22-سبتمبر-2017

من فيديو الاستعراض العسكري لقوات حفتر خلال زيارته لتونس (يوتيوب)

"هذه فضيحة حقيقية لرئاسة الجمهورية التونسية، وتجاوز للأعراف ليس له أي مبرر، وخرق لتقاليد الأمن الرئاسي"، هذا ما صدر عن عدنان منصر، القيادي بحزب حراك تونس الإرادة ومدير الديوان الرئاسي سابقًا زمن الرئيس محمد المنصف المرزوقي، وهو بذلك من المطلعين على خفايا البروتوكول الرسمي في استقبال المسؤولين الأجانب.

انتقد عديد التونسيين مقطع فيديو يبرز استعراضًا عسكريًا لحفتر في تونس معتبرين أنه يمس من السيادة ويشكك في قدرات الأمن التونسي

وقد صدر هذا الرد عن عدنان منصر إبان انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، نشره مكتب الإعلام لقوات حفتر (تطلق على نفسها القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية)، ومقطع الفيديو استعراضي للقوات الخاصة التي رافقت المشير خليفة حفتر في زيارته الأخيرة والقصيرة إلى تونس يوم الاثنين 18 أيلول/سبتمبر الحالي. حيث يظهر الفيديو أكثر من 30 نفرًا مسلحين، امتطوا الطائرة العسكرية الخاصة التي نقلت سيارات رباعية الدفع تابعة لموكب حفتر. والتقط الجنود صورًا جماعية في مدرج الطائرات بمطار تونس قرطاج الدولي قبل انطلاق طائرتهم عائدة إلى ليبيا.

مقطع الفيديو المنتشر لم يكن إذًا تسريبًا غير مقصود، كان هناك هدف أو ربما أهداف عدة من نشره على يوتيوب وتوسع انتشاره إلى مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، ولذلك اعتبر المتفاعلون مع الموضوع أنه "حمّال رسائل". عدنان منصر، مدير الديوان الرئاسي سابقًا، قال في تدوينة له على موقع "فيسبوك" إن الرسالة الأولى "أن الاستعراض إماراتي مصري بالدرجة الأولى"، بالعودة للدعم الذي يجده حفتر من السيسي وحلفائه الإماراتيين والذين يسعون من خلاله لتحجيم الدور التونسي في حل الأزمة ليبيًا وهو ما قد يفسر ما برز في الفيديو من إظهار للقوة وتجاوز للأعراف.

اقرأ/ي أيضًا: تلاعب دبلوماسي وعسكري.. ماذا يُجهّز السيسي لليبيا برعاية أبوظبي؟

في ذات السياق وفي محاولة لقراءة رسائل الفيديو للتونسيين، جاء في تدوينة أخرى لعماد الدايمي، النائب بمجلس نواب الشعب التونسي وعضو لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس: "خليفة حفتر تعمد إهانة تونس واستفزاز مشاعر التونسيين عبر نشر مكتبه الإعلامي فيديو استعراضي يظهر فيه أنه جلب معه.. وحدة حماية شخصيات من 30 نفرًا بالزي الحربي، والحال أن المرافقة الأمنية لكبار المسؤولين الأجانب تكون بعدد محدود وبلباس مدني وسلاح خفيف غير ظاهر. وجلب معه سيارة رسمية تنقل بها إلى قصر قرطاج مع سيارة أمنية خاصة، والحال أن كل كبار ضيوف تونس، بما فيهم الرؤساء والأمراء والملوك، يتنقلون في البلاد في سيارات المراسم التونسية بقيادة ضباط الأمن الرئاسي الأكفاء".

يذكر أنه منذ زيارة الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى تونس سنة 1979، لم يحضر أي ضيف رسمي مرفوقًا بقوات مشابهة في زيارة رسمية إلى تونس. في هذا السياق، يوضح عدنان منصر في تدوينة على صفحته الرسمية: "ما لا يعلمه كثيرون هو أن لبلادنا وخاصة لجهاز الأمن الرئاسي تقاليد في هذا الشأن، وهو أن الضيف يترك نفسه في حماية الأمن الرئاسي ما عدا حماية لصيقة محدودة العدد، عكس ذلك تمامًا هو ما وقع". واستطرد عدنان منصر: ما حصل "لم يتم حتى بمناسبة زيارة هيلاري كلينتون لقصر قرطاج في 2013، حيث طُلب من الأمن الرئاسي تطبيق ما تعوّد عليه، ودون أي استثناءات".

منذ زيارة الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى تونس سنة 1979، لم يحضر أي ضيف رسمي مرفوقًا بقوات مشابهة في زيارة رسمية إلى تونس

كان إذًا للضيف الليبي استثناءات وشروط خاصة أمنية، في هذه الزيارة الأولى له لتونس رسميًا والتي طال انتظارها خاصة بعد الدعوة التونسية، ومن الواضح أن الرئاسة التونسية قبلتها وخالفت أعرافها. هنا تذكر رواد مواقع التواصل عبارة ارتبطت بقائد السبسي، الرئيس الحالي التونسي، وهو الذي ارتكز عليها خلال حملته الانتخابية في موفى 2014 وهي حرصه إعادة "هيبة الدولة" كما ردد، فتهكموا بعبارات مختلفة منها قول البعض إن "هذه الهيبة ليست بضاعة قابلة للتصدير فيما يبدو".

 

 

رواد مواقع التواصل الاجتماعي طرحوا عديد الأسئلة، دون إجابة من أحد المسؤولين في الرئاسة التونسية، إلى حد تاريخ كتابة هذه الأسطر ومنها عن سبب قبول الرئاسة بهذه القوات وما رافقها من استعراض للقوة على جزء من الأراضي التونسية مع العلم أنها المرة الأولى التي ينشر فيها قسم الإعلام التابع لقوات حفتر فيديوهات مشابهة. من الأسئلة المتداولة أيضًا إن كان الأمر يتعلق بتشكيك في قدرات الأمن الرئاسي التونسي وهي الوحدات المعروفة بتميزها في تونس وحسن تكوينها، أم هو تشكيك في استقرار تونس بشكل عام.

البعض اعتبر أنه لا معنى لـ"رفض المارينز وقبول قوات حفتر" باعتبار أن كلتاهما قوات أجنبية على الأراضي التونسية في تلميح لتصريح عبد الكريم الزبيدي، وزير الدفاع الحالي، والذي صرح أنه في أحداث محاولة اقتحام السفارة الأمريكية في تونس في أيلول/ سبتمبر 2012، كان حينها وزيرًا للدفاع أيضًا ورفض "معاضدة قوات من المارينز لجهود الأمن التونسي في السيطرة على الوضع".

يقول عماد الدايمي في تدوينته على صفحته الرسمية: "هذا السلوك من حفتر مشين جدًا على المستوى البروتوكولي ومهين جدًا على المستوى الرمزي، ويحمل في طياته تشكيكًا مقصودًا في استقرار تونس واستصغارًا لمؤسساتها وأمنها".

وقد حمّل معظم النشطاء على مواقع التواصل رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية التونسية المسؤولية، نظرًا لقبولهما بما اعتبره النشطاء "استفزازًا مقصودًا للتونسيين". فيما اعتبر البعض أن "تعمد إهانة السيادة التونسية ليس جديدًا على حفتر"، حيث ذكر الصحافي التونسي المختص في الشأن الليبي سيف الدين الطرابلسي على حسابه الخاص في موقع "فيسبوك": "حفتر سبق وأن تطاول على تونس وسيادتها بالكلام، واليوم يتعمد إهانة سيادة الدولة وهيبتها ومؤسساتها الأمنية.. يوثق الأمر بالصورة وينشر وما خفي أعظم.. فقط للتذكير يوم 26 يوليو الماضي قال حفتر على قناة فرنسا 24 :"نقبض على الإرهابيين في ليبيا ونطلق سراحهم على الحدود التونسية".

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ جاء عن الدايمي أيضًا أن "مصالح الرئاسة والخارجية فتحتا القاعة الرئاسية الشرفية لحفتر والحال أنها مخصصة للرؤساء والملوك والأمراء ورؤساء الحكومات، في حين يمرّ الوزراء وبقية كبار الضيوف بالقاعة الوزارية. وصفته كـ"قائد عام للقوات المسلحة الليبية" لا تخوّل له أكثر من المرور بالقاعة الوزارية".

اعتبر البعض أن من الاستعراض العسكري لحفتر في تونس هو استعراض مصري إماراتي بالأساس ويكشف تحجيمًا للدور التونسي ليبيًا

الاحتجاج امتد إلى عديد الفاعلين السياسيين، على اختلاف الطيف الحزبي، ومنهم حتى الممثلين في حكومة الشاهد الحالية والسابقة. عصام الشابي، أمين عام الحزب الجمهوري، تساءل في تدوينة على صفحته الخاصة في موقع "فيسبوك": "ماذا أصاب الدولة التونسية اليوم؟". موضحًا: "عادت بي الذاكرة إلى حادثة جدت أثناء زيارة الرئيس الشهيد صدام حسين إلى تونس سنة 1979 واعتراض الرئيس بورقيبة على قبول المرافقة المسلحة الزائدة عن اللزوم وتبليغه عند استقباله في المطار أن أمنه وسلامته على التراب التونسي شأن الدولة التونسية التي لا تقبل وجود مظاهر مسلحة من خارج قواتها على أراضيها".

يذكر أن عديد القوى السياسية في تونس تراهن على حفتر وتؤكد على دوره في مستقبل ليبيا، وعلى توليه الحكم مستقبلًا مع تواصل حكم السيسي في مصر وتواصل الدعم الإماراتي خاصة لهما. ولذلك تدافع هذه القوى وأنصارها عن توجهات حفتر وتعتبره حليفًا استراتيجيًا. ولذلك استماتت أنصارها، على مواقع التواصل وخارجها، في تبرير استعراض قوات حفتر معتبرينه "عاديًا" في ظل الوضع الليبي ومقللين من حجم الاستفزاز الموجه للتونسيين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

​تعرف على محسن مرزوق.. وكيل المشروع الإماراتي في تونس

السراج وحفتر في الإمارات.. هل نضج الحل السياسي في ليبيا على طاولة غير محايدة؟