18-مايو-2017

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (مارك هوفمان/ Getty)

نشرت مجلة "لإيكونوميست الأسبوعية الأمريكية، مقالًا تحت عنوان رئيسي "طهي سياسة اقتصادية" وفرعي "استراتيجية ترامب الاقتصادية غير المتماسكة"، وصفت فيه كل ما قد يخطط له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاقتصاد الأمريكي، نعرض لكم هنا أبرز ما جاء فيه وفي غيره في سياق تراجع أمريكا في ظل حكم ترامب.

ما كان في الخطة

بدا اهتمام ترامب بالتفاصيل المتعلقة بالترتيبات التجارية معدومًا، فهو عندما يتحدث مثلًا عن اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، يعزي العيوب المتعلقة بالاتفاق إلى أن المسؤولين الأمريكيين في لجنة التحكيم المسؤولة عن الاتفاق، والمكونة من خمسة أعضاء؛ يُمثّلون أقلّية، فيقول: "إن القضاة الكنديين في اللجنة ثلاثة، والأمريكيون خمسة، وهكذا نحن نخسر"!

في حين وعد ترامب بمعدل نمو سنوي قدره 5%، تبنت إدارته هدفًا أكثر تواضعًا وهو 3% فقط

وفي سياق آخر وعد ترامب بمعدل نمو سنوي قدره 5%، بينما تبنت إدراته هدفًا أكثرتواضعًا وهو 3% فقط، ما يجعل طموحه للعبث في اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية يبدو غير مجدِ، ومع العلم بأن أي مراجعة لاتفاق التجارة الحرة الذي قام من الأساس لتقوية الصلة التجارة بدولة مثل المكسيك، سيضعف نمو الاقتصاد الأمريكي، وهي مفاجأة للزهو الاقتصادي الذي لطالما تغنت به الحملة الاقتصادية للترامب.

اقرأ/ي أيضًا: انتصار ترامب.. صفعة في وجه العقلانية السياسية

وبالنسبة لقانون الضرائب، فإن الولايات المتحدة لديها أكثر قوانين الضرائب تعقيدًا، للدرجة التي تجعلها بحاجة إلى أكثر من مليون موظف من واضعي الضرائب، وهو ما يساوي قطاعي الشرطة ورجال الإطفال مجتمعين. وكان ترامب قد تعهد بجعل قطاع الضرائب "أكثر عقلانية" عن طريق تخفيض معدلات ضرائب الدخل، وتخفيض معدلات الضريبة على الشركات إلى 15%.

أما العنصر الذي يشترك فيه مع عموم الجمهوريين، هو الاستثمار في البنية التحتية، فقد وعد ترامب ومستشاريه بميزانية إنشاء لن تقل عن 550 مليون دولار لأي جسر أو طريق أو مطار أو ميناء، وذلك "لتكون البنية التحتية الأمريكية مثار حسد العالم".

لكن المشكلة الحقيقية التي سيواجهها ترامب، هي حاجته للديمقراطيين لتسيير مشاريعه الطموحة في الضرائب والبنية التحتية، ورغم ذلك إلا أنه لا يفوّت الفرصة للتعريض بخصومه، والفتك بهم.

ما خرج عن السيطرة

التعبير الأمثل عما انتهجه ترامب اقتصاديًا منذ توليه السلطة، هي أن رؤيته للاقتصاد مثل رؤية الاقتصاديين القوميين، وهي أنه تاجر حر، شرط أن تكون القواعد الاقتصادية عادلة، وأن وجهة نظره هذه تشبه وجهة نظر القوميين الاقتصاديين الذين يرون أن التجارة عادلة طالما كانت في الداخل، أما الاستثمار في السوق الخارجية فهو غير عادل، واضعًا مقياسًا لعدالة الصفقات التجارية أيضًا "مدى العجز التجاري".

الأزمة أنه من المحتمل أن نُؤدي خطط ترامب لتعزيز الاستثمار المحلي إلى عجز تجاري أكبر، كما حدث في طفرة ريغان في الثمانينيات. إذا كان الأمر كذلك، فإن ترامب سيحتاج إمّا إلى التخلي عن مقياسه "للتجارة العادلة" وهو الاستثمار في الداخل، أو -و هو الأسوأ- استخدام التعريفات "الحمائية" (المقيدة على جميع السلع الواردة إلى داخل البلاد)، وهو ما سيؤدي إلى انعدام الثقة تدريجيًا في الاقتصاد الأمريكي.

ووفقًا لما ورد في مقال آخر على الأيكونوميست، فإن الفارق بين ترامب والرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، هو أنّ الثاني كانت لديه خطة سياسية حقيقية، لكن ما يفعله ترامب يضعه الاقتصاديون ضمن إطار الخطط والمقترحات العادية، حيث يشير الخبراء إلى أن رؤيته الاقتصادية تقوم على عقلية رجال الأعمال الذين يتعاملون مع الصفقات، حيث يوجد رابحون و خاسرون، دون أن يعني ذلك بالتبعية مبدأ اقتصاديًا واضحًا.

من الاقتصاد إلى السياسة

في افتتاحية مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، يروي كاتب المقال موقفًا حدث معه أثناء زيارته إلى جنوب إفريقيا، حيث سأله ضابط شرطة: "من أين أنت؟"، فأجابه: "من الولايات المتحدة"، فيرد عليه الضباط مازحًا: "كيف حال رئيسكم؟"، ليجيبه الكاتب: "جيد بقدر رئيسكم"، ثم يضحكان، وهذا الحوار المقتضب يحمل إشارة إلى أنّ ثمة تشابه بين ترامب وبين الرئيس الجنوب إفريقي جيكوب زوما، الذي جر بلاده لأزمة دستورية، فضلًا عن اتهامه في قضايا فساد متعددة.

يتعرض المقال بعد ذلك إلى ما يقال من تدخل روسي في الانتخابات الأمريكية أدى إلى نجاح ترامب، واصفًا ذلك إن كان حدث، بالأمر الخطير على الأمن القومي الأمريكي، مُشيرًا كذلك إلى إصرار ترامب على رفضه الإعلان عن عائداته الضريبية، ما يعني منع الجمهور من معرفة ما إذا كانت هناك أية روابط مالية بين مصالحه التجارية الخاصة ورجال أعمال روس. 

بذلك أصبحت الحاجة إلى إجراء تحقيق مستقل أكثر إلحاحًا، بخاصة بعد إقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) جيمس كومي، وهو ثالث مسؤول كبير في وزارة العدل يتم فصله، بعد النائب العام السابق سالي بيتس، والمدعي الأرميكي السابق بريت بهارارا، وذلك على خلفية ما يشاع من فتحهم تحقيقات في تورط ترامب وإدارته في علاقات مشبوهة مع روسيا.

يرفض ترامب الإعلان عن عائداته الضريبية، ما يُشكك في تقاطع مصالحه التجارية مع رجال أعمالٍ روس

كاتب المقال لديه تجربة كبيرة في قياس حجم الديمقراطية الأمريكية في الخارج، ويوضح ذلك بقوله: "إذا حدث أمر مماثل فى إحدى الدول الإفريقية، أو في أمريكا اللاتينية، فإن الحكومة الأمريكية سوف تتشكك في نزاهة انتخاباتها الديمقراطية وقوة حكم القانون فيها. أما هذه الأحداث فمسرحها الولايات المتحدة، على مرأى ومسمع من العالم، وهو ما يسبب أضرارًا هائلة لسمعتنا في الخارج، على حساب قدرتنا على تشكيل الأحداث العالمية وفقًا لمصالحنا وقيمنا".

اقرأ/ي أيضًا: هل يستطيع ترامب تحويل وعوده إلى سياسة متزنة؟

ويؤكد أن الأمر الوحيد الذي يمكنه إعادة الثقة في الولايات المتحدة هو أن يتم فتح تحقيق عن علاقة الرئيس بروسيا، مُوضحًا أن الأمر يحتاج إلى دفعة من الكونجرس الذي يجب عليه أن يتغاضى عن الخلافات الحزبية لفتح التحقيق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المخابرات الأمريكية: بوتين أطلق حملة لدعم ترامب

كيف سيبدو 2017 في ظل رئاسة ترامب؟