30-نوفمبر-2017

من المحتمل أن تُصبح الفلبين مركزًا رئيسيًا لداعش الفترة القادمة (Daily Mail)

ينحسر داعش مركزيًا، لكن ذلك لا يعني أبدًا القضاء عليه تمامًا، ففي مقابل هذا الانحسار، ثمة تمدد شبكي في أماكن مُختلفة بالمنطقة، لكن المثير للاهتمام هو فرعه في الفلبين، الذي رغم ضعف الدعم المقدم له، استطاع أن يُحقق انتصارات كبيرة، تضع الفلبين ضمن دائرة الضوء كإحدى أبرز الأماكن التي من المحتمل أن تُصبح الملاذ الأكثر أمانًا لقيام خلافة داعش جديدة بعد انهيار معاقله في سوريا والعراق. مجلة فورين بوليسي نشرت مقالًا يُناقش تلك الاحتمالية على ضوء فاعلية داعش الفلبين، ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


يحرص كل من الزعماء الغربيين والفاعلين في منطقة الشرق الأوسط، على إعلان الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد استعادة المدن الكبرى من سيطرته، تحديدًا الموصل والرقة. مع ذلك، من المبكر جدًا أن نكون راضين ومطمئنين بتلك النتائج، إذ يُفكّر داعش بالفعل في كيفية إعادة هيكلته.

من المبكر الاطمئنان للانتصارات ضد داعش، فعلى ما يبدو يُفكر التنظيم في إعادة هيكلته وربما إعادة تمركزه في مناطق مختلفة حول العالم

وفيما تُعد الفلبين مكانًا بعيدًا عن مسقط رأس التنظيم في الشرق الأوسط، إلا أنّ الجهاديين المتطرفين استطاعوا هناك الاستيلاء على مدينة والبقاء فيها لمدة ثلاثة أشهر، ما دعا قوات الأمن في البلاد إلى بذل مزيدٍ من الجهود لاستعادة السيطرة على تلك المدينة.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

وتجدر الإشارة إلى أن الفلبين لديها تاريخ طويل من النزاع مع مسلحيين إسلاميين، يرجع إلى السبعينيات عندما بدأت جبهة مورو للتحرير الوطني في قتال الحكومة لسعيها إلى تحقيق قدر أكبر من الاستقلال عن الحكومة المركزية في مانيلا. وبعد انقسامات مختلفة وانشقاقات داخل جبهة مورو للتحرير الوطني، ظهرت "جبهة تحرير مورو الإسلامية" في عام 1984 واستمرت في قيادة تمرد منخفض الحدة بدرجة ما، على طول المنطقة الجنوبية للفلبين. ثُم ظهرت منظمة إسلامية اُخرى، هي جماعة أبو سياف، والتي تشكلت في أوائل التسعينيات، وخلقت علاقات مع تنظيم القاعدة وجماعات إسلامية أخرى.

جاء داعش إلى الفلبين مُؤخرًا، إذ لم يحظَ باهتمام كبير قبل عام 2016، عندما كانت "خلافته" في الشرق الأوسط تتعرض بالفعل لضغوطٍ شديدة. وفي حين أعلنت أكثر من ستة فصائل مسلحة في الفلبين ولاءه لداعش، إلا أنّه مع ذلك لم يُعلن قيام "ولاية الفلبين". وفي مقطع فيديو أصدره مكتب الإعلام الفلبيني في نهاية حزيران/يونيو 2016، سلط تنظيم الدولة الإسلامية الضوء على العلاقة الرسمية بين مركزه الأساسي والمسلحين في الفلبين، ولكن هذا لم يكن إعلانًا رسميًا للولاية.

إضافةً لذلك فإن مقاتلي جنوب شرق آسيا لا يمتلكون خبرة كبيرة في القتال إلى جانب داعش، ووفقًا لتقرير صادر عن مركز سوفان للاستشارات الدولية، فإن ما يقرب من 1600 مقاتل أجنبي من جنوب وجنوب شرق آسيا، الذين سافروا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى داعش، يشكلون 5% فقط من إجمالي عدد مقاتلي التنظيم الأجانب الذين يُقدّر عددهم بنحو 30 ألف مقاتل.

ومع ذلك تمكّن المسلحون المتطرفون الذين اعتنقوا بشغف فكر تنظيم الدولة الإسلامية، من الاستيلاء بشكلٍ كبير على مدينة مراوي، وهي أكبر مدينة في إقليم مينداناو المستقل، والتي يبلغ عدد سكانها 200 ألف نسمة، على الرغم من تلقيهم اهتمامًا أقل بكثير من غيرهم من التنظيمات والجماعات التي مُنحت امتياز داعش (بتسميتهم تنظيمات ولايات) بما في ذلك في سيناء بمصر وفي ليبيا وأفغانستان.

وعلى الرغم من أنّ المسلحين في الفلبين لم يُعلنوا رسميًا "ولاية الدولة الإسلامية"، إلا أن هناك روابط عقائدية قوية تمتد إلى شيء أكثر واقعيةً. وقد فشل الهجوم المضاد المشترك ضد المسلحين في استرجاع مدينة مراوي من ذلك الائتلاف الفضفاض الرخو من هذه الفصائل المرتبطة بالدولة الإسلامية، بما في ذلك جماعة أبو سياف وجماعة ماؤوتي، التي تعززت فعاليتهم بدعمٍ مادي من داعش، إذ يُقال إنّ التنظيم الأساسي في سوريا والعراق، أرسل ما يقرب من مليوني دولار للمسلحين في الفلبين لمساعدتهم على الانتصار في المعركة.  

وبشكل عام، تتناسب الفلبين مع نموذج داعش الذي يسعى إلى إثارة الصراعات العرقية القائمة وربطها بالقضايا الطائفية، بين المسلمين من الجنوب الذين يتنافسون مع الأغلبية المسيحية الكاثوليكية في الشمال.

وعلى الرغم من الهجمات الشديدة وتوافر قوة النيران والسلاح من العيار الثقيل من قِبل قوات الأمن الفلبينية، إلا أن المسلحين قد تمكنوا من السيطرة على المدينة لأكثر من ثلاثة أشهر. وكان هذا الإنجاز مثيرًا للاهتمام بالنظر إلى قُوة مكافحة التمرد التي شملت نخبة من القوات الخاصة المدربة من قِبل الولايات المتحدة، بالمشاركة مع القوات الأمريكية التي تعمل معهم جنبًا إلى جنب بهدوء على الأرض.

تناسب الفلبين نموذج داعش الساعي لإثارة الصراعات العرقية وربطها بالقضايا الطائفية، بين مسلمي الجنوب والأغلبية المسيحية في الشمال

إن الوضع على الأرض في جنوب الفلبين غير واضح بشكل مُؤكد اليوم، إذ أعلن الرئيس الفلبينى، رودريغو دوتيرتي، في 17 من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أن مدينة مراوي قد "تحررت". وجاء ذلك  بعد يوم واحد فقط من مقتل إيسنيلون هابيلون (المعروف أيضًا بـ"أبو عبد الله الفلبيني"، وعمر ماؤوتي، وهما أكبر زعيمين للجهاديين في مدينة مراوي.

اقرأ/ي أيضًا: داعش من "الدولة" إلى العصابة.. انحسارٌ مركزي وتمدد شبكي

ومع ذلك، فإن انعدام الأمن الذي يلوح في الأفق، والأزمات الإنسانية، سيشكلان تحديًا كبيرًا لجهود إعادة إعمار مدينة مراوي. ومن المرجح أن يزداد التطرف بين السكان ردًا على الحملة الدموية لمكافحة الإرهاب التي تقودها الحكومة، مما يهدد عملية السلام بين مانيلا وجبهة تحرير مورو الإسلامية.

وفي الوقت نفسه، يشتبه الخبراء أن رودريغو دوتيرتي قد بالغ في إحصاءات خسائر العدو من أجل أن يعلن تحرير مدينة مراوي، مما يُمكِّن المقاتلين الناجين من العودة إلى المواقع التي كانوا يتمتعون فيها بالدعم المحلي وإعادة تنظيم أنفسهم للقتال في المستقبل.

قد تكون مدينة مراوي مجرد طعم لما سيحدث مُستقبلًا. ومع تدمير معاقله في الشرق الأوسط، من المرجح أن يُصبح داعش أكثر شبكية، وأن يُولي اهتمامًا أكبر بالمناطق الجديدة، من جنوب شرق آسيا إلى جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا. وقد يصبح المقاتلون الأجانب الذين جاءوا إلى العراق وسوريا من جميع أنحاء العالم، نواةً للحركات الموسعة في مناطقهم الأصلية. ومع زوال "الخلافة"، قد يحاول داعش إعادة النظر في استراتيجيته المتمثلة في منح الجماعات الموالية امتيازًا رسميًا في محاولةٍ لإعطاء علامته الأصلية تجديدًا وتعزيزًا ضروريين.

كانت جنوب شرق آسيا منذ فترة طويلة بؤرةً للتطرف والعنف الإسلامي. على سبيل المثال، كانت إندونيسيا المجاورة للفلبين -أكبر بلد مسلم في العالم من حيث عدد السكان- الموطن الأصلي لقادة تنظيم القاعدة الرئيسيين قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وقد شهدت مؤخرًا زيادةً في عدد الاعتقالات المتعلقة بالمؤامرات الإرهابية من قِبل متطرفين.

ومع ذلك، فإن نواة الجهاديين الذين يقاتلون بنشاط في الفلبين، وربما يعودون إليها، وغيرها من دول جنوب شرق آسيا؛ صغيرة نسبيًا مقارنة بدولٍ أخرى في مناطق أخرى مثل شمال أفريقيا. لكن مع ذلك، ورغم تفكك التنظيم الأساسي لداعش، إلا أنه من المرجح أن تصبح الفلبين أكثر فائدة للتنظيم باعتبارها صمام أمان خارج منطقة الشرق الأوسط.

ومن المرجح أن تظل الفلبين هدفًا محتملًا بسبب العدد الكبير لسكانها المسلمين، ووجود حركات إسلامية عنيفة وغير عنيفة، وتساهل نُظُمها المالية الرسمية وغير الرسمية، وضعف المؤسسات المحلية، وقائدها رودريغو دوتيرتي الذي يتولى رئاسة إدارة أشرفت على أزمة في مراوي أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين وتشريد مئات الآلاف.

وعلى مدى السنوات الـ15 الماضية، كانت قوات العمليات الخاصة الأمريكية التى تدعم وحدات مكافحة الإرهاب التابعة للجيش الفلبيني وإنفاذ القانون كجزء من الحرب العالمية ضد الارهاب؛ نشطةً في الفلبين، ما ترك تأثيرًا واضحًا، وجعلها من بين الحملات الأكثر نجاحًا لمكافحة الإرهاب.

وانتهت الولايات المتحدة من هذه الحملة في عام 2015، وأيًا كانت النجاحات التي تعرضت لها الآن، فهي معرضةٌ للخطر بقصرها؛ ففي مطلع عام 2017، قامت مجموعة مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية بالاستيلاء على المدينة، التي كانت القوات الخاصة الأمريكية تساعد في حمايتها على مدار عشر سنوات، وهو ما يثير قلقًا مباشرًا للسياسين في الولايات المتحدة.

تاريخ الفلبين كمركز للمتمردين بدوافع أيديولوجية متطرفة، يجعل من الصعب انتصار السلطات في معركة مكافحة الإرهاب

على الرغم من أن الدعم الأمريكي لمكافحة الإرهاب لتحرير المراوي من الجماعات المرتبطة بداعش، يدل على الاستعداد للتدخل في الفلبين في حالة حدوث أزمة، إلا أن القليل من ذلك يشير إلى أن هذا النوع من الدعم العسكري الأمريكي المقدم لقوات الأمن الفلبينية، كان ممكنًا في السابق، وهو حل طويل الأجل لمنع الفلبين من أن تصبح ملاذًا آمنًا للإرهابيين. ونظرًا لأن القوات الأمريكية قد تجاوزت طاقتها بالفعل في جميع أنحاء العالم، يبدو من غير المرجح أن يكون هناك حماس كبير على الالتزام الجاد بالتدخل في أي بلدٍ آخر.

ورغم ادعاءات الرئيس الفلبيني بأن إدارته ملتزمة بإنهاء معركة مكافحة الإرهاب بالانتصار، إلا أن تاريخ الفلبين كمركز للمتمردين بدوافع أيديولوجية متطرفة، يدل على أن إخماد القتال سيكون أكثر صعوبة في الواقع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أشهر خمسة مواقف مثيرة لرئيس الفلبين

أجانب داعش.. في المنطقة إلى الأبد؟