10-مارس-2023
تيك توك

المساعي لحظر التطبيق ذات طبيعة سياسية (Getty)

في الأشهر القليلة الماضية، صعّد المشرعون في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا من تحركاتهم الهادفة إلى تقييد الوصول إلى تطبيق تيك توك، وهو تطبيق الفيديوهات القصيرة الأسرع نموًا في العالم اليوم، والمملوك لشركة "بايت دانس" الصينية. أمّا المسوّغ وراء هذه التحرّكات المحمومة لحظر التطبيق جزئيًا أو كليًا، فيتعلق بتهديدات أمنيّة مفترضة، تمسّ سلامة البيانات الشخصية للمواطنين وتعرض الأمن القومي للخطر، على حد الزعم السائد حاليًا في تلك الدول. 

تسعى الولايات المتحدة إلى تقييد نموّ تطبيق تيك توك بين المستخدمين على حساب تطبيقات محليّة 

وبالفعل، أوعز البيت الأبيض إلى الوكالات الفيدرالية يوم الإثنين، 27 شباط/فبراير المنصرم، أن أمامهم ثلاثين يومًا حتى تفعيل قرار حظر وإزالة التطبيق عن جميع الهواتف والأجهزة التي تصدرها الحكومة الفيدرالية للعاملين معها. وهي خطوة سارت على حذوها كندا والاتحاد الأوروبي، حيث تم إقرار تعليمات تقضي بحظر تيك توك على الأجهزة الرسمية.

ومع بداية آذار/ماس، أيدت اللجان ذات العلاقة في مجلس النواب الأمريكي هذه الخطوات التي تعدّ الأكثر حدّة من طرف واشنطن، وبدا أن ثمة توافقًا بين الجمهوريين والديمقراطيين على تأييد أية خطوات إضافية في هذا الصدد، بما في ذلك إصدار تشريعات تحظر تيك توك عن جميع المستخدمين في الولايات المتحدة، والتي تعد أحد أكبر أسواق التطبيق الصيني وأكثرها نشاطًا. 

تطبيق تيك توك

 

في هذا المقال المستفاد بتصرف عن نيويورك تايمز الأمريكية، سنستعرض بعض الأسباب والمسوغات التي قد تدفع الحكومات إلى التعامل بصرامة مع تطبيق تيك توك، مع التعليق على مدى وجاهتها وتقاطعها مع تطبيقات أخرى مماثلة، لاستكشاف ما إذا كان التعامل مع تيك توك مدفوعًا حصرًا بخلافات سياسية مع الصين. 

الصين. إنّها الصين 

لطالما أعربت الجهات التشريعية والرقابة في عدة دول غربية عن القلق المتزايد من صعود تطبيق تيك توك المملوك لشركة بايت دانس الصينية، متخوفين من أن التطبيق قد يجمع بيانات حساسة عن المستخدمين ويشاركها مع الحكومة الصينية، والتي تستطيع إرغام الشركات على تقديم أي بيانات استخبارية ذات أهمية للأمن القومي الصيني، بحسب ما نقل موقع نيويورك تايمز. من جهة أخرى، تخشى جهات رقابية من التأثير المحتمل للتطبيق في تهديد الأمان الرقمي للمستخدمين، ونشر المعلومات المضللة والزائفة، والتأثير في توجهات الناخبين، على نحو يصب في خدمة المصالح الصينية. 

إلا أن تطبيق تيك توك لطالما أنكر هذه الاتهامات والمزاعم، وسعى حثيثًا للنأي بنفسه عن العلاقة مع بايت دانس، وتقديم خطط للمشرعين، ولاسيما في الولايات المتحدة، تثبت أن التطبيق آمن بشكل مطلق. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المتاعب التي يواجهها التطبيق لا تنحصر في الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، فثمة دول أخرى غير غربية أعلنت عن تخوفات مماثلة، ومن بينها الهند، والتي أقدمت على حظر التطبيق في منتصف العام 2020، ضمن حملة واسعة على تطبيقات صينية اتهمت بأنها تهدد أمن المستخدمين الرقمي وبياناتهم الشخصية، وتنقلها سرًا إلى خوادم خارج الهند.  

قصة تيك توك

أما في الولايات المتحدة، الغريم الأكبر للصين سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، فقد جرى تصويت في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، للدفع نحو وضع مشروع قانون يتيح للرئيس الأمريكي حظر التطبيق بشكل كامل، وهو الأمر الذي حاوله سابقًا دونالد ترامب، الذي لطالما تعهّد بحظر التطبيق وتقييد قدرته على منافسة التطبيقات الأمريكية محليًا، واستهداف أي تطبيقات مماثلة من دول أخرى، مثل روسيا وإيران. 

ما هو ردّ تيك توك؟ 

اعتبر تيك توك أن قرارات الحظر التي استهدفت المنصة ليست سوى "مسرحيات سياسية"، وانتقد التحركات التشريعية في الولايات المتحدة وغيرها، مشيرًا إلى أنها نوع من فرض "الوصاية والرقابة" على المواطنين. وبحسب المتحدث باسم تيك توك في الولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة ما تزال ترفض التعاون مع تيك توك والاتفاق على خطّة تم اقتراحها مؤخرًا تقدّم ضمانات للحفاظ على سريّة وأمن بيانات المستخدمين الأمريكيين، وهي خطة تم تطويرها على مدى العامين الماضيين.  وقد حرصت تيك توك في الولايات المتحدة على التعاون مع العديد من الجهات وجماعات الضغط وشركات العلاقات العامة من أجل الترويج للخطة وبيان بنودها للعامة والمشرعين، إلا أن هذه الجهود قد باءت بالفشل، ولم تثن المعنيين عن إقرار الحظر الجزئي على الأجهزة الحكومية. 

حلال على فيسبوك حرام على تيك توك؟ 

ترى سابنا ماهيشواري، وهي صحفية متخصصة بشؤون تيك توك في نيويورك تايمز، أن المعضلة الأساسية التي يواجهها تيك توك تتعلق بالملكية الصينية للتطبيق، وأن هذا هو محور الضغط الرسمي الأمريكي باتجاه حظره، ولاسيما وأن التطبيق يحظى بشهرة كبيرة بين المستخدمين في الولايات المتحدة (والعالم)، ويستحوذ على أكبر أوقات الاستخدام مقارنة بالتطبيقات المنافسة الأخرى. 

فمن بين الانتقادات التي تطرح على مساعي حظر تيك توك، هو أن التطبيق لا يختلف في سياسات جمع البيانات عن بقية منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وإنستغرام وغيرها، والتي تشارك جميعها في جمع بيانات المستخدمين. وهذه الحقيقة الأساسية دفعت جهات حقوقية إلى إطلاق حملة تدعو لعدم حظر تيك توك، والاهتمام عوضًا عن ذلك بتطوير تشريعات ناظمة لجميع شركات التقنية الكبرى، ما دامت جميعها تتبع الممارسات ذاتها إلى حد كبير. 

اتحاد الحريات المدنية الأمريكي: خيار الحظر الكلي للتطبيق في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تبعات خطيرة 

من جهة أخرى، احتج اتحاد الحريات المدنية الأمريكي، في خطابً تم إرساله إلى لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، على مشروع قانون الحظر العام لتطبيق تيك توك، محذرًا من أن في ذلك انتهاكًا صارخًا للحقوق الدستورية للأمريكيين. وبحسب تقرير نيويورك تايمز، فإن حظر التطبيق سيواجه معارضة كبيرة في الشارع الأمريكي، وقد تكون له تبعات اجتماعية وسياسية حادة، ولاسيما بين الشباب.