04-أبريل-2024
أمثال عربية شعبية وقصتها

المثل كلام موجز يُحكى لتشبيه حال أو واقعة مماثلة (freepik)

يعرف المثل لغة بأنه شبيه الشيء، واصطلاحًا هو كلام موجز يُحكى لتشبيه حال أو واقعة مماثلة، وهو قول وموروث عربي شعبي دارج يحاكي حادثة معينة ويُستشهد به كلما حدث تكرار لها، ووفق قانون البشر يعدّ المثل دستورًا يعتمده الناس ويلجؤون إليه في العديد من مواقف حياتهم.

وتتنوع الأمثال وتختلف وفقًا للثقافات المتعددة ومتطلبات العصر الذي تحاكيه كذلك، وكما توجد أمثال عربية شعبية فصيحة هناك أيضًا أمثال شعبية كثيرة باللهجات العربية المتنوعة، وفي هذا المقال نذكر بعض الأمثال الشعبية والفصيحة مما توارثته الأجيال تباعًا حتى وصلت إلينا.

توظيف الأمثال والاستشهاد بها مغروس في ضمير البشر

أمثال عربية وقصصها

يقولون في المثل "لا دخان بلا نار" فلكل مثل حكاية وأصل، والواضح أن توظيف الأمثال والاستشهاد بها مغروس في ضمير البشر، تُسعفهم في استحضاره بديهتهم في المواقف المتعددة، ولا يتطلب الاطلاع على الأمثال ثقافة معينه، بل كان يدرج في الكلام من مواقف عفوية، يعززها تناقل المثل وجريانه على الألسن. فما قصص الأمثال التي سنذكرها يا ترى؟

  • أبصر من زرقاء اليمامة

أما المحكي عنها فهي امرأة جاهلية من أهل اليمامة (جنوب نجد)، لقبت بالزرقاء نظرًا لزرقة عينيها، وفي عينيها أصل الحكاية كلها. حيث يروى أن زرقاء اليمامة هذه كانت حدة بصرها غير مسبوقة ولا نظير لها، ويروى أنها فكانت ترى المرء من مسيرة 3 ليالٍ، وقيل عنها أيضًا أنها كانت تبصر الشعرة البيضاء في اللبن.

وكان قومها يستعينون بقوة بصرها بجعلها تحذرهم من أي جيش قادم ليغزوهم، وذات يوم أبصرت شجرًا يمشي ففطنت ببصيرتها قبل بصرها من اقتراب أجل قومها، فلما أخبرتهم لم يصدقوها، فإذا بالجيش الغازي يباغتهم في عقر دارهم متخفين بالأشجار. فهُزم قوم اليمامة واقتُلعت عينا زرقائها، وبذلك جرت حكايتها مجرى المثل حتى يومنا الحاضر، فما زالت زرقاء اليمامة مقياسًا نعبر من خلاله عن حدة بصر أحدهم فنقول "أبصر من زرقاء اليمامة".

"على نفسها جنت براقش"، لهذا المثل حكايتان!

 

  • على نفسها جنت براقش

ولهذا المثل حكايتان؛ أما الأولى فتروي أن براقش هذه كانت كلبة مطيعة لصاحبها، تفعل ما يأمرها به وما عوّدها عليه، فكانت عندما ترى ضيفًا مرحبًا به تفسح له طريقًا، وتنبح على دخيل دار صاحبها وتصمت لما يطلب منها الصمت، وتنبح توديعًا لضيوف قرية صاحبها لما يغادرون.

ذات يوم باغت القوم أعداء أرادوا الاستيلاء على القرية، فما كان من براقش إلا أن نبحت بكل قوتها لتبعد هؤلاء عن البيت، ومن أثر نباحها تراجع الأعداء قليلًا مما سمح لأهل القرية بالهرب في أرجائها بعيدًا عنهم، فلما استيأس الأعداء من العثور عليهم ظنوهم خرجوا فعادوا أدراجهم إلى حدود القرية للخروج والبحث عنهم، إلا أن براقش التي اعتادت على توديع ضيوف القرية بدأت بالنباح الشديد واستمرت على ما هي عليه حتى دلت على قوم صاحبها فقتلوا وقتلت معهم فكان المثل.

أما القصة الثانية فهي التي وردت في كتاب "مجمع الأمثال" لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني؛ حيث يقول إن براقش هذه كانت زوجة لأحد الملوك، وذات يوم استخلفها الملك عندما ارتحل عن البلدة لمدة معينة، وكان في البلدة موضع يدخنونه كإشارة لوجود خطب ما يستدعي قدوم الجنود، وفي يوم عبثت جواريها في الموضع فأثرن فيه الدخان فأتى الجنود، فأشارت الجواري على السيدة بضرورة استعمال الجنود بعد أن حضروا متعللات بأنه بغير ذلك لن يُطعنها مرة أخرى، وهكذا أمرتهم بتشييد بناء دون دارها ففعلوا، وعندما عاد الملك ورأى البناء سأل عن سببه فرويت له القصة فقال " على أهلها تجني براقش" ثم راحت مضرب المثل. ولعل الحكاية الأنسب للمثل هي قصة الكلبة لأن المثل ورد بصيغ أخرى منها (على أهلها دلت براقش) و(جنت على أهلها براقش)، والمثل يقال في حال فعل شيء صائب مردوده سيئ.

  • عاد بخفي حنين

يروى أن حُنين هذا كان صانعًا للأحذية بإحدى المدن العربية، وكان مشهورًا بإتقانه لعمله وتميزه فيه، وبينما كان يعمل في محله ذات يوم إذا بأعرابي يسأله عن أحد الأحذية لديه، وظل يفاصله بالثمن حتى ضجر منه حُنين واتفقا أخيرًا على سعر معين للحذاء، إلا أن الأعرابي لم يشتر الحذاء منه في نهاية المطاف مما جعل حنين يستشيط غضبًا ويتوعده.

وبينما خرج الأعرابي عائدًا إلى قريته تبعه حنين مع الحذاء، وسبقه من طريق مختصرة ووضع شق الحذاء في الطريق ثم اختبأ، فلما وصل الأعرابي إليه تعجب قائلًا: ما أشبه هذا الحذاء بحذاء حنين إلا أنه شق واحد لا نفع له، ومضى، حتى إذا وصل إلى شق الحذاء الثاني الذي وضعه حنين في موضع آخر من الطريق، فتحسر على تركه للأول فعاد أدراجه قليلًا ليلتقطه ويمضي وترك راحلته، فما كان من حنين إلا أن حرر الراحلة وأخذها بما عليها من هدايا وحاجيات، فلما عاد الأعرابي وجد الراحلة قد اختفت وعاد أدراجه إلى قريته جارًا وراءه أذيال الخيبة، فلما رآه قومه راجلًا سألوه عن الراحلة وما حل بها وما عاد إليهم به فقال لهم: عدت بخفي حنين، وهكذا ذهبت العبارة مضرب المثل لمن يريد أمرًا ولا يطاله.

  • وافق شن طبقة

لهذا المثل قصة عجيبة وممتعة، حيث يُروى أن شّن هذا أحد عقلاء العرب وأذكيائهم، وقد كان شابًا عازبًا يبحث عن زوجة توافقه في رجاحة العقل والذكاء، وذات يوم أراد دخول قرية غريبة عنه وكان في طريقه إليها رجل يقصد القرية نفسها، فترافقا على الطريق، وبينما هما في صمت سأل شن الرجل: أتحملني أم أحملك؟ فاستهجن الرجل قول شن واستنكر عليه ذلك بما أنهما راكبان أصلًا، فلما مرا بزرع لم يُحصد بعد سأل شن مرة أخرى: أتراه أُكل هذا الزرع أم لم يؤكل؟ فاستنكر عليه الرجل القول مرة أخرى واتهمه بالجهل، وبينما هما في مدخل القرية رأيا جنازة فسأل شن: أتراه مات صاحب النعش أم لم يمت؟ فلم يجبه الرجل لأنه استكفى من حماقته.

وعلى عادة العرب مع عابري السبيل ألح الرجل على شن أن يضيفه في بيته، فذهب معه، وكان للرجل ابنة اسمها طبقة وكانت راجحة العقل سريعة البديهة حادة الذكاء، فقص عليها أبوها ما دار بينه وبين شن يشكو لها غباءه، فأنكرت عليه قوله وأخبرته أن لأسئلته معنى مستترًا يدل على ذكاء صاحبها؛ فأما السؤال الأول أتحملني أم أحملك؟ أراد به أتحدثني أم أحدثك حتى لا نمل أثناء رحلتنا، وأما الثاني عن الزرع فهو تساؤل يعني هل تراهم أصحاب هذا الزرع تصرفوا به قبل حصاده أم لا، وأما الثالث عن صاحب النعش فأراد به أتراه ترك أولادًا بعده يحيون نسله أم لا، فلما عرف أبوها الإجابات عاد لشن وأخبره بها مدعيًا معرفته إياها إلا أن شن لم يصدقه، فأخبره عن ابنته طبقة فأعجب شن بذكائها وخطبها من أبيها، فلما عُرفت قصتهما قال فيهما الناس "وافق شن طبقة"، وذهبت مضرب المثل في التوافق بين اثنين.

  • رب رمية من غير رام

وتعود قصة هذا المثل إلى الحكم بن يغوث المنقري أحد أبرز الرماة في أيام الجاهلية، كان يعرف برجاحة قوسه وإصابة الهدف، فخرج يومًا إلى الصيد إلا أنه أخطأ كل ظبية رماها فعاد ذلك اليوم إلى بيته كئيبًا، فلما كان الصباح خرج إلى الصيد من جديد بغية تعويض خسارته في اليوم السابق، وخرج معه ابنه، أما الحكم فرمى العديد من الظباء فلم يصب أيًا منها فطلب ولده منه أن يعطيه سهمًا وقوسًا لعله يصطاد ظبية به، فاستهزأ به الحكم قائلًا: أتصيب أنت ما عجزت أنا عنه؟ وأعطاه القوس فرمى ابنه الظبية وأصابها فقال أبوه " رب رمية من غير رام "، وجرى المثل على كل من ينال أمرًا دون مؤهلات أو خبرات تمكنه منه إلا قدرًا رتب له بعلم الغيب.

 

كانت هذه أبرز 5 أمثال درجت على لسان العرب منذ زمن بعيد، وما زالت متوارثة حتى اللحظة، وما زال هناك العديد من الأمثال الأخرى التي تعكس في مدلولاتها قصصًا وحكايات مشوقة تحمل في طياتها عبرًا وحكمة، والتي ذكر بعضها في القصائد التي تعد من عيون الشعر العربي في العصر الجاهلي.