24-نوفمبر-2017

الإبادات التي تعرض لها الأمريكيون الأصليون يؤكد على أن الولايات المتحدة لم تكن دولة "عظيمة" أبدًا (Getty)

وعد ترامب بأن يجعل من الولايات المتحدة "دولة عظيمة مرة أُخرى". هذا الوعد من ترامب، وفي سياق سياساته العنصرية المتطرفة، يطرح سؤالًا مُلحًا وهامًا، وهو: "هل كانت الولايات المتحدة دولةً عظيمة في أي وقت من الأوقات؟". موقع "Socialist Worker" يُجيب على هذا التساؤل بالتفنيد والمقارنات بين التاريخ والحاضر، في مقال ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


عاد من جديد ذلك الوقت من العام حيث يجتمع الناس مع عوائلهم لقضاء عطلة عيد الشكر سويًا. وهذا العام أكثر من غيره، سوف يكون هناك الكثير من محادثات العشاء غير المريح، حول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب.

تتنافى أسطورة عيد الشكر مع الواقع، فتزعم تواؤم الأمريكيين المهاجرين مع الأصليين، لكن الحقيقة أن المهاجرين أبادوا السكان الأصليين

ترشح ترامب للرئاسة مع وعد بأن يجعل أمريكا "بلدًا عظيمًا مرة أُخرى"، ما يطرح سؤالًا هامًا أثاره دائمًا عيد الشكر، عن التاريخ الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية: هل كانت أمريكا في يوم من الأيام بدلًا عظيمًا بالفعل؟

القصة المدرسية المعتادة عن عيد الشكر تُذكر بالاحتفال المشترك بين الأمريكيين المهاجرين والأمريكيين الأصليين في عام 1621. ووفقًا للأسطورة، فإن إحدى قبائل الأمريكيين الأصليين، كانت قد رحبت بمجموعة من الأوروبيين الفارين من الاضطهاد الديني في أوروبا ذلك الوقت، وعلمتهم كيف يتغلبون على مصاعب الحياة الجديدة، كي يستطيعوا البقاء على قيد الحياة. وبعد أن استطاع القادمون الجدد النجاة من الموت والبقاء أحياءً حتى فصل الشتاء الأول، تجمع كلًا من الأمريكيين المهاجرين والأصليين، على وليمة لتقديم الشكر.

ولكن بطبيعة الحال، فإن الموجات اللاحقة من المستوطنين الأوروبيين قدمت الشكر في وقتٍ لاحق عن طريق ذبح السكان الأصليين الذين اعترضوا طريقهم! وعندما تمرد المستوطنون ضد سيطرة إنجلترا، قاموا بإنشاء دولة جديدة انتشرت في نهاية المطاف في جميع أنحاء قارة أمريكا الشمالية، وطردوا السكان الأصليين الذين وجدوهم هناك.

وهكذا، يأتي العديد من الأمريكيين الأصليين إلى بليموث وماساتشوستس، في كل عام للاحتفال بالعطلة، لكن بالحداد على أولئك الذين أُبيدوا بسبب الاستيطان الأوروبي. 

والآن، ومع بداية عصر ترامب، فإن السؤال المخيف الذي يدور في عقول كثير من الناس اليوم هو: من سيعاني هذه المرة لكي تصبح أمريكا بلدًا عظيمًا مرةً أخرى؟ يُذكرنا عيد الشكر بأن الولايات المتحدة لديها تاريخ دموي من القمع، ولكننا نعرف أيضًا أن المعاناة والعنف لا يزالان مستمران حتى يومنا هذا.

ولكن هناك جانب آخر لتاريخ أمريكا وهو: المقاومة. هناك عدد أقل من الناس -وإن كانوا مدعومين بعددٍ أكبر بكثير في جميع أنحاء البلاد- سوف يقضون عيد الشكر والأيام التي تليه في الاحتفال بذلك الجزء من التاريخ، عندما سافروا إلى "ستاندينغ روك" في ولاية داكوتا الشمالية، للمشاركة في النضال من أجل الدفاع عن حقوق السكان الأصليين ووقف مد خط أنابيب داكوتا (دي إيه بي إل - DAPL).

ووصلت هذه الوفود في لحظة حاسمة، إذ كان بُناة خط الأنابيب، بقيادة شركة نقل الطاقة "إي تي بي - ETP"،  يحاولون سحق الاحتجاجات التي وقفت في طريقهم طوال العام، حتى يستطيعون الانتهاء من البناء قبل الموعد المحدد والذي كان بداية فصل الشتاء.

وفي تصاعدٍ فجّ لأحداث العنف، تحركت قوات الشرطة وعناصر أمن الشركة في العشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016، ضد مجموعة المتظاهرين السلميين في محاولة لتطهير أحد الجسور العامة، وقاموا بإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع، وتفريق المتظاهرين باستخدام خراطيم المياه الخاصة بقوات المطافي، على الرغم من درجات الحرارة المنخفضة في ذلك الوقت. وأُصيب أكثر من 100 شخص في هجوم الشرطة، بعضهم كانت إصاباتهم خطيرة.

إن النضال في ستاندينغ روك، هو تذكير بأن هذا الانتهاك الاستعماري، ونقض المعاهدات مع الشعوب الأصلية التي سكنت أمريكا لا يزال قائمًا. وقد أثار مشروع خط أنابيب داكوتا (دي إيه بي إل) مستوىً تاريخيًا من مقاومة السكان الأصليين في محمية ستاندينغ روك الهندية، للاحتجاج على مشروع يمكن أن يتسبب في تسميم المياه للشعوب الأصلية هناك، بل والكثير غيرهم، وتدمير أراضيهم المقدسة.

في حين أن الولايات المتحدة تأسست على المهاجرين من أوروبا، اليوم يُحارب ترامب المهاجرين واللاجئين

وقد سافر الآلاف من السكان الأصليين وغير الأصليين، إلى ستاندينغ روك للوقوف ضد مد خط الأنابيب إلى داكوتا، وانتشرت موجة متزايدة من الاحتجاجات التضامنية والإجراءات في جميع أنحاء البلاد.

وكان رد السلطات في ولاية داكوتا الشمالية على الصعيد العام، متماشيًا إلى حدٍ كبير مع التاريخ. فقد اعتقلت شرطة مقاطعة مورتون، أكثر من 400 شخص للاحتجاج ضد خط الأنابيب، وأنكر معظم القضاة الاتحاديين الحقوق القانونية للمتظاهرين ضد مد خط الأنابيب إلى داكوتا.

هناك شيء آخر يجب أن نتذكره عن عيد الشكر، وهو أمر يقف أمام العالم كله في تناقض صارخ لمواقف دونالد ترامب. لقد فرّ أولئك المهاجرون من إنجلترا بحثًا عن حياةٍ أفضل لا يتعرضون فيها للاضطهاد بسبب معتقداتهم الدينية. وهناك استقبل السكان الأصليون هؤلاء اللاجئين الأوائل ووفروا لهم الحماية في نيوإنغلاند.

ولكن بالنسبة لترامب، يُشكِّل اللاجئون تهديدًا كبيرًا له. ومنذ بداية حملته الرئاسية، وهو يستخدم القوالب النمطية العنصرية وكراهية الأجانب بخاصةٍ الأشخاص الفارين من سوريا والدول الأخرى التي مزقتها الحروب. وقد وعد ترامب بمنع المسلمين على وجه الخصوص من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، مدعيًا أن ذلك سيحمي الولايات المتحدة من الإرهاب، وقد فعل ذلك بالفعل بمنع مواطني سبع دول من دخول الولايات المتحدة!

لقد قفز الحكام الجمهوريون على نفس الموجة في العام الماضي وأعلنوا أنهم يرفضون السماح للاجئين بالدخول إلى ولاياتهم، رغم أنهم لا يملكون أي سلطة قانونية للقيام بذلك. وعلى الرغم من أن باراك أوباما والديمقراطيين قد دعموا بشدة قبول اللاجئين، إلا أن الولايات المتحدة قد قبلت عددًا قليلًا جدًا من اللاجئين السوريين، إذ لا يتعدى عدد اللاجئين الذين قُبلوا الـ 10,000 لاجئ.

تم تعزيز التناقض في أسطورة تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية خلال حملة ترامب. من ناحية أنه ادعى أن أمريكا كانت بلدًا عظيمًا، مكرسةً للحرية والفرص. ومن ناحيةٍ أخرى، إثارة الخطاب المفعم بالكراهية حول اللاجئين الذين اعتبرهم إرهابيون والمهاجرين المكسيكيين الذين وصفهم بأنهم مغتصبون. المرشح الذي ادعى أنه سوف يساعد الناس العاديين أخذ 100 ألف دولار تبرعات من كبار المسؤولين التنفيذيين من نفس شركة نقل الطاقة "إي تي بي"، وهي الشركة التي قامت ببناء خط الأنابيب على أرض لاكوتا.

في عيد الشكر هذا، يجب أن نفكر في هذا التاريخ ونعترف بأن أمريكا لم تكن يومًا من الأيام عظيمة بالطريقة التي يعنيها ترامب.

تاريخ الولايات المتحدة لديه الكثير من القواسم المشتركة مع الأجندة الرجعية التي يعمل بمقتضاها ترامب. إنها الدموية والعنف، إنه التهميش والتضحية بالمهاجرين واللاجئين، سواء كانوا إيطاليين أو ايرلنديين أو مكسيكيين أو سوريين أو صينيين. لقد قِيل لنا إن هذه هي "أرض الأحرار"، ولكن هذا البلد قد بُنِي على أرضٍ مسروقة من السكان الأصليين ومن خلال كدّ وعرق الملايين من العبيد.

يمتلك تاريخ أمريكا العديد من القواسم المشتركة مع رجعية وتطرف دونالد ترامب، من جهة الدموية والعنف والتضحية بالمهاجرين واللاجئين

وبينما يواصل ترامب ملء إدارته بمسؤولين من اليمين المتعصب واحدًا تلو الآخر، فإن الأمر أصبح أكثر وضوحًا من أي وقت مضى من هؤلاء الذين يريد ترامب أن "يجعل أمريكا دولة عظيمة مرة أخرى" من أجلهم، وما هي الطريقة التي ينوي بها تنفيذ ذلك، إلا أن يكون لنا قول آخر في هذا الشأن.