12-أبريل-2019

تملك طرابلس عدة خيارات لحسم المعركة ضد حفتر (Getty)

مشهد يبدو ثابتًا، مواجهات عنيفة، معارك كر وفر، تقدم من هنا وانسحاب بعده بساعات، وانتقادات دولية للفرصة الأخيرة واللحظة الحاسمة التي كان ينتظرها الجنرال المتقاعد المدعوم من مصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا، خليفة حفتر، قافزًا عن جميع الاتفاقات والالتزامات السابقة، ومستمرًا في حملة لا فائز فيها ولا مهزومًا، يسعى لاقتحام العاصمة عبر ثلاثة محاور ولكن قواته بالرغم من تفوقها من حيث الإمكانيات والدعم الذي يتلقاه من دول قوى عربية وغربية، إلا أنها ما زالت عند نفس الوضعية منذ إعلانه اقتحام طرابلس.

 تضع التحركات العسكرية والمواجهات التي يقودها خليفة حفتر، ليبيا في مستقبل قاتم وتطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الوضع على الأرض

أعلن حفتر استهدافه لطرابلس، مقدمًا على خطوة يعرف أنها لن تكون سهلة، وكما لم يكن للتعهدات السابقة صدى لدى الجنرال المتقاعد، فإن تقدمه باتجاه طرابلس سبق بـ10 أيام فقط، انطلاق مؤتمر الحوار الوطني، بمدينة غدامس الليبية تحت رعاية أممية.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يريد حفتر من حملته العسكرية على طرابلس؟

أما مخاوف المجتمع الدولي من كارثة إنسانية محتملة، وطلبات الهدنة الإنسانية، فإن الزعيم الإشكالي المدعوم من تحالف الرياض وأبوظبي، لم يلتفت لها، مستمرًا في حملته العسكرية لاقتحام طرابلس والقضاء على حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، وهو ما أدى في الأيام الثلاثة الأولى فقط للاشتباكات، إلى سقوط نحو 47 قتيلًا وإضابة 181 آخرين وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

 تضع تلك التحركات العسكرية والمواجهات والمعارك البلد النفطي ذا عدد السكان القليل، في مستقبل قاتم وتطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الوضع على الأرض.

قوات طرابلس

تواجه حكومة الوفاق التي تكتفي بالدفاع عن المدن الخاضعة لها، قوات حفتر في ثلاثة محاور، المحور الجنوبي بين مدينة غريان وطرابلس، وتتواجد في تلك المنطقة القوة الضاربة للطرفين، بالإضافة إلى العديد من المواقع الأمنية التابعة لحكومة الوفاق وكذلك مطار طرابلس.

 وفي ذلك المحور تتخذ قوات الوفاق من منطقة "قصر بن غشير"، القريبة من مطار طرابلس، مركزًا لعملياتها الجنوبية، وعلى المحور الغربي تتواجد قوات للدفاع عن مدينة الزاوية (45 كم غرب طرابلس) وهي تابعة لحكومة الوفاق، كما تتمركز قوات تتبع طرابلس أيضًا في المحور الثالث، جنوب شرق المدينة، بالقرب من مدينة عين زواره.

وتتشكل القوات العسكرية المدافعة عن طرابلس من ميليشيات وكتائب ومجموعات مسلحة، لا يضمها جيش موحد، وتختلف في الأفكار والأيديولوجيات، ما دفع بحكومة الوفاق لتشكيل غرفة عمليات مشتركة، تتصدر تلك المجموعات القوات الحكومية "الحرس الرئاسي والداخلية"، بالإضافة إلى مجموعات أخرى من بينها  ثوار طرابلس، الأكبر بين المجموعات المسلحة إضافة إلى كتائب "الردع، و النواصي، وبوسليم"، والمجموعات المسلحة من مدينة مصراتة (200 كليو متر من طرابلس)، ويعرف عنها أنها قوات كبيرة عددًا وعدادًا. حيث أكدت فضائل مصراته بشكل صريح دعمها لحكومة الوفاق.

 من الجانب الجنوبي الغربي، تظهر المجموعات المسلحة التابعة لحكومة فائز السراج في الزنتان، وتمتاز بالتدريب المتقدم وتتمركز بين المحورين الغربي والجنوبي، لدعم المحورين الغربي وجنوب الغربي، واستطاعت هذه القوات رد حفتر عندما حاول الدخول للمدينة منذ أيام.

قوات حفتر

تشبه قوات حفتر من الناحية التنظيمية قوات الوفاق، وتتشكل من بعض الميليشيات والمقاتلين القدامى في عهد القذافي، وليست جيشًا بالمعنى المعروف، إلا أن حفتر وبدعم إماراتي ومصري، منح لقواته الشكل النظامي، منذ سيطرته على شرق ليبيا عقب إطلاق عملية "الكرامة"، حيث أعاد الآلاف من العسكريين الذين عمل معظمهم ضمن قوات القذافي سابقًا، إلى القوة العمومية لما يطلق عليه القوات المسلحة الليبية، وفقًا لتصريحات أطلقها الناطق باسم القيادة العامة للجيش اللواء أحمد المسماري في آذار/مارس الماضي، كما ضاعف حفتر من الأنشطة التدريبية لقواته وأسس نحو 12 مركزًا للتدريب العسكري في كل من طبرق وسبها وبراك الشاطئ والمنطقة الغربية وبنغازي والجبل الأخضر وأجدابيا. فيما تخرج من تلك المراكز  نحو 9 دفعات من العسكريين على كافة المستويات.

إضافة إلى ذلك، يمتلك حفتر بعض الطائرات من حقبة نظام القذافي. وعلى الرغم من أنه لم يُعلن بشكل رسمي عن تقديم مصر والإمارات طائرات لحفتر، غير أن تقريرًا أمميًا سابقًا اتهم، أبوظبي بتقديم مروحيات قتالية وطائرات حربية للجنرال المنشق، ما يعد انتهاكًا لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا. وخلال الشهور الماضية استطاع حفتر التقدم نحو الوسط والجنوب الليبي وسيطر على عدد من المواقع الاستراتيجية وآبار البترول.

من أبرز المناطق العامة التي سيطر عليها حفتر كانت "قاعدة الجفرة" في وسط لبيبا، المركز الرئيسي لقواته، وتعد نقطة شديدة الأهمية في الصراع وذات موقع استراتيجي، تمكنه من السيطرة على أغلب المناطق في ليبيا، وهناك قاعدة الوطية الجوية جنوب غرب العاصمة، والتي استولى عليها منذ وقت قريب واستعان حينها بقوات من بنغازي وأخرى ساندته من الزنتان والرجبان، وفي المحور الجنوبي الشرقي يسيطر حفتر على مدينة ترهونة (88 كيلو متر في الجنوب الشرقي لطرابلس)، بفضل مجموعات عسكرية انضمت له تعرف باسم اللواء التاسع  (اللواء 22 قديمًا)، والذي أعلن منذ عدة أيام تبعيته لحفتر.

إلى جانب ذلك هناك اللواء السابع في ترهونة، وهو أقرب لحفتر من حكومة الوفاق، وعلى طريقة أبناء القذافي يقود صدام نجل حفتر أحد الكتائب المقاتلة وهي "الكتيبة 106"، التي تتولى الهجوم من المحور الجنوبي، وكشف تقرير أممي سابق أن صدام حفتر قام في 2017، بالاستيلاء على فرع مصرف ليبيا المركزي في مدينة بنغازي، ونقل كميات كبيرة من النقود والفضة إلى جهة مجهولة.

الوضع على الأرض

تدور غالبية المعارك في المحور الجنوبي، خاصة حول مطار طرابلس، وبالرغم من توقف المطار عن العمل إلا أنه يشكل قيمة رمزية واستراتيجية للقوات التي تحوز عليه، وبشكل شبه يومي تسيطر قوات حفتر على المطار في الليل وتستعيده قوات الوفاق مرة أخرى قرب الصباح.

 وإضافة لاشتباكات المطار هناك مواجهات عنيفة في الطريق من غريان إلى طرابلس عبر محور مدينة العزيزية، تمكنت فيها قوات حفتر من السيطرة على مواقع عسكرية تابعة للوفاق ولكن القوة المشتركة استعادتها مرة أخرى.

دفعت صعوبة المعارك في المحور الجنوبي بحفتر للتفكير في تشتيت انتباه قوات الوفاق بالهجوم على طرابلس عبر المحور الجنوبي الشرقي والغربي، ولكنه وجد صعوبة كبيرة في كلا الجانبين، كان أكثرهما خسارة لقواته المحور الغربي، عندما قرر التقدم عن طريق "اللواء 106 مجحفل" و"الكتيبة 107 مشاة"، والسيطرة على مدينة الزاوية والبوابة 27، بعد احتلال كل من مدينة صبراتة ثم مدينة صرمان (نحو 60 كم غرب طرابلس) دون اشتباكات.

ومع دخول حفتر لمدينة الزاوية (45 كم غرب طرابلس) اكتشفت قواته أنهم وقعوا في كمين معد بشكل محترف ودون اشتباك أيضًا تم أسر العشرات من قوات شرق ليبيا التابعة له، بعد أن سلمت كامل معداتها، التي تصل لنحو 47 عربة مدرعة إلى جانب الأسلحة.

يعتبر حفتر مدينة الزاوية مهمة لحملته، فلو تم الاستيلاء عليها قطع الطريق على أي دعم غربي لطرابلس، كما أن الزاوية من مدن ساحل الأبيض المتوسط وفوق كل ذلك، تضم مصفاة "الزاوية لتكرير البترول" التي تبلغ طاقتها التكريرية 120 ألف برميل يوميًا من الخام الخفيف، ولو استطاع حفتر السيطرة عليها سيكون لديه النسبة الأكبر من آبار البترول والمصافي الكبيرة في ليبيا.

في المحور الجنوبي والغربي حاولت قوات حفرت اقتحام طرابلس عبر المحور الجنوبي الشرقي، في مدينة عين زاره، وخلال الساعات الماضية شهدت المدينة اشتباكات عنيفة واستطاعت قوات حفتر السيطرة على مقر كتيبة 42 التابعة لقوات حكومة الوفاق، لكن قوات طرابلس استطاعت العودة من جديدة ووقف تقدم قوات حفتر لاقتحام طرابلس من خلال تلك النقطة.

حفتر بلا بديل

لا يملك حفتر بديلًا عن الحرب فهو وفقًا لبعض الآراء وكيل أعمال لدول خلفه، وخسارته آبار البترول والقواعد والمدن، تعني خسارة كبيرة للدول الداعمة. فيما لا يبدو أن الاستسلام أو التسوية السياسية، قد يرضي طموح العواصم الداعمة له في أبوظبي والرياض والقاهرة، بالإضافة إلى الدول الغربية مثل فرنسا، بعد التكلفة الباهظة للدعم الذي حصل عليه حفتر ماليًا وعسكريا.

ولذلك سيضطر لاستخدام كافة الأساليب والطرق للحسم على الأرض، من بينها تشتيت وشراء بعض العسكريين الموالين لطرابلس، أو في مدن أخرى، كما حدث مع بعض الفصائل المسلحة في صبراتة وصرمان والعجيلات وترهونة، منتصف شباط/فبراير الماضي، التي أعلنت ولائها لحفتر.

كما أن لدى حفتر سلاحًا مهم آخر وهو البترول، ومنذ سيطرته على أغلب المناطق المناوئة له في الشرق الليبي وخاصة مدينة درنة، ثم تحركه في كانون الثاني/يناير الماضي للسيطرة على الجنوب، وانطلاقه عبر محور الوسط إلى الغرب الليبي وصولًا لمشارف طرابلس، استهدف حفتر أماكن النفط، وتمكنت قواته من السيطرة على أكبر الآبار البترولية في ليبيا.

ورقة النفط جزء هام من الحرب في ليبيا، ويمكن للواء المتقاعد أن يقدم بها نفسه كقائد عسكري رافض للجماعات الإسلامية ومسيطر على النفط وضامن لاستمرار تدفقه، وبيعه للغرب عن طريق تفاهمات. في هذا السياق، فإنه تم التعاون بين فرنسا وقوات حفتر الجوية في توجيه ضربات للمعارضة التشادية في جنوب ليبيا في شباط/فبراير الماضي، وبفضل ذلك التعاون تمكن حفتر مع صمت دولي من استهداف بعض قوات حماية المنشآت النفطية بطلعات جوية.

فرص طرابلس

 في المقابل تملك طرابلس ثلاث نقاط قوة في الحرب، أولها استمرار العمل المشترك والتنسيق الواسع بين معارضي حفتر وأغلبهم ليسوا من أنصار حكومة الوفاق، واختلاف الفرقاء قد يكون نقطة قوة لو استمر العمل المشترك. حيث يمكن استغلال ذلك في خداع حفتر كما حدث في الزاوية. أما الفرصة الثانية فتتجسد في قدرة المجموعات العسكرية على "الالتفاف والكمائن"، نظرًا لمعرفة تلك القوات من أهل المدن، بتضاريس المناطق القريبة منها، وفي حال ما استطاعت تأمين غطاء جوي لها يمكنها قطع طرق الإمدادات بين قوات حفتر في بنغازي والوسط والمناطق القريبة من طرابلس، وكذلك يمكن لبعضها مهاجمة بنغازي في عمليات سريعة تستهدف قوات حفتر، وتدفعه لاستعادة بعض القوات لتأمين بنغازي.

اقرأ/ي أيضًا: تلاعب دبلوماسي وعسكري.. ماذا يُجهّز السيسي لليبيا برعاية أبوظبي؟

ترتبط ثالث الفرص المتاحة لطرابلس للحسم، بـ"المرونة الدبلوماسية"، فما زالت حكومة طرابلس تحصل على الدعم الدولي بالرغم من التأييد الذي تظهره بعض الدول لحفتر من بينها روسيا وفرنسا وكل منهما عطل مشروع قانون ضد حفتر في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي على الترتيب، إلا أن هناك دولًا أخرى يمكنها الضغط والدفع بقرارات دولية تضمن وقف العمليات وتأمين حياة المدنيين في ليبيا.

كما لم يكن للتعهدات السابقة صدى لدى خليفة حفتر، فإن تقدمه باتجاه طرابلس سبق بـ10 أيام فقط، انطلاق مؤتمر الحوار الوطني، بمدينة غدامس الليبية تحت رعاية أممية

تدفع تلك الفرض الثلاث باتجاه تفوق قوات طرابلس على الأرض، وقدرتها في المواجهات المباشرة، التي لم يتمكن حفتر للحظة في الحفاظ على أي انتصار خلالها لأكثر من يوم، فكل تقدم يقابله تراجع وخسارة، ولو استطاع  حلفاء حكومة طرابلس من المجموعات المقاتلة الاستمرار في التعامل المشترك وبدء تحركات هجومية مدروسة، فإن الاحتمال يبقى مفتوحًا وقويًا لتلقي قوات حفتر هزيمة كبيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 الغارات المصرية على ليبيا.. بعيدًا عن داعش وفي خدمة حفتر