17-أكتوبر-2016

الخارطة الأمريكية الديموسياسية في تحرك مستمر وتخضع لتحولات سوق المصالح والخطاب لذلك نجد ديمقراطيين في هذه الجولة منطلقاتهم الأساسية جمهورية (ريك وليكينغ/أ.ف.ب)

أصدر مجلس شيكاغو للشؤون الدولية مؤخرًا نتائج استطلاع الرأي العام الأمريكي الذي يجريه كل عامين، حيث لم يكن من المفاجئ أن يركز هذا العام على مواقف وميول الجمهوريين. أظهرت نتائج الاستطلاع، التي نشرتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية والتي تتفق مع نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو ومراكز استطلاعات الرأي المرموقة الأخرى، ثلاثة أشياء لم تكن واضحة من قبل: تغير مواقف الجمهوريين من العولمة والتجارة الدولية عام 2008؛ كون الديمقراطيون أكثر دعمًا للتجارة الدولية من مرشحتهم الرئاسية؛ وأن الاختلاف الكبير في الموقف من الهجرة الواضح اليوم بين الجمهوريين والديمقراطيين هو نتيجة لتغير وجهات النظر بين الديمقراطيين، لا الجمهوريين.

يفضل أغلب الأمريكيين تحرك بلادهم من خلال المنظمات الدولية ودعم الاتفاقات الدولية لحماية وتعزيز المصالح القومية للولايات المتحدة

كان هناك إجماع كبير باختلاف الانتماءات الحزبية على دور الولايات المتحدة في العالم. مازالت الأغلبية العظمى من الأمريكيين ترغب في جيشٍ قوي والمشاركة في التحالفات القائمة والمزيد من علاقات التحالف. كما يفضل أغلب الأمريكيين تحرك بلادهم من خلال المنظمات الدولية ودعم الاتفاقات الدولية كوسائل لحماية وتعزيز المصالح القومية للولايات المتحدة. تظهر نتائج الاستطلاع أن 89% من الأمريكيين يؤيدون وجود تحالفاتٍ قوية، وهم يفضلون حلف الناتو قبل كل شيء، بل إن 86% من الأمريكيين يؤيدون زيادة قوة الأمم المتحدة، وهو ما يبغضه اليمين الأمريكي.

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا تقرر..لا ضربات لبشار الأسد حاليًا

هناك أيضًا توافقٌ واسع على التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة، حيث عبرت أغلبية كبيرة من المشاركين عن قلقهم بشأن الإرهاب والانتشار النووي (خاصةً كوريا الشمالية). وضع 75% من الجمهوريين الإرهاب على رأس قائمة مخاوفهم، وهي نسبة أكبر مقارنةً بنسبة الجمهوريين التي عبرت عن نفس الموقف عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كان الديمقراطيون أكثر قلقًا بشأن الأزمة المالية والتغير المناخي من الأصولية الإسلامية، لكن 49% من الديمقراطيين يرون الأخيرة تهديدًا خطيرًا أيضًا.

وتضيف المجلة أن الصحافي بيتر ويتلي لاحظ أن الديمقراطيين هم الجمهوريون الجدد، مدافعون عن انخراطٍ أكبر مع العالم، مؤيدون للعولمة والتجارة الدولية، ومتفائلون بشأن المستقبل. تظهر بيانات مجلس شيكاغو ذلك. على عكس ما قد تشير إليه مراوغة هيلاري كلينتون في ذلك الشأن، إلا أن 74% من الديمقراطيين يؤيديون الشراكة عبر الأطلسي، بل إن 56% من الذين صوتوا لصالح المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية يؤيدون الاتفاقية.

ولأن مجلس شيكاغو يوفر بيانات مرتبة زمنية، فمن الممكن رؤية أن سخط الجمهوريين تجاه العولمة بدأ عام 2008، قبل انهيار بنك ليمان براذرز الذي بدأ الأزمة المالية. رغم ذلك، ما زال 6 من بين كل 10 جمهوريين يؤيدون العولمة.

كما أن مؤيدي ترامب ليسوا خارجين عن الإجماع العام بالدرجة التي يتصورها كثيرون: يرى 40% منهم أن التجارة الدولية إيجابية بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ يعتقد 45% أن العولمة ساعدت الشركات الأمريكية؛ يقول 52% إن العولمة كانت جيدة بالنسبة إلى "المستهلكين مثلهم"؛ كما وافق 49% على أن العولمة كانت مفيدة لمستوى معيشتهم. ما يختلف فيه مؤيدو ترامب عن الأمريكيين الآخرين هو تخوفهم من أنه رغم تلك المزايا إلا أن العولمة أحدثت ضررًا إلى الوظائف والأمان الوظيفي.

الديمقراطيون في أمريكا أكثر قلقًا بشأن الأزمة المالية والتغير المناخي من الأصولية الإسلامية، لكن 49% منهم يرونها تهديدًا أيضا

اقرأ/ي أيضًا: لماذا ترامب هو مرشح الأحلام لداعش؟

علاوةً على ذلك فإن مؤيدي ترامب ليسوا خارجين عن المواقف الجمهورية التقليدية فيما يتعلق بالقوة العسكرية والتحالفات والمؤسسات الدولية. يفضل مؤيدو ترامب أكثر من بقية الأمريكيين الإبقاء على قواعد عسكرية أمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية، على الرغم من أن مرشحهم أصدر تصريحات تفيد بأن استمرار تلك العلاقات سوف يتوقف على المال. بل إن 50% من مؤيدي ترامب يرغبون في أن يكون للولايات المتحدة دورٌ مشارك في قيادة العالم ويعتقدون أن حلف الناتو ضروري، وهي أيضًا مواقف لم يكن المرشح الجمهوري داعمًا لها.

يعد الموقف بشأن الهجرة هو أكثر ما يظهر اختلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين. كان لدى الجمهوريين والديمقراطيين مستوىً متقارب من الاهتمام عام 1998، حيث كان 57% من الجمهوريين و53% من الديمقراطيين متخوفين بشأن الهجرة. لم تتغير مواقف الجمهوريين كثيرًا مقارنة بالديمقراطيين: يعتبر 68% من الجمهوريين اليوم الهجرة مشكلة تواجه الولايات المتحدة (بارتفاعٍ قدره 11%)، لكن 31% فقط من الديمقراطيين يوافقونهم، بانخفاضٍ قدره 21%. منذ أن بدأ مجلس شيكاغو في جمع البيانات المتعلقة بذلك الشأن عام 1998، كانت مخاوف الجمهوريين بشأن الهجرة عادةً في نطاق 60%، لكن الجمهوريين أصبحوا أكثر ترحيبًا بالهجرة، سواء كانت قانونية أو غير قانونية. لكن هنا يختلف مؤيدو ترامب بالفعل عن الآخرين، حيث يعتقد 80% منهم أن الأعداد الكبيرة من المهاجرين واللاجئين هي تهديدٌ خطير للولايات المتحدة.

يعتبر 68% من الجمهوريين اليوم الهجرة مشكلة تواجه الولايات المتحدة، لكن 31% فقط من الديمقراطيين يوافقونهم

من الجدير بالاهتمام أن مؤيدي ترامب هم الأقل تأثرًا بالتنوع الذي تجلبه الهجرة. تعزز مثل تلك البيانات النتائج التي توصل إليها عالم الاجتماع روبرت بوتنام في أعماله التي تدرس التسامح الديني في الولايات المتحدة: كلما تعرض الأشخاص أكثر للاختلاف، أصبحوا أكثر تسامحًا.

وتختتم المجلة بأن بيانات مجلس شيكاغو مطمئنة إلى حدٍ كبير. يظل هناك إجماعٌ واسع بين الأمريكيين على أن دورًا فعالًا في العالم هو أمرٌ إيجابي للأمن والاقتصاد الأمريكيين، وأن الحلفاء والمؤسسات التي تم بناؤها على أنقاض الدمار الذي سببته الحرب العالمية الثانية تستحق الدعم، وأن التجارة الدولية هي مكونٌ رئيسي من مكونات الازدهار الأمريكي. حيث توجد فوارق، بشأن الهجرة على سبيل المثال، فإنها نتيجة لزيادة التسامح من قِبل الجمهوريين لا لزيادة التعصب من قِبل المحافظين. من اللافت للنظر مدى اختلاف النتائج التي قد يتوصل إليها المرء نتيجة السماع لمرشحة الحزب الديمقراطي تتحدث بشأن التجارة الدولية أو مرشح الحزب الجمهوري يتحدث عن كل شيءٍ تقريبًا.

جدير بالذكر أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تقام في الثامن من نوفمبر المقبل، حيث تظهر أغلب استطلاعات الرأي تفوق مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون على منافسها دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري، خاصةً بعد نشر صحيفة واشنطن بوست الأمريكي لمقطع فيديو تم تسجيله لترامب عام 2005 اعتبر حديثه خلاله على نطاقٍ واسع غير لائق ومسيء للنساء.

ويعتبر الكثيرون الانتخابات الرئاسية الحالية استثنائية من عدة نواحي، ترجع أغلبها إلى وجود شخصٍ مثير للجدل مثل دونالد ترامب كمرشح عن أحد الحزبين الكبيرين، وهو ما دفع عدة وسائل إعلام ومؤسسات أمريكية إلى الخروج عما عرف عنها من حياد في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وإعلان تأييدها لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، أبرزها مجلة فورين بوليسي وصحيفة نيويورك تايمز.

اقرأ/ي أيضًا: 

تعرف على القوات التي ستشارك في معركة الموصل

لأول مرة..مصر وروسيا تقيمان مناورات عسكرية مشتركة