20-أكتوبر-2017

تشهد عمليات داعش واستراتيجياته تطورًا نوعيًا في مصر (يوتيوب)

على مدار الأسابيع الماضية، توالت الأخبار من سوريا والعراق وحتى الفلبين عن هزائم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وانحسار تمدده المركزي. غير أنّ الحال في مصر كان مُختلفًا. ورغم صعوبة المقارنة بين مصر والدول سابقة الذكر، إلا أنه من الواضح تطور قدرات التنظيم في سيناء بشكل سريع، رغم الحملات العسكرية المكثفة التي تشنها قوات الجيش المصري، بينها أربع عمليات تحت اسم "حق الشهيد"، لم تُسفر عن تقليص حجم التنظيم فضلًا عن القضاء عليه.

يعرف داعش تقهقرًا وانحسارًا في كل من العراق وسوريا وحتى الفلبين، في مقابل مصر التي تشهد تطورًا في عمليات التنظيم

وفي الآونة الأخيرة، يبرز تطور نوعي يشهده تنظيم ولاية سيناء، باستهدافه المستمر منذ شهور للجانب الاقتصادي للجيش المصري، بما في ذلك عمليات السرقة والاستيلاء على أموال أحد البنوك في شمال سيناء.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

ومع رصد أبرز العمليات التي نفذها التنظيم، نجد أن تصعيده لم يكن فقط على مستوى عدد الضربات والمكاسب التي تتحقق بقتل أفراد من القوات المصرية، ولكن أيضًا هناك تطور نوعي مستمر في شكل وطريقة العمليات وكذلك الأهداف. 

وتحولت عمليات التنظيم منذ ظهوره في 2012، من استهداف خطوط الغاز ومدرعات الجيش المحملة بالجنود وكذلك الكمائن الثابتة وبعض الاغتيالات داخل سيناء، إلى عمليات تركز على اختراق العمق المصري، سواءً في العاصمة أو المحافظات الأخرى. 

ورغم إعلان المسؤولين المصريين المتكرر عن القضاء على التنظيم واقتلاع شوكته، إلا أن الواقع دائمًا مختلف. فتقهقر التنظيم حدث بالفعل، لكن ليس في مصر، وإنما في دولة كالفلبين التي أعلن رئيسها رودريغو دوتيرتي، من مدينة مراوي، تحريرها من قبضة مسلحين موالين لتنظيم داعش، بعد فرض سيطرتهم عليها لشهور. وفي العراق نفس الأمر مع القضاء شبه الكامل على التنظيم، إذ أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) "تحرير" نحو 95% من الأراضي العراقية من قبضة التنظيم. وفي سوريا لم يبق للتنظيم من معقل رئيسي إلا أجزاءً من دير الزور التي بات على وشك فقدانها. لكن في مصر، قد لا يستطيع مسؤول مصري دخول شوارع مدينة العريش شمال سيناء، والسير فيها بأمان، لأن التنظيم سيتربص له في أي مكان.

الهجوم على المصالح الاقتصادية

أبرز التطورات التي شهدها أداء داعش متمثلًا في الهجوم على المصالح الاقتصادية، كان السطو الأخير الذي نفذته عناصر من التنظيم، في 16 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، على البنك الأهلي المصري في شمال سيناء. وخلال عملية السطو استطاعت عناصر التنظيم فرض السيطرة الكاملة على مربع سكني كامل لمدة 45 دقيقة!

جرت على إثر عملية السطو تلك اشتباكات بين عناصر التنظيم وقوات من الشرطة المصرية، أدت لمقتل ستة أشخاص بينهم أربعة من أفراد الشرطة، وإصابة 17 آخرين. وتأتي تلك العملية بعد يوم من مقتل تسعة جنود و24 مسلحًا في هجمات على مواقع للجيش المصري في سيناء. 

التفاصيل، نقلًا عن "بي بي سي"، وفقًا لمصادر وشهود عيان، هي أن مسلحين في خمس سيارات دفع رباعي، أطلقوا النيران على قوات الأمن المتمركزين بالقرب من البنك الأهلي وكنيسة مار جرجس بوسط مدينة العريش شمال سيناء. واستطاع المسلحون اقتحام البنك وسرقته، وخلال ذلك السيطرة على كامل المربع السكني المحيط بالبنك لـ45 دقيقة تقريبًا.

ولم تعلن جهة رسمية حجم الأموال الموجودة في خزينة البنك وقت اقتحامه، والتي قدرتها بعض المصادر المقربة من أجهزة أمنية، بـ16 مليون جنيه مصري. اللافت في الأمر، أن بعض الجهات الإعلامية وبعض المحللين والخبراء المحسوبين على النظام، اعتبروا أن سرقة التنظيم للبنك، دليل على نجاح القوات الأمنية من الجيش والشرطة، تضييق الخناق على عناصر التنظيم المتشدد، كونها عملية تُؤكد احتياجه للمال. ومع فرض صحة ذلك الرأي، يظل أن التنظيم استطاع سرقة البنك رغمًا عن نفس قوات الجيش والشرطة التي يزعم البعض قدرتها على تضييق الخناق على التنظيم، بل إن التنظيم استطاع فرض سيطرته على مربع سكني كامل لمدة 45 دقيقة!

لا يُستبعد تعرض تنظيم ولاية سيناء لضائقة مالية لنقص التمويل بسبب الخسائر المتوالية للتنظيم الأم في سوريا والعراق

وعلى كل لا يُستبعد مرور التنظيم بوقت حرج على مستوى التمويل، مع خسائر التنظيم الأم في سوريا والعراق، ومع التشديد الأمني من جهة حركة حماس على الحدود بين غزة ومصر، خاصة بعد التوافق الأخير الحاصل بين قيادات الحركة والسلطات المصرية.

اقرأ/ي أيضًا: مصر بين إرهاب الدولتين.. داعش والعسكر

لكن ذلك لا يعني أبدًا القضاء على التنظيم أو قسم ظهره تمامًا في سيناء، بل تكشف أرض الواقع عن تمدد وتطور نوعي في تحركات التنظيم وعملياته، والتي من بينها استهداف مصالح اقتصادية، كان آخرها اقتحام البنك، وسبقها بأيام قليلة محاولة تفجير مصنع الأسمنت الخاص بالقوات المسلحة في سيناء، وذلك في 10 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لكن تعطّلت العملية بتصدي المجند المسؤول عن حراسة البوابة الرئيسية للمصنع ومنعه السيارة الملغمة من الوصول للمصنع، ما نتج عنه مقتله أيضًا.

يُضاف إلى تلك العمليات أيضًا ما صرحت به صحفيًا مصادر قبلية، من أن التنظيم "أحرق ما لا يقل عن 25 شاحنة وجرافة وآلية ثقيلة بعد 72 ساعة من توزيعه تحذيرًا من التعامل مع مصانع الجيش، وزعه في مناطق متفرقة من سيناء". ومنذ أيلول/سبتمبر الماضي، بدأ استهداف عناصر ولاية سيناء لأي شاحنة أو آلية تعمل لصالح نشاط اقتصادي مرتبط بالقوات المسلحة المصرية في شمال ووسط سيناء.

ومنذ نيسان/أبريل 2015، بدأ تنظيم ولاية سيناء، على استحياء، استهداف الإمدادات الخاصة بالجيش من مياه ومواد غذائية ومواد بترولية. كما قام التنظيم في حزيران/يونيو 2015، بتفجير خط غاز العريش الذي يمد المدينة بالغاز الطبيعي، لكن المقصد الرئيسي بحسب البعض، كان مصنع الأسمنت التابع للقوات المسلحة المصرية.

ولم تكن فكرة استهداف الأنشطة الاقتصادية التابعة للجيش بجديدة على داعش، لكنها لم تكن بهذه الحدة والتركيز من قبل. ففي 2014 دعا أبومصعب المقدسي، القيادي في داعش بسوريا والعراق، عناصر التنظيم في سيناء، إلى "ضرب الاقتصاد".

مازال يُسيطر

جزء من تأكيد سيطرة التنظيم على مناطق في سيناء هي مقاطع الفيديو التي تصدر بين الحين والآخر للتنظيم كدعايةٍ وترويج له، والتي من بينها تصوير كمائن ثابتة ومتحركة للتنظيم لتفتيش المواطنين، وكذلك إقامة محاكم شرعية تحت إدارته. 

وبالرغم من الحديث عن تراجع التنظيم، إلا أن تلك الأمور لا تزال تحدث كما كانت في الماضي. وفي بداية الشهر الجاري، انتشرت صور لقطع يد أحد المواطنين المصريين من قبل عناصر بالتنظيم، لاتهامه بالسرقة. وفي أيلول/سبتمبر الماضي، صدر بيان عن التنظيم، عن بعض الأهالي الذى يتهمهم التنظيم بالتعاون مع الجيش، وهو الأمر المعتاد في سيناء منذ آب/أغسطس 2013، عندما قتل مسلحون الشيخ خلف المنيعي (من كبار مشايخ قبيلة السواركة) أمام منزله، بتهمة التعاون مع الجيش المصري.

هذه الأمور، وإن كان فيها مبالغة دعائية من قبل التنظيم، لكن لا شك أنها تكشف عن ثبات أقدامه في سيناء رغم الحملات العسكرية المكثفة ضده. وهو ما يتنافى تمامًا مع تصريحات المسؤولين المصريين، ومن ورائهم وسائل الإعلام الموالية للنظام.

التحول إلى خارج سيناء

تصدير العمليات الإرهابية إلى خارج سيناء، كان تطورًا هامًا وخطيرًا في تحركات التنظيم. وقد بدأت تلك العمليات باستهدافات شخصية في محاولة اغتيال شخصيات أمنية، لعل أبرزها محاولة الاغتيال الفاشلة لوزير الداخلية السابق محمد إبراهيم في أيلول/سبتمبر 2013. هناك أيضًا عملية اغتيال محمد مبروك، الضابط في جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة)، أمام منزله بالقاهرة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2013. وتكررت عمليات الاغتيالات لتشمل اللواء محمد السعيد مدير المكتب الفني لوزير الداخلية أمام منزله، في كانون الثاني/يناير 2014.

بالتوازي مع الاغتيالات والاستهدافات الشخصية، بدأ التنظيم في استهداف منشآت أمنية رئيسية في محافظات مصرية مختلفة، كاستهداف مبنى المخابرات الحربية بالإسماعيلية في تشرين الأول/أكتوبر 2013، ثم تفجير مديرية أمن الدقهلية في كانون الأول/ديسمبر 2013، وكانت عملية كُبرى أسفرت عن مقتل 14 وإصابة 134 آخرين، وتدمير جزء كبير من المبنى ومباني مجاورة له. 

تكررت تلك العمليات، فشهد مبنى المخابرات الحربية في منطقة أنشاص بالشرقية استهدافًا في كانون الأول/ديسمبر 2013، وتبعه تفجير مديرية أمن القاهرة في كانون الثاني/يناير 2014، واستهداف مبنى الأمن الوطني في منطقة شبرا الخيمة في آب/أغسطس 2014.

تطورت استراتيجيات داعش في مصر على مراحل متفاوتة ما بين الاغتيالات الشخصية فاستهداف الأقباط، انتهاءً بمرحلة "ضرب الاقتصاد"

ثم بدأت استراتيجية جديدة للتنظيم الإرهابي، تقوم على استهداف المسيحيين، فيما يبدو أنها محاولة لإحراج النظام المصري دوليًا وإبرازه في مظهر غير القادر على حماية الأقباط. فاستهدف التنظيم بعدد من العمليات، الأقباط في سيناء وخارجها، ففي سيناء كانت عملية تهجير الأقباط الذين لم يعد كثيرٌ منهم، وفي الخارج كانت استهدافات الكنائس كالكنيسة البطرسية في منطقة العباسية بقلب القاهرة، في كانون الأول/ديسمبر 2016، وكذا تفجير كنيستي مار جرجس في مدينة طنطا بالدلتا، وتفجير الكتدرائية المرقسية في الإسكندرية، وذلك في نيسان/أبريل الماضي. هناك أيضًا الهجوم على حافلة الأقباط بصحراء المنيا جنوب مصر، في أيار/مايو الماضي. 

إذن، يُعزز كل ذلك من قدرة داعش، أو ولاية سيناء، النجاة من المصير الذي لحق بالتنظيم في بلدان أخرى، بل التطوير من استراتيجيات الاستهداف ومواجهة النظام وقواته الأمنية من الجيش والشرطة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد هجوم حافلة أقباط المنيا.. ما لا تعرفه عن "داعش الصعيد"

هل يؤسس سقوط "عاصمة الخلافة" لمرحلة جديدة أكثر تطرفًا في فكر داعش؟