12-فبراير-2016

مظاهرة في حلب ضد حزب العمال الكردستاني (Getty)

المكان: مدينة القامشلي، الزمان: عام 1992، في نقاش لي وأنا المراهق آنذاك مع شاب كردي قلت له: يا "باهوز"، وهو اسمه؛ لماذا تدفعون وأنتم عمال بسطاء تبرعات للآبوجية "وهو الاسم المتعارف عليه لحزب العمال الكردستاني جناح سوريا، نسبة إلى رئيسه عبد الله أوجلان"، إنهم مجرمون. فردّ عليّ بكل ما أوتيَ من غضبٍ: "والله إذا مرة ثانية حكيت عن الآبوجية رح أحط ببيتك قنبلة وأفجرك أنت وأهلك". 

حول حزب العمال الكردستاني التبرع إلى إتاوة مفروضة بقوة السلاح على الأكراد البسطاء

الكلام كان جدّيا طبعًا لذا انتابني الرعب والهلع، واحترت كيف أكسب ودّه وأنسيه فعلتي وقولي غير المسؤول، كنا نعرفهم من طريقتهم باللباس؛ بنطلون جينز مع حذاء رياضة تركي مميز، والأحاديث كانت كثيرة آنذاك عن اغتيالاتهم لشخصيات كردية وحتى عوائل بأكملها، حتى أنّ مجرد ذكرهم كان ملفّحًا بالكثير من الرعب والتكتم والانتباه. 

مَن عاش في القامشلي في تلك الفترة يذكر ذلك جيدًا، كان التبرع عبارة عن إتاوة يفرضها هذا الفصيل المافيوي على الأكراد، والدفع إلزاميٌّ تحت التهديد بالسلاح، أمنيًا كان يروّج بأنهم فصيل ممنوع في سوريا بينما في السر كما تبين لاحقا كان للنظام السوري اليد الكبرى في تبنّيهم والاتجار بهم واستخدامهم ورقة ضغط في التعامل السياسي بين سوريا وتركيا، ظهر ذلك جليًّا للعوام بعد تهديدات تركيا بالحرب ضد سوريا إن لم يتم تسليم رأس الحزب المتواجد في سوريا عبد الله أوجلان. 

وفعلًا تمت صفقة تسفيره وتسليمه لتركيا بالتعاون، كما ورد، مع المخابرات الإسرائيلة، وكانت وقتها عبارة "فلان في الجبل" تعني أنه التحق بالفصيل المقاتل في جبال تركيا، وغالبًا ما كان يعود منهم خبر "استشهاده" دفاعًا عن القضية الكردية.

بعد ذلك نام هذا الحزب سوريًّا حتى انطلقت الثورة السورية لنتفاجأ بحضوره المسلح وبقوته ضاغطًا على كل القوى الكردية المعتدلة في المنطقة، حيث تصدَّر الشارع، واستطاع منع الأحرار الأكراد، ولاحقًا العرب بكل مكوناتهم من الانخراط الفعّال في الثورة السورية، مع الأخذ بعين الاعتبار عودته وتجييره لصالح النظام السوري، مشتغلًا تحت إمرته وتوجيهات القيادات الأمنية، ليكون اليد الكردية الضاربة بسوط النظام. 

سيثير هذا الكلام حفيظة الكثيرين ممن يعملون على مبدأ توزيع البيض في أكثر من سلة؛ حيث إن هذا الفصيل الميليشيوي استطاع بمباركة النظام الأمني السوري بسطَ اليد بالقوة على مناطق واسعة تحت مسمى "الإدارة الذاتية للمناطق الكردية"، مما عزز لدى جمهور ليس بالقليل من الكرد اقتراب تحقق الحلم الأزلي بالدولة الكردية، غاضّين الطرف عن كونه مجرد عصابة عميلة تعمل لمآرب ضيقة متخذة من القضية الكردية واجهة عريضة لكسب الرضى الشعبي. 

بعد الثورة السورية، صار حزب العمال الكردستاني اليد الكردية الضاربة بسوط النظام

ما يدفع لهذا الحديث هو ما تم الإعلان عنه مؤخرًا من قبل روسيا بفتح مكتب، على مبدأ "القنصلية"، لحكومة الإدارة الذاتية عربون ودٍّ ومكافأة لهذه العصابة على خدماتها التي قدمتها ولا تزال لصالح نظام الأسد وروسيا في حربهما الشرسة ضد قوات المعارضة المسلحة "الجيش الحر"، مع أنها تعلن أحيانًا وقوفها ضد النظام، وأحيانًا انتماءها للثورة السورية، وليس مما يُخفى أنها كانت السكين في خاصرة الثورة، السكين التي في هذه الأثناء تنهش جسد الجيش الحر، وليس استيلاؤها مؤخرًا على مناطق منها "مطار منغ" سوى برهان وصكِّ اتهام واضح لخيانتها الدم السوري عمومًا، والقضية الكردية خصوصًا. 

على الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، تم مؤخرًا تداول الخريطة المعلقة في مكتب العصابة المفتتح في روسيا؛ الخريطة تضم الشريط المتاخم لتركيا من أقصى الجزيرة إلى أقاصي ريف حلب، مما يبين الحدود التي منحتها إياها روسيا والنظام السوري بالنيابة.

لقد استطاعت هذه العصابة بما تملكه من خبرات مافياوية أن تستلب الصوت الكردي، وعلى الكرد السوريين الآن رفع صوتهم مع أصوات بقية السوريين مطالبين بالحقوق المشروعة من عدالة ومساواة ومواطنة، وتجريم كل دعوة للانفصال أو الاقتطاع أو التهجير لأبناء المناطق المشتركة، ورفع الغطاء عن هذه الميليشيا التي توغلت كثيرًا في خاصرة الثورة، في الخاصرة تمامًا مثل سكين.

اقرأ/ي أيضًا:

مقدمات كردية لا بد منها

التعليم باللغة الكردية