11-فبراير-2020

يخيم التوتر التركي الروسي على الوضع في إدلب (أ.ف.ب)

لا يمكن تقديم حكم شامل على العلاقة بين تركيا وروسيا، بسبب تعدد الملفات المشتركة بين البلدين، لكن المؤكد أنها ليست مبنية دائمًا على مصالح مشتركة، إذ جرى اختبار هذه العلاقة مؤخرًا عقب مقتل 13 جنديًا تركيًا في إدلب على يد قوات النظام، في ظل تعنت موسكو وإصرارها على مواصلة الحملة العسكرية مع النظام السوري على منطقة خفص التصعيد شمال غرب سوريا. وهو  ما بدا واضحًا إثر فشل الاجتماع الروسي التركي الثاني في أنقرة لبحث التطورات في إدلب الإثنين. وكان الاجتماع الطارئ الأول يوم السبت لم يحقق أي نتائج بسبب وجود نقاط خلافية، بحسب ما نقل موقع تلفزيون سوريا عن مصدر تركي مطلع.

لا يمكن تقديم حكم شامل على العلاقة بين تركيا وروسيا، بسبب تعدد الملفات المشتركة بين البلدين، لكن المؤكد أنها ليست مبنية دائمًا على مصالح مشتركة

وردًا على مقتل خمسة جنود يوم الإثنين، ردت القوات التركة بقصف 115 هدفًا للنظام السوري ما أسفر عن مقتل 101 من عناصره وفق معلومات أولية أعلنتها وزارة الدفاع التركية.

اقرأ/ي أيضًا: مدن وبلدات فارغة.. إدلب وحيدة في وجه المقتلة

روسيا تقترح اتفاقًا جديدًا

رغم سيطرة قوات النظام والميليشيات الموالية لها على مناطق ضمن منطقة خفض التصعيد التي أصبحت حبرًا على ورق، ما زالت أنقرة متمسكة بالاتفاق من خلال مطالبتها موسكو بوقف الهجوم العسكري على إدلب وانسحاب قوات النظام إلى حدود المنطقة منزوعة السلاح وهو ما ترفضه الكرملين.

الوفد الروسي عرض على تركيا صياغة اتفاقية جديدة بناء على معطيات الميدان الراهنة بعد ان أصبحت قوات الأسد على مسافة 16 كيلومترًا من مدينة إدلب، لكن تركيا رفضت ذلك وتمسكت بمطلب انسحاب قوات الأسد إلى حدود اتفاق سوتشي الذي جرى توقيعه بين أردوغان وبوتين في أيلول/سبتمبر 2018.

وخلال المباحثات وافقت روسيا على انسحاب قوات الأسد من مدينة سراقب فقط التي تنتشر في محيطها أربع نقاط مراقبة تركية، كما طلبت إنشاء منطقة منزوعة السلاح على جانبي طريق دمشق – حلب الدولي المعروف باسم M5 والذي سيطر عليه النظام. وتطرق الوفد الروسي خلال اللقاء المشترك إلى ضرورة استمرار العمليات العسكرية ضد "الإرهاب"، وضمان استكمال فتح الطرقات الدولية عن طريق إبعاد التنظيمات "الإرهابية" عنها.

وجاء الاجتماع الثاني الذي أجّل عملية عسكرية تركية مرتقبة بمشاركة الجيش الوطني السوري، في ظروف سيئة عقب مقتل الجنود الأتراك بقصف للنظام على مطار تفتناز بريف إدلب حيث أقامت تركيا مؤخرًا نقطة مراقبة عسكرية جديدة.

ولفت رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب إلى ورود نبأ مقتل الجنود، بينما كانت المباحثات متواصلة بين مسؤولي وزارة الخارجية التركية مع وفد روسي في أنقرة حول الأوضاع في إدلب. فيما يراه مراقبون رسالة من موسكو إلى أنقرة حملها نظام الأسد.

روسيا التي خرقت اتفاق خفض التصعيد في معظم المناطق السورية، زار وفدها أنقرة في محاولة لتخفيف حدة التوتر التي شهدتها العلاقة مع تركيا في الأيام الماضية، والتي وصلت حد تهديد الرئيس التركي باتخاذ "الإجراءات المناسبة" إذا لم تنسحب قوات النظام السوري في المنطقة، في إشارة إلى عمل عسكري شبيه بعملية "نبع السلام" في شمال شرقي سوريا.

وردًا على مقتل جنودها الأسبوع الماضي، ألغت تركيا دورية عسكرية مشتركة مخططة مع القوات الروسية في حين أشارت موسكو إلى أن أنقرة هي المسؤولة عن عدم الكشف عن موقع القوات. وقال كونستانتين كوساتشيف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي، إن "كل هذا مقلق للغاية". وإن هذا اختبار جاد لقوة الاتفاقيات الروسية التركية الحالية.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد أعلن أنهم يعيدون تقييم المرحلة التي عملوا فيها مع روسيا الضامن للنظام، وأنه تم الاتفاق بعد إجراء عدد من الاتصالات مع المسؤولين الروس على بحث الوضع في إدلب مع الوفد الروسي القادم إلى تركيا.

آلاف الجنود الأتراك في إدلب

تزامن الاجتماع مع مواصلة تركيا إرسال القوات العسكرية القتالية إلى إدلب وتعزيز نقاط المراقبة، ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي بارز طلب عدم الكشف عن اسمه أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة"، في حين تحاول أنقرة وقف التقدم السريع لقوات النظام.

وأضاف المسؤول أن 300 مركبة دخلت إدلب السبت ليصل العدد الإجمالي إلى نحو ألف مركبة هذا الشهر. ولم يوضح بالتحديد عدد القوات التي تم نشرها لكنه وصفها بأنها "كبيرة الحجم". وأكد أنه جرى تعزيز نقاط المراقبة بالكامل و"تدعيم جبهة إدلب". وتابع قائلًا: "كان النظام، بدعم من روسيا، ينتهك كل الاتفاقات والمعاهدات... نحن مستعدون لأي شيء. وبالطبع كل الخيارات مطروحة على الطاولة".

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه وثق وجود نحو 5 آلاف جندي تركي انتشروا في إدلب وحلب خلال الفترة الماضية تحضيرًا لعمل عسكري ضد قوات الأسد. وهو ما أشارت إليه وكالة الأناضول التركية، مؤكدة استمرار إرسال التعزيزات العسكرية ومن بينها قوات "الكوماندوس"، إضافة إلى قاذفات صواريخ ودبابات وناقلات جند مدرعة إلى نقاط المراقبة في إدلب السورية. ووصل رتل عسكري إلى قضاء "ريحانلي" المحاذي للحدود السورية بولاية هاتاي، يتألف من 60 شاحنة عسكرية تحمل قاذفات صواريخ ودبابات من طراز "ليوبارد" وناقلات جند مدرعة وعتاد عسكري.

اقرأ/ي أيضًا: نازحو الشمال السوري.. في قلب الكارثة

حيث أنشأت القوات التركية نقطة عسكرية جديدة على تل قميناس جنوب شرق مدينة إدلب بالقرب من طريق حلب-اللاذقية الدولي. ويشكل التحرك العسكري التركي الجديد ضغطًا على روسيا إما بحثا عن اتفاق جديد يضمن المصالح التركية في الشمال السوري أو بدء معركة ضد قوات النظام السوري لإجباره على الانسحاب وإحياء اتفاق أستانا، ويجري ذلك تحت غطاء أمريكي لأنقرة من خلال تذكير واشنطن بأن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

تناسب النهاية المقتوحة طبيعة العلاقة بين تركيا وروسيا، خاصة بعد التوترات الأخيرة بشأن إدلب

ملفات شائكة

تناسب النهاية المقتوحة طبيعة العلاقة بين تركيا وروسيا، خاصة بعد التوترات الأخيرة بشأن إدلب، إذ لا تستطيع أنقرة تجاهل الدور الروسي وكذلك لا تستطيع روسيا عزل تركيا ومنعها من لعب دور في سوريا وفي أماكن حساسة أخرى، مع تعقد الملفات المشتركة بين البلدين مثل الطاقة، إذ مكنت الموافقة التركية على استضافة خط أنابيب الغاز TurkStream مؤخرًا على تجاوز روسيا لأوكرانيا، إضافة إلى ملفات التجارة وسوريا والملف الليبي الذي مازل الأتراك غاضبون من نهايته بطريقة درامية دون اتفاق، ويضاف إلى هذه الملفات الملف الأوكراني الذي لوح به الرئيس التركي الأسبوع الماضي عقب زيارته إلى كييف، وأمام حرس الشرف في القصر الرئاسي قال أردوغان "المجد لأوكرانيا"، وهو شعار وطني يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمشاعر المعادية لروسيا ومعركتها من أجل الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.