21-ديسمبر-2017

تصميم بنان شكارنة

تفيد معاجم المعاني في إيجاد لفظ لمعنى، وهي فائدة كبرى يحتاجها الجميع، خصوصًا الكتّاب والمترجمون. مرّت هذه المعاجم بثلاث مراحل، مشابهة تقريبًا للمراحل التي مرّت بها معاجم الألفاظ. الأولى كانت مرحلة تأليف الرسائل القصيرة التي يستقل كل منها بألفاظ معنى أو جنس، من النبات أو الحيوان، مثل "كتاب المطر" لأبي زيد الأنصاري، و"كتاب النخل" و"كتاب الخيل" للأصمعي. والمرحلة الثانية شهدت تأليف كتب أوسع حجمًا، لكنها لا تبلغ درجة المعاجم في شمولها، ومن أبرز النماذج "كتاب الألفاظ" لابن السكّيت، الذي يعد أول كتاب في هذا الموضوع. أما المرحلة الثالثة فشهدت ولادة معاجم معانٍ تحقّق الشمول والترتيب، والكتب الآتية من أبرز الإنجازات اللغوية في هذا المجال.


1. فقه اللغة

"فقه اللغة" من تأليف الثعالبي. كتاب استقاه من كتب أئمة اللغة كالفراهيدي والكسائي والفرّاء وأبي زيد.

مؤلفه هو أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري الثعالبي. عاش أكثر من ثمانين عامًا، قضى معظمها في دراسة الآداب والعلوم ونظم الشعر وإنشاء النثر. يقال إن نسبته إلى الثعالب ترجع إلى خياطة جلودها، أي لأنه كان فرّاءً.

قال فيه ابن بسام صاحب كتاب الذخيرة: "كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النظم، ورأس المؤلفين في زمانه، وإمام المصنفين بحكم قرانه، وسار ذكره سير المثل، وضربت إليه الإبل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب، طلوع النجم في الغياهب".

قسم الثعالبي كتابه إلى ثلاثين بابًا كبيرًا، كل منها يتناول معنى من المعاني الأساسية، وكل باب مقسوم بدوره إلى عدد من الفصول الصغيرة، يجمع كلٌّ منها الألفاظ المستعملة في التعبير عن فرع من فروع المعنى الأصلي.

فعلى سبيل المثال، يقوم الباب العشرون على موضوعة الأصوات وحكايتها، ويضم ثلاثين فصلًا، ينطوي كلٌّ منها على الألفاظ المستعملة في التعبير عن نوع معين من الأصوات، كالأصوات الخفيفة، والأصوات الشديدة، وأصوات النائم، وأصوات الخيل... إلخ.

فقه اللغة

2. المخصّص

"المخصّص" الذي يعد أضخم معجم للمعاني تعرفه المكتبة العربية، ألّفه ابن سيّده الأندلسي، وقد جمع فيه كل ما أُلّف قبله من رسائل ومعاجم.

عُرف صاحب الكتاب بابن سيّده وتضاربت الأقوال في اسم ابيه، فنجد ياقوت الحموي يسميه "علي بن أحمد"، بينما يثول ابن بشكوال "علي بن اسماعيل"، أما صاعد الجياني فيقول "علي بن محمد". ورغم الاختلاف على اسمه إلا أن هناك إجماعًا على أصله الأندلسي. عاش طفولته في زمن الخلافة الشكلية لهشام الثاني، والحكم الفعلي للعامريين، وتحديدًا في زمن عبد الملك المظفر الذي تولى مقاليد الأمور في الأندلس بعد وفاة والده محمد بن أبي عامر. تتلمذ على يد أبيه، ثم قصد قرطبة ودرس على يد أبي العلاء صاعد بن الحسن البغدادي.

كان ابن سيده ضرير البصر، واشتهر بذلك حتى لُقب بابن سيّده الأعمى. ومما يرويه عنه أبو عمر الطلمنكي: "دخلت مرسية فتشبث بي أهلها ليسمعوا على غريب المصنف، فقلت انظروا من يقرأ لكم، وأمسك أنا كتابي، فأتوني بإنسان أعمى يعرف بابن سيّده فقرأه على كله، فعجبت من حفظه".

يمتاز "المخصّص" بتقسيمه الذي يحمل العناوين الآتية: خلق الإنسان، الغرائز، النساء، اللباس، الطعام، الأمراض، المنازل، السلاح، الخيل... إلخ. وكل قسم من هذه الأقسام مقسّم إلى أبواب بعدد ما يحتمله المعنى الأصلي.

أشار ابن سيّده في مقدمته إلى تنظيم الأبواب: "فأما فضائل هذا الكتاب من قبل كيفية وضعه، فمنها تقديم الأعم فالأعم على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليات قبل الجزئيات، والابتداء بالجواهر والتقفية بالأعراض على ما يستحقه من التقديم والتأخير، وتقديمنا كم على كيف وشدة المحافظة على التقييد والتحليل".

المخصص

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الوراقين: معاجم الألفاظ

ركن الورّاقين (9): مدونة القدس