25-يناير-2019

اكتسبت التظاهرات في السودان دعمًا شعبيًا أوسع (فيسبوك)

الترا صوت - فريق التحرير

انتفضت غالب منابر الجمعة في وجه السلطات السودانية بصورة لافتة، واتسعت موجة الرفض الشعبي لتعامل القوات النظامية مع المتظاهرين، دون أن تؤثر تلك المعاملة الوحشية على سلمية التظاهرات التي تكتسب كل يومًا مؤيدين جددًا وتأييدًا شعبيًا.

بعد عمليات الكر الوفر والاعتقالات في السودان وتصاعد نيران الإطارات المشتعلة وقنابل الغاز المسيل للدموع، انتهى المشهد العاصف بسقوط اثنين من الشباب

انتهى يوم الخميس عاصفًا ودمويًا بعد انطلاق موكب التنحي الذي دعى له تجمع المهنيين السودانيين، وحدد له نحو 19 نطقة انطلاق صوب القصر الرئاسي، واجهتهم الشرطة والقوات الأمنية كالعادة بالقمع، دون أن تحد من تلك التظاهرات التي انتظمت في أكثر من خمسين موقعًا داخل وخارج العاصمة الخرطوم، على نحوٍ من التفاعل والالتحام لم يكن في الحسبان.

قتلى ودهس ودموع

بعد عمليات الكر الوفر والاعتقالات وتصاعد نيران الإطارات المشتعلة وقنابل الغاز المسيل للدموع، انتهى المشهد العاصف بسقوط اثنين من الشباب أحدهما طالب في كلية الطب وفقًا للجنة الأطباء المركزية، التي ذكرت في بيانها أن  محجوب التاج محجوب إبراهيم، الطالب بكلية الطب جامعة الرازي، قتل بسبب التعذيب في المعتقل على يد قوات أمنية، بينما قتل الطالب عبد العظيم بابكر (22) عامًا برصاصة مباشرة في الصدر، وتم تصوير عملية القتل وعرضها في مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة السودان تعبر نحو البرلمان والبشير يستعين بالروس!

ولعل المشهد الذي بدا أكثر بشاعة هو عمليات الدهس بسيارات تابعة لقوات نظامية في منزل عزاء أحد الشهداء، حيث قامت السيارات بدهش الشباب أمام منزل العزاء، ونقل أحدهم إلى المستشفى في وضع حرج. واعتبرت منظمات حقوقية أن عدد القتلى تجاوز الخمسين منذ انطلاق التظاهرات في كانون الأول/ديسمبر، بينما قال المتحدث باسم لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة السودانية عامر محمد إبراهيم، إن عدد القتلى ارتفع إلى 29 ومع ذلك لم يسلم صيوان عزاء محجوب من الاعتداء وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريغ المحتجين، وهو ما تسبب في حالات اختناق وسط النساء والمعزيين.

المهدي يخرج من صمته

في أم درمان، أدى رئيس حزب الأمة القومي وزعيم الأنصار الصادق المهدي صلاة الجمعة بعد غيبة طويلة استمرت لنحو عام تقريبًا، وذرع الدموع على الشهداء. وأعلن المهدي وهو آخر رئيس في حكومة ديمقراطية كانت قد انقلبت عليها الحركة الإسلامية، دعمه للثورة ومطالب المحتجين، داعيًا البشير إلى التنحي وإقامة "البديل الديمقراطي" على حد وصفه.

وكشف المهدي عن 20 مجموعة سياسية ومدنية حقوقية قال إنها ستوقع على إعلان الحرية والتغيير، كما دعى لتسيير موكب واعتصمات داخل وخارج السودان حتى سقوط النظام، محذرًا الأجهزة النظامية من سفك دماء الأبرياء، مؤكدًا أن أهم مطالب ميثاق الخلاص تتمثل في رحيل النظام، وبأن تحل محله حكومة انتقالية قومية واجبها "تحقيق السلام العادل وكفالة حقوق الإنسان والحريات، وتطبيق برنامج اقتصادي إسعافي لرفع المعاناة عن الشعب وتطبيق برامج الإصلاح البديلة، وعقد المؤتمر القومي الدستوري لكتابة دستور البلاد" .

انتفاضة منابر الجمعة

تزامنًا مع دعوات للتظاهر والخروج للميادين، أشهرت منابر الجمعة غضبة ضارية في وجه حكومة الرئيس البشير، وهو خطاب غير معتاد، حيث إن الدولة تسيطر على منابر الجمعة وتقوم بتوجيهها في خدمة السياسات الحكومية، لكن تبدلًا مفاجئًا ضرب تلك العلاقة، فيما ييدو، حيث هاجمت معظم خطب الجمعة الحكومة بسبب الفساد وقتل المتظاهرين والاعتداء على النساء، إلى درجة أن بعض الأئمة نزع عن حكومة البشير أي صفة إسلامية، وقال الشيخ حسن عثمان زرق القيادي في حركة الإصلاح الآن من فوق المنبر، إنه "لا يوجد مشروع إسلامي ولا مشروع حضاري لدى الحكومة وهذه أوهام"، على حد وصفه. وشن هجومًا شديدًا على النظام و قواته وشبههم بفرعون و جنوده، كما حث رزق أيضًا الجيش بالوقوف مع الثورة والانقلاب على النظام بالصورة التي فعلها "المشير سوار الذهب"، موضحًا أن "الثورة ليست ثورة شيوعيين كما يروج النظام، إنما هي ثورة شعب".

أما الشيخ عبد الحي يوسف إمام مسجد سيد المرسلين، فقد تبرأ من سفك الدماء وانتهاك الأعراض وكثرة الجبايات، وأخذ أموال الناس بسبب وبدون سبب، وفقًا لخطبته، مشيرًا إلى وجود فساد يستوجب الحرب، كما أفتى بأن عمل المسؤولين وأقربائهم في التجارة لا يجوز في الشرع الإسلامي ولا الدول التي تحترم قوانينها. وعلى ذات النحو جاءت خطبة الشيخ مهران عثمان عن سفك الدماء وضرب الناس ظلمًا، وأدى مهران صلاة الغائب على قتلى المظاهرات، ومضى على إثره الشيخ محمد الأمين إسماعيل، منتفضًا في وجه السُلطة.

في السياق عينه، طالب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الحكومة السودانية بحماية حق التعبير السلمي ومنع الاعتداء على المتظاهرين، والإسراع برفع المعاناة عنهم، ومعاقبة الفاسدين والمعتدين. ونصح الاتحاد في بيان حصل "ألترا صوت" على نسخة منه، البشير بعدم تعديل الدستور والترشح لدورة جديدة، داعيًا إلى "معاقبة كل من ثبت تورطه في إزهاق نفس معصومة سواء كان من الجانب الحكومي، أو من جانب المتظاهرين، أو المندسين فيهم". كما طالب بمساعدة السودان وضرورة محاسبة المسؤولين الذين أفضوا بالناس إلى هذه الأحوال والمآلات.

اقرأ/ي أيضًا: الشارع السوداني ينتفض ضد الجوع والقمع.. لا شيء لدى السلطة إلا "البوليس"

موكب الزحف الأكبر

في مواصلة للتصعيد الاحتجاجي، أعلن تجمع المهنيين السودانيين موجة جديدة من المظاهرات تنتظم فيها كل مدن السودان، ودعى التجمع في بيان تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، إلى اعتصامات في الميادين ومظاهرات ليلية تستمر منذ بداية الأسبوع الحالي وتنتهي بما أسماه موكب "الزحف الأكبر".

دعى تجمع المهنيين في السودان إلى اعتصامات في الميادين ومظاهرات ليلية تستمر منذ بداية الأسبوع الحالي وتنتهي بما أسماه موكب "الزحف الأكبر"

واعتبر التجمع أن اتساع الانتفاضة من حيث الكم والكيف، وطرق الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والإضرابات الجزئية من شأنها أن تشكل ضمانة لتسرّع إعلان العصيان المدني والإضراب السياسي العام، مناديًا إلى اعتصامات في ميادين سيعلن عنها لاحقًا الأحد، مع تنظيم وقفات احتجاجية أمام سفارات السودان ومقار الأمم المتحدة للجاليات، كما طلب بما أسماه "التوقيع على دفتر الحضور الثوري للأحياء والمدن" الراغبة في المشاركة يوم السبت، مع مظاهرات ليلية، وهي غالبًا استجابة لرغبة المؤيدين للتجمع، إذ يعتبر أنه يستمد شرعيته من تلك المطالب، بجانب دعوته لرحيل النظام. ولعل أكثر ما أزعج النظام أن قيادة التجمع غير معروفة، بينما يرفض هو الإعلان عن قيادته خشية من الاعتقالات وضرب تحركاته السرية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عام الثورة على المأساة في السودان

عطش بورتسودان وظلامها.. احتجاجات تعم عاصمة البحر الأحمر السودانية