًا للإسلاميين بالقرب من مدينة درنة شرقي ليبيا، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015 نشرت صحيفة نيويورك تايمز رسائل بريد إلكتروني مسربة تظهر قيام الإمارات بإرسال أسلحة إلى فصائل ليبية في انتهاكٍ لقرار حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة. وفي وقتٍ سابق من نفس الشهر أظهرت رسائل بريد إلكتروني أخرى مسربة نشرتها صحيفة الجارديان أن الإمارات كانت تتفاوض مع المبعوث الدولي للأمم المتحدة برناردينو ليون لتعيينه كرئيسٍ لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية براتبٍ يبلغ 50 ألف دولار شهريًا مما يمثل تضاربًا في المصالح ويضر بنزاهته واستقلاله.

اليمن

في العاشر من نيسان/أبريل 2013 أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرارًا بتعيين أحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي كان قد تخلى عن السلطة مقابل حصانة قضائية له ولأسرته بموجب المبادرة الخليجية، والقائد السابق لقوات الحرس الجمهوري اليمني سفيرًا لليمن لدى الإمارات في محاولةٍ منه لعزله عن الجيش. أعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيانٍ لها صدر عقب ذلك القرار وقراراتٍ أخرى تقضي بتعيين آخرين من القادة العسكريين والأمنيين من أسرة صالح في مناصب دبلوماسية أن "إزاحة القادة المرتبطين بالانتهاكات خطوة مهمة لكن منحهم الحصانة يبعث على القلق".

البعض يرى أن تصاعد الدور الإماراتي له آثار سلبية على الاستقرار في المنطقة، وهو ما تجسد في ليبيا حيث عطّل الدور الإماراتي التوصل إلى مصالحة

 

في الوقت الحالي تتضارب الأنباء حول مصير أحمد علي عبد الله صالح، حيث تورد تقارير أنه تم وضعه تحت الإقامة الجبرية، بينما تورد تقارير أخرى أنه قد تم اعتقاله. تدعم الرواية الأخيرة واقعة جرت على موقع التدوينات القصيرة تويتر عندما قال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تغريدة له أن "موقف الحوثيين المتردد حول قضية المعتقلين ينم عن عقلية ضيقة قوضت الدولة اليمنية واستقرار المجتمع، بدى الوفد الحوثي وكأنه في بازار يبيع ويشتري"، ليرد عليه طارق محمد صالح نجل شقيق الرئيس اليمني السابق قائلا: "ليسوا معتقلين يا قرقاش هم أسرى حرب وليسوا ضيوف عند أبو خالد وتم الغدر بهم واعتقالهم". يذكر أن أبو خالد الذي ذكره طارق صالح في تعليقه هو الشيخ محمد بن زايد. بينما تنفي تقارير على مواقع موالية للرئيس اليمني السابق تلك الأخبار مؤكدة أن نجله ليس قيد الاعتقال أو الإقامة الجبرية وأنه يلتقي في مقر إقامته بقيادات سياسية وعسكرية تدين بالولاء له ولوالده.

تشارك الإمارات في التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن بـ30 طائرة وقواتٍ برية إماراتية وأجنبية. وبينما كان المسؤولون الإماراتيون متحفظين في بداية التدخل على ذكر مشاركة بلادهم البرية في الحرب هناك فبحلول شهر أيلول/سبتمبر كانوا يرسلون صحفيين ومراسلين لاستعراض قواتهم هناك. فقدت الإمارات 72 جنديًا في عمليات التحالف حتى الآن، من بينهم 45 جنديًا في هجومٍ واحد شنه الحوثيون على مخزن أسلحة في مأرب بواسطة صاروخ أرض أرض من طراز توشكا في أوائل أيلول/سبتمبر، فيما يعد الهجوم الصاروخي الأكثر دموية في التاريخ وأكبر خسارة عسكرية تشهدها دولة الإمارات منذ تأسيسها.

يهدف الدور الإماراتي في اليمن إلى إبعاد القيادات الإسلامية وخاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح (الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين) عن قيادة المقاومة الشعبية ضد الحوثيين، وهو ما أسفر عن خلافات مع السعودية التي تحاول حشد جميع القوى اليمنية (باستثناء القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية بالطبع) في الحرب ضد الحوثيين وقوات الجيش اليمني المتحالفة معهم. تحاول كلا الدولتين الإبقاء على تلك الخلافات تحت السيطرة وبعيدة عن التقارير الإعلامية للحفاظ على تماسك التحالف.

في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أوردت صحيفة نيويورك تايمز وفي تقريرٍ بعنوان "الإمارات ترسل سرًا مرتزقة كولومبيين إلى الحرب في اليمن" أن الإمارات قد أرسلت 450 جنديًا من أمريكا اللاتينية أغلبهم كولومبيين إلى اليمن مقابل رواتب مغرية. هؤلاء الجنود هم من بين قوة قوامها حوالي 1,800 جندي من أمريكا اللاتينية تم تدريبهم في قاعدة عسكرية إماراتية ضمن برنامج أُطلق عام 2010 وكانت تديره شركة خاصة على صلة بإريك برنس مؤسس شركة بلاك ووتر الأمريكية، الذي انتهى دوره في البرنامج في وقتٍ لاحق ليتولى الجيش الإماراتي إدارته. الجنود الذين أرسلوا إلى الإمارات كعمال بناء عام 2010 وكان من المفترض أن يقوم هؤلاء الجنود بمهماتٍ داخلية مثل حراسة خطوط الأنابيب ومنشآت البنية التحتية الحساسة وربما قمع أعمال الشغب التي يمكن أن يقوم بها عمال مغتربين في الإمارات تم إخبارهم أنه يمكن إرسالهم إلى مهماتٍ قتالية خارج الإمارات، لكن حتى وقت إرسالهم في اليمن كانت المهمات الخارجية الوحيدة التي كلفوا بها هي توفير الأمن لسفن شحن تجارية. منذ بداية العمليات وحتى الآن قُتِل حوالي 15 من الجنود التابعين للبرنامج الإماراتي من بينهم 10 كولومبيين.

الصراع داخل فتح

تستضيف الإمارات محمد دحلان والذي كان قد تم فصله من منصبه باللجنة المركزية لحركة فتح في حزيران/يونيو 2011 ودخل في خلافات شديدة مع رئيس السلطة الفلطسينية محمود عباس.

يعد دحلان المنافس الرئيسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس على السيطرة على حركة فتح والسلطة الفلطسينية، حيث يحظى بالإضافة إلى وجود موالين له في صفوف حركة فتح فإنه يحظى بدعمٍ وعلاقاتٍ قوية مع مسؤولين وأنظمة إقليمية ودولية، أبرزها الإمارات المقيم بها منذ تم فصله من المناصب التي كان يشغلها، والقاهرة التي زارها في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، ثم زيارته إلى بروكسل حيث ألقى كلمة أمام منتدى لحلف شمال الأطلنطي (الناتو) تحدث فيها عن قضايا الإرهاب وشن فيها هجومًا حادًا على تركيا وحركات الإسلام السياسي، وانتهاءًا بزيارته الأخيرة إلى موسكو في آذار/مارس من نفس العام.

سوريا

على الرغم من أن الإمارات لا تتبنى موقفًا واضحًا من الحرب السورية باستثناء مشاركتها في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلا أنها تستضيف بشرى الأسد شقيقة الرئيس السوري بشار الأسد التي انتقلت لتقيم بمدينة دبي بعد مقتل زوجها آصف شوكت نائب وزير الدفاع السوري والذي لقى مصرعه في تفجير مقر الأمن القومي بدمشق في تموز/يوليو 2012.

في كانون الثاني/يناير 2013 أكد السفير الأمريكي السابق لدى سوريا روبرت فورد أن أنيسة مخلوف والدة الرئيس بشار الأسد قد غادرت إلى دبي لتقيم مع ابنتها، وهو ما أكده سوريون مقيمون بالمدينة في وقتٍ لاحق.

اختيار أم اضطرار؟

لم يكن الدبلوماسي الغربي الذي نقلت عنه بلومبرج هو أول من يشبه الدولة الخليجية الصغيرة بالمدينة اليونانية القديمة التي كانت تُعرف بقوتها العسكرية وشجاعة جنودها. في تقريرٍ تناول الدور المتزايد الذي تلعبه الإمارات في المنطقة ودور محمد بن زايد في ذلك التحول نُشِر في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أوردت صحيفة الواشنطن بوست أن كبار الجنرالات في الجيش الأمريكي يطلقون على الإمارات "أسبرطة الصغيرة Little Sparta". ذكر التقرير أن الإمارات والتي شاركت في مهمة حفظ الأمن في أفغانستان بقيادة حلف الناتو كانت مع أستراليا هما الدولتان الوحيدتان من خارج حلف الناتو المصرح لهما بالقيام بطلعات دعم جوي قريب لحماية قوات التحالف البرية على الأرض. تكرر ذلك الوصف مرة أخرى في تقارير وصفت رغبة المسؤولين العسكريين الإماراتيين في تخصيص أهدافٍ أكثر لهم في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا.

يرى البعض أن تصاعد الدور الإماراتي في المنطقة جاء بفعل الضرورة استجابةً لتحدياتٍ غير مسبوقة تواجه الدولة والمنطقة ككل. "لا تستطيع الإمارات تحمل تكلفة أن تقف متفرجة وتتظاهر بأنها سويسرا بينما تحترق المنطقة بكاملها"، يقول مشعل الجرجاوي، مدير مركز دلما للدراسات. ويضيف: "عليك إما إطفاء النيران أو ترك المنطقة. لكن البلدان ليس لها عجلات". لكن الوضع الجديد للإمارات يحمل معه سلبياته ومخاطره أيضًا. "إن الوضع هش بدرجةٍ كبيرة لأنهم يصبحون هدفًا أكثر فأكثر"، يقول المسؤول الغربي الذي حاورته بلومبرج، قبل أن يضيف: "لكنهم واعون بذلك تمامًا".

لحسن الحظ ظلت الإمارات حتى الآن بمنأى عن الهجمات التي ضربت جيرانها السعودية والكويت والبحرين. ليس هناك بوادر لخروج الاستثمارات أيضًا، وإن كان بعض مديري الاستثمارات يقولون في جلساتهم الخاصة إنهم يراقبون بحذر التحول في السياسة الخارجية. ربما تستطيع الإمارات الإبقاء على الوضع في الداخل عبر الحفاظ على أمنها ومنع أي هجماتٍ إرهابية، لكن البعض يرى أن تصاعد الدور الإماراتي في منطقة الشرق الأوسط له آثار سلبية على الاستقرار في المنطقة، وهو ما تجسد في ليبيا حيث عطّل الدور الإماراتي التوصل إلى مصالحة بين الفرقاء الليبيين، ليظل السؤال مطروحًا: هل حقًا تقوم الإمارات بإطفاء النيران المشتعلة في الشرق الأوسط، أم أنها تدخلها وحماسها العسكري يزيدها اشتعالًا؟

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف فشلت "السياسة الواقعية" الأمريكية في سوريا؟

السعودية وإيران..إنه النفط