29-أبريل-2017

عسكري تركي في نقطة كيليس الحدودية مع سوريا (كريس ماغريث/Getty)

بدأ الجيش التركي قبل نحو ثلاثة أيام بقصف مواقع لوحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، في شمال شرق سوريا، وسط معلومات عن تحضير الحكومة التركية عملية عسكرية تدعم فيها فصائل الجيش السوري الحر، للسيطرة على مدينة تل أبيض المحاذية للحدود التركية، والتي ينتشر فيها مقاتلون من "قسد" بقيادة القوات الكردية.

ومنذ 25 نيسان/أبريل الجاري، قصفت المدفعية والمقاتلات التركية مواقع مختلفة للقوات الكردية المتواجدة فيما يعرف بمنطقة "روج آفا" وتعريبها "غرب كردستان"، والتي تعرف على الخارطة السورية باسم "الإدارة الذاتية"، حيث كان من بين المواقع المستهدفة مبنى القيادة العامة للوحدات الكردية قرب مدينة المالكية بريف الحسكة، ليسفر القصف الذي رافقه تحليق للمقاتلات التركية في سماء المنطقة، عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح.

تشارك روسيا الولايات المتحدة في الإعراب عن قلقهما من الضربات التي استهدفت مواقع الوحدات الكردية

وعبرت تركيا لأكثر من مرة عن قلقها من تنامي نفوذ الوحدات الكردية، والتي تضم في صفوفها قيادات بارزة من حزب العمال الكردستاني المدرج على لائحة التنظيمات الإرهابية، فهي منذ إعلان الحكومة التركية إطلاق عملية "درع الفرات" لدعم الجيش السوري الحر في شمال سوريا، قامت بأكثر من عملية استفزاز أدت لاشتباكات بين الطرفين، زيادة على محاولتها السيطرة على بلدات وقرى تسيطر عليها فصائل المعارضة في ريف حلب.

اقرأ/ي أيضًا: تعطيل "درع الفرات".. داعش و"قسد" خلف النظام

وردًا على عملية "درع الفرات" أطلقت "قسد" في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 عملية "غضب الفرات"، بدعمٍ من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بهدف استعادة مدينة الرقة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية-داعش عاصمًة له. وضمن إطار العملية استطاعت قسد، أمس الجمعة، التوغل داخل مدينة الطبقة الإستراتيجية بريف الرقة، والسيطرة على ثلاثة أحياء، وسط تحذيرات أطلقها نشطاء من حصول كارثة إنسانية بسبب الحصار المفروض على أكثر من 30 ألف مدني داخلها، بعد قصف مقاتلات التحالف لمبنى البريد فيها، وانقطاع الاتصالات عنها.

وشاركت روسيا الولايات المتحدة في الإعراب عن قلقها من الضربات التي استهدفت مواقع الوحدات الكردية، فيما توالت الأخبار عن إرسال واشنطن لقوات فصل على الحدود السورية مع تركيا، حيث ينتشر مقاتلو قسد، بعد التحذيرات التي أطلقها مسؤولون في "قسد" من إيقاف عملية "غضب الفرات" إذا ما استمر القصف التركي على مواقعهم، بالإضافة لمطالبتهم بفرض حظر جوي فوق مناطق سيطرتهم، وهو ما تراه أنقرة مناقضًا لمطالبها السابقة في ذات السياق قبل أن تستعيد قوات الأسد الشطر الشرقي في حلب، والتي كانت تتجاهلها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

عناصر من قوات سوريا الديمقراطية (جون مور/ Getty)
عناصر من قوات سوريا الديمقراطية (جون مور/ Getty)

وسيكون ملف عملية الرقة في مقدمة جدول اجتماعات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع المقبل، وبعدها بأسبوع واحد مع الأمريكي دونالد ترامب، والذي سيبحث خلالهما تحييد "قسد" عن عملية الرقة، والاستعاضة عنها بالجيش السوري الحر، والقوات التركية التي تقدم الدعم اللوجستي والعسكري للأخيرة.

إلا أن القصف الأخير للجيش التركي على مواقع القوات الكردية، يحمل في مضمونه العديد من الدلالات، يأتي في مقدمتها موقف أنقرة الحاسم من تنحي رئيس النظام السوري بشار الأسد عن السلطة، بعد تأكيد معظم التقارير تعاونه مع "قسد"، كان آخرها تسيير رحلات برية بين مناطق سيطرة الطرفين، وقبلها الحديث عن إمكانية التعاون العسكري فيما بينهما في الوقت الذي تتعرض مناطق سيطرة المعارضة لقصف عنيف بكافة الأسلحة المتوفرة لقوات الأسد، لذا ترى أنقرة في "قسد" امتدادًا لنظام الأسد في المنطقة، أو بالأحرى حليفًا حاميًا لمصالحه فيها.

كذلك فإن تركيا تدرك أن فرض القوات الكردية سيطرتها على المناطق الشرقية في سوريا، يتيح فتح ممر لإيران عبر العراق، مرورًا إلى سوريا بعد طرد داعش من المناطق التي يسيطر عليها، حيث حذر أردوغان في أكثر من مناسبة من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، عبر سعيها للتوسع الإقليمي في المنطقة ما ينعكس سلبًا على دول الجوار.

اقرأ/ي أيضًا: هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا

كما أن القوات الكردية تطرقت خلال تصريحاتها السابقة، إلى أنها ستضم مدينة الرقة بعد السيطرة عليها إلى مناطق روج آفا، المزمع إعلانها فدرالية كردية على طول الحدود السورية مع العراق وتركيا، وهو ما تشير إليه خارطة السيطرة العسكرية، قبل أن تُفشل مساعيها عملية درع الفرات، بقطعها الطريق بين مناطقها بعد سيطرتها على مدن وبلدات في ريف حلب الشرقي والشمالي.

لكن في حال نفذت "قسد" تهديدها بإيقافها عملية "غضب الفرات"، فإن ذلك سيعطي داعش فرصة لإعادة ترتيب صفوفه بعد الخسائر المتوالية التي تلقاها في سوريا والعراق، وليس مستبعدًا أن يستعيد بعضًا من مناطق نفوذه الآخذة بالانحسار منذ العام الماضي، ما يشكل تهديدًا على عملية الرقة المتوقع إطلاقها بعد اللقاء المرتقب بين أردوغان وترامب في واشنطن منتصف الشهر القادم.

تنظر أنقرة إلى "قسد" من موقعها كامتداد لمصالح نظام الأسد والدفاع عن مصالحه بالوكالة

وليس معروفًا بعد في حال بدأ الجيش السوري الحر بالاشتراك مع الجيش التركي في اقتحام مدينة تل أبيض للسيطرة عليها من قبضة "قسد"، إن كانت ستستمر على طول الشريط الحدود مع تركيا، أم أنها ستتوغل إلى العمق، إلا أنها ستكون ضربة موجعة للقوات الكردية، التي لن تتوانى عن طلب الاستعانة من قوات الأسد، فهي لها تصرفات مشابهة عندما قامت بتسليم عدد من مواقعها لقوات الأسد في ريف حلب.

وفي حال توصلت أنقرة وواشنطن لاتفاق بشأن عملية الرقة فإنّ القوات الكردية سيتبدد حلمها في إنشاء فدراليتها، وبالتالي على الأطراف الجديدة في المعركة أن تقدم التزامات لموسكو تضمن مصالحها في المنطقة، وإعداد خطة لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، حيث يظهر واضحًا من معظم التقارير الصادرة انزعاج الدول الفاعلة في سوريا من تنامي توغل إيران والمليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تركيا تقتل طموح الأكراد

سوريا.. خارطة الحرب تتغير