12-أغسطس-2015

سيخلق التغيير ظروف انتصار ثورة خضراء جديدة (Getty)

رغم الحضور القوي لأزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 في ذاكرة الأمريكيين السياسية، والصورة العدائية تجاه أمريكا التي خلفتها شعارات "الموت لأمريكا" و"أميركا الشيطان الأكبر"، وغيرها من الشعارات المعادية للولايات المتحدة التي رددتها جماهير نظام الخميني عبر 35 عامًا، إلا أن الأمريكيين، وخصوصاً الأجيال التي عاصرت ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أي العصر الذهبي للعلاقات الأمريكية الإيرانية، ما زالت تحتفظ بصورة أخرى عن الشعب الإيراني. الصورة التي مثلتها لسنوات السفارة الإيرانية في واشنطن، والتي اشتهرت على مدى سنوات حكم الشاه بالسهرات الخاصة الصاخبة، التي استضافت عددًا كبيرًا من الساسة الأمريكيين، بينهم رؤساء وأعضاء في الكونغرس، بالإضافة إلى كبار نجوم هوليود.

اشتهرت السفارة الإيرانية في واشنطن خلال حكم الشاه بالسهرات الخاصة الصاخبة

هي الصورة التي يستقيها الأمريكيون مما يعتبرونه الجانب "المضيء" في حكم شاه إيران، أي إيران الثقافة الغربية وجامعاتها الحديثة ومثقفيها وفنانينها المتنورين الملائمين للذائقة الأمريكية. على هذا الإرث يستند خطاب إدارة الرئيس باراك أوباما في محاولات الترويج للاتفاق النووي مع إيران. فهذا البلد الذي أدرجه الرئيس السابق جورج بوش الابن ضمن "محور الشر"، بعد هجمات أيلول/سبتمبر 2001، وعلى لوائح الإرهاب الأمريكية طوال عشرات السنين هو نفسه البلد الذي كانت تديره وكالة الاستخبارات الأمريكية من السفارة في طهران، عندما أطاحت في مطلع الخمسينيات، برئيس الحكومة الإيرانية الدستورية محمد مصدق، وأعادت الشاه إلى سدة الحكم. بعدها تحولت إيران إلى شرطي أمريكي في الشرق الأوسط، ومنافسة حقيقية لإسرائيل على الحضن الأمريكي.

في نفس الوقت يدرك الأمريكيون أن ثمة جدار سميك من عدم الثقة يحجب تلك الصورة الإيرانية المرغوبة. أنه نظام الخميني ومرشده الحاكم بأمره في طهران اليوم، علي خامنئي. ويجمع الجمهوريون والديمقراطيون في الولايات المتحدة على استحالة عودة العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى طبيعتها في ظل حكم الملالي في طهران. خطاب الجمهوريين يتبنى لغة أكثر تشددًا مع إيران، وقد لوح أكثر من مرشح من مرشحي الحزب للانتخابات الرئاسية العام المقبل بأن إلغاء الاتفاق مع طهران سيكون في صدارة الأولويات الرئاسية، عندما يصل الجمهوريون إلى البيت الابيض العام المقبل. ولا يستبعد الأكثر تشددًا منهم اللجوء سريعًا إلى الحل العسكري مع إيران لوقف برنامجها النووي ووقف تمدد نفوذها إلى الدول المجاورة.

في المقابل يسعى الرئيس باراك أوباما، رغم معارضة أقلية ديمقراطية، إلى إقرار الاتفاق النووي مع إيران. حجج ومبررات أوباما المعلنة في تصريحاته وخطاباته تؤكد أن الاتفاق مع إيران سيمنعها لعشرة سنين على الأقل من صنع قنبلة نووية، في ظل الرقابة الدولية المشددة التي ينص عليها الاتفاق. إذًا، الرهان بالنسبة لأوباما أن إيران ستتغير في السنوات العشر المقبلة ويتغير سلوكها. ويلمح ضمنيًا إلى أن رهانه الفعلي ليس في تغيير سلوك نظام حكم الملالي، بل على الشارع الإيراني الذي يريد الانفتاح على الغرب ورفع العقوبات الاقتصادية، وهذا بالتالي سيمهد لتغيير في النظام المعادي للغرب والولايات المتحدة ويخلق ظروف انتصار ثورة خضراء جديدة، تكمل ما بدأته انتفاضة عام 2009 التي نجح الحرس الثوري والرئيس أحمدي نجاد في قمعها واعتقال قيادتها، وحجبها كأنها لم تكن.


أن تقول لا فأنت عميل أمريكي!

في فيلمه الوثائقي عن المطبخ والمأكولات الإيرانية، الذي عرضته شبكة أخبار الكابل الأمريكية "سي إن إن" العام الماضي، يلقي الإعلامي الأمريكي أناتولي بوردن الضوء على نمط الحياة الاجتماعية والترفيهية في بعض أحياء مدينة طهران، ويبرز دور المرأة والشباب ونزوعهم الجامح لنمط الحياة الأمريكية ورغبتهم بتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. إلا أنه يشير في نهاية الوثائقي إلى أن عددًا من الشخصيات التي شاهدناه في فيلمه، هي  قيد الاعتقال منذ أشهر في السجون الإيرانية، بتهمة التجسس لصالح واشنطن!