31-يوليو-2016

العاهل السعودي الملك عبد الله مرحبًا بالرئيس السوري بشار الأسد لدى وصوله إلى الرياض فى مارس 2009 وكان ذلك بعد سنوات من العلاقات المتوترة بين البلدين Photo credit should read -/AFP/Getty Images

المترفع عن سجالات السعودية وحزب الله، والمدرك أن كليهما متورط بما لا يُبقي مجالًا للمنافسة الأخلاقية، يضحك كثيرًا عند مشاهدة خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني قبل أيام، والذي تحول فجأة بقدرة قادر، من سيد المقاومة إلى سيد الليبرالية العلمانية والديمقراطية الأول.

السعودية وحزب الله متحالفان رغم صراعهما، متحالفان على الدم السوريّ، وعلى إسقاط ثورته

هكذا تنتج التقاطعات العجائبية بين الشيوعيين وحزب الله والشيعة وبعض الليبراليين، خطابًا هجينًا يستند إلى مرجعيات أكثر تناقضًا. وهكذا يصف نصر الله الخلل الفقهي ويستخدم مصطلح الإرهاب كأنه أول من ابتكره، وكأن تاريخ لبنان لا يشهد على تورطه بجرائم لا تقل بشاعة، حتى لو تناسى حلفاؤه ذلك، وقفزوا عن دماء ضحاياهم.

دماء الفرنسيين والألمان التي اتهم حسن نصر الله السعودية من خلالها، بدون النقاش عن مسببها، وعن دور السعودية في دعمه، ليست أغلى من دماء عشرات آلاف السوريين التي يتغنى سيد المقاومة بإراقتها في الخطاب نفسه! فانتصاركم في حلب يا سيدي وسيد المقاومة ليس إسقاطًا لرغبات السعودية وخلفها الاستعمار بالتمدد كما تقول، بقدر ما كان إسقاطًا لجثث وضحايا، لكن نظركم البعيد المشهود له لا يدرك الأشياء القريبة والمباشرة مثل هذه على ما يبدو.

اقرأ/ي أيضًا: 10 سنوات على "حرب تموز"..من كان في العاشرة؟

هكذا يتحدث نصر الله عن غياب الديمقراطية في السعودية، وكأنه يدافع عن نظام في سوريا يتبدل فيه الرئيس كل أربع سنوات، وعن العائلة الحاكمة في السعودية، وكأن سوريا لم تحكم من عائلة واحدة عشرات السنين.

وبنفس الطريقة يسخر السيد الشيخ من وعود السعودية لروسيا، فيسخر منا جميعنا، وكأنه لا يقاتل بتغطية من سلاح الجو الروسي. المذهب الذي يذهب إليه حزب الله ومناصرو النظام السوري اليوم لا يختلف أبدًا عن مذهب النظام السعودي نفسه، فإذا كان النظام الملكي المستبد يطالب بالديمقراطية السورية -من دون أن يخوله أي ممثل عن الشعب أو الثورة بذلك طبعًا- ويطالب بالتحول الديمقراطي للسلطة، وما زالت عائلة حاكمة تسيطر على التاريخ والحاضر السعودي. فإن حلفاء النظام السوري يمارسون النسخة العكسية بالضبط لهذه اللعبة، فملك آل سعود، يوازيه "رئيس" آل الأسد، والخطاب الوهابي الذي يساجله الأمين العام يماثله خطاب شيعي طائفي، والنسخة نفسها مشتركة، في خطابين متطابقين وإن لم يعتبر أولو الألباب الواسعة، الذين يجدون في القضية السورية قضية أكثر تركيبًا وتعقيدًا.

ملك آل سعود، يوازيه "رئيس" آل الأسد، والخطاب الوهابي الذي يساجله الأمين العام يماثله خطاب شيعي طائفي

اقرأ/ي أيضًا: معركة حلب.. رهان حزب الله الأخير

الأهم أن أول ما تظهره هذه المعركة الأخلاقية، التي لا أخلاق فيها بطبيعة الحال والمتنافسين، أن السعودية وحزب الله متحالفان رغم صراعهما، متحالفان على الدم السوريّ، وعلى إسقاط ثورته. فالصراع وتصفية الحسابات الخاصة والإقليمية إذا أراد السيد الأمين وصفها كذلك، من خلال دماء وجثث الأطفال، وعلى جسد الشعب السوري، هي بالأساس وقوف مشترك ضد الشعب والثورة في سوريا، واستخفاف بمواجع الناس وموتهم وتهجيرهم، وبمطالبهم العادلة من أجل صراعات لا تعنيهم.

الأهم أن حزب الله وحلفاءه وجدوا في السعودية مبررهم الإضافي للقتل والإبادة. فصارت السعودية المعادل الموضوعي للثورة السورية في أذهان النظام وجماعاته، وصارت المعركة تصور، وكأن حزب الله يقاتل آل سعود في حلب وفي مدن سورية أخرى.

هكذا أنقذت السعودية نصر الله وجماعاته ومناصريه، بمناصرتها المشبوهة للثورة، وبدعمها للمجموعات الدينية المتطرفة، التي شوهت مسار الثورة، لكنها لم ولن تستطيع تغييره. فما يجري اليوم في سوريا، يرسل رسالة مشتركة لآل الأسد ولآل سعود ومناصريهم ومنظريهم، أن مناصري الاستبداد لا يقاتلون آل سعود، ولا أمريكا ولا الاستعمار إلا في أذهانهم وفي خطاباتهم، وأن من يقتل في حلب وغيرها ليست مصالح السعودية ولا أمريكا الاستراتيجية، بقدر ما هو الشعب السوري نفسه، والصورة أكثر وضوحا من تأويلها.

اقرأ/ي أيضًا:

التحالف العسكري الإسلامي.. هزل أم جد؟

لبنان الوحيد.. لبنان العنيد

السّعودية ولبنان...قطع مساعداتٍ أم أرزاق