11-يناير-2019

وصل العنف لقمع الانتفاضة السودانية إلى مراحل جديدة (تويتر)

الترا صوت – فريق التحرير

دخلت انتفاضة السودان منتصف هذا الأسبوع مرحلة التلويح بالجيش، الذي وصف بالشريك الغائب، للتدخل وحفظ أرواح المواطنيين، وجاءت الدعوات سواءً بسواء من الحكومة والمعارضة، لكن الجيش لم يحرك ساكنًا رغم الرجاءات المتواصلة، وظل يتفرج على عُنف السلطة وتوحش آليات قمعها إلى درجة سقوط عشرات القتلى والمصابين من الثوار العزل.

في حال تأكد استعانة البشير بجنود روس لقمع التظاهرات الأخيرة، فإن ذلك يشكل منعطفًا خطيرًا في تطورات الأوضاع السودانية، وربما يستعيد نموذج النظام السوري في السودان

لم تكتف الحكومة بقمع التظاهرات وإطلاق الرصاص الحي، وإنما أقدمت على خطوة وصفت بالاستفزازية، وهى تنظيم تجمع لمناصرة عمر البشير في الساحة الخضراء بالخرطوم، حُشد له كوادر الحزب الحاكم وعمال القطاع الحكومي، وطلاب الخلاوى، أسوة بالحشود التي كان يخاطبها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وعلي عبد الله صالح في اليمن. وجاءت الخطوة في السودان لتأكيد زعامة البشير كونه لا زال يتمتع بشعبية، وسط شكوك أيضًا بأن الحشود المصنوعة التي أدى أمامها الرئيس رقصة سودانية حماسية خرجت تحت وقع التهديد، لا سيما وأن الأزمة الاقتصادية انسحبت على كل فئات المجتمع السوداني.

اقرأ/ي أيضًا: جمعة الغضب في السودان.. السلطة تقمع والشعب يواصل احتجاجه

موكب البرلمان تحت الرصاص

في مدينة أم درمان العاصمة التاريخية غرب الخرطوم، خرجت المظاهرات التي دعا لها تجمع المهنيين السودانيين، بعد ساعة واحدة من حشد الساحة الخضراء، وتوجهوا إلى مبنى البرلمان لتسليم مذكرة تطالب بتنحي البشير، إلا أن القوات الأمنية تصدت لهم بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، مما أدى إلى مصرع اثنين وإصابة العشرات من الشباب المحتجين، وتحولت في الحال صورة القتلى الشباب إلى أيقونة سودانية تلهم البقية، وتقدح في الانتفاضة روحًا أقوى ومطالب جديدة بمحاسبة القتلى.

تحول الشارع المؤدي إلى مبنى البرلمان إلى ثكنة عسكرية، ومئات العربات المدججة بالأسلحة الثقيلة، منذ صباح الأربعاء، ومع ذلك تقدم المحتجون وهم يهتفون "سلمية سلمية..  حرية حرية"، بجانب الهتافات الثورية المنادية برحيل النظام، فيما خرجت النساء في أحياء أم درمان لدعم الثوار وتقديم المياه والطعام، وتدافعت الحشود رغم العنف الوحشي الذي قابلتهم به قوات الشرطة والأمن، حيث احتمى بعض الشباب بجدار السلاح الطبي المجاور لمبنى البرلمان، وتدخل الجيش لحمايتهم، ومنع قوات الأمن من ضربهم واعتقالهم.

التلويح بالحرب الأهلية

عصر ذات اليوم، أعلنت لجنة الأطباء المركزية اقتحام قوات النظام مستشفى حوادث أم درمان، مما تسبب في ترويع المرضى والمرافقين، وأعلن الأطباء في المستشفى الإضراب العام عن العمل بسبب ذلك الانتهاك، وسط نقص حاد في المعينات والكوادر الطبية، وهي حالة وصفها البعض بأنها دليل رعب قادة النظام. حيث هدد نائب الرئيس السابق علي عثمان محمد طه بالحرب الأهلية، قائلًا "لن نسمح بسقوط الحكومة، وعندنا كتائب ظل جاهزة للتضحية بأرواحها"، واصفًا البشير بأنه أفضل رئيس حاليًا "لأنه شجرة مثمرة، وهو رمانة الميزان" على حد وصفه. وأثار حديث علي عثمان ووعيده حالة من الغضب والاستنكار في الشارع السوداني، وهو ما تحقق فعليًا في موكب الأربعاء حيث انتشرت مجموعات ملثمة، كانت تطلق الرصاص الحي، على رؤوس وصدور المحتجين العزل.

عصيان ومقاطعة اجتماعية

وبالفعل تسببت موجة العنف الرسمي في إطلاق دعوات تنادي بمقاطعة أفراد النظام وعدم التعامل معهم بأي صورة، ومقاطعتهم اجتماعيًا، ووجدت دعوات المقاطعة الاجتماعية استجابة واسعة من عديد الناشطين، تمهيدًا لإعلان العصيان المدني الشامل، وبنفس الطريقة التي رفع بها أنصار النظام شعار "تقعد بس"، رفع المتظاهرون شعار "تسقط بس"، في إشارة للحكومة. عطفًا على ذلك قالت مجموعة دول "الترويكا" إنها روعّت بسبب التقارير التي تحدثت عن وقوع وفيات وإصابات خطيرة وسط المتظاهرين سلميًا في السودان، واستخدام قوى الأمن الرصاص الحي في مواجهتهم، بجانب الاعتقالات التي طالت ناشطين وسياسين، وحثت الحكومة على التحقيق بشأنها ومحاسبة الجناة. وهو البيان الثاني للترويكا منذ اندلاع الاحتجاجات، بينما رفضته الخارجية السودانية ووصفته بالمتحامل.

الرئيس والجيش والفئران

لوح الرئيس البشير بخيار الجيش، وقال في مدينة عطبرة التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات، "لا أمانع من تسليم السلطة للقوات المسلحة، والتي عندما تتحرك كل فأر حا يدخل (سيدخل) جحره"، على حد وصفه، مضيفًا أمام حشد عسكري: "الذين تآمروا على السودان بكل أسف زرعوا وسطنا بعض العملاء وبعض الخونة الذين استطاعوا أن يستغلوا بعض ضعاف النفوس الذين كسروا وحرقوا وخربوا"، لكنه عاد في لقاء الساحة الخضراء بصورة أقل استفزازية وتعهد بتسليم السلطة للشباب بعد تنظيف صفوفهم وتنظيمها، فيما بدا للبعض كأن اللهجة الجديدة من قبل الرئيس جاءت كمحاولة امتصاص لحماس الشباب، لكن أحدًا لم يتعرف على مقصد البشير من التلويح بخيار الجيش، وهل المقصود إزجاء رسالة في بريد حزبه الذي تثاقل عن مناصرته، أم في بريد القوى المعارضة.

في السياق عينه، كشفت مصادر صحفية عن حالات رفض واسعة وسط قادة النظام لتعامل القوات الأمنية مع المتظاهرين، وطالب نافع علي نافع أبرز قيادات الحزب الحاكم بفتح الساحة الخضراء للمحتجين، للتعبير عن مطالبهم، وكشفت المصادر عن اجتماع مغلق بين البشير و بعض الوزراء خاطبهم فيه قائلًا: "أنا اتخذلت في حكومتين"، قبل أن يرفع يده ملوحًا "إذا رقبتي طارت ما ح تطير براها".

بينما أعلن وزير الداخلية السوداني اعتقال نحو 800 شخص من المحتجين، شككت منظمات حقوقية في تلك النسبة، وقال كامل إدريس رئيس محكمة التحكيم والوساطة الدولية في حوار تلفزيوني أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وأنه لا يقل عن ألفي شخص. وانتقد إدريس تعامل السلطات السودانية مع المحتجين الذين خرجوا للتعبير عن حقوقهم التي يكفلها الدستور. وعلى نحو آخر حذر الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السابق، البشير من قتل المظاهرين، وقال في خطبة الجمعة الماضية موجهًا رسالة للبشير: "إذا كان جنودك يقتلون الناس بالرصاص، وأنت تقول إنك إسلامي، فما الفرق بينك وبين السيسي في مصر؟".

الاستعانة بالروس لقمع المحتجين

ولعل أكثر ما أثار استغراب السودانيين ظهور حاملات جنود روس أثناء تنظيم موكب الأخير الذي كان متوجهًا للقصر الجمهوري وتسليم مذكرة تطالب بتنحي البشير. والتقط عدد من الشباب صور حاملات جنود غريبة تتجول في الخرطوم وداخلها جنود غير سودانيين، وهى الحيرة التي ظلت عالقًة إلى أن نشرت صحيفة "التايمز" تقريرًا لمراسلتها جين فلانغان، تحدثت فيه عن التظاهرات السودانية، تحت عنوان "المرتزقة الروس يساعدون في قمع احتجاجات السودان".

اقرأ/ي أيضًا: الشارع السوداني ينتفض ضد الجوع والقمع.. لا شيء لدى السلطة إلا "البوليس"

وأشار التقرير إلى رؤية مرتزقة روس في العاصمة السودانية الخرطوم أثاروا قلقًا من محاولة الكرملين دعم نظام عمر البشير، وذلك بسبب تبني روسيا لزيارة البشير الأخيرة إلى سوريا، لكسر عزلة نظام الأسد. ونقل التقرير أيضًا عن مصادر في المعارضة السودانية قولها إن مرتزقة من الروس تابعين لشركة تعهدات أمنية تدعى "واغنر" يقدمون الدعم والتدريب العملي لقوات الأمن والاستخبارات السودانية.

لم تكتف الحكومة السودانية بقمع التظاهرات وإطلاق الرصاص الحي، وإنما أقدمت على خطوة وصفت بالاستفزازية، وهى تنظيم تجمع لمناصرة عمر البشير

وفي حال تأكد استعانة البشير بجنود روس لقمع التظاهرات الأخيرة، فإن ذلك يشكل منعطفًا خطيرًا في تطورات الأوضاع السودانية، وربما يستعيد نموذج النظام السوري في السودان، ويدفع الثورة إلى التفكير في حماية نفسها من المآلات المحتملة، بسبب تلويح البشير أيضًا بسيناريو تحول السودانيين إلى لاجئين، كما تكرر في معظم خطاباته خلال الأيام الماضية، رغم تسلح المحتجين بالروح السلمية في مواجهة العنف، والرهان على الإرادة الشعبية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عام الثورة على المأساة في السودان

عطش بورتسودان وظلامها.. احتجاجات تعم عاصمة البحر الأحمر السودانية