25-مايو-2017

خطاب لحسن نصر الله في ذكرى 25 أيار (محمود زيات/ أ.ف.ب)

لم يُعرف للمقاومة الإسلامية في لبنان وجه سياسي صريح و"بحت"، يستدعي المعارضة، بعد أن كانت قد شهدت حالة شعبية ورسمية من "الموالاة"، إلا في العام الخامس من العقد الماضي.

وكانت وجهة السلاح الذي يلتف حوله الشعب اللبناني في دعمه لمقاتلة الاحتلال الإسرائيلي، تتخذ بعدًا وطنيًا وقوميًا عربيًا، وإن كانت نشأة حزب الله إيرانية، عام 1982، فإجرام الاحتلال الإسرائيلي ترك بصماته في القرى الجنوبية، وصولًا في اجتياحه إلى العاصمة، لذا كانت المقاومة الإسلامية في أذهان اللبنانيين، تمثل حقًا مشروعًا للدفاع عن النفس، يَنذر أبناء الجنوب أنفسهم لضمانه عبر المرابطة على الحدود لصدّ العدوان وحماية الأرض والعرض.

الانتكاسة 

بعيدًا عن الأخذ والرد السياسيين، حافظت المقاومة على وهج انتصارها  لسنوات ما بعد التحرير. لكن تسليم ملف مزارع شبعا للنظام السوري للمساومة به بالضغط سياسيًا ودبلوماسيًا ضد إسرائيل، فضلاً عن استخدام حزب الله المزارع شعارًا في التهديد والوعيد، الذي بلغ ما بعد حيفا، دون أن يُرمى حجرٌ واحدٌ على العدو في تلك الأراضي بهدف استرجاعها. بدأت في ذلك الحين تظهر مؤشرات ملموسة لانتكاسة حقيقية في العلاقة ما بين المقاومة وبيئتها التي لم تقتصر وقتها على الطائفة الشيعية، بل امتدت على مساحات شاسعة من الأراضي اللبنانية.

تحولت النظرة إلى حزب الله بعد تسليم ملف مزارع شبعا إلى النظام السوري، فبدأت تظهر مؤشرات انتكاسة في العلاقة بينه وبين بيئته

هذه المؤشرات تبلورت تباعًا مع بدء ظهور حراك لبناني ضد الوجود السوري في لبنان، والذي لم يبخل على المواطنين خلال عقود خلت بأبشع ممارسات التنكيل والتعذيب، حتى أن منهم من لقي حتفه تحت الاعتقال، ونقل بعضهم إلى سجون النظام في سوريا، والبعض الآخر اختفى تمامًا ولم يُعرف عنه خبر حتى الساعة.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة "حزب الله" - الأسد.. لبنان الجحيم

وقبل أن يعلو الصوت محليًا ضد سلاح حزب الله الموالي للنظام السوري، كانت قد بدأت التحضيرات لصدور قرار "1559" الدولي، الذي لم ينص على الانسحاب السوري من لبنان فحسب، بل على نزع سلاح حزب الله وجميع الميليشيات أيضًا، وقد لعب لبنانيون في الخارج دورًا مساعدًا في الدفع باتجاه صدور هذا القرار. وواكبه تململ "خجول" نسبيًا في القول "لا لحزب الله" داخليًا.

القطيعة  

في العلاقة اللبنانية مع المقاومة، لم يكن ما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري كما قبله. فالانتفاضة الشعبية التي أثارها مقتل الحريري ووجهت مباشرةً أصابع الاتهام إلى النظام السوري في ما حصل؛ بادر حزب الله إلى معاداتها، بالمسارعة إلى النزول للشارع لشكر سوريا في 8 آذار/مارس عام 2005، ليأتي الرد في 14 آذار/مارس بتظاهرة مليونية تطالب بانسحاب الجيش السوري الذي امتثل للأمر تحت وقع التظاهرات، وذلك في 26 نيسان/أبريل من نفس العام. 

لكن العتب على فعلة حزب الله سرعان ما تحوّل إلى خصومة، بانقسام اللبنانيين إلى معسكرين، الأول معسكر "8 آذار" الموالي لسوريا، والثاني "14 آذار" المناهض لها، والذي ظلّ ينزف قادته باغتيال الواحد تلو الآخر، ما أدى إلى تصاعد النقمة على "حزب الله" السياسي والعسكري، بعد أن أصبحت المقاومة "في خبر كان"، ليس في الوجدان الشعبي فحسب، بل على أرض الواقع أيضًا.

من آثار الدمار الذي خلفته حرب تموز/يوليو في لبنان (سبنسر بلات/ Getty)
من آثار الدمار الذي خلفته حرب تموز/يوليو في لبنان (سبنسر بلات/ Getty)

"سقوط القناع"

في عام 2008 أسقط حزب الله مقاومته بشرّ أعماله، فبعد أن أدخلها في بازار قوته السياسية ليدعّم مواقفه بكفة الميزان الراجحة بالقوة العسكرية، نزل رجاله إلى بيروت بعتادهم ليرهبوا المدنيين في معرض ردّهم على صدور قراريْن من مجلس الوزراء اللبناني بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بـ"حزب الله"، وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير.

اتجهوا كذلك صوب الجبل، فوقعت اشتباكات مع الأهالي الذين تجنّدوا لحماية مناطقهم من "اجتياح" الحزب، فسقط قتلى من الطرفين في معارك وُصفت بالأعنف في فترة ما بعد الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، وسُميت تلك الوقائع بأحداث 7 أيار/مايو. وتوسعت في أعقابها رقعة النقمة على حزب الله، فباتت مقاومته في نظر ما يزيد عن نصف اللبنانيين "ميليشيا" أدارت سلاحها إلى الداخل لتقتل اللبنانيين، الأمر الذي أذكاه صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية، الذي وجه الاتهام لخمسة من عناصر حزب الله بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري.

ضياع البوصلة

لم تكن أحداث 7 أيار/مايو المحطة الأخيرة في "مفاجأة" ضياع بوصلة سلاح "حزب الله". بل كانت فعليًا أوّل الغيث الذي سيهطل على اللبنانيين والعرب رصاصًا وقذائف. صحيح أن لبنان لم يشهد أي أحداث مشابهة لـ"غزوة" الحزب لعدد من مدنه وقراه في السابع من أيار/مايو، إلا أن ظاهرة السلاح غير الشرعي تتمدد فيه وتتسع برعاية الحزب وتبريره، حتى بات الموت خبرًا يوميًا برصاص متعمّد هنا وطائش هناك.

أما إقليميًا فقد كانت المصيبة أعظم، مع تنفيذ حزب الله الأجندة الإيرانية التي تهدف إلى ضرب عمق الأمن العربي عبر تدخله بالتحريض حينًا وبالقتال حينًا آخر في عدد من الدول العربية. فبالإضافة إلى تدخله بالسياسة البحرينية، تم كشف "خلية إرهابية" مرتبطة به في الكويت، وهو يدعم المتمردين الحوثيين في حربهم في اليمن، حيث اتهمت حكومة عبد ربه منصور هادي اليمنية، حزب الله بتدريب المسلحين الحوثيين والقتال إلى جانبهم، والتخطيط لهجمات من اليمن على السعودية.

تحوّل حزب الله إلى آلة قتل، في لبنان ببطشه وتهديده بالسلاح، وفي الدول العربية بخوض حروبًا باسم إيران

أما الفضيحة الموثّقة بالصوت والصورة والدم المهدور، ففي سوريا مع انتقال قوافل الحزب يوميًا إلى الأراضي السورية لقتال الشعب السوري الثائر ضد نظام بشار الأسد.

بيئة الحزب تتذمر

لا أعداد دقيقة لقتلى حزب الله في سوريا، والبيئة الداعمة التي ضاقت حتى اقتصرت على المناطق الشيعية، باتت تئن ويخرج منها بين الحين والآخر من يعترض من مؤيدي حزب الله، لكن سرعان ما يتم ترقيع الأمر، فيستمر الاستنزاف بإرسال الشباب الشيعي تحت شعارات الجهاد والفتاوى الدينية إلى مهلكة الحرب التي تلتهم المزيد، في حين تتوسع البيئة المعارضة للحزب من خارجه، لا سيما وسط فضائح "الكبتاغون" والفساد، وإثراء القادة فيما يزداد أبناء الجنوب والبقاع والضاحية فقرًا وحرمانًا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يمول حزب الله عملياته عبر تجارة المخدرات؟

اليوم تقفل المدارس والجامعات والإدرات الرسمية ومعظم المؤسسات في لبنان أبوابها بمناسبة "عيد المقاومة والتحرير"، الذي كُرّس منذ 17 عامًا في 25 أيار/مايو، أي يوم انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب.

اللبنانيون الذين تكثر مناسبات العطل في رزنامتهم السنوية احتفالًا بالأعياد الدينية والوطنية، لا يتذمّرون من عيد إضافي على الإطلاق، لا سيّما وأنه سيكون إجازةً مدفوعة يقضونها بين الأهل والأصدقاء. لكن ماذا يقولون في عيدٍ هو "للمقاومة والتحرير"؟ غالبًا لا يقولون شيئًا ومعظمهم سيتذكر المناسبة عند سماع العيارات النارية تهليلًا لظهور أمين عام حزب الله حسن نصرالله على الشاشة، والذي سيلقي بالمناسبة خطابًا آخر يتحدث فيه بالسياسة والميدان عن انتصار تحقق برأيه هنا وآخر يقترب هناك، في حربه ضد اللبنانيين والعرب مؤخرًا وليس إسرائيل منذ سنوات!

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أبريل الدم في لبنان".. هل يستجلب حزب الله عدوانًا إسرائيليًا آخر؟

هكذا أنقذت السعودية حسن نصر الله