10-أبريل-2023
getty

التقديرات تشير إلى حوالي 100 وثيقة ظهرت على الإنترنت حتى الآن (Getty)

انشغلت الإدارة الأمريكية، على مدار الأشهر الماضية في ملاحقة تطبيق تيك توك، وذلك تحت دواعي المخاوف الأمنية بالأساس. ومع تصاعد هذا القلق تسربت مجموعة وثائق استخبارية أمريكية سرية، منذ يوم الجمعة، على مواقع التواصل الاجتماعي، وتشمل معلومات حساسة وأسرار الأمن القومي الأمريكي، المرتبطة في غزو أوكرانيا وصولًا إلى الشرق الأوسط والصين.

وتشير التقديرات الأمريكية إلى أن حجم التسريب يبلغ حتى الآن 100 وثيقة، ووصف مسؤول استخباراتي كبير التسريب بأنه "كابوس للعيون الخمس"، في إشارة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا، وهي ما يسمى دول العيون الخمس التي تشارك المعلومات الاستخباراتية على نطاق واسع بينها.

تشير التقديرات الأمريكية إلى أن حجم التسريب يبلغ حتى الآن 100 وثيقة، ووصف مسؤول استخباراتي كبير التسريب بأنه "كابوس للعيون الخمس"

الوثائق السرية عثر عليها على تويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، ويحمل بعضها إشارة إلى كون الوثيقة سرية، أو أنه من غير المفترض مشاركتها مع الدول الأجنبية. وما يزال حجم الضرر غير معروف حتى الآن، لكن هناك تقديرات مرتبطة في غزو أوكرانيا، تتحدث عن إمكانية قيام الجيش الأوكراني بتغيير خططه العسكرية على خلفية التسريب.

هل الوثائق حقيقية؟

يقر المسؤولون الأمريكيون، بأن الوثائق المتداولة حقيقية، أو غالبيتها على الأقل، فيما تشير مصادر أمريكية إلى أن هناك تعديلات على بعض المواد. كما تحدثت مصادر أمريكية عن أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يعلم بتسريب الوثائق منذ يوم 6 نيسان/ أبريل. 

أصوات من تحت الركام

أين ظهرت الوثائق؟

انتشرت المواد على تويتر وتليغرام وعلى منصة "ديسكورد" التي تحوي غالبًا هواة الألعاب والدردشة الصوتية والمكتوبة غيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أن بعض الوثائق تم تصويره على عجل، "يقول المسؤولون السابقون الذين راجعوا المواد إنه يبدو أنه تم طي إحاطة سرية ووضعها في الجيب ثم تم إخراجها من منطقة آمنة لتصويرها"، بحسب نيويورك تايمز. فيما تدور الشكوك حول قيام مسؤول أمريكي بتسريب هذه الوثائق.

ماذا تقول عن الحرب في أوكرانيا؟

الوثائق لا تحتوي على خطط قتالية محددة، بما في ذلك حول الهجوم المضاد الأوكراني المتوقع في الشهر المقبل. لكنها توضح بالتفصيل الخطط الأمريكية السرية والناتو لبناء الجيش الأوكراني قبل هذا الهجوم.

كما تشير الوثائق إلى أن القوات الأوكرانية في حالة يرثى لها أكثر مما اعترفت حكومتهم علنًا. وتظهر الوثائق الأمريكية أنه بدون تدفق الذخائر، فإن نظام الدفاع الجوي الأوكراني الذي أبقى سلاح الجو الروسي في مأزق قد ينهار قريبًا، مما يسمح للرئيس فلاديمير بوتين بإطلاق طائراته المقاتلة بطرق يمكن أن تغير مسار الحرب.

getty

لا تترك الصفحات التي يزيد عددها عن 100 صفحة من الشرائح والوثائق الموجزة أي شك حول مدى تورط الولايات المتحدة في إدارة الحرب اليومية، مما يوفر المعلومات الاستخبارية الدقيقة واللوجستيات التي تساعد في تفسير نجاح أوكرانيا حتى الآن. بينما منع الرئيس بايدن القوات الأمريكية من إطلاق النار مباشرة على أهداف روسية، ومنع إرسال أسلحة يمكن أن تصل إلى عمق الأراضي الروسية، توضح الوثائق أنه بعد مرور عام على الغزو، كانت الولايات المتحدة متورطة بشدة في كل شيء آخر تقريبًا، بحسب نيويورك تايمز.

ورقم الانقسامات بين موسكو وكييف، إلّا أن هناك اتفاقًا على أن المعلومات مشبوهة، والهدف منها الخدعة، مع الاختلاف على مصدر التسريب. وفي تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، قال مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك، إن الوثائق مليئة "بمعلومات خيالية". مضيفًا: "ليس هناك أدنى شك في أن هذا عنصر آخر من عناصر الحرب الهجينة". قائلًا": "إن روسيا تحاول التأثير على المجتمع الأوكراني، وبث الخوف والذعر وانعدام الثقة والشك". فيما تتحدث تقديرات أوكرانية عن أن الهدف من تسريب الوثائق، هو التشويش على الهجوم الأوكراني المضاد.

ليست أوكرانيا فقط

ظهرت أوكرانيا في التسريبات بشكلٍ بارز، منذ اليوم الأول لكشفها، وربما يعود ذلك لعدة أسباب، أهمها حجم الوثائق المرتبط في أوكرانيا، وكونها القضية الراهنة غربيًا الآن، لكن الوثائق تشمل معلومات عن كندا والصين وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وكوريا الجنوبية، والنشاط العسكري الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط.

مؤامرة إسرائيلية 

وأفادت تقارير إعلامية أمريكية أن مستويات رفيعة في جهاز  المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، شجعوا على الاحتجاجات المناهضة لخطة التعديلات القضائية في إسرائيل على مدار الأسابيع الماضية.   وبحسب "نيويورك تايمز" و"الواشنطن بوست"، وبعد مراجعة وثيقة للبنتاغون يعود تاريخها إلى الأول من آذار/مارس الماضي، ظهر أن مستويات رفعية المستوى في "الموساد" شجعت على المظاهرات والاحتجاج ضد التعديلات القضائية التي تقترحها الحكومة الإسرائيلية اليمينية، مع الإشارة إلى أن هذه الوثيقة تم وسمها بـ"لا يسمح بمشاركتها إلا بين وكالات الاستخبارات الأمريكية فقط".

وأقر مسؤولون أمريكيون كبار لـ"نيويورك تايمز" بأن "الوثائق المسربة تبدو مواد إحاطة حقيقية، لكن يبدو أنه تم تعديل إحداها". هذا واعترفت الصحيفة الأمريكية بأن "الوثيقة قد لا تكون دقيقة، على الرغم من أنها حقيقية".

getty

من جهته، رفض مجلس الأمن القومي ومكتب مدير جهاز الاستخبارات الأمريكية ووزارة الخارجية التعليق على الوثيقة المتعلقة بـإسرائيل. وقالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع سابرينا سينغ، إن التسريب قيد المراجعة، فيما قالت وزارة العدل الأمريكية إنها "فتحت تحقيقًا".

تشكيك إسرائيلي

هذا وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بيانًا نفى فيه بشدة هذه التقارير، وجاء في البيان "ما نشر في الصحافة الأمريكية كاذب وسخيف تمامًا"، وأضاف البيان أن "الموساد ومسؤوليه لم يشجعوا ولن يشجعوا العاملين فيه على التظاهر ضد الحكومة أو على التظاهرات السياسية بشكل عام أو أي نشاط سياسي".

بدوره قال المدير الإداري لـمعهد دراسات الأمن القومي ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية سابقًا تمير هايمان، إن الولايات المتحدة قد تكون خلطت بين رؤساء الموساد السابقين وأولئك الحاليين، وأضاف "في نفس اليوم الذي صدر فيه التقرير الاستخباراتي، بعث عشرات المسؤولين الأمنيين السابقين، ومن ضمنهم رؤساء سابقين للموساد، برسالة إلى رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ طلبوا فيها منه الامتناع عن مساعدة الحكومة في إصلاحها القضائي". 

وتابع هايمان في حديث لإذاعة جيش الاحتلال، "من الواضح أن التقرير خاطئ في جوهره، أعتقد أنه تفسير خاطئ لتنظيم قسم العمليات الخاصة وخريجي الموساد الذين شاركوا في الاحتجاج. قد يكون هناك من لا يعرف كيف يفرق بينهم وبين من يخدمون حاليًا".

getty

أما ناتان ساكس، وهو باحث في شؤون إسرائيل في "معهد بروكينغز"، فقد نشر تغريدة بشأن الوثائق المسربة، وكتب "على الأرجح هى تفسير خاطئ لما تم سماعه: الموساد والجيش الإسرائيلي وغيرهما ليسوا في مجال الانقلابات وليسوا متجانسين كفاية للقيام بذلك على أي حال".

من جهة أخرى، كتب الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان في صحيفة "هآرتس"، بأن التقارير في وسائل الإعلام الأمريكية التي تفيد بأن "الموساد" شجع الاحتجاجات ضد التعديلات القضائية في إسرائيل ستزود دون شك رئيس الوزراء وأنصاره بـ"وقود جديد في جهودهم لقمع التظاهرات".

فرضية التسريب الداخلي

ونقلت وكالة "رويترز" عن خبراء أمن ومصادر أمريكية مسؤولة بأن الاشتباه يدور حول قيام شخص من الولايات المتحدة الأامريكية بالتسريب.

وأفاد المسؤول الكبير السابق في وزارة الدفاع الأمريكية مايكل مولروي، بأن "التركيز الآن على أن هذا تسريب من الولايات المتحدة لأن العديد من هذه الوثائق كان بحوزة الولايات المتحدة فقط".

وبحسب مسؤولين أمريكيين، فإن التحقيق في مراحله الأولى، ولا يستبعد احتمالية أن تكون عناصر موالية لروسيا وراء التسريب، الذي يُنظر إليه على أنه من أخطر الخروقات الأمنية منذ تسريبات موقع "ويكيليكس".

وقالت وكالة "رويترز" إنها راجعت بعد الكشف عن التسريب، أكثر من 50 وثيقة بعنوان "سري" و"سري للغاية" ظهرت لأول مرة الشهر الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، بداية من منصتي "Discord" و"4Chan"، ورغم أن بعض تلك الوثائق جرى نشرها قبل أسابيع، فقد كانت صحيفة "نيويورك تايمز" أول من أورد ظهرها على الشبكة، يوم الجمعة الماضي.

وتقول إحدى الوثائق، التي تحمل ختم "سري للغاية" ومأخوذة من إفادة للمخابرات المركزية الأمريكية بتاريخ الأول من آذار/مارس، إن "جهاز الموساد دعم الاحتجاجات المناهضة لخطط رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لإضعاف جهاز القضاء". وأضافت الوثيقة إن "الولايات المتحدة علمت بذلك من خلال إشارات مخابرات"، وهى إشارة إلى أن واشنطن كانت تتجسس على أحد أهم حلفائها في الشرق الأوسط.

يشار إلى أن المعلومات الواردة في وثائق البنتاغون المسربة تتداخل مع بعض الاتهامات التي يروجها يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي. إذ زعم أن "عناصر معادية داخل جهاز المخابرات الإسرائيلي ووزارة الخارجية الأمريكية هي من تقف وراء الاحتجاجات".

تجدر الإشارة إلى أنه في شهر شباط/ فبراير الماضي، سمح رئيس جهاز "الموساد" دافيد برنياع  لعناصر جهازه من الرتب المنخفضة بالمشاركة في الاحتجاجات، في حين تم منع رؤساء الأقسام وأي موظف أعلى رتبة من المشاركة فيها، بحسب ما جاء في تقارير إعلامية إسرائيلية.

getty

كما أن المئات من موظفي جهاز "الموساد" السابقين، من ضمنهم خمسة رؤساء سابقين، قد وقعوا بيانًا الشهر الماضي يعربون فيه عن "معارضتهم للتعديلات القضائية الشاملة التي تروجها الحكومة".

كما أظهرت واحدة من وثائق البنتاغون السرية، نقاشات أمريكية حول مواقف وأزمات يمكن على أساسها قيام تل أبيب بتزويد كييف بالأسلحة، وهو ما تمتنع عنه إسرائيل منذ بداية الغزو الروسي.

ومن بين عدة سيناريوهات، تعتقد الإدارة الأمريكية الأمنية، أن سيناريو تقدم الأسلحة الدفاعية لأوكرانيا من خلال طرف ثالث هو الأكثر ترجيحًا، مع استمرار إسرائيل بدعم الحوار بين أوكرانيا وروسيا.

ويعتقد كاتب الوثيقة أن إسرائيل لن تزود أوكرانيا بالأسلحة الهجومية، إلّا في حالة حدوث أزمة في علاقات دبلوماسية مع روسيا، نتيجة علاقات موسكو النامية مع طهران، أو في حالة تضرر الطائرات الإسرائيلية من قبل أنظمة الدفاع الروسية في سوريا .

سيناريو آخر أثارته الوثائق، هو تعاون الولايات المتحدة مع المطالب الإسرائيلية للتحضير لعمل ضد إيران من أجل الضغط على إسرائيل لتزويد أوكرانيا بالسلاح. كما تحدثت الوثائق عن الأسلحة الإسرائيلية التي يمكن إرسالها إلى كييف مثل صواريخ باراك 8 ونظام الدفاع الجوي سبايدر وصواريخ سبايك المضادة للدبابات.

استمرار التنسيق الأمني

وجاء في صحيفة العربي الجديد أن الوثائق المنشورة تضمنت واحدة منها على الأقل قراءةً أمنية للوضع في الضفة الغربية المحتلة بعد قمة العقبة الأمنية، والتي رافقتها عملية إطلاق نار في حوّارة، ثم هجمة ليليّة للمستوطنين بالأسلحة النارية والعصي والعبوات الحارقة على بلدة حوارة، أسفرت عن شهيد وإحراق عشرات المنازل والمحلات. 

تنصّ الوثيقة بشكل واضح على أن ’العمليات الإسرائيلية والفلسطينية لتحديد مكان المسلّحين الفلسطينيين لا تزال مستمرّة’

وبحسب ما ورد في العربي الجديد: "تنصّ الوثيقة بشكل واضح على أن ’العمليات الإسرائيلية والفلسطينية لتحديد مكان المسلّحين الفلسطينيين لا تزال مستمرّة’ [أي التنسيق الأمني]، على عكس ما ظلّ يؤكده مسؤولون في السلطة حتى ذلك الحين. وتتوقّع الوثيقة الأمنية الأميركية أن "تتفاقم الاضطرابات في الضفة"، وأن تستمرّ العمليات الفلسطينية وهجمات المستوطنين، "ما من شأن ذلك أن يدفع (إسرائيل) للتخلي عن اتفاق العقبة"، مع ملاحظة أن التقرير الاستخباري الأميركي يعرّف إسرائيل ضمنًا باسم "القدس"، وهو اصطلاح غير مألوف في اللغة الدبلوماسية الرسمية، رغم أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تغيّر موقفها من القدس عمّا انتهت إليه إدارة سلفه دونالد ترامب".