01-نوفمبر-2017

تعلم هؤلاء الإسلام على أيدي غلاة السلفيين في مساجد أوروبا أو من وراء شاشات حواسيبهم (يوتيوب)

شكّل الأجانب من مقاتلي "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) العناصر الأكثر دموية وعنفًا طوال السنوات الأربع منذ إعلان الرقة عاصمة لخلافة التنظيم المزعومة، ولا يزال في بالي ذلك الفيديو الذي نشره داعش صباح عيد الفطر في 2014، ويظهر فيه صف من مقاتليه الأجانب يقود كل منهم سجينًا من الجنود السوريين، وبعد أن قطعوا رؤوسهم، انتقلت الكاميرا إلى وجوه الإرهابيين ببشرتهم البيضاء الناصعة وكأنها تقول للمشاهدين: "نعم، هؤلاء ليسوا عربًا، بل أوروبيين".

العنف المجاني والمغرق في مشهديته الذي يمارسه أجانب داعش منبعه أناس لم يعاشروا أهل تلك المدن المنكوبة ولم يتعلموا إسلامهم

وبغض النظر عن حقيقة أو أصالة رأيي الشخصي بخصوص أصول العنف الداعشي، فدائمًا ما اعتقدت بأن ذلك العنف المجاني والمغرق في مشهديته الذي يمارسه عناصر داعش أمام الكاميرات، منبعه أناس لم يعاشروا أهل تلك المدن المنكوبة بدولة الخلافة، ولم يتعلّموا إسلامهم إلا على أيدي غلاة السلفيين في مساجد أوروبا، أو من وراء شاشات حواسيبهم في أوقات فراغهم أثناء بحثهم عن هدف لحياة فارغة من المعنى.

بسقوط الرقة، المعقل الأبرز لتنظيم داعش، منتصف تشرين الأول/أكتوبر، في يد عناصر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عاد من جديد الحديث عن مستقبل ما بعد انتهاء "دولة الخلافة" في سوريا والعراق. فالوقائع التي نقلتها وسائل الإعلام وتصريحات القادة العسكريين حول إجلاء عناصر التنظيم المتطرف من المدينة، فتحت باب التكهنات حول مصير هؤلاء المقاتلين، الأجانب منهم تحديدًا الذين رفضوا الاستسلام مفضلين الاستمرار في القتال حتى النهاية.

اقرأ/ي أيضًا: هل يؤسس سقوط "عاصمة الخلافة" لمرحلة جديدة أكثر تطرفًا في فكر داعش؟

والحقيقة أن الأنباء الواردة من سوريا لا تبشر بأي خير، فلا يزال مصير هؤلاء المقاتلين الأجانب غامضًا، وربما تحدث صفقات بين الأطراف المتحاربة على الأرض السورية تقضي بتأمين خروجهم إلى أي مكان يريدون، والوقائع تمهّد لإمكانية حدوث هذا الاحتمال.

ففي الشهر الماضي، تناقلت وسائل الإعلام خبرًا عن منع طائرات حربية أمريكية لقافلة حافلات تابعة لداعش من التقدم صوب المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم بعد مغادرة الحافلات لمناطق خاضعة للحكومة السورية، في إطار صفقة للإفراج عن بعض عناصر حزب الله الأسيرة لدى التنظيم، حتى أن الحزب خرج ببيان يطالب فيه المجتمع الدولي بالتدخل لمنع "مجزرة" قد تقع في حال قصف الطيران الأمريكي قافلة "داعش" في الصحراء السورية، وجاء في بيان الحزب إشارة أشبه بمكايدات النسوان في ما بينهن، حيث قال إن "ما يقوله الأمريكيون عن عدم سماحهم لداعش بالوصول إلى دير الزور بهدف محاربته، هو ادعاء يتناقض مع سماحهم لأكثر من ألف داعشي بالهروب من تلعفر".

لا يزال مصير المقاتلين الأجانب في داعش غامضًا، وربما تحدث صفقات بين الأطراف المتحاربة تقضي بتأمين خروجهم إلى أي مكان يريدون

وبعد أيام قليلة من إعلان التحالف الدولي بقيادة واشنطن، الداعم لقوات سوريا الديموقراطية، أن المقاتلين الأجانب ممنوعون من مغادرة الرقة؛ ناقش وزراء داخلية مجموعة السبع (بريطانيا، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والولايات المتحدة) في العشرين من تشرين الأول/أكتوبر سبل مواجهة العودة المحتملة للمقاتلين الأجانب إلى أوروبا، فيما وعد الاتحاد الأوروبي بالمساعدة في إغلاق طريق هجرة، يعد بوابة خلفية محتملة "للإرهابيين".

اقرأ/ي أيضًا: داعش من "الدولة" إلى العصابة.. انحسارٌ مركزي وتمدد شبكي

وهكذا، تتضح ببطء معالم اتفاق طويل المدى ومتعدد الأطراف ربما ينتهي بإعادة تدوير هؤلاء الأجانب على الأراضي العربية، بدلًا من إعادتهم إلى بلدانهم. وفي ظل تقارير أمنية ودراسات بحثية تشير إلى صعوبة دمج المقاتلين الأجانب في المجتمعات المحلية العربية، على عكس أقرانهم المحليين الذين سيستسلمون في النهاية وربما يعودون إلى التواجد في أوساطهم الاجتماعية، متخفين أو مندمدجين، مثلما حدث في ليبيا بعد سقوط سرت في مثل هذا الوقت من العام الماضي؛ تبقى الخيارات محدودة أمام هؤلاء، فإما أن يواصلوا حربهم الدونكيشوتية في سوريا أو يهربوا وينقلوا المعركة إلى الخارج (سيناء مثلًا)، أو يعودون إلى أوروبا لتفخيخ مدنها وإرهاب أهلها.

هذا الخيار الأخير لن يسمح به القادة الأوروبيون، لأنه فضلًا عن خطورته، سيدخلهم في متاهات قانونية بشأن المحاكمات والتشريعات الخاصة بمقاضاة هؤلاء المقاتلين، وسيرغمهم على دفع أثمان باهظة مع كل استحقاق انتخابي مقبل في ظل "صحوة" اليمين الأوروبي المتشدد المعادي لكل ما يمت للإسلام بصلة. وهكذا، مع تحرير أغلب المدن الرئيسية من قبضة داعش، سيصبح عام 2018 هو عام "العائدين من سوريا والعراق"، وسيظهر الكابوس الداعشي المرئي على الشاشات في أماكن جديدة بشكل أكثر خطورة. قد تؤثر العوامل الإثنية والثقافية في اختيار وجهات مقاتلي داعش الأجانب، فيذهب الفرنسيون والبلجيكيون منهم إلى الشمال الأفريقي أو لبنان، وبالمثل فإن مقاتلي وسط آسيا سيكونون أقرب إلى التموضع مرة أخرى داخل بعض الجماعات الأسيوية المعروفة بجذب المقاتلين الأجانب مثل "ولاية خراسان" و"حركة أوزبكستان الإسلامية". المهم أن يبتعد هؤلاء "الإرهابيون" عن أوروبا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أطفال ضمن قائمة من 173 انتحاريًا داعشيًا قد يشنون هجمات في أوروبا

المقاتلون التونسيون مع النظام السوري.. إرهاب آخر!