29-يناير-2020

تستمر قوات النظام السوري في تهجير آلاف السوريين إلى المجهول (Getty)

مرة أخرى، يفشل اتّفاق وقف إطلاق النار الروسيّ – التركيّ في الصمود في محافظة إدلب شمال غربيّ سوريا، بعد وصول المفاوضات بين الجانبين إلى طريقٍ مسدود وفشل الجانب التركيّ في إنعاش الهدنة المتمخّضة عنه، رغم غضّ النظر عن خروقات ميليشيات النظام منذ دخول الاتّفاق حيّز التنفيذ منتصف ليل السبت 11/12 من كانون الثاني/يناير.

وفقًا لإحصائيات فرق الدفاع المدني وفريق منسّقوا استجابة سوريا، بلغ عدد المهجّرين خلال اليومين الماضيين فقط نحو 25,000 نازح خرجوا من مدنهم وبلداتهم نجو المجهول، في ظلّ غياب أماكن مخصّصة لاستقبال النازحين

المحاولات التركية لعقد اتّفاقٍ جديد مع روسيا بشأن منطقة خفض التصعيد بعد سقوط مسار أستانا وانهيار اتّفاق سوتشي، انتهت بإبلاغ قيادات فصائل الجيش الوطنيّ السوريّ بأنّ المباحثات لم تحقّق نتيجة، وأنّ الروس ماضون في الحلّ العسكريّ، وذلك خلال اجتماعٍ طارئ جرى في العاصمة أنقرة بين رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان وقيادات المعارضة المسلّحة، شارك فيه الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان من خلال اتّصال مرئيّ دعا عبره الفصائل للدفاع عن نفسها، والاستعداد للمعركة الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا: تصعيد في حلب وإدلب.. هل انطلقت "المعركة الكبرى"؟

وكانت ميليشيات النظام قد استأنفت حملتها العسكرية، برًّا وجوًّا، على المنطقة رسميًا يوم الجمعة 24 كانون الثاني/يناير، حيث شمل التصعيد الأرياف الغربية والجنوبية لمدينة حلب، بعد إعلان "مركز المصالحة الروسيّ في سوريا" تعرّض ميلشيات النظام المتمركزة في ريف مدينة معرة النعمان الشرقيّ لهجماتٍ عنيفة شنّتها الفصائل وانتهت بمقتل 40 عنصرًا وجرح 80 آخرين، والسيطرة على تجمّعين سكنيين أيضًا. وذلك بالتزامن مع هجوم آخر استهدف مدينة حلب انطلاقًا من أريافها الغربية والجنوبية، تمكّنت قوّات النظام، بحسب مركز المصالحة، من صدّه.

التصريحات الروسية أعلنت، بشكلٍ غير مباشر، انتهاء الهدنة المزعومة في محافظة إدلب بعد "خرقها" من قبل فصائل المعارضة المسلّحة إثر الهجوم المفبرك الذي تحدّث الروس عنه. وبالتالي تبرير استئناف الحملة العسكرية على المنطقة تزامنًا مع فتح جبهات أرياف مدينة حلب التي تعرّضت، منذ تفعيل وقف إطلاق النار، لقصفٍ جويّ عنيف تسبّب بموجة نزوح جديدة في المنطقة المعروفة باكتظاظها بالسكّان والمهجّرين من ريف دمشق ودرعا وحمص وأرياف حماة وإدلب، باتّجاه الحدود السورية التركية ومناطق غصن الزيتون ودرع الفرات.

تسارعت وتيرة التطوّرات في المنطقة بعد استئناف الحملة العسكرية، وتبدّلت، بشكلٍ بدا مفاجئًا، خريطة السيطرة مجدّدًا لصالح ميليشيات النظام التي تمركزت على مداخل مدينة معرّة النعمان، مُحاولةً حصارها قبل الدخول إليها تجنّبًا لخوض حرب شوارع قد تكلّفها الكثير، وهو ما حدث فعلًا ظهر اليوم الأربعاء، وذلك بعد سيطرتها، منذ الجمعة 24 كانون الثاني/يناير، وحتّى يوم الإثنين 27 من الشهر نفسه، على قرى وبلدات الدير الشرقي ومعرشمارين وتلمنّس ومعرشمشة ومعراتة والزعلانة والحامدية وبابيلا والغدفة ومعصران وبسيدا وكفرباسين وبابولين وصهيان، مُحكمةً بذلك حصارها لنقطة المراقبة التركية في بلدة معرحطاط الواقعة على الطريق الدوليّ دمشق – حلب (M5).

حصار قوّات النظام للمدينة تزامن مع رصدها طُرق الإمداد الأخيرة للمقاتلين داخلها، أي الطُرق الواصلة بين المدينة وجبل الزاوية، وسط محاولاتٍ لدخولها من محور بلدة كفروما، حيث اصطدمت بمقاومة شرسة حالت بينها وبين اختراق المدينة، قبل أن تنقلب الموازين مجدّدًا بعد رفص الفصائل إمداد المقاتلين في البلدة بالعتاد والأفراد، كما رفضت أيضًا، ولأسبابٍ غير معلومة أو مفهومة، مؤازرة المقاتلين داخل المدينة التي دخلتها ميليشيات الأسد مساء الثلاثاء 28 كانون الثاني/ يناير بعد انسحاب الأعداد القليلة من المقاتلين الذين حاولوا صدّ الهجمات وسط امتناع الفصائل عن دعمهم ومؤازرتهم.

اقتراب النظام والميليشيات الداعمة له من مدينة معرّة النعمان والطريق الدوليّ أسفر عن حركة نزوح ضخمة من مدن سراقب وجسر الشغور وأريحا، بالإضافة إلى بلدات جبل الزاوية غرب المعرّة، بعد تعرّضها لغاراتٍ جوية متتالية على مدار الساعة كونها خطّ الإمداد الأخير للمدينة بعد حصار النظام لها من ثلاث جهات.

وكانت فرق الدفاع المدنيّ السوريّ في محافظة إدلب برفقة منظمة بنفسج قد أطلقت حملة لإخلاء المدنيين من بلدات جبل الزاوية ومدينة سراقب ممّن لا يملكون وسائل نقل للنزوح، لكنّ الأعداد أكبر ممّا يتوافّر لدى المنظمات الإنسانية من إمكانيات، لا سيما وأنّ الحركة في تلك المناطق أقرب إلى مغامرة خطيرة بفعل رصد طرق النزوح من الطائرات الحربية التي لا تغادر الأجواء.

اقرأ/ي أيضًا: الانهيار المتوقّع لهدنة إدلب

ووفقًا لإحصائيات فرق الدفاع المدني وفريق منسّقوا استجابة سوريا، بلغ عدد المهجّرين خلال اليومين الماضيين فقط نحو 25,000 نازح خرجوا من مدنهم وبلداتهم نجو المجهول، في ظلّ غياب أماكن مخصّصة لاستقبال النازحين، وندرة وجود منازل للإيجار أيضًا، أو حتّى مراكز إيواء كالمدارس وغيرها، كون الموجة ليست الأولى في المنطقة، وأنّ المدن والبلدات المتاخمة للحدود السورية – التركية باتت مكتظّةً بالنازحين.  

تُضيف هذه التطوّرات المتسارعة أزمة جديدة للأزمات القائمة أساسًا بالنسبة لأحوال اللاجئين الذين يتكدّسون في المناطق الحدودية دون مأوى

تُضيف هذه التطوّرات المتسارعة أزمة جديدة للأزمات القائمة أساسًا بالنسبة لأحوال اللاجئين الذين يتكدّسون في المناطق الحدودية دون مأوى، حيث بلغت أعداد المُجبرين على ترك منازلهم وقراهم منذ دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيز، نحو 98,616 نازح، 80% منهم توجّهوا نحو وجهةٍ غير معلومة، الأمر الذي يضع المنطقة على أعتاب كارثة إنسانية جديدة عنوانها 4 ملايين نازح ضمن منطقة ضيّقة قابلة للتقلّص مقابل تمدّد ميلشيات النظام التي قامت في الأيام الماضية بحرق منازل المدنيين في القرى والبلدات التي دخلتها، تزامنًا مع إطلاق تحذيرات من عملية تغيير ديموغرافي يُخطّط لها الأسد وداعموه للحيلولة دون عودة المهجّرين إلى مدنهم وقراهم.