31-ديسمبر-2018

خرج السودانيون من 2018 بقطيعة نفسية مع النظام الحاكم (تويتر)

يكاد يجمع المراقبون أنه لم يمر عام استحكمت فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية على السودان بهذه الصورة منذ استقلاله عن بريطانيا في مطلع العام 1956، مما أفضى إلى ضائقة معيشية خانقة انفجر بموجبها الشارع في وجه حكومة الرئيس البشير، كما هو الحال في انتفاضة كانون الأول/ ديسمبر الجارية.

ودع السودانيون العام بقطيعة نفسية مع النظام الحاكم بعد أن استحكمت الأزمات الاقتصادية والسياسية بكثافة، ونتيجة لذلك اندلعت مظاهرات كانون الأول/ ديسمبر

الموزانة الكارثية

بدأت نُذر المعاناة مع إطلالة ميزانية العام 2018 والتي تضمنت زيادة الدولار الجمركي إلى 18 جنيهًا، مقابل 6.9 جنيهات في الموازنة السابقة، فيما أعلن بنك السودان المركزي، رفع السعر الرسمي للدولار من 18 إلى 20 جنيهًا ، ليواصل الجنيه تدهوره أمام الدولار حتى قفز في غضون أشهر قليلة إلى أكثر من خمسين جنيهًا، وبالمقابل بلغ عجز الموازنة 28.4 مليار جنيه (4.11 مليارات دولار)، وتسببت هذه الموزانة تحديدًا والقرارات الرئاسية التي تلتها في حالة من التضخم والتدهور الاقتصادي المتسارع وعدم الاستقرار السياسي، وانعكست الأوضاع عمومًا على المواطن البسيط، في احتياجاته الضرورية من وقود وخبز وشح السيولة النقدية.

الإطاحة بمدير جهاز الأمن

في النصف الأول من هذا العام، أطلق الرئيس البشير حربه على الفساد متهمًا من وصفهم بـ"القطط السمان"، بالتلاعب في حصائل الصادر، بجانب تهريب الذهب والمضاربة في العملات الأجنبية، ونتيجة لذلك أُطيح  بالفريق محمد عطا مدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات من منصبه، وتم إعادة تعيين المدير السابق الفريق صلاح قوش، الذي اتهم سابقًا بمحاولة الانقلاب على الحكومة في كانون الأول/ ديسمبر 2012. ومع تطور التظاهر والاحتجاجات، عقد الرئيس البشير أكثر من اجتماع بالقصر الجمهوري، نتجت عنها قرارات البنك المركزي المتمثلة في منع المصارف والبنوك من الاستيراد إلا بموافقته، بجانب منعها من المتاجرة في الذهب، وحصر المهمة على البنك المركزي فقط، قبل أن يتراجع عن ذلك مؤخرًا .

اقرأ/ي أيضًا: جمعة الغضب في السودان.. السلطة تقمع والشعب يواصل احتجاجه

قانون ترشيح البشير

في آب/ أغسطس، فاجأ المؤتمر الوطني الحاكم الشارع السوداني بقرار تنظيمي أثار ردود أفعال واسعة في الأوساط السياسية والشعبية، إذ اعتمد مجلس شورى الحزب بإجماع عمر حسن البشير رئيسًا له ومرشحًا في انتخابات 2020، وذلك بعد أن أجاز في جلسة مغلقة تعديل النظام الأساسي للحزب الذي كان يمنع ترشيح أي مسؤول أكثر من دورتين. ومضى الحزب مع شركائه في البرلمان إلى الاعلان عن خطوة تعديل دستور الدولة ليمكن البشير من الترشح إلى دورة رئاسية سابعة، فيما لا تزال تواجه مساعي تعديل الدستور مقاومة عنيفة من قوى المعارضة، وداخل المؤتمر الوطني أيضًا، علاوة على الجدل المتصاعد حول قانون الانتخابات الذي انقسمت حوله الكتل البرلمانية ما بين مؤيد ورافض.

طوابير خبز وأزمة وقود

في نيسان/ أبريل شهد السودان أزمة وقود خانقة، تلتها أزمة خبز حادة جدًا، لتعود طوابير محطات الوقود والصفوف بكثافة، وقد ارتفع سعر جالون البنزين من 27 إلى 200 جنيه في السوق الأسود، بينما ارتفع سعر قطعة الخبز الواحدة إلى جنيه، وهى الأزمة التي ظلت ترواح مكانها إلى نهاية العام، حين تذرعت الحكومة بوجود تعطل في مصفاة الخرطوم، وتلاعب المخابز بالدقيق المدعوم، لكن اتضح لاحقًا أن أزمة الوقود والخبز كانت بسبب العجز الاقتصادي وعدم توفر السيولة بالنقد الأجنبي، وفي الوقت نفسه عدم التزام الدول الخليجية بدعم السودان.

فاجعة تلاميذ البحيرة

لم يقتصر إهمال السلطات على غلاء الأسعار. إذ وفي منتصف آب/ أغسطس، غرق 22 تلميذًا وتلميذة في نهر النيل بالسودان، أثناء عبورهم النهر في قارب تجديف صغير للوصول إلى المدرسة على الضفة الأخرى، وتجمع أهالي الطلاب في حافة النهر على أمل إلقاء نظرة أخيرة على فلذات أكبادهم، ما بين مصدق ومكذب لما جرى، وتوشحت ولاية السودان كافة بالسواد حدادًا، وأُعتبر غرق التلاميذ أقسى كارثة إنسانية شهدها السودان خلال السنوات الماضية، والتي قارنها البعض بمأسواية قصة أطفال كهف تايلاند، بل إنها فاقتها في نهاية المطاف، إذ لم يهرع أحد لإنقاذ أطفال المركب السوداني، ومات جمعهم غرقى.

إقالة حكومة بكري

نتيجة لتلك الأزمة قام الرئيس البشير بإقالة حكومة الفريق بكري حسن صالح، وقلص عدد الوزراء من 31 إلى 21، ودمج بعض الوزارات لتجنب الترهل والصرف المالي، بجانب فصل منصب النائب الأول من رئاسة مجلس الوزراء وإسناده إلى معتز موسى، الذي أصبح فيما بعد وزيرًا للمالية ورئيسًا للوزراء، بينما احتفظ الفريق بكري بمنصب النائب الأول فقط، وتم تعيين محمد يوسف كبر نائبًا للرئيس، وهو الموقع الذي ظل حكرًا لإقليم دارفور غرب السودان. وقال البشير إن الهدف من هذه الخطوة هو تشكيل "حكومة رشيقة تستجيب لتطلعات الشعب السوداني"، ونقل بيان الرئاسة عنه قوله إن هذه الخطوة "ضرورية لمعالجة حالة الضيق والإحباط التي واجهتها البلاد خلال الفترة الماضية".

لم يكد ينتهي العام إلا وقد فاجأ الرئيس البشير العالم بزيارة خاطفة إلى العاصمة السورية دمشق، التقى فيها ببشار الأسد، وفتح معه صفحة جديدة "للتعاون"

البشير والأسد

لم يكد ينتهي العام إلا وقد فاجأ الرئيس البشير العالم بزيارة خاطفة إلى العاصمة السورية دمشق، التقى فيها ببشار الأسد، وفتح معه صفحة جديدة للتعاون، وأصبح البشير أول رئيس عربي يهبط في دمشق منذ انطلاق الثورة في محاولة لكسر عزلة النظام السوري. وهي الخطوة التي أثارت العديد من الأسئلة عن داوفعها ودلالاتها السياسية، قبل أن تسفر تصريحات البشير عن موقف سوداني مختلف عن الموقف العربي إجمالًا، قائلًا إن "سوريا دولة مواجهة وإضعافها إضعاف للقضايا العربية". وبدا للمراقبين كما لو أن البشير يلعب كأحد رؤوس الحربة المتشعبة للأجندة المتخبطة إماراتيًا وسعوديًا، تواطؤًا مع الاستبداد وإسرائيل، من صنعاء إلى دمشق وما بعدهما، سيما وأن الخطوة الثانية كانت فتح سفارة دولة الإمارات في دمشق تطبيعًا للعلاقة مع الأسد.

اقرأ/ي أيضًا: طعن دستوري ضد البشير.. حرب اليمن مرفوضة شعبيًا في السودان

نهاية عام وبداية ثورة

من المهم الإشارة إلى أن السودانيين ودعوا العام بقطيعة نفسية مع النظام الحاكم بعد أن استحكمت الأزمات الاقتصادية والسياسية بكثافة، ونتيجة لذلك اندلعت مظاهرات كانون الأول/ ديسمبر منتصف هذا الشهر، وهي الاحتجاجات التي أطلقت عليها قوى المعارضة الانتفاضة الثالثة، عطفًا على أنها تعتبر المظاهرات الأعنف التي يواجهها النظام الحاكم منذ صعوده للسُلطة قبل ثلاثة عقود، حيث سقط في الاحتجاجات الأخيرة عشرات القتلى ومئات الجرحى، وقد انطلقت المواكب الغاضبة في مدن السودان المختلفة، وأحرقت عديد من مقرات المؤتمر الوطني الحاكم، وكانت البداية من مدينة عطبرة شمال السودان، من ثم زحفت إلى دنقلا في أقصى الشمال والقضارف على الحدود السودانية الأثيوبية، قبيل أن تنتقل للعاصمة الخرطوم، من خلال موكب المهنيين الذي انتفض لتسليم مذكرة تطالب بتنحي الرئيس البشير، حيث واجهتهم الشرطة بالقوة.

تواصلت المظاهرات ﻓﻲ أﻧﺤﺎﺀ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ من ﺎﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ، ﻭﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ، ما اضطر الحكومة إلى تعليق الدراسة في كافة الجامعات والمدارس إلى أجل غير مسمى، عطفًا على تظاهرات اليوم الأخير في هذا العام التي خرجت شاهرة هتافها تطالب بسقوط النظام، وبينما يودع السودانيون بقلق وحزن اليوم الأخير من العام 2018 دون معرفة مآلات الأمور، يبدو أن الأزمات سوف تتواصل والاحتجاجات أيضًا بالمقابل سوف تتواصل.