29-أبريل-2019

ما زال مستقبل الهجوم على طرابلس أمام خيارات مفتوحة (Getty)

لا تزال قوات اللواء المتقاعد المدعوم من السعودية والإمارات، خليفة حفتر، تحاول السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس المقر الرئيسي لحكومة الوفاق الوطني والمجلس الأعلى للدولة الليبية، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من إعلانه الهجوم بدعم من أطراف خارجية، فيما تقول تقارير صحفية عديدة إن طائرات مسيّرة لدول أجنبية تشارك قوات اللواء حفتر في القصف الجوي.

أشارت تقارير إلى أن طائرات إماراتية من دون طيار تشارك إلى جانب قوات حفتر في الهجوم على طرابلس، كما أن السعودية تقدم الدعم العسكري والمالي لقوات اللواء المتقاعد

هجوم طرابلس.. قوات حفتر تقف مكانها

يوم السبت، قال وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا إنهم يملكون أدلة تفيد بمشاركة طائرات أجنبية في الهجوم على طرابلس، مضيفًا أن دقة القصف تدل على أن الطائرات تتبع لدولتين عربيتين، فيما تحدثت تقارير صحفية عن تنفيذ طائرات مسيّرة تابعة لقوات حفتر قصفًا ليليًا ليس الأول من نوعه.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يريد حفتر من حملته العسكرية على طرابلس؟

ومطلع الشهر الجاري أعلن حفتر بدء عملية عسكرية للسيطرة على مدينة طرابلس تحت مسمى "عملية تحرير طرابلس" دون أن تحقق تقدمًا ملموسًا على الأرض، بل على العكس من ذلك، شهدت قواته انتكاسات في بعض المناطق بحسب ما أفادت وكالة الأناضول التركية، وسط معارضة أممية ودولية، فيما أشارت تقارير عديدة لتلقيه ضوءًا أخضر من أطراف عربية ودولية لتنفيذ الهجوم على المدينة.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الغارديان البريطانية الأسبوع الماضي إلى أن طائرات إماراتية من دون طيار تشارك إلى جانب قوات حفتر في الهجوم على طرابلس، وقد عملت الإمارات عام 2016 على بناء منشأة للطائرات من دون طيار في قاعدة الخادم الجوية جنوبي طرابلس، وقالت الصحيفة البريطانية إن السعودية تقدم الدعم العسكري أيضًا لقوات حفتر، بينما تشير تقارير عديدة إلى تورط القاهرة. ووفقًا للأمم المتحدة فإن ما يزيد عن 225 مدنيًا قتلوا منذ بدء الهجوم على طرابلس، كما أدى الهجوم لنزوح أكثر من 16 ألف مدني.

وتبين خارطة توزع القوى العسكرية في ليبيا سيطرة قوات حفتر على أكثر من 50 بالمائة من مساحة البلاد، من ضمنها آبار وحقول النفط الليبي، فيما تسيطر حكومة الوفاق الوطني على مساحة تقدر بـ20 بالمائة تتضمن مدينتي طرابلس ومصراته المطلتين على سواحل البحر الأبيض المتوسط، ويتقاسم السيطرة على باقي المناطق مجلس الشورى، مع مجموعة من القبائل المسلحة وقبائل التنبو.

دعم مالي ولوجستي يصل حفتر قبل هجوم طرابلس

لم يكن اسم حفتر ظاهرًا على الساحة الليبية قبل عام 2011 حين كان يقيم في منفاه الاختياري بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أعلن انشقاقه عن الرئيس الليبي معمر القذافي بعيد أسره في الحرب على تشاد أواخر الثمانينات، لكن اسمه عاد للظهور مرًة ثانية بعد مقتل  القذافي عام 2011، حيث جرى تعيينه كقائد للجيش الوطني الليبي من قبل مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق.

وسعى حفتر منذ تعيينه قائدًا لما يسمى بـ"الجيش الوطني" للانقلاب على حكومة الوفاق التي تشكلت تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، لتدخل البلاد في دائرة من العنف الدموي نتجية تسابق بعض الأطراف الدولية والعربية على تقديم دعم غير محدود لقواته.

وكشفت لجنة تابعة للأمم المتحدة منتصف الشهر الجاري أنه بعد التدقيق في شحنات أسلحة وصلت إلى قوات حفتر تبيّن أنها قادمة من الإمارات، لدعمه في الهجوم الذي ينفذه على طرابلس، بالإضافة لتحقيقها في مزاعم مماثلة تشير إلى وصول أسلحة للقوات الغربية التي تقاتل للدفاع عن العاصمة طرابلس، وهو ما يشكل انتهاكًا للحظر الدولي المفروض على ليبيا حول تصدير السلاح.

كما تحدثت تقارير صحفية عن تقديم السعودية الدعم المالي لحفتر، فضلًا عن تغطيتها لمشتريات السلاح خلال زيارته الأخيرة للرياض التي استبقت إعلانه بدء الهجوم على طرابلس، مشيرًة لضمانتها عدم معارضة الولايات المتحدة للهجوم على المدينة، وقبل 10 أيام قالت الولايات المتحدة وروسيا إنه لا يمكنهما تأييد مسودة قرار بريطاني قدم لمجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، بالتزامن مع إجراء الرئيس الأمريكي اتصالًا هاتفيًا مع حفتر.

هجوم طرابلس.. تعددت الأسباب والموقف واحد

مثّل الاتصال الذي أجراه الرئيس الأمريكي مع حفتر سابقة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بسبب تواصله مع "زعيم ميليشيا" وجنرال يقود حربًا على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي لفتت إلى أن الخارجية الأمريكية بعد أن دعت لوقف إطلاق النار، قامت بالامتناع عن تكرار دعوتها عقب المباحثات التي أجراها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مع وزير الخارجية الأمريكي مايك مومبيو، والذي فيما يبدو يقوم بمحاولة لتسويق حفتر لدى الإدارة الأمريكية كحليف في الشرق الأوسط.

وشكل حفتر عبر قواته حلقة وصل مع دول السعودية والإمارات ومصر التي تتسابق على تقديم الدعم العسكري واللوجستي له، ووفقًا لعدة تقارير صحفية فإن روسيا تشارك الدول العربية السابقة دعمها هجوم قوات الجنرال السابق على طرابلس، حيث تتلاقى مصالح هذه الدول مع الولايات المتحدة في إضعاف الحراك الديمقراطي الذي شهده العالم العربي منذ عام 2011، بالإضافة للمصالح الاقتصادية التي تسعى الأطراف الدولية لجني ثمارها من الحرب الليبية.

كما أشار موقع ميدل إيست آي البريطاني إلى وجود صراع فرنسي – إيطالي للحصول على عقود استثمار النفط والغاز الليبي، وإنتاج الطاقة، وتطوير البنية التحتية، فضلًا عن تنافسهما على إدارة ملف الهجرة واللاجئين القادمين من السواحل الليبية المطلة على البحر المتوسط، ما يدفعهما للبقاء متأرجحي القرار في دعم هجوم طرابلس من عدمه، فضلًا عن العداء الذي يظهره حفتر للجماعات الإسلامية المعتدلة والمتشددة.

أما روسيا فتسعى من خلال دعمها حفتر لوضع موطئ قدم جديدة لها في أفريقيا، بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية للسواحل الليبية المطلة على المتوسط أولًا، والإنتاج النفطي في ليبيا. كما تحدثت تقارير أخرى عن إرسال مجموعة فاغنر 300 جندي روسي إلى مدينة بنغازي لدعم قوات حفتر في حماية موانئ درنة وطبرق في عمق السواحل الليبية من أجل السفن الروسية، كما أنها توفر فرصة لروسيا للتحرك مرًة ثانية في وجه واشنطن بعد إدارتها للأزمة السورية، وإنقاذها لرئيس النظام السوري بشار الأسد من السقوط.

ويبدو أن الاتصال الذي أجراه ترامب مع حفتر جاء في سياق محاولة واشنطن منع روسيا من استلام إدارة الملف الليبي دوليًا، فقد اعتبر مراقبوان أن امتناع واشنطن عن التصويت على مسودة القرار البريطاني يأتي في إطار تقييم الإدارة الأمريكية لجميع السيناريوهات وصولًا لاستنتاج أي منها الأفضل. فيما أشارت وكالة بلومبيرغ إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبوظبي، هما من يقفان وراء من حث ترامب على تقديم الدعم لحفتر.

ما هي السيناريوهات المتوقعة لنتائج هجوم طرابلس؟

تعتبر العملية العسكرية التي تنفذها قوات حفتر على طرابلس مهمًة لتحديد مستقبل الصراع العسكري الليبي كونها ستحدد المرحلة السياسية القادمة للبلاد في حال انتهت بانتصار أحد أطرافها، فقد اعتبر مراقبوان أن التصعيد العسكري الأخير في حال أفضى لوقف إطلاق النار، فإنه قد يساهم بمساعدة حفتر على فرض حكم استبدادي في ليبيا، وفي حال استمرت المعارك فترًة أطول فإننا سنشهد حربًا بالوكالة نتيجة تقديم أطراف دولية مختلفة الدعم العسكري لطرفي الصراع العسكري في ليبيا.

وإذا تمكنت قوات حفتر من السيطرة على طرابلس، ورضخ الاتحاد الأوروبي الذي يعارض الهجوم على المدينة إلى جانب الأمم المتحدة للنتيجة، فإنه يتوجب على الجهات الأممية إرسال قوات لحفظ السلام، وضمان إجراء انتخابات برلمانية جديدة، وتشكيل حكومة تكنوقرط تهيئ لها.

اقرأ/ي أيضًا: مغامرة حفتر في طرابلس.. ما فرص طرفي الصراع؟

كما تحدثت تقارير صحفية عن أن أفضل الخيارات تتمثل بموافقة الأطراف الدولية على إصدار قرار لوقف إطلاق النار، وإجراء مؤتمر وطني تكون مخرجاته رسم خارطة سياسية جديدة في ليبيا تقدم لحفتر خيارًا للمشاركة في الحكومة الليبية، أما في حال بقي مصرًا على نهجه العسكري فإن ذلك سيؤدي لمزيد من التوتر، وزعزعة الاستقرار في ليبيا والمنطقة.

تسعى روسيا من خلال دعمها حفتر لوضع موطئ قدم جديدة لها في أفريقيا، بالإضافة إلى إدراكها الأهمية الاستراتيجية للسواحل الليبية المطلة على المتوسط، والإنتاج النفطي في ليبيا

وعليه فإن مستقبل إنهاء الصراع العسكري في ليبيا متوقف على توافق الأطراف الدولية مع الأطراف التي تقدم الدعم العسكري للواء خليفة حفتر بالوصول لقرار نهائي يلزم طرفي الصراع الليبي بوقف إطلاق النار، والبدء بإعداد لمؤتمر حوار وطني يؤسس لمرحلة انتقالية في ليبيا، وإلا فإن البلاد على وشك الدخول في مرحلة جديدة من العنف الدموي تضاف إلى السنوات السابقة التي أدت إلى تمزيقها لمناطق نفوذ بين جميع الأطراف بدعم دولي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 الغارات المصرية على ليبيا.. بعيدًا عن داعش وفي خدمة حفتر